نظرة الإمام علي ( عليه السلام ) للتاريخ البشري

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

كانت عناية الإمام علي ( عليه السلام ) بالتاريخ ليست عناية القاصِّ والباحث عن القصص ، كما أنها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسية وأساليب التمويه التي يعالج بها تذمر الشعب ، وإنما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة ، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي .

إن القاصَّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادة للتسلية والإثارة ، والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق ، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة .

والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادة التاريخية التي يجدان فيها حاجتهما .

أما الرائد الحضاري ، ورجل الرسالة والعقيدة ، ورجل الدولة ، فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني ، ويَتَقَصَّى جهود الإنسانية الدائبة في سبيل حل هذا المشكل بنحو يعزز قدرة الإنسان على التكامل الروحي والمادي .

كما يعزز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية ، وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة .

ومِن ثَمَّ فَلَمْ يتوقَّف عند جزئيات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً ، وإِنما تناول المسألة التاريخية بنظرة كُلِّية شاملة .

ومن هنا فَقَلَّما نرى الإمام ( عليه السلام ) في خطبه وكتبه يتحدث عن وقائع وحوادث جزئية ، وإنما يغلب على تناوله للمسألة التاريخية طابع الشمول والعمومية .

ونحن نعرف عناية الإمام علي ( عليه السلام ) الفائقة بالتاريخ ، واهتمامه البالغ بشأنه ، مِن نصٍّ ورد في وصيته التي وَجَّهَها إلى ابنه الإمام الحسن ( عليه السلام ) كتبها إليه عند انصرافه من صِفِّين ، قال فيه : ( أيْ بُنَيَّ ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه ) .

وكان قبل ذلك قد وجه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه الوصية إلى تَعَرُّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ، وَاعرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا ، وَعَمَّا انْتَقَلُوا ، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا ، فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ ) .

وهذا النص يحملنا على الاعتقاد بأن الإمام ( عليه السلام ) تَحدَّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسية ، وتربيته الفكرية لمجتمعه ، ولرجال إدارته ، وَلِخَوَاصِّ أصحابه .

ولكن النصوص السياسية والفكرية التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمَّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جداً ، وإن كانت النصوص الوَعظِيَّة التي بُنِيَت على الملاحظة التاريخية كثيرة نِسبياً .

ومن هنا يواجهنا سُؤالاً هاماً ، وهو : مِنْ أين استقى الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية ؟

إنه ( عليه السلام ) يقول عن نفسه : ( نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ) .

فما الوسيلة التي تَوصَّل بِها إلى معرفة أعمالهم لِيَنظُر فيها ؟ ، وكيف تَسنَّى له أنِ اطَّلَعَ على أخبارهم ليفكر فيها ؟

نُقدِّر أن الإمام ( عليه السلام ) قد اعتمد في معرفته التاريخية على عِدَّة مصادر :
الأول : القرآن الكريم :

يأتي القرآن الكريم في مقدمة هذه المصادر التي استقى منها الإمام معرفته التاريخية ، فقد اشتمل القرآن الكريم على نصوص تاريخية كثيرة مُنبثَّة في تضاعيف السُّوَر ، وتَضمَّنَتْ أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها ، وانحطاطها ، واندثار كثير منها ، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النُّبوَّات في تاريخ البشرية ، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلِّ أمة وجيل لرسالات الله تعالى ، التي بُشِّر بها الأنبياء ( عليهم السلام ) .

وقد كان أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل الناس - بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهرِ والباطنِ ، والمُحْكَمِ والمُتَشَابَهِ ، والناسِخِ والمَنسُوخِ ، والأهدافِ والمَقَاصِدِ ، والأبعادِ الحاضِرَةِ والمُستَقبَلَةِ ، وغير ذلك من شؤون القرآن الكريم .

فكانت معرفته ( عليه السلام ) بالقرآن الكريم شاملة مستوعِبَة لكل ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد .

والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام ( عليه السلام ) التاريخي ، من حيث المنهج ومن حيث المضمون ، كما هو شديد الوضوح في كل جوانب تفكيره الأخرى .

وقد حَدَّثَ الإمام ( عليه السلام ) عن نفسه في هذا الشأن ، كاشفاً عن أنه كان يُلِحُّ في مسائله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأن القرآن من جميع وجوهه .

فقد قال ( عليه السلام ) : ( وَالله مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً ، وَلِسَاناً سَؤولاً ) .

كما أن شهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً ، ومنها ما رُوِي عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ عنده علم الظاهر والباطن ) .
الثاني : التعليم الخاص :

التعليم الخاص الذي آثر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ، هو مصدر آخر من مصادر معرفته ( عليه السلام ) التاريخية وغيرها .

فقد تواترت واستفاضت الروايات التي نقلها المحدثون وكُتَّاب السيرة والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد خَصَّ أميرَ المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) بجانبٍ من العلم لم يُرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له .

فمن ذلك ما قاله عبد الله بن عباس : والله لقد أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبي طالب تسعة أعْشَار العلم ، وَأَيْمُ الله لقد شارَكَكُم في العُشر العاشر .

وما رُوِي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عَلِيٌّ عَيبَةُ عِلْمِي .

وما رواه أنس بن مالك ، قال : قيل يا رسول الله عَمَّن نكتُب العِلمَ ؟

قالَ ( صلى الله عليه وآله ) : عن علي وسَلمَان .

وقال الإمام ( عليه السلام ) : ( عَلَّمَني رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم ، كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ ) .

وقال ( عليه السلام ) : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ ) .

وقال ( عليه السلام ) : ( يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ ) .

وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات

وإِذا كان الإمام ( عليه السلام ) قد اطَّلَع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل ، فمن المُرَجَّح أنه ( عليه السلام ) قد اطلع منه على علم الماضي .
الثالث : السُنَّة النبوية :

اشتملت السنة النبوية على الكثير المُتَنَوِّع من المادة التاريخية ، ومنه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم ، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخية لم ترد في القرآن إِشارة إِليها .

وقد كان الإمام علي ( عليه السلام ) أعلم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والصحابة قاطبة ، بما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو فَعَلَهُ أَو أَقَرَّهُ .

فقد عاش ( عليه السلام ) في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ طفولته ، وَبُعثَ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) عنده .

وكان ( عليه السلام ) أول من آمن به ، ولم يفارقه منذ بعثته إِلى حين وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، إِلا في تنفيذ المهمات التي كان ( صلى الله عليه وآله ) يُكَلِّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته ( عليه السلام ) .

ومن هنا ، فتفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي ، ووعيه الكامل لِما كان يتلقَّاه كان الإمام أعلم الناس بِسُنِّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكتاب الله .
الرابع : القراءة :

إنَّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قد قَرأ مدونات تاريخية باللغة العربية و بغيرها من اللغات ، التي كانت متداولة في المنطقة التي شهدت نشاطه .

وخاصة بعد أن انتقل ( عليه السلام ) من الحجاز إِلى العراق واضطرَّتْهُ مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا .
الخامس : الآثار القديمة :

وربما كانت الآثار العِمرَانية للأمم القديمة من جملة مصادر المَعرِفَة التاريخية عند الإمام ( عليه السلام ) .

ويعزز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر : وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ ، مما يحمل دلالة واضحة على أن مراده الآثار العمرانية .

وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام : شبه الجزيرة العربية ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، ونقدر أنه ( عليه السلام ) قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد .

وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجح حدوثه - فمن المؤكد أن الإمام ( عليه السلام ) لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة ، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات ، وإنما زارها زيارة معتبر مفكر ، يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات ، بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسساتها التي حل بها الخراب بعد أنِ انحطَّ بُنَاتُها ، وَفَقَدُوا قُدرَتُهُم عَلى الاستِمرَار فاندثروا .

هذه هي – فيما نقدِّر – المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة التي استقى منها الإمام علي ( عليه السلام ) معرفته التاريخية .


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com