الواجب الموسّع والمضيّق

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الواجب الموسّع والمضيّق


لا يخفى: أنّ كلّ واجب فهو محتاج إلى زمانٍ يؤتى فيه بالعمل، بمعنى: أنّ الإتيان به لابدّ أن يقع في وقت من الأوقات. غاية الأمر: أنّ الوقت قد يكون دخيلاً وقيداً في لسان الدليل، وقد لا يكون كذلك، بأن لا يكون للزمان في لسان الدليل دخل في الواجب شرعاً.
فإن كان الواجب من قبيل الأول: سمّي ﺑ «الواجب الموقّت»، كالواجب في الصلوات اليوميّة. وإن كان من قبيل الثاني سُمّي ﺑ «الواجب غير الموقّت»، كالواجب في صلاة الزلزلة.
ثمّ إنّ الواجب الموقّت ـ بدوره ـ ينقسم إلى قسمين:
فإنّ الزمان إمّا أن يكون بقدر الفعل ومساوياً له، وإمّا أن يكون أوسع منه؛ فالأوّل: الواجب المضيّق، كصيام شهر رمضان. والثاني: الواجب الموسّع، كالصلاة اليوميّة.
وأمّا العكس، أي: أن يكون العمل أوسع من الزمان، فمحال؛ لأنّ المظروف لا يمكن أن يكون أوسع من الظرف، كما هو ظاهر.
فإذا كان للواجب دليلان، وكان أحدهما مطلقاً، وكان المستفاد من الآخر التقييد بالوقت، أعمّ من أن يكون على نحو الواجب الموسّع أو المضيّق، فلا محالة: يكون بين هذين الدليلين تنافٍ، فيحمل المطلق على المقيّد.
وليس المقام من قبيل تعلّق الحكم بالمطلق على نحو مطلق الوجود، كما في «أكرم عالماً» و«أكرم عالماً هاشميّاً»، حتى لا يكون حمل المطلق على المقيّد جائزاً، وحتى يكون المتعيّن أن يُحمل المقيّد على أفضل الأفراد، بل إنّما هو هنا من قبيل تعلّق الحكم بالمطلق على نحو صرف الوجود، وفي مثل ذلك، يتعيّن حمل المطلق على المقيّد.
هذا، وقد يُستشكل على كلا الواجبين: المضيّق والموسّع.

الإشكال على الواجب المضيّق:
أمّا الإشكال على الواجب المضيّق، فحاصله:
أنّه غير ممكن؛ لأنّه يلزم فيه أحد محذورين، هما: إمّا تقدّم المعلول على علّته، أو تأخّره عن العلّة زماناً.
توضيح ذلك: أنّ الزمان لابدّ وأن يكون أزيد من مقدار امتثاله، ولو بآنٍ ما؛ لتأخّر الانبعاث عن البعث، وترتّبه عليه، ففي الصوم الذي يكون وجوبه مشروطاً بأوّل آن طلوع الفجر، وهنا:
فإذا فُرض تقدّم الوجوب عليه، لزم تقدّم المعلول والمشروط على العلّة والشرط، أعني: آن طلوع الفجر، وهو محال؛ لأنّ المفروض أنّ الوجوب متوقّف على الطلوع، وهذا التقدّم واضح البطلان.
وإذا فُرِض تأخّر الوجوب عن موضوعه، وهو طلوع الفجر، لزم خلوّ آن من آنات النهار عن الصوم، فيلزم تأخّر المعلول عن العلّة زماناً. أو فقل: لزم تأخّر الحكم عن موضوعه، مع أنّ الحكم بالنسبة إلى موضوعه هو كالمعلول بالنسبة إلى علّته، فكما أنّ العلّة والمعلول يتّحدان زماناً ويختلفان رتبةً، فكذلك الحال في الموضوع والحكم.
ولكنّ الحقّ: عدم ورود هذا الإشكال؛ لما أفاده الميرزا النائيني بقوله:
«وجوابه: أنّ لزوم تقدّم البعث على الانبعاث، وإن كان بديهيّاً، إلّا أنّ تقدّمه عليه ليس بالزمان، بل بالرتبة؛ بداهة أنّه لا يزيد على تقدّم العلل التكوينيّة على معلولاتها؛ فإنّه أيضاً بالرتبة لا بالزمان، فلا مانع من كون أوّل آن الفجر زمان الوجوب والانبعاث كليهما.
نعم، لابدّ من أن يكون علم المكلّف بحدوث الوجوب عند الفجر متقدّماً على الفجر زماناً، ليتمكّن من الانبعاث حينه، ولعلّ المستشكل خلط بين تقدّم العلم على الانبعاث وتقدّم البعث عليه، وقد عرفت أنّ اللّازم هو الأوّل دون الثاني»( ).
وتوضيح ما أفاده: أنّ الإشكال المزبور غير وارد؛ وذلك لاتّحاد زمان الوجوب والواجب والانبعاث؛ فإنّ الطلوع ـ وهو واحد ـ هو زمان البعث والانبعاث والواجب، وتأخّر الانبعاث عن البعث إنّما يكون تأخّراً رتبيّاً لا زمانيّاً.
نعم، يتوقّف الانبعاث على العلم بالبعث قبل طلوع الفجر، وهو غير تأخّر الانبعاث زماناً عن صدور البعث من المولى.
وبالجملة: فإنّ انبعاث المكلّف عن بعث المولى يتوقّف على علمه قبل طلوع الفجر بوجوب الصوم حين الطلوع حتى يتمكّن من الانبعاث فيه، بعد وضوح موضوعيّة العلم بالبعث عقلاً للانبعاث، وعدم موضوعيّة نفس البعث بوجوده الواقعيّ له.
أقول:
ولا يخفى: أنّ هذا الإشكال، وكذلك الإشكال الآتي ذكره إن شاء اﷲ تعالى في الواجب الموسّع، إنّما يأتي بالنسبة إلى مقام الثبوت، وأمّا في مقام الإثبات، فلا؛ إذ لا إشكال في وجود كلٍّ منهما ووقوعه في الخارج في الشريعة المقدّسة، كيف لا؟! وقد عرفت فيما سبق أنّ المضيّق يمثّل له بالصوم، وللموسّع بالصلاة اليوميّة.

الإشكال على الواجب الموسّع:
قد يُستشكل على الواجب الموسّع بأنّه غير ممكن؛ لاستلزامه اجتماع النقيضين، وذلك لوضوح أنّ جواز ترك الواجب في بعض أجزاء الزمان الموسّع ينافي الوجوب الذي هو عدم جواز الترك، فلو قيل ـ مثلاً ـ «صلّ من الدلوك إلى الغروب»، كان المراد منه: أنّ لك الخيار في أن تأتي بالصلاة في أيّ جزء من أجزاء الزمان، كالأوّل والآخر والوسط. ومقتضى ذلك: أنّه يجوز ترك الواجب في أوّل الوقت، لجواز تأخيره إلى الوسط، أو إلى الآخر.
ومن المعلوم: أنّ جواز ترك الواجب في بعض أجزاء الزمان ينافي الوجوب ويناقضه؛ لأنّ الوجوب ـ كما ذكرنا ـ إنّما هو عدم جواز الترك، فيلزم التناقض، بل إنّ معنى عدم جواز تأخيره عن ذلك الوقت أنّ الوجوب مختصّ بذلك الوقت، ولذا، لا يجوز تأخيره عن ذلك الوقت، فلو صلّى في غير ذلك الوقت كان قضاءً.
والجواب عن هذا الإشكال:
أنّ الواجب الموسّع هو كالواجب التخييريّ، فكما أنّ الأمر في الواجب التخييريّ وارد على شيئين أو أكثر ويكون التخيير بينهما أو بينها عقليّاً، فكذلك في الواجب الموسّع، وعليه: فيكون المطلوب هو الجامع، ولا مانع في ذلك بعد أن كان الجامع وافياً بالغرض؛ فإنّ الأمر إذا تعلّق بالجامع، فالعقل يخيّر المكلّف في تطبيقه ـ أي: الجامع ـ على أيّ فرد من الأفراد يشاء، بلا فرق بين أن تكون الأفراد طوليّة أو عرضيّة.
وإنّما كان هذا التخيير في الانطباق عقليّاً؛ لأنّه ـ أوّلاً ـ لم يرد في لسان الدليل، وثانياً: لأنّ الغرض ليس متعدّداً، بل ليس هناك إلّا غرض واحد تعلّق بالجامع، تماماً كما أنّ الأمر لم يرد إلّا على الجامع. وحينئذ: فتكون نسبة الأفراد إلى الواجب الموسّع نسبة أفراد الطبائع إلى نفس طبائعها.
وأمّا ما قيل: من أنّ «الوقوع أدلّ دليلٍ على الإمكان»( ).
فغير تامّ؛ لأنّ كلامنا ـ كما لا يخفى ـ إنّما في مقام الإمكان، وأنّه كيف يمكن ذلك، وإلّا، فلا إشكال ولا خلاف في وقوعه في الشريعة المقدّسة.
فالصحيح في الجواب ـ إذاً ـ هو ما ذكرناه، من أنّ الأمر في المقام ورد على الجامع، والتخيير بين أفراد الزمان يكون عقليّاً.
مضافاً إلى أنّ جواز الترك إنّما يكون منافياً للوجوب إذا لم يكن إلى بدل، وأمّا إذا كان إليه، فلا منافاة أصلاً، كما هي الحال في الوجوب التخييريّ أيضاً.
ثمّ ها هنا بحث ذكروه يتعلّق بالواجب الموقّت مطلقاً، أي: سواء كان موسّعاً أم مضيّقاً، وهو أنّ الأصل هل يقتضي سقوط الواجب فيما بعد الوقت أم يقتضي عدم السقوط؟
وربّما يُعَنون هذا البحث بعبارة أُخرى، بأن يقال:
إنّ دلالة الأمر على الوقت هل تقتضي كون الوجوب متوقّفاً على بقاء الوقت أم لا تقتضي ذلك؟
وربّما يُختار في التعبير عنه عبارة ثالثة، فيقال: هل يمكن استفادة القضاء خارج الوقت من نفس الأمر الأوّل، أم تحتاج استفادته إلى أمر جديد؟
وبالجملة: فإنّ مصبّ البحث ها هنا هو أنّ تعلّق الأمر بالواجب الموقّت، موسّعاً كان أم مضيّقاً، هل يدلّ على لزوم الإتيان بالواجب في خارج الوقت إن لم يكن قد أتى به فيه، أم لا، بل يحتاج ذلك إلى أمر آخر، لسقوط الأمر بالموقّت بفوات الوقت؟
ولا يخفى: أنّ إطلاق القضاء على الإتيان بالفعل في خارج الوقت لا يكون بناءً على القول الأول إلّا من باب المجاز، كما أنّ تعبيرهم بأنّ القضاء هل يكون بالأمر الأوّل، أو بالأمر الجديد، لا معنى له، بل يُحمل على التسامح في التعبير؛ لظهور أنّه لا معنى لتسمية الفعل المأتيّ به خارج الوقت قضاءً مع دلالة الدليل الأوّل على بقاء الوجوب، بل على بقاء الواجب، بعد الوقت؛ إذ مع دلالة الدليل على ذلك، فلا يكون هناك فرق بين الإتيان بالواجب قبل خروج الوقت، وبين الإتيان به بعده، بل يكون الواجب في خارج الوقت واجباً حقيقةً حينئذٍ، وليس بدلاً للواجب، ولا قضاءً.
وعليه: فلا يصحّ إطلاق القضاء عليه إلّا تجوّزاً ومسامحة.
وكيف كان، فقد وُجد في الإجابة عن هذا السؤال أقوال:
الأوّل: أنّه لا يدلّ عليه مطلقاً.
والثاني: أنّه يدلّ عليه مطلقاً.
والثالث: التفصيل بين التوقيت بالمتّصل والمنفصل، فلا دلالة إذا كان من قبيل الأوّل.
والرابع: نفس التفصيل المذكور، ولكن بشرط أن يكون لدليل التوقيت المنفصل إهمال، وأن يكون في دليل الواجب إطلاق.
واختار المحقّق صاحب الكفاية أنّه: «لا دلالة للأمر بالموقّت بوجهٍ على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به»( ).
ولا يخفى: أنّه يمكن أن يتصوّر لدليل القضاء في مقام الثبوت أقسام ثلاثة:
الأوّل: أن يكون بمعنى تعدّد المطلوب، بحيث يكون هناك طلبان، ويكون كلّ واحد منهما في عرض الآخر، يتعلّق أحدهما بنفس الصلاة، ويتعلّق الآخر بإتيانها في الوقت.
وعليه: فإذا انتهى الوقت يبقى وجوب أصل الصلاة على حاله.
والثاني: أن يكون هناك أمر واحد كاشف عن ركنيّة الوقت في حال التمكّن، وليس قيداً على الإطلاق، وليس في الوقت إلّا أمر واحد، غاية الأمر: أنّه يتعلّق بالمقيّد في حال الاختيار، مع جهة دخل القيد في الموضوع، ويتعلّق بالمطلق في حال عدم التمكّن من القيد.
والثالث: أن لا يكون الأمر كاشفاً عن تعدّد المطلوب، بل تكون المصلحة مترتّبة على أصل الصلاة، بقيد الوقت، بحيث لا يكون لها في خارج الوقت مصلحة، وعليه: فيتعيّن أن يكون القضاء بأمر جديد.
وإذا عرفت هذا، يظهر لك أنّه في الصورتين الأُوليين يكون القضاء مستفاداً من الأمر نفسه، دون الصورة الأخيرة.
وقد ادّعى الفرق بين كون التقييد بالوقت بدليل متّصل، وكونه بالدليل المنفصل، فلا دلالة في الصورة الاُولى.
وأمّا في الصورة الثانية، فيدلّ الدليل على ثبوت الحكم بعد الوقت، لظهور التقييد بالمنفصل في كون التقييد بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته، فإذا انتفى أحدهما بقي الآخر على حاله.
نعم، يُستثنى من ذلك صورة واحدة أشار إليها في الكفاية، وهي: ما إذا كان دليل الواجب مطلقاً، وكان دليل التقييد بالوقت منفصلاً مجملاً؛ فإنّه إذا كان مجملاً من ناحية التمكّن من الإتيان بالعمل في الوقت وعدمه، ولم يكن له إطلاق يُثبت التوقيت في كلا الحالين، كان القدر المتيقّن منه هو التقييد بالوقت في صورة التمكّن، وأمّا في صورة عدم التمكّن، فلا يكون التقييد به معلوماً، فنرجع إلى إطلاق دليل الواجب المتكفّل لإثبات الوجوب في مطلق الزمان.
وبعبارة أُخرى: يكون الحال في هذه الصورة كما لو كان التقييد بالوقت قد ورد ـ رأساً ـ في خصوص حالة التمكّن، فيثبت الواجب بعد الوقت بإطلاق الدليل.
وإليك نصّ عبارته:
«نعم، لو كان دليل التوقيت بدليلٍ منفصل، لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت، وكان لدليل الواجب إطلاق، لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب، لا أصله»( ).
وإذا عرفت ذلك:
فالحقّ هو القول الأول؛ لأنّ الظاهر من دليل تقييده بالوقت أنّه على نحو وحدة المطلوب، وليس من قبيل تعلّق الحكم بالمطلق على سبيل مطلق الوجود، كما في قولك: أكرم عالماً، وأكرم عالماً هاشميّاً، لكيلا يكون هناك تنافٍ بينهما.
نعم، إذا كان التنافي بين المطلق والمقيّد تنافياً بنحو السلب والإيجاب فلابدّ من حمل المطلق على المقيّد، وذلك لأجل أظهريّة المقيّد، كقولك: اعتق رقبة، ولا تعتق رقبة كافرة؛ لأنّ التمسّك بالمطلق إنّما يصحّ إذا لم يكن هناك بيان، والمقيّد بيان كما لا يخفى.
ويدلّ على ما ذكرناه، قوله: «لا تُعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود»( ). فإنّه ظاهر في كون الوقت قيداً للمأمور به، الأمر الذي يعني: أنّ المأمور به هو المقيّد بالوقت، لا المطلق بدون الوقت.
وإنّما قلنا بأنّه لابدّ في صورة التنافي من حمل المطلق على المقيّد ـ كما في المثال المزبور ـ لأنّنا لو لم نقل بالحمل حتى في هذه الصورة، لزم انسداد باب حمل المطلق على المقيّد في جميع موارد تقدّم المقيّد على المطلق، ولا خصوصيّة هنا لقيديّة الوقت، بل التقييد بالوقت كالتقييد بغيره من الأوصاف، فكما أنّ التقييد بالإيمان ـ في المثال ـ يوجب انحصار العتق الواجب في المؤمنة، وعدم وجوب عتق الكافرة، فكذلك التقييد بالوقت، أي: أنّه خارج الوقت لا يكون واجباً.
فتحصّل: أنّ الظاهر من دليل التقييد هو وحدة المطلوب، فيكون الموضوع هو المجموع من القيد والمقيّد. وأمّا انّ ذات المقيّد يكون مطلوباً في حالة عدم وجود القيد، أو عدم إمكانه، فيحتاج إلى دليل من الخارج، بلا فرق بين أن يكون دليل التقييد منفصلاً أو متّصلاً.
وممّا ذكرنا، ظهر: أنّه لا يمكن المساعدة على ما اختاره صاحب الكفاية من التفصيل بين ما لو كان التقييد بالدليل المتّصل، كأن يقال: صلّ فيما بين دلوك الشمس إلى الغروب، فلا يدلّ على التعدّد، وبين ما لو كان تقييداً بالدليل المنفصل، كأن يقال: اغتسل، ثمّ يرد دليل بعد ذلك على وجوب الغسل أو استحبابه يوم الجمعة، فيدلّ على التعدّد.
وجه عدم تماميّة هذا التفصيل: أنّ دليل التوقيت، أي: التقييد بدليل منفصل، إمّا أن يدلّ على التقييد أو لا؛
فإن دلّ على التقييد، فحاله حال الدليل المتّصل، فلا يمكن للوجوب أن يبقى بعد أن ظهر من الدليل أن المصلحة تترتّب لا على مطلق الصلاة، بل عليها موقّتةً بوقت، فلا يُستَفاد من الدليل تعدّد المطلوب.
وان لم يدلّ على التقييد، فهو خارج عن محلّ البحث، فليس المقام من باب تعدّد الوجوب، وعليه: فإثبات وجوب الفعل بعد الوقت يحتاج إلى الدليل، ولا يكفي في ذلك نفس الدليل الأول، ولو شكّ في ذلك، أي: في شمول الوجوب والمصلحة لخارج الوقت، فإنّ الأصل عدمه.
هذا، إذا لم نقل بمفهوم الوصف، وإلّا، فإنّ التوقيت يدلّ على عدم الوجوب بعد الوقت.
وبعبارة أُخرى: فإنّ الكلام في تصوير المطلق والمقيّد ـ بناءً على كون التقييد بدليل منفصل ـ لا يخلو من صور أربع:
الاُولى: ثبوت الإطلاق لكلٍّ من دليلي الواجب والتقييد.
والثانية: عدم إطلاق شيءٍ منهما، بأن كانا مهملين.
والثالثة: إطلاق دليل المقيّد ـ أعني: الواجب ـ دون دليل القيد ـ أعني: التوقيت ـ.
والرابعة: عكس الصورة السابقة، بأن يكون دليل التوقيت مطلقاً، ودليل الواجب مهملاً.
أمّا في الصورة الاُولى:
فقد يقال: إنّ معنى إطلاق دليل الواجب: أنّ الشيء واجب في الوقت وخارجه، فيكون من باب تعدّد المطلوب، ومعنى إطلاق دليل التوقيت: أن يكون الوقت دخيلاً في جميع مراتب المصلحة، بمعنى: أنّه إذا خرج الوقت فلا مصلحة في الواجب، ولا يكون بعد خروج الوقت واجب؛ لأنّه لم يكن فيه المصلحة بعد ذلك، فيكون من باب وحدة المطلوب.
فلابدّ في هذه الصورة من الأخذ بإطلاق دليل التقييد؛ لحكومته على إطلاق دليل الواجب، أي: فيكون إطلاق دليل التقييد مضيّقاً لإطلاق دليل الواجب؛ ومعنى تضيّقه هو: الحكم بعدم وجوبه بعد الوقت.
وأمّا في الصورة الثانية:
فيكون المرجع إلى الاُصول العمليّة، من استصحاب الوجوب، لو لم نقل باختلاف الموضوع. ومع عدم جريانه، تصل النوبة إلى البراءة؛ إذ لو كان وجوب صلاة الظهر مقيّداً بالوقت، فيقع الشكّ في وجوبها بعد الوقت، فنستصحب الوجوب، ولكن مع الشكّ في جريان الاستصحاب ـ حيث إنّه لابدّ من وجود الموضوع في كلتا الحالتين حتى يمكن الاستصحاب ـ لا يكون جريانه ممكناً، ومع عدم إمكان جريانه وحصول الشكّ في الوجوب بعد خروج الوقت، تصل النوبة إلى البراءة عن وجوب القضاء.
وأمّا في الصورة الثالثة:
فيؤخذ بإطلاق دليل الواجب.
وأمّا في الصورة الرابعة:
فعلى العكس، أي: فيؤخذ بإطلاق دليل التوقيت؛ لأنّه دخيل في تمام المصلحة فمع عدم وجوده فلا مصلحة فيه.
وقد يُفَرّق بين كون التكليف بلسان الأمر، كما لو قيل: اقرأ السورة في الصلاة، وبين عدم كونه كذلك، كما لو قيل: لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.
فلو كان من قبيل الأوّل، فيجب الإتيان به ما بعد الوقت أيضاً؛ لأنّ الأمر ـ كما مرّ في محلّه ـ يرد على المقدور، والتكليف مختصّ به، وأمّا العاجز فلا يكون التكليف عليه منجّزاً، ففي صورة الشكّ، يتمكّن من الأخذ بإطلاق الدليل، فلابدّ ـ حينئذٍ ـ من الإتيان به في خارج الوقت أيضاً.
ولكنّ الحقّ: أنّه لا فرق بين ورود الدليل بصيغة الأمر أو بغيره، لأنّ الأمر حينما يرد على المركّبات، فهي تكون من باب الإرشاد إلى الجزئيّة أو الشرطيّة، فإذا ورد بصيغة الأمر، كقولك: اقرأ السورة، كان إشارة إلى الجزئيّة وإرشاداً إليها، فلا يبقى فيه ظهور وإطلاق حتى يمكن التمسّك به.
وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ ظـاهر دليـل التوقيـت هو وحـدة المطلـوب، لا تعدّده. وإنّ حكم التقييد بالوقت هو حكم سائر التقييدات، ﻛ «أعتق رقبة مؤمنة»، فبانتقاء القيد ينتفي الحكم؛ لأنّ المصلحة تنتفي بتمام مراتبها، لا أنّ الوقت دخيل في بعض مراتب المصلحة، حتى يقال بتعدّد المطلوب، فالظاهر من الدليل: هو وحدة المطلوب، فإذا أُريدَ إثبات القضاء في خارج الوقت، فلابدّ من ورود دليلٍ آخر يدلّ عليه غير دليل التوقيت، فثبوت القضاء في جميع الصور المذكورة يحتاج إلى دليل آخر.
وبالجملة: فبعد قيام الدليل ـ في بعض الموارد ـ على وجوب الفعل في خارج الوقت عند فوته في الوقت، يقع البحث في أنّ التقييد بالوقت هل يكون من باب تعدّد المطلوب، وكونه واجباً في واجب؟ أو يكون من باب التقييد، ولكنّ قيديّته مقصورة على حال التمكّن؟ أو أنّه لا يكون هذا ولا ذاك، بل يكون القضاء واجباً آخر مغايراً للواجب الأوّل بحسب العنوان، وليس هو ذلك الواجب بعينه وإنّما سقط قيده؟
والفرق بين هذه الوجوه الثلاثة:
أنّه لو كان من قبيل الواجب في واجب، ففي صورة ترك القيد عمداً فاللّازم حصول الامتثال بالنسبة إلى أصل الواجب، وإن تحقّق العصيان بالنسبة إلى الواجب الآخر.
ولو كان بعنوان القيديّة المختصّة بحال التمكّن، فإذا ترك القيد عمداً مع التمكّن منه، فاللّازم عدم حصول الامتثال لو أتى به خارج الوقت وبدون القيد.
وأمّا على الوجه الثالث، فالواجب في خارج الوقت يكون مغايراً للواجب في الوقت، ومعنوناً بغير عنوانه، وهذا بخلافه على الوجهين الأوّلين، فإنّ الواجب في خارج الوقت بناءً عليهما هو ذلك الواجب في الوقت بعينه، وإنّما الساقط قيد من قيوده، وحينئذٍ: فلا يصدق على الإتيان به بعد الوقت أنّه قضاء، ولا يصدق عليه الفوت؛ لأنّ نفس الواجب يكون باقياً بعينه، والقضاء عبارة عن الإتيان بما فات من الواجب في خارج الوقت.
والصحيح من هذه الوجوه ثالثها، فلابدّ من ورود دليل آخر على وجوب القضاء سواء كان تركه عمداً أو سهواً، لعدم التمكّن أو لغيره؛ وذلك لأنّ المستفاد من دليل القضاء أنّه واجب مغاير للواجب الأول، وأنّه إنّما يكون بدلاً عنه وقائماً بمصلحته.
وقد أيّد الميرزا النائينيّ ذلك ـ أيضاً ـ بما لفظه: «أنّه ربّما يتحقّق الفعل زماناً بين وجوب الأداء ووجوب القضاء، كما إذا لم يبقَ من الوقت مقدار ركعة، ولم يتحقّق الغروب بعد، فإنّه لم يكن مكلّفاً في هذا المقدار من الزمان إلى أن يتحقّق الغروب لا بالأداء ولا بالقضاء»( ).
أمّا عدم وجوبه أداءً؛ فلعدم بقاء الوقت الكافي، لا الحقيقيّ منه ولا التنزيليّ.
وأمّا عدم وجوب القضاء؛ فلأنّه لابدّ وأن يكون في خارج الوقت، والوقت لم يخرج بعد بحسب الفرض، وليس هناك وجوب آخر في البين غير معنون بأحد ذينك العنوانين، فيظهر منه: أنّ المكلّف به في خارج الوقت مغاير لما كُلِّف به أوّلاً؛ إذ قد انفصل الأمر القضائيّ عن الأمر الأدائي ولو بمقدار نصف ركعة.
ولكن قد استشكل عليه اُستاذنا المحقّق بما حاصله:
أنّه يمكن أن يؤتى به قضاءً؛ لأنّ القضاء مترتّب على فوت الفريضة والواجب، وقد فات، وموضوع القضاء ليس إلّا فوت الفريضة والواجب وعدم التمكّن من إدراكهما في الوقت، لا خروج الوقت بتمامه.
وإليك نصّ ما أفاده:
«وأنت خبير بأنّه يمكن أن تشمله أدلّة وجوب القضاء؛ لأنّ موضوعها فوت الواجب والفريضة، وعدم إمكان إدراكها في الوقت، لا خروج الوقت بتمامه، ولا مخصّص لهذا العموم، لا عقلاً ولا شرعاً»( ).
ولكنّك تعلم: أنّ معنى القضاء إنّما هو الإتيان بها في خارج الوقت حين إتيانه حتى لو صدق الفوت عليه، ومعنى «يقضي ما فاته كما فاته»( )، أي: يأتي خارج الوقت مثلما فاته في الوقت.
وملخّص الكلام: أنّ القيد ركن، ويؤيّد ذلك حديث «لا تُعاد»( )، فإنّ المستفاد منه: أنّ الوقت ركن ودخيل في المطلوبيّة. وأيضاً: فلو كان مطلوباً على حدة ما كنّا مُحتاجين إلى قاعدة الميسور، كقوله في خبر عبد الأعلى: «امسح على المرارة»( )، حيث استدلّ بأنّ اللّازم الإتيان بالواجب المتعذّر بعض قيوده، ويظهر منه وحدة المطلوب.
ثمّ إنّه لو شككنا في فوت واجب، فهل يمكن لنا إحراز الفوت باستصحاب عدم الإتيان في الوقت أم لا؟
هذا لا يكون ممكناً إلّا إن قلنا بأنّ الفوت أمر عدميّ.
وأمّا إذا قلنا بأنّه أمر وجوديّ، فلا يثبت الفوت باستصحاب عدم الإتيان في الوقت؛ لأنّه يكون من لوازمه، فيكون أصلاً مثبتاً، ومعلوم أنّ الاُصول لا تثبت لوازمها. فتصل النوبة إلى أصالة الاشتغال؛ لأنّ ذمّته قد اشتغلت بالواجب قطعاً من أوّل الوقت، فالشكّ شكّ في فراغ ذمّته، ومقتضى الاشتغال اليقينيّ هو الفراغ اليقينيّ.
والحقّ: عدم جريان الاستصحاب ها هنا؛ وذلك لحكومة قاعدة «الوقت حائل»، والتي مفادها: أنّ الشكّ لا اعتبار به بعد مضيّ الوقت.
نعم، لا بأس بجريان هذا الاستصحاب في غير باب الصلاة من الموقّتات التي يجب فيها القضاء على تقدير فوتها، كالصوم في بعض أقسامه.
وأمّا الشكّ هنا، فلا اعتبار به كما ذكرنا؛ لأنّ التكليف الثابت في الوقت قد سقط يقيناً، إمّا بالامتثال أو بخروج الوقت.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com