الكلام في قاعدة اليد

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الكلام في قاعدة اليد


في معاني اليد:
الحاصل: أنّ لليد معان:
فمنها: العضو المعروف. ومنها: القوة. ومنها: السلطنة. ومنها: القدرة. ومنها: النعمة. ومنها: الاستيلاء. ومنها: الملك. ومنها: السلطان. ومنها: الطاعة. ومنها: الجماعة.
وقد استدلّوا على الحجية والحقيقة في جميعها، والحقّ: أنّها حقيقة في العضو المعروف.
ويرد على ما استدلّوا به: أنّه ليس من ديدن اللّغويين إلّا بيان موارد الاستعمالات، من غير أن يتعرّضوا إلى بيان الحقيقيّ منها وتمييزه عن المعاني المجازيّة.
واستدلّ على وضعها للعضو المعروف بالتبادر، وعدم صحّة السلب.
وكيف كان، فإنّ المراد من اليد في محلّ البحث إنّما هو الاستيلاء والسلطنة على شيء، بلا فرقٍ بين تحقّقه بالملك أو الأمانة أو الإجارة أو العارية، أو كان تحقّقه بالتربية كسلطة الأب والأم على الطفل بإخبارهم بنجاستهم وطهارتهم، وكذا الفراش وأثاث البيت بالنسبة الى من في يده كالزوجة أو الخادمة. و كذا سلطة الإمام والفقيه لما يقع تحت سيطرتهم وحكومتهم.
فما ورد في رواية عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعاً عن أبي عبد اﷲ:
<فإذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون، تسألني البينة على ما في يدي؟ وقد ملكته في حياة رسول اﷲ وبعده، ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوا عليّ>( ): ليس مراد باليد فيها إلّا الاستيلاء.
وكذا رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اﷲ قال:
<قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل، يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنه له فلعلّه لغيره، فقال أبو عبد اﷲ: أفيحل الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبد اﷲ: فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال أبو عبد اﷲ لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق>( ).
ومنها: ما روي عن الصادق في حديث فدك أنّ أمير المؤمنين قال لأبي بكر:
<أتحكم فينا بخلاف حكم اﷲ في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ وقد ملكته في حياة رسول اﷲ  وبعده، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا علي كما سألتني البيّنة على ما ادعيت عليهم ـ إلى أن قال ـ وقد قال رسول اﷲ: البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر>( ).
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اﷲ قال:
<سمعته يقول: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعلّه حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة>( ).
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال:
<سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فرا، لا يعلم أذكيّة هي أم غير ذكيّة، أيصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة>( ).
ومنها: رواية عبد الرحمن بن حجاج قال:
<قلت لأبي عبد اﷲ: إنّي أدخل سوق المسلمين ـ أعني: هذا الخلق الذين يدعون الإسلام ـ فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية، قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته>( ).
فإنّه يظهر من إطلاق هذه الرواية أنّ عدم التذكية يصدق عليه الميتة، خلافاً لما تقدّم من رأي اُستاذنا الأعظم من أنّ أصالة عدم التذكية لا تثبت الميتة؛ لأنّها أمر عدمي، والميتة أمر وجودي.
ومنها: رواية حمزة بن حمران، قال:
<قلت لأبي عبد اﷲ: أدخل السوق وأريد اشتري جارية فتقول: إنّي حرّة، فقال: اشترها إلّا أن يكون لها البينة>( ).

ثمّ هل يعتبر في قول ذي اليد العدالة والوثاقة؟
لا يخفى: عدم اشتراط الإسلام والإيمان في قبول قول ذي اليد، فأولى بذلك عدم اشتراط العدالة والوثاقة.

في تعارض اليد مع الأمارات والاُصول:
اعلم أنّه إذا تعارضت البينة مع ذي اليد، تقدّمت عليه؛ لأقوائيتها، كما ذكر في باب القضاء والدعاوى، وإلّا لم يبق لمدّعي الملكية دليل حتى في مقابل الغاصب.
وإذا تعارضت اليد مع أمارة اُخرى، فلا تكون اليد حجّة؛ لأنّها وإن كانت أمارة، إلّا أنّ أماريّتها مشروطة بأن لا توجد أمارة على خلافها، كما لو كانت الأرض في يد شخص وادّعى ملكيّتها، وشاع أنّها وقف، سقطت اليد بذلك عن الحجّيّة، ودخلت في باب التعارض؛ لتعارضها مع أمارة أُخرى، وحينئذٍ: يؤخذ بأقواهما إن وجد وإلّا تساقطا.
هذا إذا كانت البيّنة مستندة إلى العلم، وأمّا إذا استندت إلى الأصل، فتكون اليد مقدّمة عليها مطلقاً، فتأمّل.
وأما إذا كان الملك تحت يده فأقرّ بأنّه ليس له، أو بأنّه لفلان، فيقدّم الإقرار على ذي اليد؛ بداهة أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ، فتسقط يده عن الملكيّة؛ لحكومة الأمارة ولو ضعيفة على الأصل.
هذا، ولا يخفى: عدم تساوي الأمارات في الإقدام، فربّ أمارة أقوى من أمارة اُخرى، فتتقدّم عليها.
ولا شكّ في أنّ البيّنة العادلة أقوى دلالةً على الملكيّة من اليد؛ لأنّ اليد وإن كانت بطبعها الأوّليّ مقتضية للملكية، إلّا أنّه إذا وجد دليل أقوى منها يدلّ على انحرافها عن طبعها واستعمالها في غير محلّها، كان لابدّ من الركون إليه، وهذا نظير تقديم الأظهر على الظاهر.
وأمّا في صورة تعارض اليدين، كما إذا وجد شخصان مسلّطان على شيء واحد، فأخبر أحدهما بنجاسته والآخر بطهارته، فحينئذٍ: يتعارضان، فيتساقطان، ويحكم بالطهارة للأصل.
وإذا كان هناك يدان على شيء واحد، إحداهما قديمة والثانية جديدة، قدّمت اليد الثانية؛ لأنّه ذو اليد فعلاً، ولأنّ فعل المسلم يحمل على الصحّة، خصوصاً إذا كان يتصرّف فيه تصرّف الطهارة، كما إذا اخبر بأنّه طاهر؛ هذا مع علم صاحب اليد الثانية بالنجاسة سابقاً.
وأمّا إذا قال بالطهارة مع عدم علمه بالنجاسة فيقدّم قول الأوّل؛ لاستصحاب النجاسة.
وإذا تعارض قول المالك وذو اليد كالزوجة في طهارة ما هو تحت يدها من الأثاث الظاهر، قُدّم قولها؛ لأنّها هي ذو اليد بالنسبة إلى هذه الاُمور.
وإذا تعدّدت الأيدي على مال، فهل تتعارض فتتساقط؟ أم أنّ تعدّدها يكون أمارةً على أنّ كلّ يدٍ مالكة لجزء من المال، فإن كانت يدين فلكل واحد منهما النصف، أو ثلاثة: فالثلث، كما هو المشهور بين الفقهاء، والعرف يرى ذلك.
واعترض عليه: بأنّ مقتضى حجية اليد هو أماريتها على ملكية تمام ما في يده، فالنتيجة هي التعارض والتساقط حيث لا مرجّح، فيرجع إلى الأصل؛ مع أنّا نرى استحالة كون كلّ واحدة من الأيدي مستقلّة في جميع المال، خاصّة بعد تفسيرها بالاستيلاء؛ لأنّ الاستيلاء التامّ هو أن يكون للشخص سلطنة باستقلاله بالنسبة إلى التصرّف ومنع الغير من ذلك، ومثله لا يكاد يتحقّق على فرض تعدّد الأيدي.
وقد يقال: إنّ لكلّ واحدة من تلك الأيدي استيلاءً تامّاً بالنسبة لما في يده، ولكن على نحو المشاع، فلو كانت اثنتين فالمشاع هو النصف؛ أو أنّ لكلّ واحدٍ منهم في الواقع يداً ناقصة، ولكن يحسبها العقلاء كاليد التامّة المستقلّة، فتكون كالشركة القهريّة، كما إذا اختلط الدهن الذي لأحد الشخصين بالدهن الذي للآخر قهراً أو مع الاختيار.
ولذا نرى أنّه لو باع أحدهم النصف المشاع أو وهبه لم يكن متعدّياً ولم يحتج إلى إجازة من الآخر، وهو معدود عند العرف أنّه تصرّف في ماله، كما أنّه لا يجوز له أن يبيع أكثر من النصف إلّا مع إقرار الشريك أو قيام البينة على دخولها كلّها تحت ملكه؛ وإلّا عدّ تعدّياً في نظر العرف.
فهذا التصرّف وجواز النقل والانتقال منه دليل على أنّه ليس من حقّه الاستيلاء على جزء معيّن، فضلاً عن استيلائه على المجموع إذا كانت الأيدي متعدّدة، بل على الجزء المشاع خاصّةً.

في أماريّة يد الكافر على عدم التذكية
ويلحق بهما سوق الكفّار وأرض الكفر.
هل يد الكافر بنفسها أمارة على عدم التذكية كما أنّ يد المسلم أمارة كذلك على التذكية؟ أم لا، بل الحكم بعدم التذكية إنّما هو من جهة التمسّك بأصالة عدم التذكية؟ وكذا الحال في سوق الكفّار وأرض الكفر، فهل هما ـ أيضاً ـ بأنفسهما أمارتان على عدم التذكية أم لا؟
ويمكن أن يفرض ثمرة لهذا البحث في العديد من الموارد:
منها: ما إذا تعارضت الأمارتان، أعني: سوق المسلمين ويد الكافر، بأن كان اللّحم في يد الكافر بائع في سوق المسلمين؛ فإنّه إذا حكمنا بعدم تذكية ما في يد الكافر تمسّكاً بأماريّة يده السوق ويد الكافر يحصل التعارض بين الأمارتين؛ فإنّ المفروض ثبوت الأماريّة على التذكية لسوق المسلمين.
وأمّا إذا قلنا بأنّ الحكم المذكور ـ أعني: عدم التذكية ـ كان مستفاداً من أصالة عدم التذكية، ولا أماريّة ليد الكافر، فيكون من التعارض بين الأمارة والأصل، فإنّ السوق له أمارية بحسب الفرض، ولا أماريّة لليد، وفي مثله: تكون الأمارة مقدّمة على الأصل بلا كلام.
ومنها: ما إذا كانت يد المسلم على جزء من الحيوان ويد الكافر على جزء آخر منه؛ فإنّه إذا أردنا أن نحكم بالتذكية وعدمها فلابدّ أن يكون ذلك بالنسبة إلى تمام الحيوان ومجموعه، لا بالنسبة إلى خصوص الجزء الذي هو كائن بيد المسلم؛ فإنّ المتصوّر من أماريّة التذكية أو من عدمها إنّما هي التذكية أو عدمها بالنسبة إلى الحيوان كلّه، لا تذكية جزء خاصّ منه، هو الجزء الذي بيد المسلم خاصّةً.
وهنا: إن قلنا بأن يد الكافر أمارة على عدم التذكية فتتعارضان، وأمّا إذا قلنا بعدم أماريّته، وإنّما استفيد الحكم من جهة أصالة عدم التذكية فتقدّم يد المسلم لا محالة؛ لأنّها أمارة، والأمارات مقدّمة على الاُصول، ومن بينها: أصالة التذكية.
ومنها: ما إذا كانت الذبيحة بيد المسلم قبلاً، ولكنّها فعلاً بيد الكافر، فلو قلنا بأنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية فتتعارض الأمارتان؛ لأنّ يد المسلم من حين حدوثها كانت أمارةً على التذكية حدوثاً وبقاءً.
وأمّا على القول بعدم أماريّتها، فيد المسلم بما أنّها أمارة على التذكية تكون مقدّمة على أصالة عدم التذكية، فيحكم بكون هذه الذبيحة مذكّاة حينئذٍ.
ثمّ إنّه قد استدلّ لأماريّة يد الكافر وأرض الكفر وسوق الكفار بأدلّة:

الدليل الأوّل:
مصحّح إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح أنّه قال: <لا بأس بالصلاة في الفراء اليمانيّ وفيما صُنع في أرض الاسلام. قُلْتُ: فإن كان فيها غير أهل الاسلام، قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس>( ).
وتقريب الاستدلال به: هو أنّه يدلّ ـ بمفهوم الشرط ـ حيث إنّه علّق عدم البأس على غلبة المسلمين. فيدلّ بالمفهوم على ثبوت البأس إذا لم تكن الغلبة للمسلمين في تلك الأرض، أو في ذلك البلد.
ولكنّك خبير: بأنّ ثبوت البأس عند عدم غلبة المسلمين أجنبيّ عن إثبات الأماريّة لسوق الكفر، بل هي في مقام بيان المراد من سوق المسلمين وأرض الإسلام وتحديد أن يكون جميع من فيها أو غالبهم من المسلمين، ومعه: فالبأس عند عدم غلبة المسلمين إنّما يثبت بحكم أصالة الحرمة في اللّحوم؛ لأنّ استصحاب عدم التذكية جارٍ، وكذلك، فالرواية ليست في مقام إثبات الأماريّة لسوق الكافرين، ولا لأراضيهم على عدم التذكية.
وقد يُقرّب الاستدلال بهذه الرواية ـ أيضاً ـ بمفهوم الوصف، بأن يُقال: إنّه علّق الحكم بنفي البأس على الغلبة الموصوفة بغلبة المسلمين، ومقتضاه: ثبوت البأس عند ثبوت الغلبة الموصوفة بأنّها غلبة غير المسلمين، فيكون المراد ـ حينئذٍ ـ: أنّه إذا كان الغالب عليها غير المسلمين، ففيه بأس، وهذا معنى ثبوت الأماريّة لها على عدم التذكية، وهو المطلوب.
ولكن أجاب عنه بعض المحقّقين ـ وهو نعم الجواب ـ بقوله: <وهذا الوجه غير سديد؛ لما حُقّق في محلّه: من عدم حجّيّة مفهوم الوصف، وعدم اعتباره شرعاً>( ).
الدليل الثاني:
رواية إسماعيل بن عيسى قال: <سألت أبا الحسن عن الجلود الفرا يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم إن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا بأس>( ).
وتقريب الاستدلال به كما أفاده اُستاذنا المحقّق: <أنّه  أمر بالسؤال إذا كان البائع مسلماً غير عارف بأنّ ما باعه ميتة أم لا، وكان هناك في البلد والسوق مشركون يبيعون ذلك، ومن المحتمل: أن يكون هذا المسلم اشترى منهم، ونتيجة السؤال: هو أنّه لو تبيّن أن البائع الأوّل مشرك، وهذا البائع الثاني المسلم اشترى من ذلك المشرك، يجب الاجتناب عنه، وإلّا يلزم أن يكون الأمر بالسؤال لغواً، ومعلوم: أن معنى هذا: أن يد الكافر أمارة عدم التذكية، وتعارض يد المسلم التي هي أمارة التذكية وتكون مقدّمةً عليها، فيدلّ على اختصاص أماريّة يد المسلم على التذكية بما لا يعلم تقدم يد الكافر عليها>( ).
نعم، إذا كان تقدم يد الكافر معلوماً، يتعارضان، فنرجع إلى أصالة عدم التذكية بعد تساقطهما.
ولكنّ الحقّ ـ كما يظهر من الرواية ـ أنّ الحكمة من إلقاء هذا السؤال إنّما هي طلب فهم أمارة على التذكية؛ ومع سبق يد الكافر، فلا محالة: لا ينعقد للجواب دلالة ـ أصلاً ـ على أماريّة يد الكافر على عدم التذكية. فتأمّل جيّداً.

قبول قول ذي اليد في الطهارة والنجاسة
هل يقبل قول ذي اليد في الطهارة والنجاسة أم لا؟
قال في الحدائق: <ظاهر الأصحاب الاتّفاق على قبول قول المالك في طهارة ثوبه وإنائه ونحوهما ونجاستهما>( ).
ومن هنا قد يُجعل الإجماع من أدلّة المسألة.
ولكن لا يخفى: وجه الإشكال في حجّية أمثال هذه الإجماعات؛ فإنّها:
أوّلاً: من الإجماعات المنقولة التي سبيل إلى تحصيلها.
وثانياً: هي محتملة المدركيّة؛ إذ من المحتمل قويّاً، بل من المظنون، أنّ المفتين بذلك استندوا في فتواهم هذه إلى دعوى قيام السيرة المستمرّة على قبول قوله في ذلك، أو إلى الأخبار التي ذكروها في هذا الباب.
ومن هذه الأخبار والروايات:
صحيح معاوية بن عمّار قال: <سألت أبا عبد اﷲ عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنّه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يُخبرنا أن عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم>( ).
حيث يظهر من هذه الرواية: حجّيّة قول ذي اليد ولو لم يكن من أهل المعرفة بالحقّ. نعم، لا يكون قوله حجّة إذا كان هناك ما يوهن صحّة إخباره؛ لأنّ شربه على النصف ـ كما في صدر الصحيحة ـ قد أسقط حجّيّة إخباره، وهذا لا يدلّ على أنّ إخبار ذي اليد من حيث هو ليس بحجّة.
وصحيحة معاوية بن وهب قال: <سألت أبا عبد اﷲ عن البختج فقال: إذا كان حلواً يخضب الإناء وقال: صاحبه قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث فاشربه>( ).
قد يقال: لا تدلّ هذه الرواية على قبول قول ذي اليد بما هو حجّة، حيث قيّد فيها القبول بأنّه يخضب الإناء، فنحتاج في حجّيّتها إلى أمارة أُخرى تنضمّ إليها.
قلنا: الظاهر أنّ هذا القيد إنّما هو لأجل رفع الوهن في الدلالة؛ لأنّ عدم خضبه للإناء يكون موهناً لإخباره بذهاب الثلثين، بعدما كان هناك ملازمة عاديّة بين ذهاب الثلثين وبين خضبه للإناء.
ومنها: ما ورد في بيع الدهن المتنجّس من لزوم إعلام المشتري( )؛ فإنّها صريحة في حجّيّة قول ذي اليد ولزوم قبوله والأخذ به، وإلّا، لو لم يكن حجّة، فما الفائدة في إخباره وإعلامه؟
هذا. ولكن هناك خبران يمكن التمسّك بهما لتقييد حجّيّة قول ذي اليد واعتباره بما إذا كان ذو اليد من أهل الإيمان:
أوّلهما: موثّق عمّار عن أبي عبد اﷲ في حديث أنّه سُئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: <إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب>( ).
والثاني: صحيح ابن جعفر: <لا يصدّق إلّا أن يكون مسلماً عارفاً>( ).
حيث دلّا على تقييد حجّيّة قول ذي اليد على أن يكون من أهل الإيمان، بل وعلى أن يكون ورعاً أيضاً.
ولكن الحقّ: أنّه لابدّ من حمل هذين الخبرين على كراهية تصديق ذي اليد، وكراهية العمل بأخباره إذا لم يكن مؤمناً ورعاً؛ فإنّ الصحيحة نصّت صراحةً على اعتبار قول ذي اليد في حدّ نفسه؛ لأنّ فيها تصريحاً باعتبار قول من ليس من أهل المعرفة، ولو لم يكن مؤمناً ورعاً.
قال اُستاذنا المحقّق: <ولا يخفى: أنّ دلالة هذه الأخبار على حجّيّة إخبار ذي اليد في الطهارة والنجاسة مبنيّ على نجاسة العصير بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين، وإلّا، فلا يدلّ إلّا على حجّيّة إخباره بالنسبة إلى الحلّيّة، لا بالنسبة إلى الطهارة التي هي محلّ الكلام>( ).
ولكن الحقّ: أنّها تدلّ على حجّيّة قول ذي اليد بالنسبة إلى الطهارة؛ إذ لا تكون لإخباراته بالنسبة إلى الحلّيّة خصوصيّة.
ومع ذلك، فيمكن الاستدلال على حجّيّة قول ذي اليد بالنسبة إلى الطهارة بما تقدّم من رواية إسماعيل بن عيسى: <سألت أبا الحسن عن الجلود الفرا يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم إن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا بأس>( ).
فإنّه صريح في حجّيّة قول المسلم، دون المشرك.
إلى غير ذلك من الأخبار والروايات.
وقد يُستدلّ ـ أيضاً ـ لحجّيّة قول ذي اليد بالسيرة العمليّة للمسلمين، من المتديّنين الذين يُعهد منهم الالتزام بالشريعة ـ دون العوامّ الذين لا يكترثون بمخالفة أحكام الشريعة ـ فإنّهم إذا أخبر ذو اليد بطهارة طعام يأكلونه، ولو كان مستصحب النجاسة، وإذا أخبرهم بالنجاسة اجتنبوا عن أكله.

وهل تجري قاعدة اليد في النسب والأعراض ـ أيضاً ـ أم لا؟
بحيث يقال: بما أنّ المرأة كانت تحت يده، بمعنى: أنّها في بيته، أو كان الصبي كذلك، فهل لهذا الاستيلاء دلالة على أنّها زوجة له، وأنّ الولد ولده، بحيث لو نازعه شخص فيها أو في الصبيّ يقبل قوله أم لا؟
الحقّ: أنّ الكلام ينبغي أن يقع أوّلاً في الصغرى، بالنسبة إلى مثل الزوجة والابن؛ فإنّه لا يخفى: أنّ صدق الاستيلاء على الزوجة والابن محلّ إشكال، بل منع.
وقال اُستاذنا المحقّق: <والأقوال في المسألة مضطربة ولكنّ الأقوى ـ بناءً على ما ذكرنا من أنّ مدرك هذه القاعدة هو بناء العقلاء ـ: استقرار بنائهم على أماريّة اليد في هذه المواضع؛ لأنّ الظنّ الحاصل من الغلبة ها هنا أقوى بمراتب من الظنّ الحاصل في باب الأملاك؛ لأنّ الغصب في باب الأملاك كثير، بخلافه ها هنا؛ فإنّ غصب أحدهم زوجة الآخر أو ولده في غاية القلّة، بل الندرة. نعم، لو كان مدرك القاعدة هو الأخبار أو الإجماع فشمولها لمثل المقام في غاية الإشكال>( ).
ولكنّ ما ذكره بالنسبة إلى الأوّل مشكل؛ لما عرفت من الإشكال في صدق الاستيلاء في مورد الإنسان، بل إنّما هو مختصّ بالملك.
وأمّا بالنسبة إلى الأخير فما أفاده تامّ.