فذلكة البحث

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

لكن الحق: أنّه بعد ما عرفنا بأنّ الباري جلّ وعلا حكيم، وأنّه يجعل الأحكام على طبق المصالح والمفاسد، وأنّ حلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة، وحينما نرى الشارع المقدس قد حرّم الربا فانّنا نكشف بطريق الإن أنّ فيه المفسدة، ونحن متعبّدون بأنّ كلّ ما جاء به الصادق الأمين(ص) من قبل الله تبارك وتعالى فهو حق لا بدّ أن يُتبع، فالحق أحق أن يُتبع، وعليه فلا يمكن رفع اليد عن هذه الأحكام بهذه التفلسفات والتشكيكات الواهية بعد ما ثبتت حرمة أمثال هذه الاُمور بالضرورة من الدين، والتقوّل بهذه المقالات ليس إلا إظهاراً للعلم واجتهاداً في مقابل النص. وقد ذمّهم الشارع الأقدس في الآية الشريفة: (بِأَنّهُمْ قَالُوا إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا...).
الأمر الرابع: مضار الربا في التشريع
أمّا مضار الربا في النظر القرآني والروائي فهو كثير جداً، وإليك جملة ممّا ورد فيهما:
أوّلاً: انّ أكل الربا خلاف التقوى؛ لقوله تعالى: (يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وأي ضرر أفدح وأفضح من ذهاب بهاء التقوى.
وثانياً: هو محاربة لله ولرسوله، كما في الآية: (فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) فمن أشرع سيف البغي كُسِر به، ومن حارب الله ورسوله بمحارمه خَسِر.
وثالثاً: الآكل للربا يكون كالذي يتخبّطه الشيطان فيصرعه، كما في الدعاء: mأعوذ بك أن يتخبّطني الشيطان عند الموتn أي: يمسني الشيطان بنزعاته التي تزول بها الأقدام وتصارع العقول والأحلام، ولا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلاّ كقيام المصروع والمتخبّط والمجنون، كما في الآية الشريفة: (لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ).
ورابعاً: إنّ آكل الربا موجب لمحق الدين، كما في قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الرّبَا) أي: يذهبه في الآخرة، حيث يُربي الصدقات أي: يكثر بيمنها.
وفي الخبر: سُئل مولانا الصادق(ع) عن قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الرّبَوا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ) وقد أرى أنّ من يأكل الربا يربو في ماله، قال(ع): وأي محق أمحق من درهم رباً يمحق الدين، فان تاب ذهب ماله وافتقر. وفي الدعاء: mطهر قلبي من كلّ افة تمحق دينيn أي: تهلكه وتفنيه.
وخامساً: ذنب الآكل للربا أعظم من الزنا بالمحارم في بيت الله الحرام ـ كما تقدم في الروايات ـ وأنّه من الكبائر، وآكله ملعون على لسان رسول الله(ص) كما مر جملة من ذلك.
الأمر الخامس: فلسفة تحريم الربا
وبعد ما بيّنا أنّ الربا مذموم عقلاً ففلسفة تحريمه تستند على اُمور هي:
أوّلاً: عدم التمركز، وتجمّع المال عند اشخاص معدودين، وعدم توسعة الفقر والحرمان للطبقات المحرومة، وعدم خروج ما يملكونه شهريّاً من أيديهم لأجل اعطائهم للربا.
ثانياً: عدم زيادة العطلة في المجتمع، لأنّ الدين الاسلامي جعل للكسب أهميّة بالغة، وبيّن أن ليس للانسان إلاّ ما تعب من أجل تحصيله قال الله تعالى: (وَأَن لّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلّا مَا سَعَى).
وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ).
اذن لابدّ لكلّ انسان من السعي وراء المعيشة كما كان ذلك ديدن جميع الأنبياء والأولياء، إذ كانوا يسعون وراء المعيشة.
ثالثاً: عدم وجود الاحتكار، وجمع الدرهم والدينار المذمومين عند العقل والشرع، قال الله تعالى: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ * الّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَهُ * يَحْسَبُ أَنّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلّا لَيُنبَذَنّ فِي الْحُطَمَةِ). ولذا جعل الله سبحانه اعطاء الخمس والزكاة من الاُمور الواجبة، وحث على مساعدة الفقراء زيادة على ذلك، واعطاء القرض الحسن لهم.
رابعاً: رواج التجارة، وجلب حصول الانتفاع بمقدار إمرار معاشه اليومي لا أكثر، وكرَّه الكسب بأكثر من مخارجه اليومية.
خامساً: رواج القرض الحسن، وحثّه عليه بما تقدم من الآيات والأخبار.
سادساً: بما أنّ مبنى الاسلام ذو جنبتين: العمل للدنيا والعمل للآخرة، قال الله سبحانه: (وَابْتَغِ فِيَما آتَاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ) mاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداًn لذا حث الشارع على الجد والاجتهاد في العمل للدنيا والآخرة حتى يكسب الانسان المجد والرفعة في سعادة الدارين، وتراه لا يحب العاطل، والمرابي عاطل.
سابعاً: بما إنّ الأرض خلقها الله تعالى لكي يستفيد منها جميع الخلق؛ لقوله سبحانه: (هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُم مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (وَلَقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) وبقوله تعالى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فلا بدّ للكلّ) أن يستفيدوا منها مع حفظ القوانين الشرعيّة والمقرّرات الالهيّة، فللكلّ السعي وراء الاستفادة، والمرابي لا سعي له.
الأمر السادس: فلسفة التحريم من الجهة الأخلاقية
إعلم أنّ الانسان بالنسبة الى وظائفه يقسّم في علم الأخلاق الى قسمين: فتارة يتصوّر الشخص الى وظائفه الأخلاقيّة بنفسه، والاُخرى بالنسبة الى المجتمع، وكلّ واحدة من الوظيفتين تنقسم الى الجهة المثبتة والمنفية، مثلاً الجهة المثبتة للشخص هو ارتكاب بعض الأعمال، وهكذا الجهة المثبتة للشخص بالنسبة الى الآخرين، والمنفية كذلك.
فانّ الانسان لا بد له في الجهة المنفية بالنسبة الى الآخرين ترك بعض الأعمال كالربا، ومن الجهة المثبتة بالنسبة لهم فعل بعض الأشياء كالقرض الحسن، فانّ أخذ الربا زيادة عن حرمته الذاتيّة، والضمان الشرعي فهو مذموم أخلاقاً، وقبيح عقلاً وعرفاً، والتاريخ يشير الى مرتكبه بقبح العمل بعد ما يرى بأنّ هذا العمل الشنيع الذي يسبّب الويل والدمار بالنسبة الى الطبقة المستضعفة ويجعلهم كالعبيد بين يدي المحتكرين بعد اعطائهم الشيء القليل، بحيث لا يكفي مصرف يومهم، وبعد استملاك دورهم وأملاكهم وإجبارهم وأولادهم على الأعمال الشاقّة، والمتخلّف من العمل يصفد بالحديد والأغلال، ولذا فانّ الشرع الشريف على أساس نشر مكارم الأخلاق وتثبيتها على غرار رسول العدل والانصاف والمحبّة والشفقة والمواساة ومعاونة أحدهم للآخر حرَّم الربا ووضع مكانه الاُمور التي هي من فواضل الأخلاق، وبيّن الأثر المنتج والمفيد لهذه الاُمور في الدارين ومنها:
أوّلاً: القرض الحسن، فانّه موجب لزيادة المال في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة كما ظهر من الآيات المتقدّمة.
ثانياً: أنّ الله جعل للمسبّب في إنجاح اُمور الآخرين وقضاء حوائجهم آثاراً وضعيّة ومعنويّة، كما ورد في الحديث عن الصادق(ع) قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبلة بمناسكها، وعتق ألف رقبة لوجه الله، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها.
وعنه(ع) أيضاً: قضاء حاجة المؤمن خير من عتق رقبة.
وفي حديث آخر: من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنة.
ووردت أيضاً روايات عن النبي(ص): من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
ثالثاً: حث الاسلام على الاُخوة، واصلاح ذات البين، والنصيحة للمؤمن، كما في قوله تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وفي الحديث عن رسول الله(ص): المسلم أخُ المسلم.
وفي حديث آخر: اصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.
وعن أبي عبدالله(ع): قال رسول الله(ص): إن أعظم الناس منزلة عندالله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.
وعن حفص بن الأعمش قال: سمعته ـ أي الصادق(ع) ـ يقول: من سعى في حاجة أخيه المؤمن ولم ينصحه فقد خان الله ورسوله.
وانّ الله سبحانه وصف المؤمن بالعمل الصالح، ومنه اعطاء القرض الحسن ومساعدة المحتاجين، ولذا مدح الله المؤمن في الآية الشريفة بقوله: (فَأَمّا مَنْ أَعْطَى‏ وَاتّقَى‏ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى‏ * وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَى‏ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى)‏.
ومدحه أيضاً في سورة العصر بقوله: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ) ومن التواصي مساعدة الفقراء والمحتاجين.
رابعاً: الحث على الانفاق، كما في الآية الشريفة: (مَثَلُ الّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وقوله تعالى: (لَن تَنَالُوا البّرّ حَتّى‏ تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْ‏ءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) فالانسان باعطاء القرض الحسن يعطي يد المحبة  والاخوة للمقترض، علاوة على الجزاء والثواب الذي يحصل عليه في الدنيا والآخرة.
اذن انّ بذر المحبّة وتسخير القلوب يكون باعطاء القرض الحسن، وبذر الشقاق والنفاق والعدواة والبغضاء يكون باعطاء الربا.
خامساً: الايثار بالنفس محبوب عندالله سبحانه، وهو من الصفات الممدوحة، بل هو اسمى درجات الكرم، ولا يتحلّى بهذه الصفة المثالية إلاّ الذين بلغوا قمّة السخاء وجادوا بالعطاء، وهم بأمسّ الحاجة إليه، آثروا بالنوال وهم في ضنك العيش، فالايثار فوق مرتبة الانفاق، والفرق بينه وبين الانفاق أنّ المنفق ليس له شديد الاحتياج بالمال، والمؤثر مع أنّه أحوج الى المال مع ذلك ينفقه للغير، ولذا نرى انّ الله تبارك و تعالى مدحه في كتابه المجيد وأشاد بفضله بقوله سبحانه: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالنبي(ص) كان يؤثر نفسه المعدمين والمعوزين.
وقال الصادق(ع): كان علي(ع) أشبه الناس برسول الله(ص) كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم.
ولذا نزلت الآية: (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى‏ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) في الخمسة اصحاب الكساءG: وجاريتهم فضة، كما ذكر القصة بتفاصيلها الزمخشري في كشافه. والمرابي يعمل خلاف هذه الاُمور. اذن هو يخالف الاسلام وقوانينه ولو من حيث لا يشعر.
الأمر السابع طريقة الاقتصاد في الاسلام
ثمّ اعلم انّ الاسلام من جهة كسب المال وحفظه وصرفه له توجه الى ثلاث مراحل، وقد أُشير في القرآن المجيد لهذه المراحل:
المرحلة الأولى: الحث على الكسب ـ وقد تقدم شيء من الحديث عنه ـ وهو مع أنّه قائل بأصل المالكيّة خلافاً للشيوعيّة ـ إذ أنّهم لا يقولون بالملكيّة الفردية ـ مع ذلك هو مخالف للرأسماليّة؛ لأنّه يقول: لا بدّ أن يكتسب المال من الطريق الحلال، ولا يجيز أن يكتسب المال عن طريق السرقة، والاغارة، والخيانة، والاغفال للغير، وأخذ الربا، وارتكاب الفحشاء، والرشوة، وبيع المسكرات، وما الى ذلك من الاُمور المحرّمة.
ويرى حسب المعتقد بأنّه عالم بالمصالح والمفاسد أنّه تحصيل المال من هذه الطرق مضر بحال الفرد والمجتمع، أمّا فلسفة الاقتصاد الرأسمالي فهو يرى توفير الانتاج بأي وسيلة كانت ومن أي طريق كان، ولذا تكون منافية للأديان بعد ما حدّد الاسلام الكسب من طريق خاصّ، فهو يرى انّ لكلّ فرد اشباع حاجاته على العموم والأديان وخصوصاً الاسلام يمنع حصولها من المعاملات المحرمة، فهو ـ أي الاقتصاد الرأسمالي ـ لا يرى إلاّ الاهتمام بحصول المادة، ولا يعبد إلاّ إياها، ويحصر جهود الناس في الحصول عليها، مع أنّ الأديان تراعي جوانب المادة والجوانب المعنويّة، فالاسلام يؤكد بأنّه لا بدّ أن يكسب المال من الطرق المحلّلة والمشروعة كما بيّنا، وهو حينما يؤكد على الجد والاجتهاد في العمل، ولا يحب الشخص العاطل، كما ورد عن رسول الله(ص): mالكاد على عياله كالمجهاهد في سبيل اللهn ولذا عيّن لمتابعة الكسب طرقاً خاصّة.
ونرى انّه جعل أهميّة خاصّة للزراعة والفلاحة والصنعة، فعن أنس بن مالك انّ رسول الله(ص) قال: إن قامت الساعة على أحدكم وفي يده فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليفعل.
وروي في أخبار كثيرة استحباب الزرع والغرس:
منها: عن سبابة، عن أبي عبدالله(ع) قال له: جعلت فداك أسمع قوماً يقولون: إنّ الزراعة مكروهة، فقال له: ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه.
وعن سهل بن زياد قال: قال أبو عبدالله(ع): إنّ الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كي لا يكرهوا شيئاً من قطر السماء.
وعن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو جعفر(ع): كان أبي يقول: خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل منه البر والفاجر. وغيرها من الروايات.
اذن فالاسلام مع شدة تأكيده على جانب الكسب الدنيوي راعى كذلك وأكّد على ضرورة الكسب الاُخروي، ودونك كتاب الله وروايات آل محمدG تفصح لك عن هذا المعنى.
المرحلة الثانية: حفظ الأموال، وقد يكون حفظ المال أشق من كسبه وجمعه، فالاسلام يحث على حفظه بحساب دقيق، ولا يجيز للكاسب أن يصرفه بأي شكل كان، وحدّد للصرف موارد معيّنة، كما ورد في الآيات والروايات الكثيرة، فلا يجيز صرفه في طرق الحرام كالقمار وغيره، وينهى عن التبذير بقوله تعالى: (إِنّ الْمُبَذّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشّيَاطِينِ) وقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا) ومعنى ذلك: انّ هذا المال الذي اكتسبته من طريق الحلال فانّ فيه الحساب، وفي المكتسب من الحرام العقاب، وفي الشبهات عتاب، كما ورد في مضمون الحديث، فهو مع أنّه ينظر الى حصول المال وحفظه بدقة ـ كما مر ـ ينهى عن الاسراف والتبذير كما ذكر، وعن البخل والاحتكار في الطعام والدرهم والدينار، كما مرت الآية: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وقوله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ ... وَللّهِ‏ِ مِيرَاثُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ).
فعلى أي حال فهو يبيّن طرق الصرف بموارد معيّنة.
المرحلة الثالثة: الاعتدال في صرف المال، فالشارع أمر بالقناعة، ولا يجيز للمسلم الاسراف في الخرج، والقناعة هي الحد الوسط بين الاسراف والبخل، والمراد من عدم القناعة هو: التبذير في النفقة والاسراف فيها وصرفها في غير ما أحل الله.
ففي مجمع البحرين قد فرّق بين التبذير والاسراف، فالتبذير هو: الانفاق فيما لا ينبغي، والاسراف هو: الصرف زيادة على ما ينبغي.
وفي الحديث القانع غني وإن جاع وعري، من قنع استراح من أهل زمانه واستطال على أقرانه، ومن قنع فقد اختار الغنى على الذل والراحة على التعباء.
وفي الحديث: القناعة كنز لا ينفد.
وفي حديث آخر: خير الغنى القنوع.
وفي حديث: عز من قنع وذل من طمع.
تنبيه
وقد بيّنا طريقة الاقتصاد والصرف في الاسلام لكي ينتبه المسلم الى الطرق المحمودة التي أكّد عليها الدين، وليجتنب الطرق المذمومة التي قد نهى عنها لكي لا يبتلي بمسألة تضر بدينه ودنياه كمسألة الربا، والتي لها آثار فتّاكة ووخيمة على الفرد والمجتمع، كما سيتجلّى ذلك في البحث القادم.
الأمر الثامن: الآثار الوضعية للربا
لا يخفى على الخبير بأنّ لكلّ شيء من المحرّمات وغيرها آثار وضعيّة على الفرد أصالة وعلى المجتمع تبعاً، فالأثر الوضعي في شرب الخمر هو السكر، ومخلّفاته على الشارب واُسرته ومجتمعه، وما يؤثّر في بدنه من المضار البدنيّة والروحيّة. وأثر القمار الفقر والمسكنة ونتائجها الوخيمة، فقد كاد الفقر أن يكون كفراً. وأثر العلم هو انكشاف حقائق الأشياء والاجتناب عن الرذائل والخوف من الله سبحانه. وأمّا آثار الربا ـ مسألة البحث ـ فتأثيره في الدماغ والأخلاق، وهذا قد يكون مؤثّراً في بيته، بل في المجتمع كلّه، بعد ما عرفنا من ارتباط الأشخاص بعضهم مع البعض الآخر. وأمّا آثاره بالنسبة الى شخص المرابي فهو على النحو التالي:
الأوّل: كثرة الشوق والعلاقة الحميمة بالدرهم والدينار وجمعهما عن طريق المرابحة المحرمّة، وهذا الشوق الأكيد قد يسبّب له نوع من الجنون، فليس لـه أي فكر آخر سوى أخذ الربح ومحاسبة الدرهم والدينار ويجعل نفسه خادماً لهما بدلاً من جعلهما خادمين له.
الثاني: المرابي من جهة كثرة محبّته للمال يصبح بخيلاًَ لا إنصاف له في معاملاته، ولا يقدر مع هذه الحالة ألاّ يأخذ الربح ولو كان المقترض في أشد الأحوال من الفقر؛ لأنّه كأن الله قد سلب الرحمة من قلبه، وليس عمله في الأغلب إلاّ المفاخرة بالمال مع بني نوعه، كما نبّه على ذلك القرآن الكريم بقوله: (أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ * حَتّى‏ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ). أي شغلتكم المفاخرة بكثرة المال والعدد والولد عن طاعة الله وذكره حتى فاجأكم الموت.
الثالث: فليس لـه ـ أي المرابي ـ أي احسان وأي بذل في سبيل الله سبحانه، ولو طولب منه شيء يعتذر باُمور واهية وحيل باطلة حتّى لا يدفع المبلغ؛ لأنّه بعد حرصه على المال فكأن الدراهم الموجودة عنده مرتبطة مع قلبه ارتباطاً وثيقاً بحيث هو حاضر أن يبذل روحه دون ماله، وقد أشار القرآن الى ذلك بقوله: (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنّمَا يَبْخَلُ عَن نَفْسِهِ...).
قال في مجمع البيان مفسراً لهذه الآية بقوله: لأنّه يحرمها مثوبة جسيمة ويلزمها عقوبة عظيمة، وهذه اشارة الى أنّ معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخذ فبخله على نفسه وذلك أشد من البخل انتهى. واضر كما أشارت اليه الآية أيضاً (وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ...).
الرابع: هو بنفسه لا يستفيد من ماله غالباً؛ لأنّه يتصوّر أنّ الدينار الذي يريد أن يصرفه على عياله ربحه كذا مبلغ في كلّ شهر، وهذا الفكر يمنعه من الاستفادة والتمتع بماله.
الخامس: معاشرته مع أهل بيته تكون سيئة غالباً؛ لأنّ بخله وخسة نفسه تكونان سبباً في عدم صرفه على عائلته، وتصبح العائلة حينئذٍ في ضيق من جهة المعيشة، وهو يعمل خلافاً لما أمر الله تعالى بالتوسعة على عياله، كما ورد في الحديث: mالكاد على عياله كالمجاهد في سبيل اللهn وفي حديث آخر: mملعون ملعون من يضيع من يعولn.
السادس: وهو قلّما يكون في فكر يوم الجزاء والحساب؛ لأنّ محاسبته الدرهم والدينار وكثرة شوقه في جمعهما والحرص على حفظهما لم يدع له مجالاً في أمر آخرته، وقد مر التنبيه عليه في قوله: (أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ).
السابع: يكون مسيره غالباً على خلاف مسير المحسنين، ويرى أنّ السعي في الاُمور الخيريّة وصرف الأموال فيها ـ التي تكون مرضية لله تبارك وتعالى ـ حمق وسفه، وقد يصل الى مرتبة يصبح منكراً للآيات والروايات ويتبع قارون في مبارزته لكليم الله موسى(ع) وذلك لأنّ هذا الحرص قد أعمى قلبه: (وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى‏ وَأَضَلّ سَبِيلاً). أي فمن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن الحق فهو أشد عماً في الآخرة لا يرى طريق النجاة، وأضل طريقاً من الأعمى. وفي الحديث mحبّك للشيء يعمي ويصمn.
الثامن: وهو غالباً لا يدفع الحقوق الشرعيّة كالخمس والزكاة والمظالم، بل قد ينكرها ويصبح في عداد المرتدين نتيجة طمعه وجشعه.
التاسع: وهو من المغضوب عليهم في نظر الله والرسول، ويكون منفوراً عند المجتمع، بل هو مع عمله هذا قد أذن بحرب ضد الله ورسوله، كما سبقت الاشارة إليه.
العاشرة: كما أنّ المرابي لا يتمتّع هو بماله كذلك أولاده، فهم بعد مدة يشملهم الفقر، وما تركه لهم من مال ينفد، كما ورد في الحديث: mدرهم حلال خير من ألف درهم حرامn. وفي حديث آخر: عن أبي عبدالله(ع) قال: كسب الحرام يبيّن في الذرية.
الحادي عشر: هو لا يوفق في الغالب في صرف ماله في موارد تكون محبوبة عندالله التي لا بدّ أن يصرف فيها المال كالحج.
الثاني عشر: قد مرّ بأنّ المرابي في يوم القيامة لا يقوم إلاّ كالمصروع الذي يتخبّطه الشيطان.
الثالث عشر: وهو لا يرغب غالباً في التجارة وكسب المال الحلال، ولا يقنع غالباً بالقليل من النفع، وقد يرى أنّ جمع الأموال عنده كان بواسطة إطلاعه ومهارته على الكسب، كما كان قارون يقول: (إِنَّمَا أُوتِيتهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) فهو يتكل غالباً على النفس لا على الله عزوجل.
الرابع عشر: وهو غالباً يكون عاطلاً وحيّالاً ومكاراً.
الخامس عشر: المرابي آكل لمال الغير بالباطل وقد نهت الشريعة عن ذلك.
السادس عشر: المرابي لا تشمله الفيوضات الربانية.
السابع عشر: وهو عقلاً مذموم؛ لأنّ العمل الربوي يكون خلافاً للمصالح الفرديّة والإجتماعية كما مرّ.
الثامن عشر: معصية الشخص المرابي تكون أعظم من الزنا بالمحارم في الكعبة المعظمة، كما مر سابقاً.
التاسع عشر: المعاملة الربويّة تكون مثل البيع ولكن ليست بالبيع؛ لأنّ البيع حلال والربا حرام.
هذه أهم الآثار الوضعية بالنسبة الى المرابي، وأمّا الآثار السيئة بالنسبة الى المقترض فانّ المقترض مجبور بدفع مبلغ من عائده مع الاحتياج إليه، وهذا يكون سبباً لضيق المعيشة وجلب المأساة على نفسه وعائلته، بل يبقى دائماً فقيراً يمد يده الى المرابي أو أشخاص آخرين، هذا أوّلا، وأمّا ثانياً: فالمقترض لهذا المال يكون مروّجاً للباطل، يروّج سوق المرابي، بل يكون سبباً للزيادة في عددهم.
الأمر التاسع: نتائج المعاملة الربويّة
وأمّا الآثار الحقوقية للربا في الاسلام فهي بطلان المعاملة الربويّة، وفساد المعاملات المربوطة بها، والآثار المترتّبة عليها، فمثلاً بعدما فرضنا حرمة الربا يكون النفع والزيادة ملكاً للمعطي لا المرابي، والناتج الحاصل من هذا النفع أيضاً شرعاً يكون متعلّقاً بالمالك، ولو باع المرابي النفع فلا يترتّب عليه آثار الملكية؛ لأنّه باع مال الغير بدون رضاه وإذنه.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com