الفصل الثاني عشر: الاشتراك

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الفصل الثاني عشر: الاشتراك


لا يخفى: أنّ مورد البحث هو الاشتراك اللّفظيّ. ويبحث عنه: تارةً من جهة الإمكان، واُخرى من جهة الوقوع.

أمّا الجهة الاُولى:
فقد اختلف في إمكانه وعدمه. فمنهم من ذهب إلى القول بالاستحالة، لأنّ الاشتراك ينافي حكمة الوضع؛ فإنّ المراد من الوضع هو التفهيم والتفهّم، والاشتراك سبب لإجمال المعنى؛ لأنّ نسبة اللّفظ الموضوع إلى كلّ من المعنيين على حدّ سواء، فالاشتراك يوجب إجمال المعنى، وهو مناف لحكمة الوضع.
وقد أُجيب عن هذا:
أوّلاً: بأنّ الاشتراك ليس سبباً لإجمال المعنى، ولا للإخلال بالتفهيم، ولا هو منافٍ لحكمة الوضع؛ وذلك لإمكان الاتّكال في تفهيم المعنى وإرادته على القرائن، ولذا قيل: إنّ الاشتراك كالمجاز يحتاج إلى القرائن، مع فارق، وهو أنّ القرينة في الثاني من أجل إرادة خلاف الحقيقة، وفي الأوّل لتعيين المراد وتسمّى ﺑ «معيّنة المراد».
وثانياً: قد تكون الحكمة في الإجمال وعدم إظهار المراد في بعض الموارد، كمجلس التخاطب، فيلقي المتكلّم الكلام على وجه الإجمال ثمّ بعد ذلك يبيّنه، كما في ترك ذكر الخاصّ إلّا في وقت العمل، وعليه: فقد يكون الإجمال في المراد من الأغراض العقلائيّة.
وفي مقابل هذا القول قول آخر، وهو القول: بوجوب الاشتراك؛ بدعوى تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني.
أمّا تناهي الألفاظ: فمن جهة تركّبها من الحروف الهجائيّة المتناهية، والمركّب من المتناهي متناه، والمعاني غير متناهية، ومن المعلوم عدم وفاء المتناهي بغير المتناهي. إذاً، فلابدّ من الاشتراك ووضع لفظ لمعان متعدّدة حتّى تكون الألفاظ وافيةً بالمعاني، ولكيلا يبقى معنىً بدون لفظ.
وقد استدلّ بعض العامّة على حجّيّة القياس في الأحكام الشرعيّة بنظير هذا الاستدلال، فقالوا: إنّ الفروع غير متناهية، وأحكام الكتاب والسنّة متناهية وغير وافية بالفروع، فلابدّ من القول: بحجّيّة القياس ليفي بالفروع.
ولكن فيه:
أوّلاً: أنّه على فرض التنزّل والقول بأنّ الألفاظ متناهية، فإنّ وضعها بإزاء المعنى غير المتناهية يدور أمره بين أن يكون محالاً أو لغواً؛ بيان ذلك: أنّ الواضع إمّا هو البشر، وهم متناهون، فلا يمكنهم ذلك، إذ كيف يمكن صدور الأوضاع غير المتناهية عن المتناهي؟! وإمّا هو الله تعالى، وهو عزّ وجلّ، وإن كان قادراً على وضع الألفاظ غير المتناهية، لعدم تناهيه، ولكن بما أنّ المستعمل هم البشر، وبما أنّ الوضع ليس إلّا مقدّمةً للاستعمال، فوضع الزائد عن مقدار الحاجة لغو.
فيكون وضع الألفاظ بإزاء المعاني غير المتناهية، والحالة هذه، لغواً، والحكيم تعالى منزّه عنه.
وثانياً: لا نسلّم أنّ المعاني غير متناهية؛ لأنّها إمّا جوهر أو عرض، وكلاهما متناهيان.
وبعبارة اُخرى: فإنّ جميع ما سوى الباري جلّ وعلا يكون متناهياً. وعلى فرض التنزّل وتسليم أنّ المعاني والمفاهيم الجزئيّة ليست متناهيةً، إلّا أنّه لا محيص عن الالتزام بالتناهي في المعاني الكلّيّة، فلا مانع من أن يوضع اللّفظ بإزاء تلك المعاني الكلّيّة دون مصاديقها وجزئيّاتها.
وثالثاً: هذا الكلام إنّما يتمّ لو تنزّلنا وسلّمنا بعدم التناهي المحتاج إليه في التفهيم والتفهّم، ولكنّ هذا إنّما يقبل فيما لو فرض أنّ جميع الاستعمالات يجب أن تكون على نحو الحقيقة.
وأمّا لو قلنا: بأنّ الألفاظ موضوعة بإزاء بعض المعاني الحقيقيّة؛ فإنّ باب المجاز واسع، ولا ينحصر التفهيم التفهّم بالوضع واستعمال اللّفظ في المعنى الحقيقيّ، بل يمكن تفهيم بعض المعاني باستعمال اللّفظ في المعنى الحقيقيّ، والبعض الآخر باستعماله في المعنى المجازيّ.
فظهر ممّا ذكرنا: أنّ الاشتراك ليس بواجب، كما قد عرفت أنّه ممكن، وليس بمحال.
وقد استدلّ صاحب الفصول لإمكان الاشتراك بقوله:
«فصل: الحقّ كما عليه المحقّقون: إمكان الاشتراك ووقوعه في اللّغة. ـ إلى أن قال ـ: لنا على إمكانه: عدم ما يقتضي وجوبه وامتناعه، وعلى وقوعه في اللّغة: نصّ اللّغويّين عليه في ألفاظ كثيرة ﻛ (القرء) في الطهر والحيض، و(العين) في الجارية والجارحة، و(عسعس) في أقبل وأدبر. وظاهر أنّ نقلهم إذا سلم عن المعارض كان حجّةً اتّفاقاً»(). انتهى.

وأمّا الجهة الثانية:
فقد استدلّوا على وقوع الاشتراك بالآية الشريفة: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنّ اُمّ الْكِتَابِ وَاُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾()، والمتشابه هو المجمل. فلا مانع من وقوع الاشتراك بعدما ذكرناه من أنّه قد يتعلّق الغرض بالإجمال والإهمال، وعليه: فيمكن وقوعه مطلقاً.
وأمّا التفصيل بين القرآن وغيره، والقول بامتناع وقوعه فيه دون غيره؛ فوجهه: أنّه لو وقع الاشتراك في القرآن، فإمّا أن يتّكل على القرائن في إفهام المعنى فيلزم التطويل بلا طائل، إذ كان بالإمكان أن يبيّن المراد بلفظ متّحد المعنى، فلا حاجة ـ حينئذٍ ـ إلى الاشتراك. وإمّا أن لا يتّكل في تعيين المراد على القرائن، فيلزم الإجمال، وكلا الأمرين غير لائق بكلامه تبارك وتعالى، كما هو ظاهر.
قد يقال: بأنّ هذا الكلام غير تامّ بعد الفراغ عن وقوع الاشتراك في القرآن. ولكنّه إنّما يصحّ إذا قلنا: بأنّ المراد من التشابه: تردّد اللّفظ بين المعاني.
أمّا دعوى: لزوم التطويل بلا طائل، فواضحة البطلان في الموارد التي يكون الاتّكال فيها على القرائن الحاليّة، فإنّ القرائن لا تنحصر بالمقاليّة، كما هو واضح. ثمّ كيف يلزم التطويل بلا طائل إذا كان هناك غرض آخر زائداً على بيان معنى المراد؟!
وأمّا دعوى: كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى، ففيها: أنّه قد يتعلّق الغرض بالإجمال أحياناً، فيكون لائقاً.
هذا.وقد أضاف صاحب الفصول جواباً ثالثاً، بقوله: «على أنّ اللّفظ المشترك قد يكون أفصح من غيره وأوفق بالقافية ونحو ذلك، فيترجّح من جهته»().
ويمكن أن يُضاف جواب رابع في البين، حاصله:
أنّ ثبوت الاشتراك في مثل ألفاظ: (قرء) و(عين) و(عسعس) ـ ممّا نصّ اللّغويّون على اشتراكه كما تقدّم ـ ممّا يقضي بوقوع الاشتراك في القرآن المجيد بعد وضوح وجود هذه الألفاظ فيه.
والحاصل: أنّ ما ذكره الاُستاذ المحقّق تبعاً للمحقّق الخراسانيّ() ـ من أنّ «ما ذكروه من الأدلّة على الوجوب أو الامتناع معلوم الفساد، فلا يليق بأن يذكر أو يسطر»()ـ وجيه وفي محلّه.
ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّ منشأ الاشتراك هل هو الوضع التعيينيّ أو التعيّني أو اختلاف اللّغات نتيجةً لكون العرب طوائف متعدّدة، واختلاط هذه اللّغات بعضها ببعض، كما استظهره المحقّق النائيني() من بعض المؤرّخين، أنّه حدث «من خلط بعض اللّغات ببعض، مثلاً: كان يعبّر عن معنىً في لغة الحجاز بلفظ، ويعبّر عن ذلك المعنى في لغة العراق بلفظ آخر»، ومن جمعهما أخيراً وجعل الكلّ لغةً واحدةً حدث الاشتراك.
ولا يخفى: أنّه إذا قلنا بوجود الترادف، فحاله في ذلك، حال الاشتراك بعينها.
ثمّ إنّ الاُستاذ الأعظم ذكر(): أنّ ما قد أُفيد من إمكان الاشتراك وأنّه لا يمتنع ولا يجب، وإن كان صحيحاً، إلّا أنّه إنّما يتمّ على مسلك القوم في تفسير الوضع، أي: على المسلك القائل بأنّ حقيقة الوضع عبارة عن اعتبار الواضع وجعله الملازمة بين طبيعيّ اللّفظ والمعنى الموضوع له، أو بأنّ حقيقته جعله وجود اللّفظ وجوداً للمعنى تنزيلاً، أو بأنّ حقيقته جعله اللّفظ على المعنى في عالم الاعتبار...
فهنا لا مانع من الاشتراك وتعدّد الجعل، لأنّ الاعتبار سهل المؤونة، ولا محذور في تعدّده في اللّفظ الواحد أصلاً.
وأمّا بناءً على المسلك الذي اختاره هو من أنّ حقيقة الوضع هي التعهّد فغير ممكن؛ لأنّه لا يمكن للواضع أن يجمع بين تعهّدين بلفظ واحد، فإنّ الثاني يكون مناقضاً للأوّل، ففي فرض تعهّده للثاني فلابدّ له أن يرفع يده عن التعهّد الأوّل.
ولكنّ ذلك إنّما يتمّ لو قلنا: بأنّ منشأ الاشتراك هو الوضع من شخص واحد، وأمّا لو قلنا: بأنّ الاشتراك حصل من خلط اللّغات، فلا ريب في أنّه يصحّ على مذهبه هو أيضاً؛ إذ يمكن أن يتعهّد كلّ شخص منهم في مورد لفظ خاصّ أن يأتي به لمعنىً غير ما وضعه له الآخر، ولا منافاة بين التعهّد الأوّل التعهّد الثاني، كما لا يخفى.
وخلاصة القول: أنّه بعد المفروغيّة عن وقوع الاشتراك في الكلام الفصيح وفي مسموع اللّغة ـ ﻛ (القرء) وغيره ـ فلا نتيجة لهذا البحث.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com