قاعدة التسامح في أدلّة السنن

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

قاعدة التسامح في أدلّة السنن


الظاهر: أنّه لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات إلى أن يتعلّق أمر بها حتى يُقصد، بل يكفي في جريان الاحتياط فيها نفس الأمر المحتمل؛ إذ إنّ قوام الاحتياط هو أن يؤتى بالفعل برجاء مطلوبيّته وموافقته للأمر الواقعيّ المحتمل، قال صاحب الكفاية:
<وقد انقدح بذلك أنّه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلّق أمرٍ بها، بل لو فُرض تعلّقه بها، لما كان من الاحتياط بشيءٍ، بل كسائر ما عُلِم وجوبه أو استحبابه منها، كما لا يخفى>( ).
وهو بذلك يشير إلى ما يظهر من كلام الشيخ الأعظم، حيث قال ما لفظه:
<ثمّ إنّ منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبراً ضعيفاً، فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط وكلفة إثبات أنّ الأمر فيها للاستحباب الشرعيّ دون الإرشاد العقليّ، لورود بعض الأخبار باستحباب فعل كلّ ما يحتمل فيه الثواب>( ).
والأخبار التي يشير إليها الشيخ عديدة:
منها: صحيحة هشام بن سالم المحكيّة عن المحاسن عن أبي عبد اﷲقال:
<من بلغه عن النبيّ ـ صلّى اﷲ عليه وآله وسلّم ـ شيء من الثواب، فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كان رسول اﷲ ـ صلّى اﷲ عليه وآله وسلّم ـ لم يقله>( ).
ومنها: ما رواه محمّد بن مروان عن أبي عبد اﷲ أنّه قال:
<من بلغه عن النبيّ شيء من الثواب، ففعل ذلك طلب قول النبيّ، كان له ذلك الثواب وإن كان النبيّ لم يقله>( ).
ومنها: المرويّ عن صفوان، عن الصادق قال:
<من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وإن كان رسول اﷲ لم يقله>( ).
ومنها: خبر محمّد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر يقول:
<من بلغه ثواب من اﷲ تعالى على عملٍ، ففعله التماس ذلك الثواب أُوتيه، وإن لم يكن الحديث كما بلغه>( ).
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة والمتقاربة مضموناً...
وقد استفاد المشهور من هذه الأخبار ونحوها القول بحجّيّة خبر الضعيف، وأنّها تثبت الاستحباب للفعل.
فلابدّ من إيقاع الكلام ـ أوّلاً ـ فيما هو مفاد هذه الأخبار، لنرى أنّها هل تدلّ على ما اختاره المشهور، أم أنّها مسوقة لبيان معنىً آخر:
فهل يستفاد منها أنّ الثواب يترتّب على ذات العمل، بتقريب: أنّ هذه الروايات دلّت على أنّ اﷲ تعالى تفضّل على العباد بجعل بلوغ الثواب ـ بمجرّده ـ كافياً في ترتّب الثواب على العمل المأتيّ به، ليكون المناط على الإتيان بنفس العمل الذي وعد عليه الثواب، فلا يكون متوقّفاً على الإتيان به بقصد الأمر؟
أم أنّه يستفاد منها مجرّد الدلالة على حسن الانقياد شرعاً، وأنّه لو أتى المكلّف بالفعل بداعي احتمال الأمر به، فإنّه يترتّب عليه الثواب؟
وبناءً على الأوّل: فهذه الأخبار تدلّ على استحباب ذات العمل؛ لأنّه لا يكون هناك وجه لترتّب الثواب على العمل المأتيّ به سوى تعلّق الأمر المحتمل به.
وأمّا بناءً على الثاني: فلا تكون دالّةً على استحباب العمل وحده بدون إضافته إلى اﷲ عزّ وجلّ، ونحتاج في إثبات ترتّب الثواب عليه إلى أكثر من ذلك. أو فقل: الثواب لا يكون ـ بناءً على هذا الاحتمال ـ مترتّباً على ذات العمل، بل على العمل المقيّد بداعي احتمال الأمر.
وما يمكن أن يُستدلّ به لإثبات دلالة هذه الأخبار على أنّ الثواب مترتّب على العمل مقيّداً بداعي احتمال الأمر، لا على ذات العمل وحده، هو ظهور حرف (الفاء) في قوله: <فعمله>، في كون العمل متفرّعاً على البلوغ، فيكون ظاهراً في ترتّب الثواب على العمل المأتيّ به بداعي الأمر المحتمل الذي بلغه بالخبر الضعيف، أو فقل: إنّ مقتضى هذا التفريع هو داعويّة تحصيل الثواب الذي بلغه لتحقّق العمل، وهو المطلوب.
ولكنّ المحقّق الأصفهانيّ ناقشه بما لفظه:
<أمّا التفريع، فهو على قسمين:
أحدهما: تفريع المعلول على علّته الغائيّة، ومعناه هنا: انبعاث العمل عن الثواب البالغ المحتمل.
ثانيهما: مجرّد الترتيب الناشئ من ترتّب الثواب على فعل ما بلغ فيه الثواب، فالعمل المترتّب عليه الثواب، حيث كان متقوّماً ببلوغ الثواب عليه، فلذا رتّبه على بلوغ الثواب، فيكون نظير من سمع الأذان فبادر إلى المسجد، فإنّ الداعي إلى المبادرة فضيلة المبادرة لاستماع الأذان، وإن كان لا يدعوه فضيلة المبادرة إلّا في موقع دخول الوقت المكشوف بالأذان، فلا يتعيّن التفريع في الأوّل حتى ينافي الظهور المدّعى سابقاً>( ).
وملخّص هذه المناقشة: أنّه بعد ثبوت القسمين المذكورين للتفريع، فمجرّد كون الفاء ظاهرة في أنّها للتفريع لا يعيّن حمل التفريع المستفاد منها على القسم الأوّل، ومعه: فلا وجه لأن يُستظهر أخذ داعويّة الثواب في موضوع ترتّب الثواب.
ثمّ إنّه رأى أنّ هذه المناقشة أولى ممّا ناقش به الشيخ الأنصاريّ) بما يرجع إلى إنكار أصل أن تكون الفاء المشار إليها ظاهرةً في إرادة التفريع والسببيّة، بل إنّما هي الفاء العاطفة.
قال الشيخ الأعظم في رسالة التسامح:
<اللّهمّ إلّا أن يُمنع من دلالة الفاء على ما ذُكر من السببيّة والتأثير، بل هي عاطفة، على نحو قوله: (من سمع الأذان فبادر إلى المسجد كان له كذا)، فالأخبار الخالية عن تعليل الفعل برجاء الثواب غير ظاهرة في مضمون الأخبار المشتملة على التعليل، بل هي ظاهرة في ترتّب الثواب على نفس الفعل، واللّازم من ذلك كونها مسوقة لبيان استحبابه..>( ).
وقد ردّه المحقّق الأصفهانيّبقوله:
<وأمّا ما ذكره شيخنا العلّامة الأنصاريّ في رسالة التسامح من منع دلالة الفاء على السببيّة والتأثير، بل هي عاطفة، فخلاف الاصطلاح؛ لعدم التقابل بين السببيّة والعطف، بل العاطفة تارةً للسببيّة، وأُخرى للترتيب، وثالثةً للتعقيب، والأمر سهل>( ).
وخلاصة البحث: أنّ الظاهر من الأخبار التي ذكرناها ـ بقرينة التفريع ـ هو: كون الأجر والثواب مترتّبين على العمل المأتيّ به بداعي البلوغ، وإذا كان الإتيان بها برجاء الثواب، لا على نفس العمل بما هو هو، بل الثواب ـ كما ورد في بعضها ـ يترتّب عليها مقيّدةً بداعي طلب قول النبيّ أو التماساً للثواب.
وعلى هذا الأساس: فكون نفس العمل الذي قد بلغ الثواب عليه يصبح بما هو هو مستحبّاً شرعاً بمجرّد بلوغ الثواب، بعيد عن مقتضى ظهور تلك الأخبار، فيبعد لذلك أن يقال: بأنّ بلوغ الثواب على العمل بخبر ضعيف له مدخليّة في التسبّب إلى انقلاب الفعل عمّا هو عليه، وصيرورته مستحبّاً شرعيّاً.
ومقتضى ما قدّمناه: أنّه لابدّ من الالتزام بدلالة هذه النصوص على كون الثواب مترتّباً على العمل المقيّد، وعدم دلالتها على الاستحباب النفسيّ المتعلّق بذات العمل.
ولكنّ المحقّق صاحب الكفاية ذهب إلى أنّ الظاهر من هذه النصوص هو ترتّب الثواب على نفس العمل، ولو فرض بأنّ الفاء كانت للتفريع وظاهرةً في داعويّة الثواب إليه، ولا منافاة بينهما. ومن هنا التزم بدلالة النصّ على استحباب ذات العمل.
وإليك نصّ ما أفاده:
<وإتيان العمل بداعي طلب قول النبيّ، كما قُيّد به في بعض الأخبار، وإن كان انقياداً، إلّا أنّ الثواب في الصحيحة إنّما رتّب على نفس العمل، ولا موجب لتقييدها به؛ لعدم المنافاة بينهما، بل لو أتى به كذلك أو التماساً للثواب الموعود، كما قيّد به في بعضها الآخر، لاُوتي الأجر والثواب على نفس العمل، لا بما هو احتياط وانقياد، فيكشف عن كونه بنفسه مطلوباً وإطاعة، فيكون وزانه وزان (من سرّح لحيته أو من صلّى أو صام فله كذا)، ولعلّه لذلك أفتى المشهور بالاستحباب>( ).
وأمّا المحقّق الأصفهانيّ فقد قرّب ما قاله صاحب الكفاية بقوله:
<فحاصل الأخبار: أنّ ترتّب الثواب على نفس العمل، وإن كان على الفرض منبعثاً عن الثواب المحتمل، إلّا أنّ انبعاثه عنه غير دخيل في ترتّب الثواب المجعول بهذه الأخبار عليه>( ).
وحاصله: أنّ الثواب المترتّب في هذه الأخبار إنّما رُتّب على ما يدعو إليه احتمال، وهو ذات العمل، لا العمل بوصف كونه مقيّداً بالاحتمال، ولا العمل الذي يكون متعنوناً بعنوان الانقياد، فالالتزام بظهور الفاء في إتيان العمل بداعي احتمال الثواب لا ينافي كون هذه النصوص ظاهرة في ترتّب الثواب على ذات العمل المدعوّ إليه، بعد أن لم تكن هذه الدعوة موجبة لتغيّر عنوان المدعوّ إليه من قبل نفس دعوة احتمال الأمر.
ولكنّ الحقّ: بعد فرض وحدة السياق في الروايات، فإنّ هذه الوحدة تكون كاشفة عن أنّ جميع هذه الروايات هي بصدد بيان ترتّب سنخٍ واحدٍ من الثواب على سنخٍ واحدٍ من الموضوع، وحينئذٍ: فلمّا كان بعضها مطلقاً، وكان بعضا الآخر مقيّداً، كخبر محمّد بن مروان، الذي اشتمل على قوله: <ففعل ذلك طلب قول النبيّ>، وخبره الآخر المشتمل على قوله: <ففعله التماس ذلك الثواب>، حيث رُتّب الثواب على العمل، لكن لا مطلقاً، بل مقيّداً بالإتيان به بداعي الثواب المحتمل، وكان لابدّ من الحفاظ على وحدة السياق.
فيكون اللّازم في هذه الروايات هو حمل مطلقها على مقيّدها، لمكان التنافي بينهما، حيث إنّ الروايات المطلقة قد رتّبت الثواب المخصوص على العمل مطلقاً، والروايات التي اشتملت على تقييد رتّبته على خصوص العمل المقيّد بالإتيان به بالداعي المذكور.
وهنا ينبغي التنبيه على اُمور:
الأوّل:
أنّه لو فرضنا إمكان استفادة الاستحباب من هذه الأخبار، إمّا مطلقاً، أو ـ كما ذكرنا ـ فيما إذا كان الإتيان بالعمل لأجل درك الثواب المحتمل، فهل يمكن ـ حينئذٍ ـ أن نرتّب عليه جميع آثار المطلوب الشرعيّ مطلقاً أم لا يمكن ذلك؟
وجهان، بل قولان، أحوطهما الثاني؛ لأنّ شمول الأدلّة لمطلق الآثار، إنّما يكون ممكناً إذا أحرزنا كونها في مقام البيان من هذه الجهة، ولكنّ أخبار من بلغ لم ترد في مقام البيان من جميع هذه الجهات.
وعليه: فلو دلّ خبر ضعيف على ترتّب ثواب على غسل مسترسل اللّحية، وقلنا باقتضائه لثبوت الاستحباب، فغاية ما يستفاد منه ـ حينئذٍ ـ هو ترتّب الثواب عليه، وأمّا بقية الآثار، كجواز أخذ الماء من مسترسل اللّحية لو جفّت بلّة يده، ولم يتمكّن من إكمال المسح الواجب في الوضوء بها، فاستفادتها من مثل هذه الخبر الضعيف بمجرّد كونه محقّقاً لعنوان بلوغ الثواب مشكل.
الثاني:
هل تشمل قاعدة التسامح ـ على القول بثبوتها ـ ما لو احتمل الاستحباب أو ظنّ بثبوته من مثل فتوى فقيه، أو انعقاد شهرة، أو نقل مجتهد ما للإجماع؟
قال اُستاذنا المحقّق:
<وأمّا إذا احتمل الاستحباب أو ظنّ به من فتوى فقيه، بل من شهرة أو إجماعٍ منقول، أو من غير ذلك ممّا ليس بحجّةٍ شرعاً، فليس له أن يفتي بالاستحباب من ناحية أخبار من بلغ؛ لعدم صدق البلوغ وعدم دلالة هذه الأخبار على حجّيّة هذه الأمور على الفرض، بل دلالتها مختصّة بحجّيّة الخبر الضعيف>( ).
وحاصله: أنّه لا شكّ في عدم صدق عنوان بلوغ الثواب والأجر عن المعصومين بالنسبة إلى مثل فتوى المجتهد والشهرة والإجماع المنقول ونحو ذلك.
والسرّ فيه: أنّ فتوى الفقيه إنّما تكون إخباراً عن رأي ذلك الفقيه، لا عن رأي المعصوم، والشهرة أيضاً كذلك، فإنّها عبارة عن إخبار جمع كثيرٍ من الفقهاء عن آرائهم، لا عن قول النبيّ ، فعلى القول بدلالة هذه الأخبار على قاعدة التسامح بمعنى ثبوت الاستحباب للعمل الذي بلغ عليه الثواب، فلا يتحقّق بهما ـ أعني: الشهرة وفتوى الفقيه ـ ما قد أُخذ موضوعاً لهذا الاستحباب في أخبار من بلغ.
وأمّا الإجماع المنقول، فعلى القول بأنه حجّة وكاشف عن رأي الإمامفيكون خارجاً عن محلّ البحث، كما لا يخفى، وأمّا لو قلنا بعدم حجّيّته، كما هو الصحيح، فيكون حاله حال الشهرة، فلا يثبت به الاستحباب؛ لعدم تأديته إلى صدق عنوان البلوغ.
اللّهمّ إلّا أن نحرز استناد معقد الشهرة، أو الإجماع المنقول إلى الأخبار، وأنّ فتوى المجمعين أو المشهور تنتهي إلى الأخبار، فحينئذٍ: تشملهما قاعدة التسامح في المندوبات، على القول بثبوتها، خصوصاً إذا قلنا بأنّ أخبار من بلغ دالّة على حجّيّة الخبر الضعيف المشتمل للاستحباب، وثبت ذلك عند المجتهد، فبقيام الخبر الضعيف عنده على الاستحباب يكون قد حصل على حجّة شرعيّة؛ إذ يكون حال الخبر الضعيف في المندوبات بالنسبة إليه كحال الخبر الصحيح في التكاليف الإلزاميّة، فسواء قام عنده خبر صحيح على استحباب العمل، أم خبر ضعيف، أمكن للفقيه أن يفتي باستحباب ذلك العمل، ويكون مستحبّاً في حقّه وفي حقّ مقلّديه أيضاً.
وفي هذا الذي ذكرناه يقول اُستاذنا المحقّق أيضاً:
<الظاهر: عدم الشمول؛ لأنّ الفقيه يُخبر عن رأيه بالوجوب أو الاستحباب، وربّما يكون منشأ رأيه وحدسه شيئاً آخر غير الأخبار المرويّة عنهم من الاستحسانات وتنقيح المناطات بنظره، فلا ربط ـ حينئذٍ ـ بين الإخبار عن رأيه وفتواه وبين البلوغ عن النبيّ.
مع أنّه لو كان منشأ رأيه وفتواه هي الأخبار ـ أيضاً ـ لا يفيد؛ لأنّه فرق بين رأيه المستنبط عن الأخبار، وبين نقل ما قاله النبيّ، فالأوّل ليس إخباراً عن النبيّ، ولا يصدق عليه البلوغ عن النبيّ، بخلاف الثاني، كما هو واضح>( ).
الثالث:
على القول بقاعدة التسامح، فهل تدلّ هذه الأخبار على كراهة ما دلّ الخبر الضعيف على حرمته أو كراهته أم لا؟
الظاهر: العدم؛ لأنّ غاية ما يثبت بإجراء قاعدة التسامح بالمعنى المذكور في مورد الخبر الدالّ على الحرمة أو الكراهة هو استفادة استحباب الترك.
وأنت خبير: بأنّه لا ملازمة بين هذا الاستحباب وبين كراهة الفعل، بل يمكن أن يكون الفعل أو الترك مستحبّاً، مع عدم كراهة الطرف الآخر، كما يمكن أن يكون الفعل أو الترك مكروهاً مع عدم استحباب الطرف المقابل. هذا.
مضافاً إلى أنّ الداعي إلى الترك في باب المحرّمات هو الفرار من العقاب، فلا تشملها أخبار من بلغ، لظهورها في كون موردها هو خصوص العمل الذي يكون الإتيان به بداعي الثواب.
هذا بالنسبة إلى الحرمة.
وأمّا الكراهة، فلابدّ فيها من التفصيل:
فإن قلنا: إنّها بمعنى أقلّيّة الثواب، فتشملها أخبار من بلغ؛ لإمكان أن يُقال: بأنّه يترتّب على الإتيان بالعمل في موردها الثواب، غاية الأمر: أنّه الثواب الأقلّ.
وإن قلنا: إنّها بمعنى الحزازة، فيكون حكمها حكم الحرمة؛ لأنّ موافقتها ـ حينئذٍ ـ تكون بالفرار عن الشيء الذي فيه حزارة، فلا يكون الداعي هو الثواب، فلا تشمل موردها الأخبار؛ لأنّ الغالب فيها ترتّب المفاسد الوضعيّة على الفعل، ولم تكن مورداً للنهي التنزيهيّ، بحيث يتحقّق معه عنوان ترتّب الثواب على الترك.
ثمّ بناءً على ثبوت قاعدة التسامح، فلو كان الخبر الضعيف دالاً على وجوب العمل لا استحبابه؟ فهل يثبت به ـ أيضاً ـ استحباب ذلك العمل، حيث إنّ الإخبار عن وجوب العمل يتضمّن الإخبار عن ترتّب الثواب عليه، فلا يفرّق بينه وبين الإخبار عن استحبابه، وحيث يصدق في مورده عنوان بلوغ الثواب على العمل، فيصبح العمل ـ بمقتضى أخبار من بلغ ـ مستحبّاً بذلك الخبر، ولا يثبت وجوبه بذلك الخبر الضعيف؛ لأنّ الخبر الضعيف إنّما يكون حجّةً في موارد الاستحباب، دون الوجوب.
ولاسيّما بعد أن كان الداعي للإتيان بالعمل في باب الواجبات عادةً هو الفرار عن المفسدة اللّازمة لتركه، لا طلب الوقوع في المصلحة المترتّبة على فعله، والتي هي الثواب، وعليه: فالخبر الضعيف الدالّ على الوجوب لا يثبت به ـ بناءً على قاعدة التسامح ـ ما هو أزيد من الاستحباب وأصل الرجحان، دون الرجحان الوجوبيّ والإلزاميّ.
الرابع:
أنّ أخبار من بلغ وقاعدة التسامح ـ على القول بها ـ تكون شاملةً للأدعية الواردة التي اشتملت على ذكر الثواب.
وأمّا أخبار الفضائل والمعاجز والأخلاقيّات، وكذا ما ورد لدفع الأوجاع والأمراض، وكذا ما ورد بقضاء الحوائج من الصلوات والأدعية الدنيويّة، فشمول القاعدة لها مشكل.
وما قد يستدلّ على شموله لها من الإجماع.
ففيه: أوّلاً: أنّه إجماع منقول غير محصّل، فليس بحجّة.
وثانياً: أنّه على فرض تحصيله محتمل المدركيّة، إذ لعلّ مدركهم فيه كان هذه الأخبار الروايات.
نعم، بالنسبة إلى أخبار الفضائل، قد يقال بشمول القاعدة لها؛ لأنّ الإخبار عنها إخبار بالملازمة عن استحباب العمل، فتشمله أخبار من بلغ.
الخامس:
ذكر المحقّق العراقيّ أنّه يعتبر في صدق البلوغ ظهور اللّفظ في المعنى، فمع كونه مجملاً، فلا يصدق البلوغ.
وعليه: فلابدّ أن لا يكون اللّفظ متّصلاً بقرينة تستوجب سلب الظهور عنه، وأمّا قيام القرينة المنفصلة على الخلاف فغير ضائر في صدق البلوغ، كما لو قام خبر ضعيف على استحباب إكرام كلّ عالم، وقام خبر آخر على عدم استحباب إكرام النحويّين منهم؛ فإنّه بمقتضى أخبار من بلغ يُحكم باستحباب إكرام الجميع، لما عرفنا في محلّه: من أنّ ورود المخصّص المنفصل لا يوجب زوال العامّ عن العموم، وانثلام ظهوره فيه.
نعم، هو يستلزم عدم حجّيّته في العموم، مع بقاء أصل ظهوره فيه على حاله، فيصدق أنّه قد بلغ استحباب إكرام الجميع، ولو مع وجود وقيام المخصّص المنفصل.
هذا كلّه فيما لو فرضنا كون الخبر القائم على خلاف الاستحباب غير معتبر في حدّ نفسه.
وأمّا إذا كان حجّة في نفسه، فقد يتوهّم عدم شمول قاعدة التسامح وأخبار من بلغ حينئذٍ للخبر الدالّ على الاستحباب، وذلك بدعوى: أنّ دليل الحجّيّة يتكفّل تتميم الكشف الذي يرجع إلى إلغاء احتمال الخلاف، فيحصل القطع تعبّداً بعدم استحبابه.
ومعه: فلا يصدق عنوان البلوغ الذي هو الموضوع بالنسبة إلى الحكم بالاستحباب، فيكون دليل الحجّيّة حاكماً على أخبار من بلغ.
ولكنّه توهّم فاسد؛ لعدم التنافي بينهما، بعدما لم يكن النفي والإثبات واردين على موضوعٍ واحد؛ فإنّ ما يستفاد من أخبار من بلغ هو استحباب العمل، لا بالعنوان الأوّليّ، بل بالعنوان الثانويّ، وهو عنوان بلوغ الثواب، وأمّا الخبر المعتبر، فمفاده عدم استحباب العمل بعنوانه الأوّليّ، فلا يكون هناك منافاة بينهما ـ أصلاً ـ كما هو ظاهر( ).
السادس:
على القول بالاستحباب، فهل تشمل قاعدة التسامح الأخبار الضعيفة التي تدلّ على مصائب أهل البيت؟
قد يقال: لا شكّ في أنّ البكاء والتباكي على مصابهم يستتبع أجراً وثواباً، وبما أنّ مفاد هذه الأخبار الضعيفة هو الانتهاء إلى ما فيه الأجر والثواب، فتشملها القاعدة.
ولكنّ الحقّ: أنّ ترتّب الأجر والثواب على البكاء على مصائبهم أمر مقطوع به، وإنّما الشأن في إثبات تحقّق هذه المصائب في الخارج، ومعلوم: أنّ إثبات وقوعها في الخارج بالخبر الصحيح الواحد مشكل؛ لكونها من الموضوعات الخارجيّة، فضلاً عن الخبر الضعيف.
ومن هنا، فلو نسب إليهم شيء بمجرّد الاستناد إلى خبر ضعيف؛ فإنّه يُحكم بكونه موجباً لبطلان الصوم؛ لصدق نسبة الكذب إليهم على مثل هذه النسبة.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com