وهاهنا مسائل

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

المسألة الأولى: ثمّ إنّه لو وقع في التقية وحوصر فهل له أن يبذل المال لموضع التقية كما أنّه يجب حين الاضطرار أم لا؟
الحق عدم الوجوب هنا بخلافه هناك، أمّا هنا فالتقية تدور مدار الضرورة العرفية، وهي تتحقق حتى في صورة التمكن من رفعها ببذل المال.
المسألة الثانية: ثمّ إنّه لايخفى هل التقية ترفع جميع الآثار؟ فمثلاً لو توضأ بالنبيذ تقية إذا قلنا بجوازه عندهم فهل إستعماله يكون سبباً لرفع تنجيسه أم لا؟
الحق: أنّه لا؛ لأنّ التقيّة لاترفع الأثر الوضعي على هذا العمل، فاذا لاقى البدن النبيذ فيصبح البدن متنجساً ولا يرفع التنجيس بواسطة التقية ولو كان شربه جائزاً حالها، وهل يرفع الحد حينئذٍ أم لا؟
الظاهر: رفع الحد؛ لأنّه يختص بالعمد والاختيار والعلم، فاذا شربه جاهلاً أو نسياناً فلاحدَّ، وكذا لو شربه عن اكراه بل اضطرار.
نعم لو كان موضوع الحد هو صدور هذا العمل منه بأي وجه اتفق ـ سواءً كان عامداً أم غير عامد جاهلاً أم غير جاهل مضطراً أم غير مضطر ـ فيترتّب عليه الحد، أمّا إذا قلنا بأنّ موضوعه العلم والاختيار فلايترتّب عليه، كما أنّه لو أكل في نهار شهر رمضان مكرهاً يبطل صومه؛ لأنّ موضوعه هو تعمد الأكل، سواء حصل منه باختيار أم لا، بل ولو أتي به على نحو الاضطرار.
المسألة الثالثة: لو أتى بالعمل الصحيح عندهم تقية فأنّه مجزٍ؛ لأنّه أتى بالعمل الواقعي، وهو مجزٍ عن الاتيان بالعمل الواقعي الأولي لو أتى بالعمل الثانوي، كما لو صلّى مع المسح على الخفين أو متكتّفاً أو مع المسح على العمامة أو غسل الرجلين. أما إذا لم يأتِ بعمل كما لو ترك المأمور به لم يقع منه اتيان أي عمل ولو بالعنوان الثانوي، كما إذا أفطر في نهار شهر رمضان فانّه ترك المأمور به فقط ولم يأت بعمل فيجب عليه القضاء، فعمل الامام(ع) مع العباسي في الحيرة كان من هذا القبيل، والرواية كالتالي: عن داود بن الحصين عن رجل عن أبي عبدالله(ع) قال: (دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الامام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله أنّه من يوم شهر رمضان، فكان افطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرب عنقي ولا يعبد الله) ولعلّه لأجل ذلك قال: (فكان افطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرب عنقي ولايعبد الله).
اذن: وجوب  القضاء هنا غير الأوّل، ويكون طبقاً للقاعدة؛ لأنّه لم يأتِ بعمل حتى يقع مجزئاً عن الواقع وبدلاً عنه، بل هنا يكون مجرد ترك العمل، فهذا لايدلّ بأنّ التقية ليست بمجزئة، وكذا الحكم لو أفطر قبل المغرب معهم فلابد من القضاء، إلاّ أن يقال: إنّه أتى بالعمل الواقعي عندهم ولو لم يكن واقعياً عندنا فحينئذٍ لايجب القضاء.
ثم إنّه ذكر اُستاذنا الأعظمR بقوله: ومما ينبغي أن يُنبه عليه في المقام هو: أنّ الصلاة معهم ليست كالصلاة خلف الامام العادل، وإنّما هي ـ على ما يستفاد من الروايات ـ صورة يحسبها العامة صلاة وائتمامنا بهم. ومن هنا لم يرد في الروايات عنوان الاقتداء بهم، بل ورد عنوان الصلاة معهم، فهو يدخل في الصلاة معهم ويؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه على نحو لايسمع همسه فضلاً عن صوته، ولا دلالة في شيء من الروايات على أنّها صلاة حقيقة، وقد ورد في بعضها ما هم عنده(ع) إلاّ بمنزلة الجدار.
ولكن لايخفى: أنّ كلمة الصلاة معهم في الروايات كثيرة، وهي تدلّ على الاقتداء، وأنّه لافرق بين القول بالصلاة معهم أو الاقتداء بهم.
فعن علي بن جعفر أنّه سال أخاه موسى بن جعفر(ع) عن امام كان في الظهر فقامت إمرأة بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنّها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: لايفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها.
وعن سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن رجل صلّى مع قوم وهو يرى أنّها الأولى وكانت العصر؟ قال: فليجعلها وليصلِ معهم.
وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين وليسلّم، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر.
إذن: ولو لم يرد في الروايات عنوان الاقتداء بهم ولكن معنى _ الصلاة معهم _ هو بمعنى الاقتداء بهم، ثمّ لو فرض أنّهم كانوا بمنزلة الجدار، فلايحتاج ذكر بعض الأبحاث كالبحث عن المندوحة وعدمها، وكذا البحث بما لو أتى بالعمل في مقام التقية بخلاف مذهبه هل يكون عمله باطلاً أم لا؟ وغيرها من الأبحاث، مع أنّ رواية زرارة ضعيفة السند بمحمّد بن حجّال، ولم يُذكر في الرجال، وأيضاً بثعلبة فإنّه مردد بين أشخاص، وهل هو ثعلبة بن زيد أو بريد، مع أنّه قد وردت روايات كرواية المصلّي معهم كالمصلي خلف رسول الله(ص)، وكرواية كالشاهر سيفه في سبيل الله، وقد تقدمتا فراجع. وكرواية سماعة قال: سألته عن مناكحتهم والصلاة خلفهم؟ فقال: هذا أمر شديد لم تستطيع ذلك، وقد أنكح رسول الله(ص) وصلّى علي وراؤهم. فهل كانت صلاة علي(ع) صورة الصلاة، وكذا نكاح رسول الله(ص)؟!
إذن: بعد ما ظهر من روايات التقية بأنّها من الأمور الامتنانية كبقية الأمور الامتنانية تستفاد منها الصحة، وعدم الاعادة والقضاء مع أنّه لم يرد ما يدل على أنّهم F أعادوا الصلاة، بعدما صلّوا خلفهم، وأمّا قضية وجوب اعادة الصوم فقد مرَّ ذكرها. وقد يُتمسك بوجوب القضاء بقاعدة الاشتغال. وفيها أنّها محكومة بالاطلاقات.
وأمّا رواية أبي العباس فمضافاً الى قصور سندها ـ مع أنّه كما ذكرنا هنا أنّه ترك العمل ومعناه أنّه لم يأتِ بشيء ـ لأنّ الراوي مجهول، كما ورد في السند بقوله عن رجل، فأنّه لم يرد من بقية الروايات التي ذكر فيها عمل الامام(ع) مع العباسي ذكر القضاء.
وقد يستدل بما ورد عن عمر بن يزيد عن أبي عبدالله(ع): mما منكم أحدٌ يصلّي صلاة فريضة في وقتها ثمّ يصلّي معهم صلاة تقية وهو متوضئ إلاّ كتب الله له بها خمس وعشرين درجةn بعدم الأجزاء.
ولكن لايخفى أنّه ورد أمثال هذه الروايات بالنسبة إلى الامام العادل أيضاً، فمنها ما ورد عن عمار قال: mسألت أبا عبدالله(ع) عن الرجل يصلّي الفريضة، ثمّ يجد قوماً يصلّون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم وهو أفضل، قلت: فإن لم يفعل؟
قال: ليس به بأسn.
وعن أبي بصير قلت لأبي عبدالله(ع)، أصلّي ثمّ أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صلّيت؟ قال: صلِّ معهم يختار الله أحبهما إليّه. وغيرها من الروايات.
فإنّ هذه الأخبار تكون في مقام الترغيب والمواظبة على الجماعة دائماً مع الامام العادل، وبالنسبة إلى حضور الجماعة معهم يكون لأجل الألفة والتحابب وعدم اندراس المذهب الجعفري في الجملة.
وأمّا ما ورد من الروايات مما يمكن الاستدلال بها بأنّها صورة  الاقتداء كصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الرجل يصلّي خلف من لايقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة؟ قال: اقرأ لنفسك وإن لم تسمع نفسك فلابأس.
وكذا بما مضى من رواية ابراهيم بن شيبة حيث يسأل عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين(ع) وهو يرى المسح على الخفين أو خلف من يحرم المسح ويمسح فانّه يظهر منها أنّ الامام شيعي يعمل عمل الجماعة، ومن الواضح أنّ الاقتداء به غير صحيح. وأمّا رواية علي بن مسعد فهي وردت في الناصب، والناصب كالكافر لاتجوز الصلاة خلفه وقد مضت الرواية، وحسنة الحلبي: mإذا صليت خلف امام لايُقتدى بهn فمعناه أنّه شيعي غير جامع للشرائط، وغيرها من الروايات.
ولم يرد في رواية أنّه أمر الامام بالأعادة، خصوصاً لمن لايمكنه أن يأتي بالصلاة على نحو صحيح.
اذن: الاتيان بالصلاة خلفهم مجزٍ، ولايحتاج إلى الاعادة، وما ورد من الرواية بأنّ التقية من دين الله عزّوجلّ، كما عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(ع): التقية دين الله عزّوجلّ، قلت: من دين الله؟ قال: فقال أي والله من دين الله، لقد قال يوسف(ع): mأيتها العير أنّكم لسارقون، والله ما كانوا قد سرقوا شيئاً، ولقد قال ابراهيم: (انّي سقيم) والله ما كان سقيماً.
اذن: مع فرض أنّ العمل مع التقية دين الله فلاوجه للاعادة والقضاء لما هو دين الله، وأنّها تسعة أعشار الدين، وأنّها دين الأئمةF كما ورد في الروايات التي تقدمت كرواية أبي عمار ورواية معمر بن خلاّد. فوجوب الاعادة والقضاء يحتاج إلى الدليل مع كون كثير من هذه الروايات تكون في مقام البيان.
المسألة الرابعة: مع أنّ الدليل موجود على الأجزاء كما ذكرنا لابد في مورد التقية أن يكون عندهم صحيحاً، أمّا لو عَمِل بما هو باطل حتى عندهم فالظاهر عدم شمول أدلّة التقية لهكذا عمل؛ لأنّه لايكون عمله هذا من دين الله في شيء حتى في نظرهم، ويظهر من أدلّة التقية أنه لابد أن يكون له تماس بدين الله ولوفي الجملة، فلو فعل التقية والحال هذه فلايكون عمله موجباً لسقوط الاعادة والقضاء.
وأمّا لو شك في صحة صلاتهم فمقتضى حمل قاعدة فعل المسلم على الصحة هو جواز التقية؛ لأنّه حينئذٍ يتحقق موضوعها.
المسألة الخامسة: إذا كانت المسألة محل خلاف عندهم ـ أي يجب عند بعض العامة دون الآخرين ـ فلا تجب التقية حينئذٍ، بل هي هنا غير صحيحة، ولو كانت عند من يوجب التكتف وبطريق أولى إذا كان عند من لايوجب ذلك فلو كان هناك عند بعض العامة التسبيل جائز فلايجوز التكتف حينئذٍ، نعم لو كان عمله هذا موجباً للتقية فتجب حينئذٍ ولو كانت عند من لايقول بوجوبه.
وخلاصة البحث: أن المدار في الحكم هو حصول الموضوع، وهو الخوف، فمتى حصل يجب للاطلاقات والعمومات، كما أنّه لافرق في وجوبها ولو لم تكن في أرضهم بل كانت في أرضنا.
ثمّ لايخفى أنّ التقية ليست مختصة بالمذاهب الأربعة، بل لكلّ مخالف لشمول الاطلاقات والعمومات، فقد ورد في بعض الأخبار (وعليكم بمجاملة أهل الباطل) وقد مرَّ الحديث في روايات التقية المداراتية، فهي تعم كلّ ظالم وجائر، الاّ أن يقال: إنّ المراد من أهل الباطل المخالف للعقيدة بل كل جائر وظالم، مضافاً إلى العمومات، كحديث رفع الاضطرار وقد تقدم أيضاً.
وما دلّ على أنّه ما من محرم إلاّ وقد أحلّه الله لمن أضطر إليه، وحديث (لاضرر ولاضرار) عن عقبة بن خالد عن أبي عبدالله(ع) قال: (قضى رسول الله(ص) بالشفعة بين الشركاء في الأرض والمساكن، وقال: لاضرر ولاضرار).
وهذه الروايات وغيرها التي مضت كموثقة أبي بصير (التقية دين الله) تدل باطلاقها أنّه لاتختص بالعامة بل مع كلّ ظالم، ولا يختص الأمر بزمان دون زمان كما صنع يوسف وابراهيم(ع)، كما أنّه لايفرق بين العمل الذي لابد فيه من التقية أن يكون ثابتاً في صدر الاسلام أو حصل مؤخراً في زمان الأئمةF، كالقياس الذي عمل به أبو حنيفة وهو باطل عندنا ومنهي عنه.
المسألة السادسة: لو ترك التقية في حال وجودها وأتى بالعمل الواقعي فهل يبطل هذا العمل أو لا كما إذا مسح على البشرة دون الخفين؟ قد يقال بالبطلان؛ لأنّ التكليف الواقعي حال التقية يكون بالاتيان بالعمل مقيّداً بصورة عمل التقية، فان المسح على البشرة ليس مأموراً به ولا جزءً للموضوع، بل المأمور به في هذه الحالة هو المسح على الخفين، أو غسل الرجلين الذي هو الحكم الواقعي الثانوي في هذا الحال وحال من ترك التقية مع وجودها حال من ترك المسح على البشرة في حالة عدم التقية، وانّما يأتي البطلان في كلا الحالتين من جهة مخالفة المأمور به للمأتي به، فحينئذٍ يبطل الوضوء في حال التقية إذا مسح على البشرة ولم يمسح على الخفين.
وبعبارة اُخرى التقية وعدمها موضوعان مختلفان من الموضوعات الخارجية كالمسافر والحاضر والصحيح والمريض ونحوهما، وبما أنّه خالف التقية وهو منهي عن المخالفة، والنهي عن الأمر العبادي موجب للبطلان، ولكن قد اُجيب عن هذا بأنّ التبدل هل كان خطاباً فقط أو خطاباً وملاكاً؟
فإنّ كان هو الأوّل فحينئذٍ يبقى الملاك على حاله، وبما أنّ الأوامر ثابتة للملاكات سعة وضيقاً وشككنا في أنّه هل ارتفع الخطاب فقط أو الخطاب والملاك فنستصحب بقاء الملاك، فتكون النتيجة ارتفاع الخطاب فقط، وكذا النهي في العبادة يمكن أن يكون بالنسبة إلى فعلية الخطاب فقط لا باعتبار أصل الملاك.
اذن: لو أتى بذلك بداعي الملاك وإن عصى الخطاب فعبادته صحيحة، نعم لو أتى باعتبار الخطاب تكون باطلة.
ولكن يرد على هذا الجواب: أنّه من أين لنا اثبات أصل بقاء الملاك مع وجود رفع الخطاب؟ بل نفهم الملاك دائماً من دليل الإن أي بعد وجود الأمر، والاستصحاب مع الشكّ في أصل بقاء الموضوع لايجري؛ لأنّ الموضوع لابد أن يكون موجوداً في كلتا الحالتين، كما ذكر ذلك مفصّلاً في باب شروط الاستصحاب. ويمكن أن يقال بأنّ في حال التقية انقلب الحكم الواقعي فيسقط الحكم ملاكاً وخطاباً، كما في قول الصادق(ع) في صحيحة ابن سالم: (ويدرؤون بالحسنة السيئة، قال: الحسنة التقية، والسيئة الاذاعة)، كما مر الحديث.
وعنه (ع) أيضاً: (لا دين لمن لاتقية له)، (ولا ايمان لمن لاتقية له) وقد مرّ.
وعن حريز عمن أخبره عن أبي عبدالله(ع) في قوله عزّوجلّ: (لاتستوي الحسنة ولا السيئة، قال: الحسنة التقية، والسيئة الاذاعة).
وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) قال: (لاخير فيمن لا تقية له، ولا ايمان لمن لاتقية له).
وخلاصة البحث: الأقسام المتصورة هنا ثلاثة:
أوّلاً: بقاء الخطاب والملاك، وهنا يتحقق الحكم الأولي.
ثانياً: أنّ المسح على البشرة يكون منهياً عنه، ولا فرق في بطلان العبادة بين أن يرد النهي على نفس العبادة أو جزءها أو شرطها.
ثالثاً: أنّ المورد يكون بنفسه منهي عنه، لا من جهة أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فإنّ التقية كما تكون سبباً لوجوب ما لا يجب لولاه كالمسح على الخف أو غسل الرجلين، كان سبباً لحرمة ما لا تحرم لولاها، مثل المسح على البشرة. اذن نفس العمل يكون منهياً عنه.
وقد جزم بالبطلان صاحب الجواهر، والمحقق الهمداني.
فقد قال صاحب الجواهر: وإذ قد عرفت أنّ الشارع في مقام التقية أقام المسح على الخف ـ مثلاً ـ مقام المسح على البشرة، ظهر أنّه لو خالف مقتضى التقية فجاء بالتكليف الأصلي لم يكن مجزئاً لكونه ليس مأموراً به في ذلك الحال، بل منهياً عنه فكيف يقع به امتثال.
وقال صاحب المصباح: وبما ذكرنا ظهر لك أنّه لو ترك غسل الرجلين حال التقية مع الامكان وكذا مسح الخفين لو لم تتأوّل التقية إلاّ به لم يصح وضوؤه؛ لأنّ ظاهر الأوامر بدلية الفعل المأتي به تقية عن المسح الواقعي، فيفسد الوضوء بتركه، سواءً مسح بشرة القدم حينئذٍ أم لا؛ لأنّ مسح البشرة لأجل تعلّق النهي الفعلي لايكون جزءً من العبادة، فيكون كتارك الجزء الذاتي كما هو ظاهر.
ولكن قد يرد على الوجه الأوّل بأنّ الوضوء المشتمل على غسل الرجلين والمسح على الخفين ليس هو المأمور به في حال التقية كالصلاة ركعتين للمسافر والمنع عن استفادة تقييد الواقع بما يوافق التقية، فإنّ الأمر ولو تعلق بغسل الرجلين، أو المسح على الخفين في حال الوضوء ولكن ليس معناه تقييد الوضوء في حال التقية بوجوده، بل الواقع باقٍ على حاله وعلى ما هو عليه، إلاّ أنّ المكلف حيث لايتمكن من الاتيان به، وأن الوصول إلى المصلحة والملاك الواقعي منه يحقق الضرر، فحينئذٍ لو أتى بالوضوء الواقعي فقد أتى بما هو واجد للمصلحة، ولكن لو تركه كان مرخصاً في تركه مع أنّ إتيانه يكون موجباً للضرر.
اذن المسح على الخفين أو غسل الرجلين في حال التقية لايكون جزء من الوضوء ولو في حال وجوبهما.
قد يقال: لو لم يكن كذلك ـ أيّ جزءً للوضوء ـ فقد يصح تركه مع الترك على البشرة، ولابد أن لايكون الوضوء باطلاً؛ لأنّ المسح على البشرة غير ممكن له، والمسح على الخفين غير واجب؛ لأنّه ليس جزءً من الوضوء.
قلنا: إنّ البطلان إنّما هو من جهة ترك المسح في ذلك الوضوء بما أنّه مرتبة من المسح الواجب كما كان كذلك عند سائر الضرورات. ويدل عليه خبر عبدالأعلى: (امسح على المرارة) وقوله(ع): (يعرف هذا وأمثاله من كتاب الله، ما جعل عليكم في الدين من حرج).
والخلاصة: أنّ الوظيفة بالنسبة إلى المسح الواجب تنقسم إلى قسمين:
أوّلاً: بالمسح على البشرة بمباشرة الماسح مع الممسوح، فاذا سقط القيد ـ وهو المباشرة للحرج كما في مورد الخبر أو الضرر كما في مورد التقية ـ يبقى وجوب أصل المسح وهو الثاني، ولكن الحق بعدما قلنا بأنّ النهي على الجزء أو الشرط أو على تمام العبادة فكيف يمكن أن يقال بجواز الاتيان بالواقع والمسح على البشرة بعد ما عرفت بأنّ الأمر عبادي والنهي في العبادة موجب للفساد ولو ورد على الجزء؟! ومن أين تعرف بأنّ النهي ورد على الخطاب وسقوط الأمر ولكن الملاك والمصلحة موجودتان في الواقع؟ نعم لو كان العمل ليس جزءً من العبادة بل يكون من قبيل الجزء التشريعي المحرم كالتكتف فإنّ النهي بما أنّه ورد على الأمر الخارج عن العبادة فلو ترك التقية وأتى بالعبادة على وجهها فلاموجب للبطلان؛ لأنه أتى بالمأمور به والاجزاء عقلي ولو أثم في تركه التقية.
 وقد يستشكل على الثاني بأنّ المسح على البشرة لايكون ضداً للمسح على الخفين أو غسل الرجلين؛ لامكان الجمع، ثمّ على الفرض فإنّ الأمر بالشيء لايقتضي النهي عن ضده الخاص لو فرض أنّ هناك مضادة بينهما ولو فرض الاقتضاء، ولكن إنّما هو في الواجب المضيّق، والواجب في التقية يكون من قبيل الواجب الموسع.
ولكن الحق هما من قبيل الضدين، أي المسح على البشرة والمسح على الخفين أو غسل الرجلين، والمقام ليس من قبيل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، بل من قبيل النهي عن العبادة، ولو أنّ النهي ورد على الجزء لقوله(ع) mمن لاتقية له لادين لهn أي من مسح على البشرة فهو بمنزلة من لا دين له.
اذن نفس المسح منهي عنه، ويكون باطلاً، ولو فرضنا بأنّ الأمر بالشيء لايقتضي النهي عن ضده أو هنا ليس من صغريات تلك المسألة.
أمّا الثالث: بأنّه لو لم يمكن الايراد عليه لكن لايصح على اطلاقه، بل إنّما يقتضي بطلان العمل الذي لم يعمل به ولم يأت به على نحو التقية إذا أتى بما يحرم عليه في هذه الحال، أي مسح على البشرة أو صلى على التربة الحسينية. أمّا إذا لم يأت بالمحرم وانّما ترك التقية بترك ما كان واجباً عليه حال التقية ـ كترك التكتف في الصلاة والحال أنّ التكتف كان واجباً عليه ـ فإنّه لا موجب للقول ببطلان الصلاة، وهذا الكلام صحيح، لأن التكتف ليس جزءً من الصلاة، بل هو عمل تشريعي محرم في الصلاة، وليس من أعضاء الصلاة.
اذن لو تركه فإنّه أتى بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط، وانّما ترك التقية في شيء كان خارجاً عنها، ثمّ إنّه لو ترك التقية ومسح على البشرة ولكن مع ذلك تدارك ومسح على الخفين أيضاً فالظاهر هو الصحة؛ لأنّه أتى بالمأمور به الواقعي الثانوي والواجب عليه في حال التقية، أي أتى بشيء زائداً معه وهو المسح على البشرة، فلو مسح على الخفين بعد أن مسح على البشرة وبعد مراعاة بقية الشروط يكون وضوؤه صحيحاً.
المسألة السابعة: إذا ترك المسح على البشرة جهلاً أو سهواً أو نسياناً فهل يكون  عمله صحيحاً أم لا؟
لايخفى لو قلنا بأنّ المقام مثل المسافر والحاضر، فلو صلّى في السفر أربع ركعات فتكون صلاته باطلة ولو صدر منه العمل نسياناً أو جهلاً أو بلا اختيار، كما لو اعتقد التقية فمسح على الخفين ثمّ ظهر أنّه لم يكن في موضع التقية.
اذن لابد من شرح هذه المسألة فنقول: إنّ الصحة وعدمها هل تدور مدار أنّ الاعتقاد له موضوعية أم لا؟ فإن قلنا بأنّ الاعتقاد له موضوعية فالعمل يكون صحيحاً، أمّا لو قلنا بأنّ الاعتقاد له طريقية إلى الواقع وليس موضوع الحكم إلاّ الواقعي فقط، ومع التخلف فليس بصحيح؛ لعدم وجود موضوع الحكم فحينئذٍ يحكم بالبطلان، ولكن مع الشك في شمول الاطلاقات والعموم لذلك يكفي عدم الشمول له. نعم لو كان الموضوع هو الخوف فيكون العمل صحيحاً، بلافرق بين أن يكون هو اعتقاد الخوف أو الخوف الواقعي، اذن يمكن التفصيل في المسألة فنقول بالبطلان اذا اعتقد التقية وظهر بعد ذلك عدم الموجب لها واقعاً، وصحة العمل عند حصول الخوف ولو تبين عدم موافقته للواقع.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com