اللاحق

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

المسألة الثامنة: لو أتى بالعمل في مقام التقية بخلاف مذهبه كما إذا غسل وكان مذهبه المسح على الخفين فهل يكون عمله باطلاً أم لا؟
فنقول: إذا كان المراد من التقية هو الترخيص في مخالفة الواقع فيكون عمله صحيحاً. وبعبارة اخرى فالذي يظهر من روايات التقية هو تخيّل من يُتقى منه بأنّه ليس بجعفري حتى يأمن من ضرره وهنا فعل ذلك، وإن لم يأت بما هو مذهب من يتقي أو أتى بالعمل وشك في أنه مطابق لمذهبه أم لا. أمّا لو قلنا بأنّ ما أتى به لابد وان يكون بدلاً عنه فالقدر المتيقن من التقية هو ذلك، أي أن يكون عمله مطابقاً لمذهب من يتقي.
ولا يخفى لو ترك المسح والغسل بالمرة وكان عمله مخالفاً لمذهب من يتقي ففي هذه الصورة لايصح ما أتى به، اما إذا كان مطابقاً لمذهب من يتقي وأتى بالعمل تقية على الاطلاق فهنا محلّ الكلام من أنّه موافقاً لمذهب من يتقي. اذن كان عمله على طبق التقية ويكون صحيحاً، ومن أنّه لم يظهر من عمله هذا بدلية من أدلّة التقية وأدلّة الضرر. اذن ففي الصحة اشكال.
المسألة التاسعة: هل التقية واجبة في مورد الخوف الشخصي أم تشمل الخوف النوعي أيضاً؟
أمّا بالنسبة إلى الأوّل ـ كما إذا خاف على نفسه أو عرضه أو ماله أو يخاف من ذلك على شخص له علقة به أو شخص آخر لاعلقة معه وقد يكون بالنسبة إلى أشخاص غير معينين ولو في مستقبل الزمان ـ فلا شك ولا شبهة في وجوبها، وهو من أبرز مصاديق التقية. وما ورد من الروايات بأنّها جنة أو ترس دالة ومؤيّدة على ما قلناه، وفي عدة من الروايات ورد التصريح بهذا القسم من التقية.
منها: رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد(ع) في حديث شرائع الدين قال: (ولايحلُّ قتل أحد من الكفار والنُصاب في التقية إلاّ قاتل أو ساعٍ في فساد، وذلك إذا لم تخف على نفسك ولا على أصحابك، واستعمال التقية في دار التقية واجب).
ومنها: وعن المنصوري عن عم أبيه عن الامام علي بن محمّد(ع) عن آبائهF قال: قال الصادق(ع): (ليس منا من لم يلزم التقية، ويصوننا عن سفلة الرعية).
ومنها: قول أمير المؤمنين(ع): (التقية من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه واخوانه عن الفاجرين، وقضاء حقوق الأخوان أشرف أعمال المتقين، يستجلب مودة الملائكة المقربين، وشوق الحور العين).
ويظهر من هذه الرواية أنّها من الحقوق الواجبة على المؤمن تجاه أخيه. فاذن مراعاة التقية داخلة في حقوق الاخوان حيث إنّها تكون سبباً لحفظهم، ولذا ترى في كثير من الأخبار قرن بين التقية وحقوق المؤمن، كما ورد في الحديث قال علي بن الحسين(ع): (يغفر الله للمؤمن كلّ ذنب، ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الاخوان).
وفي حديث آخر قال محمّد بن علي(ع): (أشرف اخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية، وأخذ النفس بحقوق الاخوان).
بل يمكن أن يقال: هي نفس حقوق الأخوان واحدى مصاديقه، كما ورد في حديث عن الامام الحسن بن علي(ع) قال: (إنّ التقية يصلح الله بها اُمة لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، فإن تركها أهلك أمة تاركها شريك من أهلكهم، وأنّ معرفة حقوق الاخوان يحبب إلى الرحمن ويعظم الزلفى لدى الملك الديان، وأنّ ترك قضائها بمقت الى الرحمن، ويصغر الرتبة عن الكريم المنان). وغيرها من الروايات.
وكذا يجب القسم الثاني من التقية، وهو الخوف العقلائي، وأنّه لو تركها يسبب الضرر على النوع، كما إذا كان هناك الأقلّية من الشيعة في بلاد يكون المتعصبون من السنّة أكثر فإنّه إذا لم يُعمل بالتقية هنا فبتركه التقية يسبب الضرر عليهم. فالظاهر وجوب ذلك، وأنّ عمومات أدلّة التقية تشمل المورد، كما مضى الحديث بقوله(ع): فإن تركها أهلك اُمة تاركها شريك من أهلكهم، وكما مر من قول أمير المؤمنين(ع): )التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه واخوانه عن الفاجرين(.
وهل تجب التقية عند الخوف على نفس غير محترمة أم لا؟ الظاهر أنّها لاتجب، بل تختص مشروعية التقية بصورة خوف الضرر على نفسه أو ماله أو نفس محترمة أو مال غيره أو التودد والتحبب كما بيّنا؛ لأنّ النفس المحترمة هي التي لها الحفاظ والبقاء، أمّا غيرها فليس لها حفاظ ولا بقاء.
المسألة العاشرة: هل الأثر المترتّب على العمل الذي أتي على نحو التقية هو أثر دائمي أم لا؟ فإذا توضأ وضوء تقية فهل يجوز له أن يأتي بالأعمال التي هي غير مشروطة بالتقية بعد زوال التقية أم لا؟ سواء كان عبادياً أو معاملياً أم لا؟ وبعبارة اُخرى أنّ الوضوء إذا اُتي به تقية فهل هو مبيح ما دامت عوامل التقية موجودة أو مبيح مستمر فلايحتاج الى إعادة الوضوء بالنسبة إلى الأعمال الاُخرى إلاّ إذا أحدث؟ اذن لافرق في جواز العمل به بين العمل الذي توضأ له أو غيره وبعبارة اُخرى هل يكون المقام كالمتيمم فما دام العذر ـ وهو فقدان الماء ـ مستمر فيمكن أن يعمل بهذا التيمم أمّا اذا زال العذر فلابد من الوضوء؟
قد يقال: بأنّه إذا أتى بالوضوء الذي رافعيته لأمر خاص ـ وهو الوضوء حال التقية ـ فامتثاله دليل على وجود أن المؤثر يكون واقعياً اذن تستمر اباحته، ويترتّب عليه جميع الآثار، ولو بعد زوال التقية، ولذا حيثما ننظر إلى الأخبار العامة الدالة على جواز التقية أو وجوبها فإنّها تدلّ على الجواز مطلقاً، وكذا الروايات الدالة على جواز البيع هي بمعنى صحته وترتّب الملك عليه، وكذا بالنسبة إلى الطلاق.
وأمّا ما قيل بأنّ المراد من الجواز هنا الجواز التكليفي لا الوضعي ففيه أنّ الجواز وضعي كما مرَّ، ويكون من قبيل القصر والأتمام، ومن باب تبدل الموضوع.
نعم إذا قلنا بأنّ التقية أمر امضائي لأنّها ثابتة ببناء العقلاء وقبل ورود الشرع فالعقلاء لايعملون بعد رفع الموضوع ـ وهو التقية ـ معاملة بقاء عوامل التقية، فبعد ارتفاع الموضوع فلايرجعون إلى أسبابها الواقعية.
اذن بناءً على هذا فإنّ التقية ليست بأمر مستمر، ولابد عند زوالها من تجديد الوضوء بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة، وكذا بقية الأعمال غير الوضوء اذا اتي بها تقية، ولا يمكن ترتّب جميع الآثار على العمل الذي اتي به تقية بعد زوالها.
المسألة الحادية عشر: لو علم بعد دخول الوقت أنّه لو أخّر الوضوء والصلاة يضطر إلى المسح على الخف من جهة التقية، فلايجب عليه المبادرة، بل يجوز له الابطاء في الوقت فضلاً عن قبل الوقت، وان كان الاحوط هو المبادرة.
وهناك فرق بين الاضطرار بالتقية والاضطرار بغيرها، أمّا الاضطرار بالتقية فبعدما عرفت من ظاهر أدلتها التوسعة في أمرها زائداً على غيرها من الضرورات، وأنّ وجود المصلحة فيها يتدارك بها مصلحة الواقع، وأنّ الفرد المأتي به على طبق التقية لابد وأن يكون محصلاً لجميع ما هو الملاك بالصلاة الواقعية الاختيارية بحيث لو أتى به تقية لايفوته شيء من الملاك. اذن مع هذا يجوز التأخير بعد الوقت فضلاً عن قبله ولو علم بأنّه مع التأخير تحصل الضرورة من جهة التقية.
هذا إذا قلنا بحصول تمامية الملاك في الفرد المأتي به تقية؛ لأنّه يمكن القول بالسعة لاعلى نحو الاطلاق، بل إنّما هي لأجل مصلحة التسهيل لا لأحراز تمامية الملاك، فلو شككنا في ذلك فالأحوط هو المبادرة وعدم الابطال للوضوء. أما إذا حصل الاضطرار بالمسح على الحائل من غير تقية فهنا يجب عليه المبادرة في الوضوء، ولايجوز له التأخير؛ لأنّه في حال الاختيار الملاك الكامل في الصلاة موجود بعد تحقق ما هو شرط في الملاك الكامل، والوضوء الاضطراري لايكون واجداً لتمام الملاك، وإلاّ لحصل التخيير بينه وبين الوضوء الاختياري، اذن يجب الاتيان بالوضوء الاختياري ولو كان متوضئاً، فلايجوز ابطاله لعلمه بأنّه لو أبطله يضطر إلى المسح على الحائل، لأنّ تفويت المصلحة الفعلية الممكنة التحصيل حرام، ولكن مع ذلك لو أخّر أو أبطل الوضوء فعل الحرام، ولو مسح على الحائل صح الوضوء؛ لاتفاقهم على صحة التكاليف الاضطرارية ولو كان الاضطرار قد حصل بسوء الاختيار. هذا إذا كان بعد الوقت.
أمّا إذا كان قبيل الوقت فتارة نقول بأنّ الوقت دخيل في تحصيل الملاك لاتماميته ففي هذه الصورة لابد من المبادرة بحكم العقل. وبعبارة اُخرى تارة نقول بأنّ الصلاة الاختيارية تكون واجدة لتمام الملاك قبل الوقت، والانتظار إلى الوقت إنّما للعجز عن تحصيل دخول الوقت إلاّ بالانتظار للدخول في تحصيل الملاك لاتماميته، فحينئذٍ يكون حال الوقت حال سائرالشرائط كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة. اذن لابد من المبادرة إلى الوضوء، ولايجوز ابطاله إذا كان متوضئاً.
أمّا إذا قلنا بأنّ الوقت دخيل في صيرورة الصلاة ذات ملاك فلا تجب المبادرة، ويجوز إبطال وضوئه، كما يظهر من الرواية عن زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: )إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة، ولاصلاة إلاّ بطهور(.
المسألة الثانية عشر: إذا اعتقد التقية أو تحققت احدى الضرورات الاُخر فمسح على الحائل ثمّ بان بإن لم يكن موضع تقية أو ضرروة ففي صحة وضوئه إشكال.
فنقول: تارة أخذت التقية على نحو الموضوعية واُخرى على نحو الطريقية ـ كما مر ـ وهذه تكون تارة على نحو الاطلاق واُخرى على نحو التفصيل بين اعتقاد الضرر ولو لم يكن هناك خوف، وبين تحقق خوف الضرر ولو لم يكن هناك اعتقاد، فيصح في الثاني دون الأول، فاذا قلنا بالطريقية بمعنى أنّ الاعتقاد له طريقية مطلقاً.
اذن يكون موضوع الحكم هو الواقع فقط، ومع التخلف لاموضوع له أصلاً، ويبطل العمل قهراً، فلابد من الاعادة والقضاء عند عدم الاتيان بالواجب وما أتى به سراب يحسبه الضمآن ماء، أمّا لو قلنا بأنّ الاعتقاد له موضوعية فتشمله الاطلاقات والعمومات فحينئذٍ نقول بالصحة، فالصحيح هو القول بالتفصيل وهو الصحة عند حصول الخوف ولو لم يكن هناك اعتقاد، والبطلان عند الاعتقاد المنفك عن الخوف؛ لأنّ الحكم في مورد اعتقاد الضرر يكون طريقياً، أمّا في مورد الخوف فيكون موضوعياً، بلا فرق بين أن يكون الخوف أو اعتقاد الضرر جاء من قبل التقية أو بقية  الضرورات. ويمكن الاستدلال على ذلك بروايات:
منها: صحيحة أبي نصر عن الامام الرضا(ع): )في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه البرد، فقال: لايغتسل، يتيمم(.
وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبدالله(ع): )في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو (قروح) أو يخاف نفسه من البرد، فقال: لايغتسل، ويتيمم(.
وهناك روايات تعضد هاتين الروايتين:
أولاهما: عن داود الرقي، قال: )قلت لأبي عبدالله(ع): أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال: إنّ الماء قريب منّا، أفأطلب الماء وأنا في وقت يميناً وشمالاً؟ قال: لاتطلب الماء ولكن تيمم، فانّي أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع(.
وثانيهما: خبر يعقوب بن سالم قال: )سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل لايكون معه ماء والماء عن يمين أو يسار غلوتين أو نحو ذلك، قال: لا آمره أن يضرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع(.
ولكن مقابل هذه الروايات رواية قد يقال بأنها تدلّ على أنّ مطلق الخوف لايكفي، فاذا صلّيت لابد من الاعادة، وهي رواية عبدالله بن سنان: )أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ فقال: يتيمم ويصلّي، فاذا آمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة(.
ولكن إذا تعمقنا في النظر نرى أجنبية هذه الرواية عن محل البحث، بل هي دالّة على وجوب الأعادة عند ارتفاع الضرر، ولكن ثبت في محله بالاجماع والنص أنهما يدلاّن على الأجزاء وعدم وجوب الاعادة.
وقد يقال بالتساوي بين اعتقاد الضرر ولو لم يكن هناك خوف، وخوفه ولو لم يكن هناك اعتقاد ـ كما مر ـ بأن الحكم في كليهما موضوعي، بل لو فرض عدم وجوب الاعادة مع الخوف فبطريق أولى لاتجب الاعادة مع الاعتقاد، فكما أنّ العقل يحكم بوجوب التحرز في الضرر الدنيوي المقطوع والمضمون والمحتمل إذا كان احتماله عقلائياً. وهذا الحكم منه في الكلّ يكون بملاك واحد، وهو الحكم بقبح الاقدام على ما لا يؤمن فيه من الضرر في الموارد الثلاثة ـ أعني القطع والظن والاحتمال ـ إذا كان دنيوياً، وإذا كان الحكم شرعياً ومستكشفاً منه في الموارد الثلاثة أيضاً بملاك واحد، وهو عين ذات الملاك.
اذن يكون مقطوع الضرر ومظنونه ومحتملة حراماً شرعيا، وهذه الحرمة ـ كما ذكرنا ـ تستكشف من حكم العقل، بلا فرق بين أن يكون مصادفاً للواقع أم لا، وعلى هذا ظهر ما ذكره المحقق في المعتبر من أنّه لو تيمم تيمماً مشروعاً وصلّى صلاة المأمور بها فتكون مجزئة. ولكن الحق هو ما ذكرنا من التفصيل بين اعتقاد الضرر وخوفه بالاجزاء بالثاني دون الأوّل، وأنّ الحكم بحرمة الاقتحام عند خوف الضرر يكون موضوعياً، حيث إنّ ارتكاب الخوف في نفسه حرج ومشقة لاتتحمل عادة، وحكم العقل بقبح اعتقاد الضرر الاعتقادي لايكون ذا حكم واحد في مورد قطعه وظنه واحتماله كما قيل، بل هو إنّما يحكم بقبح ارتكاب الضرر الواقعي بملاك كونه ضرراً، وبحرمة ارتكاب مظنونه ومحتمله بملاك أنّه لايؤمن من ارتكابه عن الوقوع في الضرر.
اذن هو ذو حكمين: حكم نفسي وهو في موضع الضرر نفسه، وحكم طريقي وهو فيما لايؤمن فيه من الضرر حذار أن يقع فيه فالحق هو التفصيل كما ذكرنا سابقاً.
المسألة الثالثة عشر: لافرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين الوضوء الواجب والمندوب؛ لأطلاق صحيحة أبي الورد: )قلت لأبي جعفر(ع): إنّ أبا ضبيان حدثني أنّه رأى علياً(ع) أراق الماء ثم مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ضبيان: أما بلغك قول علي(ع) فيكم سبق الكتاب الخفين، فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا، إلاّ من عدوٍ تتقيه، أو ثلج على رجليك(.
قد يقال: يمكن التمسك بأدلّة النفي والحرج. وفيه أنّ هذه الأدلّة مختصة بموارد الأحكام الالزامية، ولاتجري في غيرها.
المسألة الرابعة عشر: هل يثبت الهلال بحكم الحاكم مطلقاً سواءً كان موافقاً معنا في الاعتقاد أم لا؟
المشهور ثبوت ذلك بالنسبة إلى الحاكم العدل، ولكن أنكر البعض ذلك من جهة عدم وجود الدليل، واستدل على ثبوت ذلك بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(ع) قال: )إذا شهد عند الامام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الامام بالافطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر بأفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم(.
فدلت هذه الصحيحة بأنّ الافطار يثبت بحكم الحاكم، سواء إن ثبت الهلال عنده قبل الزوال أو بعده.
ولكن قد ردَّ استاذنا الأعظمR بأنّ هذه الصحيحة أجنبية عن محل الكلام بالكلية، وإنّما هي ناظرة الى وجوب طاعة الامام، وأنّه متى أمر بالافطار وجب لكونه مفترض الطاعة بمقتضى قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) من غير حاجة إلى صدور حكم منه الذي هو انشاء خاص لعدم فرضه في الحديث، وانّما المفروض فيه مجرد قيام الشهود لديه وصدور الأمر منه الذي هو غير الحكم بالضرورة.
ولكن هذا الكلام إنّما يتم منهR لو قلنا بأنّ الولاية مختصة لغير الفقيه، ولكن الحق كما يظهر من مرسل رفاعة بقوله: ذلك الى الامام في قضية الأمام الصادق(ع) مع أبي العباس بالحيرة وقد تقدمت، فراجع. وجاء كلامه(ع) مطابقاً للواقع بأنّ الامام حينما حكم وجب اتباعه، ولكن تطبيق هذا الكلي على أبي العباس كان تقيةً. اذن إن أفطرت أفطرنا، كان منه(ع) تقيةً، أمّا ذلك إلى الامام فلا، وأصالة جهة الصدور تقتضي العمل على بيان الواقع.
ثمّ يظهر من بيان الامام(ع) mذلك إلى الامامn كان هذا من الأمور المسلّمة عندهم أي ثبوت الهلال بحكم القاضي، ونرى أنّ الامام مالك يرى أنّ أهل الحرمين إذا بايعوه لزمت البيعة أهل الاسلام.
واعتبر الشافعي والحنبلي طاعة الامام وإطاعة حكمه واجبة بأي طريق كان تولي الحكم للخلافة، وبأي وجه كان الاقرار، وبأي وجه كان الرضا والغلبة، ولذلك فعلى المسلم أن يسكت ولايخرج عن حكم الحاكم مهما كان ظالماً؛ لأنّ خروجه يشق عصا الجماعة، فإن مات عليه الخارج مات ميتة الجاهلية.
اذن: فلا اشكال في أنّ اثبات الهلال من وظيفة قضاتهم كما هو الآن كذلك في الصوم والافطار، ولعلّ الذي يشير إلى ذلك خبر أبي الجارود: )الفطر يوم يفطر الناس والاضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس(.
ويمكن استفادة ذلك أيضاً من مقبولة عمر بن حنظلة قال: mسألت أبا عبدالله(ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلُّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانّما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفَّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حد الشرك باللهn الحديث حيث أرجع الامام (ع) في الحضور إلى الحاكم العدل الذي هو منصوب من قبله المسمى بالقاضي المغصوب، ونحن لايمكننا أن نقول بالفصل، وأنّ حكمه مختص بالترافع، بل إذا ثبت حكمه بالترافع أو التخاصم ثبت في غيره أيضاً بعدما كانت وظيفة القضاة غير مختصة بالمرافعات إلى عصرنا هذا بل يرجعون إلى الفقهاء في اثبات الهلال، لذا هوR كان يحكم بثبوت الهلال، فقيل له: إنّ بحكم الحاكم لايثبت الهلال ولايرجع الواقع عما هو عليه، فكان يقول: إنّ حكمي نافذ بالنسبة إلى غير مقلدي عمن يقول بثبوت الهلال بحكم الحاكم، فتأمل.
اذن الرجوع إلى الحاكم بالنسبة إلى الهلال ثابت عندنا وعندهم، وكان من الأمور المسلَّمة عند الفريقين. ومن الروايات التي يمكن ان تشير الى ذلك التوقيع الذي رواه الصدوق في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة عن محمّد بن عصام عن محمد بن يعقوب قال: mسألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان(ع): أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ـ الى أن قال: ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأمّا محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنّه ثقتي وكتابه كتابي.
وقد أورد الاستاذ عليه بأنّ الحوادث مجملة، فيحتمل أن تكون من الأمور التي تتفق خارجاً ولم يعلم حكمها، كما لو مات زيد وله ثياب أو مصاحف عديدة ولم يعلم أنّ الحبوة هل تختص بواحدٍ منها أو تشمل الكلّ، ونحو ذلك من الشبهات الحكمية التي تتضمنها الحوادث الواقعة، وقد أمر(ع) بالرجوع فيها ـ الظاهر في السؤال عن حكمها ـ إلى رواة الحديث، فتكون حينئذٍ من أدلة حجية الخبر لو كان المراد هو الرواة، أو من أدلّة حجية الفتوى لو كان المراد بالرواة هم العلماء، وعلى التقديرين تكون أجنبية عن محل الكلام.
ولكن الحق أنّنا إذا نظرنا إلى صدر الرواية حيث قال: (أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل اُشكلت عليّ) أنّ الرواية أجنبية عن حجية خبر الواحد، فيمكن الأخذ باطلاق الحوادث، سواء كانت المسائل من الشبهات الحكمية أو الموضوعية بعدما أثبتنا بأنّ رواة الأحاديث هم الفقهاء، وأنّهم الحجة على الناس بحكم الامام(ع) بقول: (فانهم حجتي عليكم) ومنصب الفقيه أو القاضي هو بيان الفتوى وصدور الحكم، اذن أنّ الرواية يمكن أن تصبح دليلاً على محل الكلام بعد الأخذ باطلاق الحديث.
وأمّا قولهR: وممّا يؤيّد ارادة أحد الأمرين الأرجاع إلى الرواة بصيغة العموم لا إلى شخص معيّن، فإنّ هذا هو حكم الجاهل بالمسألة الذي لايعرف حكمها فيرجع إلى العالم، إمّا أنّه راوٍ أو لأنّه مجتهد.
فنجيب عليه أنّ الارجاع إلى الرواة بنحو العموم بعدما قلنا بأنّ المراد منهم المجتهدين، فلاينافي ما ذكرناه؛ لأنّه يمكن أن يكون هناك في عصر واحد مجتهدون يرجع إليهم في الحوادث ومن جملتها الحكم بثبوت الهلال، ولذا نرى الامام الصادق(ع) كان يرجع الناس إلى جملة من تلامذته بعد أن رأى فيهم الكفاية في الفتوى لانقل الأحكام فقط.
وبعدما ذكرنا بأنّ الارجاع إلى القضاة والمجتهدين كان أمراً مسلّماً عند الفريقين يكون الحكم حجة، وتشير الى ذلك رواية رفاعة المتقدمة، ورواية خلاّد بن عمارة: (ما صومي إلاّ بصومك، وما افطاري إلاّ بافطارك) ورواية أبي الجارود المتقدمة، ويظهر من هذه الرواية أنّ حكم الحاكم يثبت الموضوعات، وأنّه حجة فيها، وأيضاً قوله(ع) عن منصور أنّه قال: mكنت عند أبي عبدالله (ع) في اليوم الذي يشك فيه الناس، فقال: يا غلام اذهب فانظر أصام السلطان أم لا؟ فذهب ثمّ عاد فقال: لا، فدعا بالغداء فتغدينا معاًn ويمكن استفادة التقية المداراتية من هذه الرواية، كما أنّه يمكن استفادة حجية مطلق حكم الحاكم بالنسبة الى الأضحى والفطر والصوم.
المسألة الخامسة عشر:  لو فرض أنّه ليس هناك خوف ولاضرر ولا يتحقق التآلف والمودة كما هو كذلك بالنسبة إلى بعض البلدان الاسلامية، فلاتجوز التقية، حيث أنّ موضوعها بكلا قسميه غير موجود، إلاّ إذا اعتقد بأنّه ستحصل المودة فيما بعد.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com