الفصل العاشر: الحقيقة الشرعيّة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الفصل العاشر: الحقيقة الشرعيّة


وقبل الدخول في صميم البحث ينبغي بيان اُمور:
الأمر الأوّل: هل قام الشارع بنقل الألفاظ من معانيها اللّغويّة إلى معانيها الشرعيّة ووضعها لتلك المعاني حتّى تثبت الحقيقة الشرعيّة؟! أم أنّه لم ينقلها، وإنّما استعمل الألفاظ في المعاني الشرعيّة بنحو المجاز وأقام عليه القرينة، فالحقيقة الشرعيّة غير ثابتة، ولفظ (الصلاة) ـ مثلاً ـ موضوع للدّعاء لغةً، والشارع عندما استعمله في الأركان المخصوصة استعمله فيه بالقرينة؟!
والأمر الثاني: الوضع قسمان: تعيينيّ وتعيّنيّ.
فهل الوضع الثابت ـ على القول بالنقل وثبوت الحقيقة الشرعيّة ـ وضع بالمعنى الأوّل أم الثاني؟! الظاهر الثاني.
والأمر الثالث: في الأقوال الواردة في هذه المسألة وقد ذكروا فيها أقوالاً ستّة:
القول الأوّل: الثبوت مطلقاً، بلا فرق بين العبادات والمعاملات، وكذا بين الألفاظ الكثيرة الدوران وغيرها، وبين الألفاظ المتداولة في عصر النبيّ وغيرها.
والثاني: العدم مطلقاً.
والثالث: الفرق بين الألفاظ الكثيرة الدوران، كالصلاة والصوم وغيرها، بالثبوت في الاُولى دون الثانية.
والرابع: الفرق بين ألفاظ العبادات والمعاملات، بثبوتها في الاُولى دون الثانية.
والخامس: التفصيل بين الألفاظ المتداولة في عصر النبيّ وبين عصر الصادقين، بالنفي في الاُولى والثبوت في الثانية.
والسادس: التفصيل بين الألفاظ الكثيرة الدوران في زمان الشارع وما بعده من عصر الصادقين وما بعده من سائر الأعصار.
ولكنّ هذا القول يجب ألّا يعدّ من أقوال ثبوت الحقيقة الشرعيّة؛ لأنّه لو فرض ثبوتها بعد عصر النبيّ والأئمّة فـأيّة ثمـرة تترتّب عليـه؟! وأنّى للاستعمـال بعـد عصورهـم أن يصبـح حقيقةً شرعيّة؟! وبخروجه عن الحقيقة الشرعيّة يخرج عن أصل هذا البحث، كما لا يخفى، وبخروجه، فلابدّ من إخراج القول الخامس عن البحث أيضاً.
والأمر الرابع: ما هو المراد من الحقيقة الشرعيّة؟
المراد منها: أنّ الشارع وضع أسماءً خاصّةً لمعان شرعيّة، بلا فرق بين أن تكون تلك المعاني مخترعةً من نفس الشارع أم كانت موجودة قبل شرعنا.
وبلا فرق في ذلك بين ألفاظ العبادات والمعاملات، فلو فرض أنّ هناك اُموراً عرفيّةً كانت موجودةً منذ الشرائع السابقة وقد أمضاها الشارع في شرعنا، فإنّ هذا يمكن القول بدخوله في الحقيقة الشرعيّة هو أيضاً؛ إذ يجوز أن يكون الشارع قد اصطلح عليه في شرعنا باصطلاح خاصّ، وأن يكون قد سمّاه بتسمية خاصّة، فحينئذ: يكون من الحقيقة الشرعيّة عنده.
نعم، إنّما تخرج المسألة عن محلّ البحث فيما إذا كان الشارع قد أمضى التسمية أيضاً.
وبهذا ظهر: ما فيما ذكره بعض المحقّقين ـ كصاحب الكفاية ـ  من أنّ النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه إنّما يجري بناءً على كون المعاني الشرعيّة مستحدثةً في شرعنا، وأمّا بناءً على وجودها في الشرائع السابقة ـ كما هو مقتضى غير واحدة من الآيات الشريفة - فلا مجال للنزاع في ثبوتها فيها.
وفيما يلي نصّ كلامه:
«هذا كلّه. بناءً على كون معانيها مستحدثةً في شرعنا. وأمّا بناءً على كونها ثابتةً في الشرائع السابقة، كما هو قضيّة غير واحد من الآيات، مثل قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِيِنَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾()، وقوله تعالى: ﴿وَأَذِّنَ فِي النّاسِ بِٱلْحَجِّ﴾()، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْصَانِـي بِٱلْصّلَاةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾()، إلى غير ذلك... فألفاظها حقائق لغويّة، لا شرعيّة. واختلاف الشرائع فيها جزءاً وشرطاً لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهيّة، إذ لعلّه كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحقّقات، كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا، كما لا يخفى»().
فقد عرفت ممّا ذكرناه: أنّ الشارع وإن كان قد أمضى تلك الحقائق، إلّا أنّه يمكنه أن يصطلح عليها ويسمّيها بنفسه بتسمية خاصّة، وحينئذ أيضاً يأتي هذا البحث.
ومجرّد ورودها في القرآن المجيد أو وجود حقائقها في الشرائع السابقة، لا يكون دليلاً على أنّها مسمّيات لنفس هذه الأسماء، بل لعلّها كانت مسمّاةً بأسماء اُخرى، بل إنّ مجرّد ثبوتها في الشرائع السابقة لا يثبت به الحقائق اللّغويّة، فضلاً عن الشرعيّة، بل ثبوتها متوقّف على أمرين:
الأوّل: ثبوت تلك الماهيّات في الشرائع السابقة.
والثاني: تسميتها بهذه الأسماء أنفسها.
والأمر الخامس: أنّ الوضع ـ كما عرفت آنفاً ـ على قسمين: تعيينيّ وتعيّني.
والأوّل ـ أيضاً ـ على قسمين؛ لأنّ الوضع تارةً يتحقّق بتصريح من الواضع بإنشائه، كما إذا قال: وضعت اللّفظ الكذائيّ للمعنى الفلانيّ. وتارةً يتحقّق بنفس استعمال لفظ في معنى يقصد الوضع له والحكاية عنه، فبنفس هذا الاستعمال يحصل الوضع، كما إذا قال لولده ـ الذي لم يعيّن له اسماً من قبل ـ: ناولني ولدي هذا زيداً، قاصداً بذلك تسمية ولده بهذا الاسم. فإنّه بنفس الاستعمال عيّن له الاسم، وقبل الاستعمال لايكون المستعمل فيه موضوعاً له، وإنّما يصير المعنى حقيقيّاً لهذا اللّفظ بنفس الاستعمال.
قد يقال: إنّه لا يكون هذا من الاستعمال في المعنى الحقيقيّ؛ لأنّه لا بدّ فيه من أن يكون الوضع سابقاً على الاستعمال، ولا في المعنى المجازيّ؛ لأنّه وإن كان توفّر على القرينة، إلّا أنّها ليست للدّلالة على المعنى المجازيّ حتى تكون صارفةً عن المعنى الحقيقيّ، بل إنّما هي للدلالة على قصد الوضع بهذا الاستعمال.
ومن هنا يتّضح الجواب المنقول عن المحقّق النائينيّ في المقام()، وملخّصه: أنّ الاستعمال عبارة عن جعل اللّفظ فانياً في معناه، ومن المعلوم: أنّ إضافة المعنى إلى اللّفظ بحيث ينسب إليه ـ حيث يقال: إنّ هذا المعنى هو معنى ذلك اللّفظ ـ منوطة بحصول العلقة بين اللّفظ والمعنى الناشئة عن الوضع، فلابدّ في صحّة الاستعمال من تقدّم الوضع عليه، وإذا كان الاستعمال متأخّراً عن الوضع فكيف يتحقّق به الوضع؟!
وأمّا ادّعاء الوضع التعيينيّ بالمعنى الأوّل فهو مشكل؛ لأنّه لو كان مثل هذا الوضع من قبل الشارع لشاع وظهر لنا، فإنّه ليس من الاُمور التي تخضع لدواعي الإخفاء، بل مقامنا من باب «لو كان لبان»، وليس من باب «عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود».
وأمّا بالمعنى الثاني ـ أي: تحقّق الوضع التعيينيّ بنفس الاستعمال ـ فالحقّ: أنّه غير ممكن؛ وذلك لاستلزامه الجمع بين اللّحاظين: الآليّ والاستقلاليّ؛ فإنّ الوضع يقتضي تصوّر اللّفظ ولحاظه استقلالاً لكي يتمكّن من وضعه للمعنى، وأمّا الاستعمال، فإنّ معناه وحقيقته إفناء اللّفظ في المعنى، الأمر الذي يقتضي لحاظ اللّفظ آلةً ومرآةً.
وعليه: فقصد إنشاء الوضع بنفس الاستعمال يستلزم الجمع بين اللّحاظين: الآليّ والاستقلاليّ، وهو ممتنع، كما هو ظاهر.
وقد أجاب عن هذا اُستاذنا المحقّق:
بأنّه على تقدير صحّة مثل هذا القسم من الوضع التعيينيّ ، يكون هذا الاستعمال حقيقةً، لا أنّه لا حقيقة ولا مجاز؛ لأنّه لا يشترط في تأخّر الاستعمال عن الوضع التأخّر الزمانيّ، وإنّما يكفي التأخّر الرتبيّ، كما هو الشأن في باب العلّة والمعلول.
ثمّ قال: «وبمثل هذا البيان صحّحنا إحدى المقدّمات المهمّة في باب الترتّب، وقلنا: إنّ فعليّة الأمر بالأهمّ وامتثاله وعصيانه مع فعليّة الأمر بالمهمّ وامتثاله وعصيانه، كلّ هذه الستّة في زمان واحد، مع أنّ المفروض أنّ عصيان الأمر بالأهمّ من مقدّمات فعليّة الأمر بالمهمّ وموضوع له وداخل في سلسلة علله»().
وأمّا إشكال الجمع بين اللّحاظين فقد أجاب عنه المحقّق العراقيّ: بأنّ الملحوظ باللّحاظ الاستقلاليّ في مقام الوضع هو طبيعيّ اللّفظ وهو الملتفت إليه، كما هو واضح، وأمّا الملحوظ باللّحاظ الآليّ في مقام الاستعمال فهو شخص اللّفظ المستعمل، وعليه: فلا يلزم من الوضع على النحو المزبور اجتماع اللّحاظين المتنافيين في موضوع واحد.
قال: «تتميم للمرام بإرشاد في المقام، وهو: أنّ حقيقة الوضع كما أنّه قد يتحقّق بجعل قبل الاستعمال، فقد يتحقّق بنفس استعمال لفظ في معناه بقصد حصوله.
وتوهّم أوله إلى اجتماع اللّحاظين غلط، إذ النظر المرآتيّ متوجّه إلى شخص اللّفظ والمعنى حال الاستعمال، وهما غير ملحوظين استقلالاً حين الوضع، وما هو ملحوظ كذلك، فهو طبيعة اللّفظ وطبيعة المعنى حين وضعه، وأحدهما غير الآخر في مقام اللّحاظ، كما لا يخفى...»().
وفيه: أنّه لا شكّ في إمكان كون شخص اللّفظ حاكياً عن نوعه، ومعلوم: أنّه لا يلزم من ذلك اجتماع اللّحاظين الآليّ والاستقلاليّ، ولكنّ هذا الكلام أجنبيّ عن محلّ بحثنا، لأنّ كلامنا هنا في استعمال اللّفظ في المعنى وفنائه فيه وإرادة ذلك المعنى، فإذا قال شخص: «ناولني ولدي محمّداً» قاصداً بذلك التسمية بهذا الاسم بنفس هذا الاستعمال، فقد اجتمع فيه اللّحاظان الآليّ والاستقلاليّ.
وقد أُجيب عن هذا(): بأنّ اللّحاظ الآليّ تعلّق بشيء والاستقلاليّ بشيء آخر، فإنّ الوضع قد حصل قبل الاستعمال بالبناء القلبيّ، وقد جاء الاستعمال ليكون مظهراً له وكاشفاً عنه.
وبمثل ذلك قال الشيخ الأنصاريّ ـ في باب الفسخ الفعليّ بالأفعال المتوقّفة على الملك ـ: بأنّ الفسخ يحصل بالبناء، ويكون الفعل كاشفاً عنه.
وأنت ترى: أنّ هذا الكلام خارج عن محلّ البحث؛ لأنّ مفروض البحث فيما إذا حصل الوضع بنفس الاستعمال لا بشيء آخر قبله.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: ما في كلام اُستاذنا المحقّق «من أنّ الوضع بالمعنى الاسم المصدريّ ـ أي: تلك العلاقة وذلك الارتباط ـ من الاُمور الاعتباريّة، فلابدّ وأن يكون له سبب عرفيّ أو شرعيّ، وسببيّة البناء عندهم لذلك غير معلوم، وإلّا لو كان البناء القلبيّ عندهم سبباً لذلك، ولو باعتبار تعقّبه بذلك الاستعمال مبنيّاً على ذلك البناء، لكان هذا الوجه لتصوير الوضع التعيينيّ حسناً في نفسه، وإن كان غير مربوط بما قيل من تحقّق الوضع بنفس مثل ذلك الاستعمال»().
وحاصله: أنّه لو ساعد البناء العرفيّ على مثل هذا الوضع، وعلمنا أنهم في مقام تسمية أولادهم يبنون على وجود مثل هذه العلاقة في هذا النوع من الاستعمالات، فلابدّ أن يحمل على أنّ البناء القلبيّ عندهم سبب لتلك العلقة إذا كان متعقّباً بمثل ذلك الاستعمال.
وكذلك يظهر الإيراد فيما ذكره اُستاذنا الأعظم، ونصّ كلامه:
«بل لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا الجمع بين الوضع والاستعمال في آن واحد، لم نسلّم استلزامه الجمع بين اللّحاظين: الآليّ والاستقلاليّ، فإنّ هذا اللّازم مبتن على مذهب المشهور في مسألة الاستعمال، حيث إنّهم يرون الألفاظ في مرحلة الاستعمال آليّات، وأمّا على المذهب الصحيح من أنّ حال الألفاظ حال المعاني في مقام الاستعمال، فكما أنّ المعاني ملحوظة استقلالاً، فكذلك الألفاظ، ومن هنا يلتفت المتكلّم إلى خصوصيّات الألفاظ الصادرة منه، من كونها لغةً عربيّةً أو فارسيّةً أو غير ذلك، فلا يلزم من الجمع بين الوضع والاستعمال الجمع بين اللّحاظين: الآليّ والاستقلاليّ»().
وملخّص ما أفاده: أنّ هذا الإشكال إنّما يرد لو كانت الألفاظ في مرحلة الاستعمال ملحوظةً باللّحاظ الآليّ، كما هو مذهب المشهور، وأمّا لو قلنا: بأنّها استقلاليّة: فإنّ الألفاظ في مقام الاستعمال كالمعاني في أنّها تلاحظ استقلالاً، ولذا نرى أنّ المتكلّم في مقام التكلّم يلتفت إلى أنّ هذا اللّفظ عربيّ أو غيره.
إذ يرد عليه: أنّها في مقام الاستعمال لا تلحظ إلّا آليّةً، وتكون مثل النظر إلى المرآة، فإنّها غير ملتفت إليه غالباً، وحصول الالتفات إليها أمر نادر.
أمّا القسم الثاني ـ وهو الوضع التعيّني ـ: فهو ـ بدوره ـ يتوقّف أوّلاً على عدم وضع تلك الألفاظ بإزاء تلك المعاني قبل شرعنا، وإلّا تصبح حقائق لغويّة. وثانياً: إنّما يتمّ لو فرض عدم سبق وضع شرعيّ تعيينيّ.
وعلى أيّ حال، فلو ثبت، فهل هو بمعنى كثرة الاستعمال في خصوص لسان الشارع ـ أي النبيّ ـ؟؟ أم يكفي كثرة الاستعمال في عصره ولو كان على لسان غيره؟ وأيضاً: فلو كان ثبوته بالمجموع من الصادر عن لسان الشارع والمتشرّعة معاً، فهل تثبت الحقيقة الشرعيّة أم المتشرعيّة؟؟
الحقّ: أنّ المراد من الحقيقة الشرعيّة هو حصولها في عصر النبيّ، ولا يشترط في ثبوتها الحصول على لسان النبيّ خاصّةً.
ولكن، ومع ذلك، فحصول الحقيقة الشرعيّة في عصره محلّ كلام؛ إذ غاية ما فيه هو الإمكان، والإمكان ـ كما لا يخفى ـ لا يدلّ على الوقوع. فثبوت الحقيقة الشرعيّة في خصوص لسانه ممنوع، بل لا بدّ أن تثبت في عصره حتى يصدق عليها الحقيقة الشرعيّة، وحينئذ: فإذا ورد لفظ (الصلاة) في عصره فيحمل على الأركان المخصوصة، لا على الدعاء.
وما قيل: من حصول التبادر، فإن اُريد منه: التبادر في عصرنا فغير مفيد، وإن اُريد: التبادر في عصر النبي فغير ثابت، وعليه: فثبوت هذه الحقائق في عصره ولو حصلت من كثرة الاستعمال أيضاً ممنوع.
فإن قلت: إذا ثبت تبادر الحقيقة الشرعيّة عندنا فيمكن إثباته في زمان النبيّ عن طريق الاستصحاب القهقرى.
قلت: سلّمنا حجّيّة هذا الاستصحاب، ولكنّه معارض باستصحاب عدم النقل عن المعاني اللّغويّة.
هذا. ولكن يمكن ادّعاء ثبوت الحقيقة الشرعيّة خصوصاً في أواخر عصره، بعد استعمالها لمدّة مديدة، وذلك في الألفاظ الكثيرة الاستعمال، من أمثال لفظ (الصوم) و(الصلاة).

ثمرة هذا البحث
قد يقال: تظهر الثمرة من هذا البحث بحمل الألفاظ على المعنى المدّعى وضع الألفاظ المزبورة لها إن قلنا بثبوت الوضع والحقيقة الشرعيّة، وعدم حملها عليها، بناءً على عدمه.
ولكن قد اُجيب عن هذا: بأنّ الثمرة غير مثمرة؛ لأنّا نعلم بأنّ الشارع لم يستعمل هذه الألفاظ في شريعته إلّا في المعاني المستحدثة ولو كان استعمالها بعنوان المجاز. ولكن هذا مجرّد دعوى وثبوته يحتاج إلى دليل.
وخلاصة البحث: أنّه بناءً على عدم ثبوتها يلزم حمل الألفاظ الصادرة عن المعصوم المجرّدة عن القرائن على المعاني اللّغويّة، وأمّا على القول بثبوتها فإن علم تأخّر الاستعمال عن زمان الوضع، سواء كان تعيينيّاً أم تعيّنيّاً، وجب حملها على المعاني الشرعيّة.
وأمّا إذا شك في تاريخ الاستعمال، وأنّه هل كان قبل وضع هذه الألفاظ للمعاني الشرعيّة أم بعده؟ فهل تحمل على المعاني اللّغويّة، لأصالة تأخّر الوضع عن الاستعمال، أو أصالة عدم النقل إلى زمان استعمالها؟؟ أم تحمل على المعاني الشرعيّة لأصالة تأخّر الاستعمال عن الوضع ؟ فيه إشكال؛ أمّا:
أوّلاً: فلكونه من الأصل المثبت.
وأمّا ثانياً: فللتعارض، كما ذكرنا.
وأمّا إذا كان المراد من الأصل: الأصل العقلائيّ فعند الشكّ في النقل حين الاستعمال فيحمل على المعنى اللّغويّ بأصالة عدم النقل.
قد يقال: هذا الأصل لا يجري؛ لأنّ بناءهم عليه إنّما هو فيما إذا كان الشكّ في أصل النقل، وأمّا إذا علم النقل وشكّ في التقدّم والتأخّر، فلم يثبت بناؤهم عليه.
ولكنّ الظاهر: أنّه لافرق في بناء العقلاء بين الشكّ في أصل النقل وبين الشكّ في التقدّم والتأخّر. فسقوط هذا الأصل إنّما يكون لأجل المعارضة، كما ذكرنا، لا لعدم حجيّته في نفسها عند الجهل بتاريخ النقل.
ثمّ إنّهم قد ذكروا: أنّه لا ثمرة عمليّة لهذا النزاع؛ إذ لا إشكال في حمل ألفاظ النصوص الواردة عن الأئمّة على المعاني المستحدثة، وإنّما الكلام في الألفاظ الصادرة عن النبيّ، فهذه يؤخذ بها ويتعيّن حملها على المعاني الشرعيّة إن كان رواتها من قبل الأئمّة.
وأمّا الروايات الواردة عن لسانه لا عن طريق الأئمّة، فلو فرضنا جواز الأخذ بهذه الروايات، إلّا أنّها غالباً ما تكون محفوفةً بالقرائن.
نعم، تظهر الثمرة في الروايات الواردة عن لسانه الخالية عن القرينة.
وأمّا ما ذكر من الثمرة في النصوص القرآنيّة، فهي ـ أيضاً ـ غير مثمرة؛ لأنّ المراد من الألفاظ الموجودة في القرآن غالباً المعاني المستحدثة، لا نفس معانيها اللّغويّة.
وإن كانت هذه الألفاظ قد وردت ـ أحياناً ـ واُريد منها غير المعاني المستحدثة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنّ ٱللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلّوُنَ﴾()، وقوله تعالى: ﴿إِنّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لّهُمْ وَٱللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾()، إلى غيرهما من الآيات.
وأمّا بالنسبة إلى المعاملات، فلا يكون هذا البحث مثمراً أيضاً؛ لأنّ ألفاظ المعاملات ـ من أمثال لفظ (البيع) ـ ليست مستعملة إلّا في نفس معانيها العرفيّة.
نعم، غاية الأمر: أنّ الشارع المقدّس قد زاد فيها قيوداً، من جهة الأسباب المحصّلة، ومعلوم أنّه ليس كلّ تغيير وتبديل يكون موجباً لحصول النقل، بل أصل معناها العرفيّ باق على حاله، والشارع لم يتصرّف في أصل المعنى، غاية ما هنالك: أنّه خطّأ العرف في جعلهم التعامل الربويّ ناقلاً، فأبطله ونهى عنه، كما نهى عن بيع المنابذة والحصاة.
وبالجملة: فهو قد خطّأ العرف في الأسباب الموجبة للنّقل والانتقال، ومعناه: أنّه ليس كلّ سبب محصّل للتبديل شرعاً وموجب للتمليك.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com