الفصل الخامس: إطلاق اللّفظ وإرادة نوعه

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 

الفصل الخامس: إطلاق اللّفظ وإرادة نوعه


لا شكّ ولا ريب في صحّة إطلاق اللّفظ وإرادة نوعه، والمراد به: نوع اللّفظ، فحينئذ يكون اللّفظ حاكياً عن اللّفظ نفسه.
وقد مثّل له صاحب الكفاية بقوله: «كما إذا قيل: (ضرب فعل ماض)»()، وإن كان في تمثيله هذا نوع من المسامحة، ضرورة عدم شمول النوع لشخص (ضرب) الموجود في المثال، فالأفضل تبديل المثال لذلك.
وأمّا إطلاق اللّفظ وإرادة صنفه كما يقال: «(زيد) في: (ضرب زيد) فاعل» أي: المراد به كلّ اسم وقع عقيب فعل يقوم بذلك الاسم قياماً صدوريّاً ﻛ (ضرب زيد)، أو حلوليّاً، كما في (مرض زيد)، ومن هذا القبيل أيضاً: (مات زيد).
وأمّا استعمال اللّفظ وإرادة شخصه، كما تقول: «(زيد) في (ضرب زيد) فاعل» وتريد شخص هذا اللّفظ المذكور في المثال، فهل هو صحيح مطلقاً أم أنّه بحاجة إلى نوع من التأويل؟
تحقيق المقام يستدعي بيان اُمور:

الأمر الأوّل:
قد عرفت أنّ صحّة إطلاق اللّفظ وإرادة المعنى المجازيّ إنّما هو بالطبع لا بالوضع، وإلّا، لكانت المهملات ـ أيضاً ـ موضوعة، ولكنّ دعوى الوضع في المهملات بلا دليل.
ومن هنا يتّضح: أنّ ما ذكره الاُستاذ الأعظم() من أنّ الواضع لو كان متعدّداً، لكان كلّ مستعمل واضعاً، ولم يستبعد وجود الوضع في المهملات؛ فإنّه كما تعهّد باستعمال الألفاظ في معانيها كذلك قد تعهّد بأنّه متى ما أراد تفهيم نوع اللّفظ أو صنفه أو مثله يبرزها به، ولا مانع من الالتزام بمثل ذلك الوضع.
لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّه مجرد دعوى وإمكان، ولا دليل عليه.

الأمر الثاني:
أنّ إطلاق اللّفظ في مثل هذه الاُمور ليس من قبيل استعمال اللّفظ في المعنى؛ إذ لا وجود ههنا إلّا لانتقال واحد، وهو الانتقال من اللّفظ إلى صورته فقط، بخلاف استعمال اللّفظ في المعنى؛ فإنّ الانتقال فيه من اللّفظ إلى صورته أوّلاً، ثمّ منها إلى المعنى.

الأمر الثالث:
أنّه بعد ما اخترنا أنّ الوضع هو الهوهويّة، فيكون الاستعمال عبارةً عن إلقاء المعنى بإلقاء اللّفظ، فيكون المنظور إليه هو المعنى لا اللّفظ، بل اللّفظ كالمرآة منظور فيه، لا إليه، وهذا هو معنى قولهم: إفناء اللّفظ في المعنى.
وأمّا مورد بحثنا فهو من قبيل النظر إلى المرآة، لأنّ المتكلّم هنا ناظر إلى اللّفظ فقط وغافل عن المعنى. فإذا كان هذا هو معنى الاستعمال، فكيف يمكن استعمال الشيء في نفسه، وكيف يكون الشيء في آن واحد ملتفتاً إليه ومغفولاً عنه؟؟ ليس هذا إلّا التناقض.
وقد أجاب عن هذا صاحب الكفاية بما لفظه:
«يمكن أن يقال: إنّه يكفي تعدّد الدالّ والمدلول اعتباراً، وإن اتّحدا ذاتاً، فمن حيث إنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالّاً، ومن حيث إنّ نفسه وشخصه مراده كان مدلولاً..»().
وحاصله: أنّه يكفي في رفع المحذور التعدّد الاعتباريّ، ففي استعمال اللّفظ وإرادة شخصه، وإن كان الدالّ والمدلول أمراً واحداً، إلّا أنّه يكفي تعدّدهما من حيث الاعتبار، ولا يلزم أن يكون الدالّ والمدلول متعدّدين ذاتاً، فاللّفظ من جهة صدوره عن لافظ يتّصف بأنّه دالّ، ومن جهة أنّ شخصه هو مقصوده ومتعلّق إرادته يتّصف بأنّه مدلول.
واستشكل فيه الاُستاذ المحقّق () بما مفاده: أنّه لا يفيد التوجيه ولا التأويل بالتغاير الاعتباريّ؛ لما ذكرناه من أنّ الوضع عبارة عن الهوهويّة وإفناء اللّفظ في المعنى، فكأنّه لم يلق إلى المخاطب إلّا المعنى، وكأنّه لم ينظر إلّا إليه، ولا يعقل استعمال الشيء في نفسه، كما لا يخفى؛ لأنّ لازم ذلك هو فناء الشيء في نفسه، والفناء غير ممكن إلّا بين شيئين متغايرين بالوجود.
ولكن أجاب عنه المحقّق الأصفهانيّ بما لفظه:
«التحقيق: أنّ المفهومين المتضايفين ليسا متقابلين مطلقاً، بل التقابل في قسم خاصّ من التضايف، وهو ما إذا كان بين المتضايفين تعاند وتناف في الوجود، كالعلّيّة والمعلوليّة، ممّا قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد، لا في مثل العالميّة والمعلوميّة، والمحبّيّة والمحبوبيّة، فإنّهما يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات، كما لا يخفى، والحاكي والمحكيّ، والدالّ والمدلول، كاد أن يكون من قبيل القسم الثاني، حيث لا برهان على امتناع حكاية الشي‏ء عن نفسه»().
وتوضيحه: أنّ المتضايفين ليسا بمتقابلين على الإطلاق، وإنّما يكون التقابل بينهما في قسم خاصّ منهما، وهو ما إذا كان المتضايفان متعاندين ومتنافيين في الوجود، بحيث لا يمكن اجتماعهما في محلّ واحد، كالعلّيّة والمعلوليّة، والاُبوّة والبنوّة؛ فإنّه لا يمكن اجتماع العلّيّة والمعلوليّة بالنسبة إلى شخص واحد، وكذلك، فلا يمكن لشخص واحد، ومن جهة واحدة، أن يصدق عليه أنّه ابن وأب، وأن تجتمع فيه الاُبوّة والبنوّة، بأن يكون أباً وابناً للشّخص عينه.
وأمّا القسم الآخر من التضايف، فهو ما لا تعاند بينهما في الوجود، وذلك كالعالميّة والمعلوميّة، وكالمحبّيّة والمحبوبيّة، فإنّه يمكن اجتماعهما في واحد ولو كان هذا الواحد من غير ذي الجهات.
والحاكي والمحكيّ، والدالّ والمدلول، هما من هذا القبيل؛ إذ لا دليل على امتناع حكاية الشيء عن نفسه، أو دلالته على نفسه، بل قد ورد في دعاء الصباح لأمير المؤمنين: «يا من دلّ على ذاته بذاته»()، وقال إمامنا زين العابدين أيضاً: «أنت دللتني عليك»().
وفيه: أنّ هذا إنّما يتمّ بناءً على أنّ إلقاء اللّفظ هو بمعنى الحكاية أو الدلالة، وأمّا إذا كان بمعنى الفناء والهوهويّة فلا؛ لأنّه لا يمكن ـ كما ذكرنا ـ فناء الشيء في نفسه، وكذا لا يمكن أن يكون الشيء مغفولاً عنه وغير مغفول عنه في آن واحد، بل إنّ هذا لا يعقل إلّا بين شيئين. هذا. والإشكال هنا يرتفع بناءً على مسلك الهوهويّة أكثر من أيّ مسلك آخر؛ لأنّ الهوهويّة في المقام حقيقيّة، فينسجم المقام مع هذا المسلك، فإنّه هو هو حقيقةً، بلا حاجة إلى تكلّف أن نجعله إيّاه لحاظاً.
وأمّا اُستاذنا الأعظم: فإنّه بعد تسليمه بصحّة ما أفاده المحقّق الأصفهانيّ من أنّ التقابل في قسم خاصّ من المتضايفين، وليس مطلقاً، ذكر أنّ اجتماع الدالّ والمدلول هنا في شيء واحد أمر غير ممكن؛ لأنّ مقامنا من قبيل العلّيّة والمعلوليّة، لأنّ حضور اللّفظ الملقى إلى المخاطب هو السبب والعلّة لحضور المعنى، فكلّ مخاطب، بل كلّ سامع عند سماع اللّفظ ينتقل ذهنه إلى اللّفظ أوّلاً، وبسببه ينتقل إلى المعنى ثانياً.
وبديهيّ أنّ العلّيّة والمعلوليّة يقتضيان الاثنينيّة والتعدّد، وأنّه لا يعقل أن يكون شيء واحد علّةً ومعلولاً.
ثمّ قال: «ومن هنا يظهر: أنّ قياس المقام بدلالة ذاته تعالى على ذاته قياس مع الفارق، فإنّ سنخ تلك الدلالة غير سنخ هذه الدلالة، إذ إنّها بمعنى ظهور ذاته بذاته وتجلّي ذاته لذاته، بل ظهور جميع الكائنات بشتّى ألوانها وأشكالها من المادّيّات والمجرّدات بذاته تعالى، وهذا بخلاف الدلالة هنا فإنّها بمعنى الانتقال من شي‏ء إلى شي‏ء آخر»().
وقد يستشكل على أصل هذا الاستعمال ـ أعني: استعمال اللّفظ وإرادة شخصه ـ بأنّ لازمه كون القضيّة الواقعيّة مركّبةً من جزأين، فإنّ القضيّة اللّفظيّة بموضوعها ومحمولها والنسبة التي بينهما لا تحكي إلّا عن القضيّة الواقعيّة، وبحسب الفرض، فإنّ القضيّة الواقعيّة لا موضوع لها في المقام في قبال القضيّة اللّفظيّة، وأنّه ليس في الواقع إلّا المحمول والنسبة، مع أنّ النسبة يستحيل أن توجد بدون طرفيها وركنيها().
وتلخّص: أنّ إطلاق اللّفظ وإرادة شخصه غير ممكن من جهتين:
الاُولى: أنّ هذا الاستعمال ليس من قبيل استعمال اللّفظ في المعنى؛ لوجود المغايرة بين اللّفظ والمعنى، ممّا يجعل فناء أحدهما في الآخر أمراً ممكناً، ويمكن أيضاً، وبلا محذور، أن يلاحظ أحدهما باللّحاظ الآليّ والآخر باللّحاظ الاستقلاليّ، كما هو معنى الاستعمال.
وأمّا فيما نحن فيه، فذلك غير ممكن؛ لأنّ فناء اللّفظ في نفسه غير ممكن، وكذا لا يمكن أيضاً أن يتعلّق اللّحاظ الآليّ والاستقلاليّ بشيء واحد.
والثانية: أنّ ما نحن فيه ليس من باب استعمال اللّفظ في شيء، مضافاً إلى أنّ القضيّة لا بدّ أن تتركّب من ثلاثة أجزاء: الموضوع، والمحمول، والنسبة. وبما أنّ هذه القضيّة ليس لها موضوع، فلم يبق هناك إلّا المحمول، والقضيّة، أيّة قضيّة كانت، لا يمكن أن تتركّب القضيّة من جزأين؛ كيف؟! والنسبة لا يعقل أن تتحقّق بدون ركنيها.
ولكنّ صاحب الكفاية  أجاب عن هذا الإشكال، بما نصّه:
«مع أنّ حديث تركّب القضيّة من جزأين ـ لولا اعتبار الدلالة في البين ـ إنّما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه، وإلّا كان أجزاؤها الثلاثة تامّةً، وكان المحمول فيها منتسباً إلى شخص اللّفظ ونفسه، غاية الأمر: أنّه نفس الموضوع لا الحاكي عنه، فافهم، فإنّه لا يخلو عن دقّة»().
وتوضيحه: أنّ القضيّة هنا أيضاً مركّبة من ثلاثة أجزاء: موضوع ومحمول ونسبة؛ وذلك لأنّ الإشكال إنّما يأتي لو كان المقام من باب استعمال اللّفظ في المعنى، باعتبار أنّ المعنى لا يوجد في الذهن إلّا بواسطة اللّفظ، فحينئذ يكون اللّفظ واسطةً في وجوده وحضوره ولا يكون هو بنفسه موضوعاً للقضيّة، بل هو لفظ الموضوع وحاك عنه.
فموضوعيّة اللّفظ لها إنّما هي من جهة أنّه الواسطة لإحضار ما هو موضوع فيهما حقيقةً، فاللّفظ ليس بموضوع، وإنّما هو حاك.
نعم، في القضيّة اللّفظيّة يكون اللّفظ هو الموضوع، ولكن مقامنا ليس من هذا القبيل؛ فإنّ حال الموضوع هنا حال بقيّة الموجودات الخارجيّة، فإنّه لا يحتاج لوجوده وحضوره في الذهن إلى أيّة واسطة، وليس حاله حال اللّفظ بالنسبة إلى معنى بحيث يكون حاكياً عنه، وحينئذ: فلا يلزم محذور تركّب القضيّة من جزأين، بل هذا المحذور إنّما يأتي لو كان الموضوع يحتاج إلى الواسطة، وبما أنّ الموضوع هنا هو نفس اللّفظ الخارجيّ، لا بما هو حاكٍ عن المعنى الذي صدر عن المتكلّم، أي: نفس اللّفظ، فيكون هو الموضوع، ويكون محموله هو الصورة الذهنيّة، فتتركّب القضيّة من ثلاثة أجزاء.
ولا يضرّ هنا خلوّ القضيّة عن الموضوع اللّفظيّ المسمّى ﺑ (الصناعيّ)، والذي يكون حاكياً عن الموضوع الواقعيّ، وإنّما الذي يضرّ هو خلوّ القضيّة عن الموضوع الواقعيّ، وأمّا عدم كونه حاكياً فغير مضرّ.
واستشكل على هذا اُستاذنا المحقّق بقوله:
«لا يمكن تشكيل القضيّة من موضوع خارجيّ ومفهوم ذهنيّ، كما هو مفروضه، لأنّه ـ بناءً على ما ذكره [أي: صاحب الكفاية] ـ نفس شخص اللّفظ الخارجيّ الّذي صدر عن المتكلم في ذلك الكلام الذي هو من مقولة الكيف المسموع صار موضوعاً، وما هو معنى المحمول ـ و المراد منه، أي: الصورة الذهنيّة التي يحكي عنها ـ يكون محمولاً. وهذا ما قلنا من لزوم تركب القضيّة من موضوع خارجيّ ومفهوم ذهنيّ. وأمّا عدم إمكان هذا المعنى فلأنّ ظرف الحكم وتشكيل القضيّة ليس إلّا الذهن، ولذلك قالوا: إنّ القضيّة لا بدّ لها من تصوّرات ثلاثة، غاية الأمر: اختلفوا في أنّها شروط أو شطور»().
وملخّصه: أنّ هذه الصورة من القضيّة التي تحدّث عنها المحقّق الخراسانيّ مستحيلة؛ لأنّها قد تركّبت من موضوع خارجيّ ومحمول ذهنيّ، مع أنّ القضيّة الذهنيّة لا بدّ أن يكون موضوعها ومحمولها في الذهن، والخارجيّة لا بدّ أن يكون محمولها وموضوعها في الخارج. وعليه: فلا يمكن فرض وجود هكذا قضيّة واقعاً.
هذا. ولكن يمكن أن يقال:
أوّلاً: نحن إنّما نسمّيها بالقضيّة الذهنيّة باعتبار جزئها ـ وهو المحمول ـ كما يقال لزيد: (مجروح) باعتبار جزء من بدنه.
وثانياً: لا ضير في الاصطلاح، إلّا يقال: القضيّة لفظيّة؛ لأنّ مدّعى المحقّق الخراسانيّ إنّما هو صدق هذه القضيّة بدون تأويل، وأمّا تسميتها فأمر لا يهمّه.

 


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com