مقدمة واهداء

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 

اللهم إنّي أفتتح الثناء بحمدك، وأنت مسدّد للصواب بمنّك، واُصلّي واُسلّم على أفضل رسلك وخيرتك من خلقك أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين حماة الشريعة الخاتمة، وقادة البشريّة الفاضلة، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين الى أبد الآبدين.
(سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وبعد، تمضي الى الآن أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على مجيء الرسالة الالهية الخاتمة، ومع تطوّر وسائل الحياة العصريّة وتصاعد الحركة الميكانيكيّة والاقتصاديّة لا زال الفقه الاسلامي الأصيل يثبّت جدارته وقدرته على مسايرة الحركة العلميّة والحياتيّة يوماً بعد آخر، وقد استطاع أن يضع الحلول الصحيحة الدقيقة لكلّ حادثة وواقعة ـ صغرت أم كبرت ـ بل كان ولا يزال يشير الى مسائل لم تقع بعد يفترض وجودها فيعطي لها كامل الحكم الشرعي، والحل المنطقي عند حدوثها، وسيبقى السبّاق دائماً الى مثل هذه الحلول التي تستند الى اُسس رهينة، إذ ما غنى هذا الفقه وعلياءه إلاّ لأنّه مرتبط بالوحي الالهي الكامل.
وقد أقرّ القاصي والداني بنضجه وتوازنه وكفاءته العالية لحلّ أيّ مشكلة من المشاكل، شخصيّة كانت أم اجتماعية.
ومن ضمن المسائل التي عالجها هذا الفقه بدقّة وروعة وابداع جميل جملة من المسائل والمشاكل الاقتصاديّة صغيرها وكبيرها على حد سواء. ومنها مسألة الربا الجريمة الاجتماعية الخطيرة، فلقد أثبت بما لا مزيد عليه مالها من الآثار السيئة والوخيمة على حياة نفس المرابي ـ حيث يولد عنده من جرّائها حب الأثرة والأنانيّة المقيتة ـ وآخذ الربا وعلى المجتمع بأسره ـ لما يولده من البغضاء والعداوة بين أفراده ولما يدعو الى تفكيك الروابط الانسانيّة والاجتماعيّة ويقضي على كلّ مظاهر الشفقة والحنان والتعاون والاحسان في نفوس البشر ـ بل حتى على الكون الذي يتفاعل وينفعل مع الأحكام الالهية، إذ لمّا كان الكون مجبولاً على الطاعة الدائمة لربنا سبحانه فانّه ينسجم طبيعيّاً مع الفرد والمجتمع إذا ما أطاع خالقه، وحينئذٍ ينزل خيراته ويخرج بركاته الى كلّ من وجّه النفس والبدن الى امتثال ما يريده الباري سبحانه، وبعكسه تماماً فانّه ينزل الغضب والعذاب على كلّ من أعرض عن ذكر الله تعالى، وللربا ـ مسألة البحث في هذا الكتاب ـ الكثير من تلكم الآثار السيئة على الحياة الانسانيّة والمسيرة الاقتصاديّة فضلاً عن غضب الجبّار المتعال الذي أكّد في كتابه الشريف وعلى لسان نبيّه الكريم وولاة الأمر من آل نبيه(ص) على حرمة هذه المسألة ومبغوضيتها بما لها من المفاسد المدمّرة لحياة الانسانيّة وآخرتها، والتي أراد لها سبحانه السعادة والهناء.
قال النبي(ص): لمّا أُسري بي الى السماء رأيت قوماً يريد أحدهم أن يقوم ولا يقدر عليه من عظم بطنه، قلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ... الحديث.
وعنه(ص): إذا ظهر الزنا والربا في قرية اُذن في هلاكها.
وانطلاقاً من هذه الاُمور وغيرها رأى سماحة اُستاذنا العزيز آية الله الشيخ شمس الدين الواعظي ـ دام ظله ـ ضرورة بيان وتفصيل هذه الآثار المضرّة بحياة الفرد والمجتمع، فتناول هذه المسألة من جهاتها الأخلاقيّة والفلسفيّة والاقتصاديّة والاجتماعية، ومن ثمّ بحث الكثير من فروعها التي تقع محلاًّ لابتلاء الكثير من الناس في معاملاتهم التجارية مستقصياً القول في أبعادها ومفادتها فقهيّاً مع وفاء البيان لأدلّة الاستنباط.
وينبغي التنوية: أنّ هذه الرسالة وان كانت مبحثاً لطلبة العلم والفضيلة في الحوزة العلمية في مستوى السطح العالي من الدرس ولكننا نستطيع القول: بأنّها جاءت رسالة عامّة الى كلّ الناس على اختلاف طبقاتهم، ويرجع ذلك الى وضوح عبارات الاُستاذ وابداعه في بيان مفصّلات المسائل، وما سعينا به من الكتابة بجهتها العصريّة نوعاً مّا، أجل هناك بعض الأساليب في الاستدلال تبقى معقّدة وغامضة شيئاً مّا، وذلك تمشّياً مع المنهج الحوزوي المعروف، وخصوصاً لمستويات البحث الخارج، فيبقى بيانها وتوضيحها معلّقاً، على أصحاب السماحة والفضيلة.
وهكذا هي الضرورة تقضي بتوضيح الصورة كاملة عن المسألة الفقهيّة للسائل والطالب في مدرسة أهل البيت(ع) ليجيب هو الآخر بعد ذلك المجتمع الذي يسائله عن محل ابتلائه بكلّ وضوح وبصيرة.
وعلى هذا وذاك شرع الاُستاذ في بيان المطالب، وشرع طلبة بحثه بالكتابة، وكان الداعي الفقير كاتب هذه السطور أحدهم اُبلور الفكرة بحسب ما اُستطيع بعد الرجوع إليه ـ دام ظله ـ في مبادلة وجوه الرأي حولها، فكان يثريني بارشاداته القيّمة، وعند ما تكامل عرضته على سماحته، فوقع منه موقع الرضا والقبول، وشجّعني على مواصلة الكتابة، فله منّي كامل الشكر ومن الله كامل الأجر.
وقد قسّم الكتاب الى مقدمات ثمانية، وفصول خمسة مع خاتمة لبعض المسائل، وأسال الله بنور محمد وآله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم سبحانه، وان يتقبّله منّي بقبول حسن إنّه سميع مجيب.
وإذا كانت العادة قد جرت باهداء الكتب والمؤلّفات والأشياء الثمينة الى اُناس عظماء كرام عند من يهدي إليهم، فانّني اُهدي هذا المجهود المتواضع الى سدة الناحية المقدسة، الى مَن منّ آيات ظهورها كثرة الربا فيمحقه بعدله، الى وليّ الله الأعظم إمام زماننا الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف، وجعلنا من أنصاره، وأعوانه المستشهدين بين يديه.
فاليك يا سيدي ويا مولاي بضاعتي القليلة فتقبّلها منّي بقبول حسن، إنك لا ترد عن بابك ولا تصد بجوابك، فأنتم معدن الكرم والعطاء.
(يا أَيّهَا الْعَزِيزُ مَسّنَا وَأَهْلَنَا الضّرّ وَجِئْنَا بِبِضَعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدّقْ عَلَيْنَا إِنّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدّقِينَ).
أحقر خدامكم اللائذ بجنابكم الراجي لشفاعتكم
مجتبى السويج
1415هـ
في قم المقدسة وبجوار العلويّة
الطاهرة فاطمة المعصومة (ع) عش آل محمد(ص)