اللاحق_15

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

(للسابع) إخبار للعدل للواحد عند بعضهم([1]) لكنه مشكل
(مسألة ـ 1) إذا تعارض للبينتان أو إخبار صاحبي لليد في للتطهير وعدمه، تساقطا([2]) ويحكم ببقاء للنجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد للطرق المتقدمة ماعدا للعلم للوجداني تقدم للبينة([3])
(مسألة ـ 2) إذا علم بنجاسة شيئين فقامت للبينة على تطهير أحدهما غير المعين، أو المعين وإشتبه عنده، أو طهر هو أحدهما ثم إشتبه عليه، حكم عليهما بالنجاسة، علملاً بالإستصحاب، بل يحكم بنجاسة ملاقي كل منهما([4])
لكن إذا كانا ثوبين وكرّر للصلاة فيهما صحت([5]).
[1].  وفي إعتباره في الطهارة والنجاسة مطلقا، وعدمه كذلك، والتفصيل بينهما بالقبول في الاول دون الثاني أقوال. وقد ذكروا وجوهاً لاعتباره مطلقاً في الموضوعات، سواء كانت هي الطهارة أو غيرها.
الأول: إستقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة وقبول قوله. وفيه: أولا: أنه على فرض تسليم إستقرار هذه السيرة وبناء العقلاء على ذلك ـ كما انه ليس ببعيد ـ لكنه الثقة غير خير العدل، وبينهما عموم من وجه. وأما لو لم يدع المدعي قيام السيرة وبناء العقلاء على إعتبار خبر العدل الواحد، فهذه الدعوى عهدتها على مدعيها!! إذ العقلاء لاشغل لهم بالعدالة، بل لو كان هناك عادل كثير الاشتباه غير الضابط لايعتنون باخباره، بل المدار في إعتنائهم كون المخبر ثقة وإن كان كافراً نعم لو ادعى أحد قيام سيرة المتدينين على قبول خبر العدل الواحد واعتباره ليس ببعيد، ولكن مع ذلك كله إحراز هذا الأمر لايخلو عن تأمل.
وثانياً: على فرض ثبوت ذلك واحرازة، مردوعة برواية مسعدة: الأشياء كلها على ذلك حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (الوسائل كتاب التجارة، الباب  ـ 4 ـ من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.)
إن قلت: إن خبر العدل الواحد بعد إن كان حجة وكذلك خبر الثقة، يدخل تعبداً في الاستبانة. وبعبارة أخرى: يكون دليل اعتباره حاكماً على رواية مسعدة بن صدقة، فلا يمكن أن تكون الرواية رادعة لتلك السيرة.
قلنا: هذا الكلام صحيح، ولكن لازمه أن يكون خبر العدل الواحد ـ أو خبر الثقة الذي يكون مخبره واحداً ـ عدلا للبينة، فكأنه قال: الاشياء كلها على الحلية إلا أن تعلم بموضوع الحرمة، أو يخبر عدل واحد أو عدلان بما هو موضوع الحرمة. وأنت خبير بأن جعل العدل الواحد عدلا للعدلين في غاية الركاكة، خصوصاً إذا كانت شهادة العدلين تدريجبة لادفعة واحدة، لأنه مع شهادة العدل الأول يثبت الموضوع، فشهادة الثاني تكون لغواً وبلا أثر، بل يكون إعتبارها لثبوت المؤدى من قبيل تحصيل الحاصل، فاعتبار التعدد مع ثبوت المؤدى بواحد متنافيان. نعم إعتبار التعدد في خبر العدل غير الثقة مع ثبوت المشهود به بخبر الواحد الثقة، لاتنافي بينهما، ولكن إعتبار خبر الواحد الثقة مع إطلاق إعتبار التعدد في خبر العدل ـ أي وإن كانا ثقتين ـ متنافيان.
فظهر  مما ذكرنا أنه مع اعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الواحد الثقة، لايبقى مجال لاعتبار التعدد وحجية البينة فمن دليل حجية البينة نستكشف عدم إعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الواحد الثقة، فتكون رواية مسعدة رادعة للسيرة وبناء العقلاء على فرض تحققهما. هذا مضافاً إلى خبر عبدالله بن سليمان المروي في الكافي والتهذيب في الجبن: كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب ـ 61 ـ من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.) فجعله عليه السلام غاية الحلية مجيىء شاهدين يشهدان أن فيه ميتة، يدل على عدم كفاية شاهد واحد وإن كان عدلا ثقة.
خلاصة الكلام: أن إعتبار التعدد ـ كما في البينة ـ مع عدم اعتبار التعدد ـ كما في خبر العدل الواحد أو خبر الثقة الواحد حسب إدعاء الطرف ـ مما لايجتمعان، إذ هما متناقضان. اللهم إلا أن يقال بعدم إعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الثقة الواحد في كون الميتة في الجبن، وهو لايخلو ـ مضافاً إلى بعده ـ من الغرابة!!.
وأما الأخبار التي إستدلوا بها على حجية خبر العدل الواحد وخبر الثقة الواحد فمنها: حسنة حريز ـ أو صحيحته ـ المروية في الكافي، وفيها ـ بعدما وبخ الامام الصادق عليه السلام إبنه إسماعيل في دفعه دنانير إلى رجل شارب الخمر بضاعة، ليعامل بها ويعطي مقداراً من النفع لاسماعيل، فأتلف النقود ذلك الرجل ـ قال عليه السلام له: لم فعلت ذلك؟ ولا أجر لك، فقال إسماعيل: يا أبة إني لم أره يشرب الخمر، إني سمعت الناس يقولون. فقال: يابنى إن الله عز وجل يقول في كتابه (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) يصدق الله ويصدق المؤمنين، فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم (الوافي نقلا عن الكافي في باب من أدان ماله بغير بينة، من كتاب المعائش والمكاسب.) ولا شك في أن قوله عليه السلام «إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» كلمة «المؤمنون» فيه ـ حيث إنها جمع محلى باللام ـ تفيد العموم الاستغراقي، لأن العام المجموعي ـ بمعنى أنه إذا شهد عندك جميع المؤمنين فصدقهم ـ قطعاً ليس بمراد، لأن شهادة جميع المؤمنين الموجودين في الدنيا على موضوع عادة غير ممكن ومحال فاذا كان العام إستغراقياً فتنحل الى قضايا متعددة حسب عدد أفراد المؤمنين كسائر العمومات، فيكون مفاد هذه الجملة: إن أى واحد من المؤمنين إذا شهد عندك بموضوع ـ سواء كان هو شرب الخمر ـ كما أنه هو المورد ـ أو كان غيره ـ فصدقه. ومعلوم أن معنى التصديق في المقام هو ترتيب أثر المشهود به على شهادته، وهذا معنى وجوب قبول الثقة والعدل الواحد. وقد روى بعضهم: إذا شهد عندك المؤمنون فاقبلوا.
وفيه: أولا: أن أحداً لم يقل بحجية خبر كل مؤمن، بل كل مسلم لما حكى بعضهم «المسلمون» في هذه الرواية بدل «المؤمنون».
وثانياً: لم يقل أحد بحجية خبر الثقة أوالعدل الواحد في باب الحدود بل ينفي تصديق المؤمن الواحد في باب إرتكاب الذنب مارواه الصدوق في كتاب عرض المجالس، وفيه: من لم تره بعينك يرتكب ذنياً ولم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وان كان في نفسه مذنباً (الوسائل كتاب القضاء، الباب ـ 41 ـ من أبواب الشهادات، الحديث 13).
وثالثاً: من المقطوع عدم حجيتهما في مقام المخاصمة ومقابل ذي اليد.
ورابعاً: يجب تقييدها ـ أي الحجية ـ بكونهما متعدداً برواية مسعدة ابن صدقة، وخبر عبدالله بن سليمان. هذا كله مضافاً الى أنه ليس المراد من وجوب تصديقهم ترتيب الأثر على ما يخبرون به وان كان فيه ضرر على الغير، لما ورد: ترتيب الأثر على مايخبرون به وان كان فيه ضرر على الغير، لما ورد: كذب سمعك وبصرك على أخيك، فان شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولا، فصدقه وكذبهم (الوسائل كتاب الحج، الباب ـ 157 ـ من أبواب العشرة، الحديث 4.) أي فيما يضره ولا ينفعهم فالمراد من وجوب تصديقهم وكذا من قبول قولهم ـ بناء على صحة الرواية الأخرى ـ هو التحذر عما أخبر به فيما إذا إحتمل أن يكون على تقدير صحة ما أخبر عنه ضرر عليه، كما إنه كذلك كان في مورد صدور الرواية.
والحاصل: إنه يدور الأمر بين هذه التخصيصات الكثيرة ـ التي ربما يكون العموم مستهجناً معها ـ وتقييد واحد ـ وهو تقيد وجوب تصديق المؤمن بكونه متعدداً ـ ولا شك في أن الثاني أولى، بل هو المتعين. وكذلك الحال في مفهوم آية البناء ـ بناء على ثبوت المفهوم لها، وشموله للاخبار عن الموضوعات، وعدم كونه مختصاً بالموضوعات ـ فيدور الأمر بين تخصيصه بهذه التخصيصات، أو تقييده بالتعدد بالنسبة إلى الموضوعات، ومعلوم أن الثاني أولى بل هو المتعين.
وأما الأخبار الواردة الخاصة، كقوله عليه السلام: المؤذن مؤتمن والامام ضامن (الوسائل كتاب الصلوة، الباب ـ 3 ـ من أبواب الأذان والاقامة، الحديث 2.) وكقوله عليه السلام: الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الو كالة بثقة (الوسائل كتاب الو كالة، الباب ـ 1 ـ) وقوله عليه السلام في رواية إسحق بن عمار، قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضاً، فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناً، وأعط أخي بقية الدنانير، فمات ولم أشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنه أمرني أن أقول لك أنظر إلى الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير أقسمها في المسلمين، ولم يعلم أخوه أن عندي شيئاً. فقال عليه السلام: أرى أن تتصدق منها بعشرة دنانير (الوسائل كتاب الوصايا، الباب ـ 97 ـ الحديث 1.) والرواية ظاهرة في وجوب قبول قول هذا الرجل المسلم الصادق، حيث إن التصدق على خلاف الارث وكذا الروايات الواردة في وجوب الاعلام في بيع الدهن المتنجس (الوسائل كتاب التجارة، الباب ـ 6 ـ من ابواب ما يكتسب به.) ولو لم يكن إخبار البايع واجب القبول كان وجوب الاخبار لغواً، وكذا ماورد في الاعتماد على إخبار البايع بالكيل أو الوزن (الوسائل، كتاب التجارة، الباب ـ 5 ـ من ابواب جواز الشراء عن تصديق البايع في الكيل)
وكذلك في إخباره بإستبراء الأمة (الوسائل، كتاب النكاح، الباب ـ 5 ـ من أبواب نكاح العبيد والاماء، الحديث 1.) وغير ذلك من الموارد.
وفي الجميع ـ مضافاً إلى المناقشات في دلالتها ـ أنها موارد جزئية لايمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية ـ كما هو المدعى في المقام ـ وهي حجية كل خبر ثقة أو عدل واحد في أي موضوع من الموضوعات.
وأما الاستدلال بما حكى بعضهم: المؤمن وحده حجة، فلا يخفى مافيه من حيث السند والدلالة.
وأما الاستدلال لقبول خبر الثقة بمضمر سماعة: سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدث رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إن هذه إمرأتي وليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه (الوسائل كتاب النكاح، الباب ـ 23 ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 2).
ففيه: أولا: معارضتها برواية يونس، قال: سألته عن رجل تزوج إمرأة في بلد من البلدان، فسألها: ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها ثم إن رجلا أتاه فقال: هي إمرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، مايلزم الزوج؟ قال عليه السلام: هي إمرأته إلا أن يقيم البينة (الوسائل كتاب النكاح، الباب ـ 23 ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 3) ونحوها مكاتبة الحسين ابن سعيد، وأيضا معارضتها بخبر عبدالعزيز المهتدي: سألت الرضا عليه السلام قلت له: إن أخي مات، فتزوجت إمرأته، فجاء عمي فادعى أنه تزوجها سراً، فسألتها عن ذلك فانكرت أشد الانكار وقالت: ما كان بيني وبينه شيء قط. فقال: يلزمك إقرارها، ويلزمه إنكارها (الوسائل كتاب النكاح، الباب ـ 23 ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 1)
ومعلوم أن المعارضات أقوى من مضمرة سماعة، لكثرة عددها، وعمل المشهور بها، وإعراضهم عنه.
وثانياً: إنه من المحتمل القريب أن يكون النهي عن قربها بقوله عليه السلام «إن كان ثقة فلا يقربها» من جهة شدة حسن الاحتياط في باب الفروج وإن لم يكن واجباً، خصوصا مع قوة الإحتمال إذا كان المدعي ثقة، ولذا جعل الشارع في باب الفروج ـ مثل باب الدماء ـ الاحتياط واجباً في الشبهات إن لم يكن حجة على الحلية من أمارة أو أصل، وذلك لكثرة إهتمام الشارع بحفظ النفوس والانساب.
خلاصة الكلام: أنه لم نجد دليلا يمكن الركون والاعتماد عليه ـ من نقل أو عقل أو بناء العقلاء وسيرتهم ـ على حجية خبر الواحد الثقة أو العدل مع إمضاء من قبل الشارع، بل وجدنا الأدلة على عدم حجية كليهما ـ أي خبر الثقة وخبر العدل الواحد ـ وقد تقدم ذكر تلك الأدلة.
[2].  كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر ـ بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل ـ أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه ـ أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي ـ وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
[3].  على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة ـ ولو كانت ضعيفة ـ على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً ـ أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ ـ دام ظله ـ تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».
[4].  جريان الاستصاب في هذه الصور الثلاث، والحكم بنجاسة ملاقي كل منها مبني على جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي على خلاف المعلوم بالاجمال إذا لم يكن مستلزماً للمخالفة القطعية العملية، ولهذا إختلف الآراء في هذه الاستصحاب في الصورة الأولى دون الصورتين الأخيرتين.
أما جريانه في الصورة الأولى، فلأنه لامحذور فيه إلا مايتوهم من معارضة صدرالصحيحة ـ وهو قوله عليه السلام «لاتنقض اليقين بالشك» ـ مع ذيلها ـ وهو قوله «ولكن أنقضه بيقين مثله» ـ وقد أجبنا عن ذلك بعدم معارضة الصدر مع الذيل، لأن المراد من اليقين في ذيل الصحيحة ـ وهو قوله (ولكن أنقضه بيقين مثله) ـ هو اليقين التفصيلي.
أما عدم الجريان في الصورتين الأخيرتين، فلعدم إتصال الشك باليقين ولذا أفاد «قدس سره» في التعليقة ـ فيما اذا قامت البينة على تطهير أحدهما غير المعين على الاجمال ـ: وأما في غيره فاجراء الاستصحاب في كليهما والحكم عليهما بالنجاسة محل إشكال.
أما جريان الاستصحاب في الصور الثلاث كما في المتن، وذهب اليه أستاذنا المحقق «قدس سره» فلأنه لامحذور في الجميع: أما في الصورة الأولى فلما عرفت، وأما في الصورتين الأخيرتين فلعدم صحة ماقيل من عدم إتصال الشك باليقين، وأيضا عدم صحة ما أفاده شيخنا الاستاذ «قدس سره» من عدم جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي على خلاف المعلوم بالاجمال وان لم يكن مستلزماً للمخالفة القطيعة العملية لأن عمدة مدرك كلامه «قدس سره» هي المضادة بين الاحراز التعبدي في طرف العلم الاجمالي، وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما.
وفيه: منع المضادة بين الاحرازين المذكورين، لتغاير متعلق اليقين والشك، ووقوف كل منهما على نفس معروضه بلا سراية إلى متعلق الآخر فان معروض الاحراز الوجداني لايكون إلا العنوان الاجمالي المعبر عنه باحدهما، ومعروض الاحراز التعبدي إنما هو العنوان التفصيلي لكل واحد منهما، كاناء زيد واناء عمرو مثلا، فياستصحاب النجاسة في كل واحد منهما يحرز تعبداً نجاسة كل واحد منهما تفصيلا معيناً، فلا يمكن وقوع التضاد بينهما. هذا ما أفاده أستأذنا المحقق «قدس سره» في المقام.
ولكن التحقيق عدم جريانه في جميع الصور، أما في الصورة الأولى فلما ذكرنا من وقوع المضادة بين الاحرازين. وما أورد عليه أستاذنا المحقق «قدس سره» من تغاير المتعلقين لايفيد شيئاً، لأن الصورة الذهنية مرآة للخارج، فاذا علم بطهارة أحد الانائين إجمالا، فلا يمكن تحقق العلم بنجاسة كل واحد منهما تفصيلا، وهذا في العلم الوجداني واضح، وكذلك الأمر في العلم التعبدي.
أما عدم جريانه في الصورتين الأخيرتين فلجهتين: الأولى: ماذكرنا آنفاً في الصورة الأولى.
الثانية: عدم إتصال الشك باليقين. بيان ذلك: أنه كلما حصل بعد اليقين السابق يقين وجداني أو تعبدي بارتفاع الحالة السابقة، فمع وجود الشك في البقاء ليس هذا الشك متصلا باليقين، وذلك لأنه توسط اليقين بارتفاع الحالة السابقة بين اليقين السابق والشك اللاحق. وهذا هو الضابط الكلي في عدم إتصال الشك باليقين، فاذا علم بنجاسة كأسين ثم علم بطهارة أحدهما وجداناً ـ كنزول المطر على أحدهما المعين ـ أو تعبداً ـ كما إذا قامت البينة على طهارة أحدهما المعين ـ ثم إشتبه ذلك المعين فيحصل له الشك في بقاء نجاسة كل واحد منهما، ولكن من المعلوم أن الشك في كل واحد منهما ليس متصلا باليقين، لأنه يعلم بارتفاع الحالة السابقة في أحدهما المعين إما وجداناً وإما تعبداً، ويحتمل في كل واحد منهما أن يكون هو ذلك المعين الذي علم إرتفاع الحالة السابقة فيه، فالحكم بالنجاسة في ذلك المعين الواقعي المشتبه فعلا ليس إبقاء النجاسة، وحيث يحتمل في كل واحد منهما أن يكون هو ذلك المعين فيشك في كون الحكم بنجاسته ابقاء للنجاسة، فيكون الحكم بنجاسته بقوله عليه السلام «لاتنقض اليقين بالشك» من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية لنفس العام، وهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أن يتفوه به.
فظهر من مجموع ماذكرنا أن مااختاره شيخنا الأعظم الانصاري «قدس سره» من عدم جريان الاستصحاب في الصور الثلاث صحيح ولكن لا لما ذكره «قدس سره» من معارضة صدر الصحيحة مع ذيلها، بل لما ذكرنا من وقوع المضادة بين الاحرازين في الصور الثلاث، وعدم إتصال الشك باليقين في الصورتين الأخيرتين.
[5].  لحصول العلم بالامتثال ولو إجمالا، وصحة هذا الكلام مبنية على كفاية الامتثال الاجمالي وإن كان مستلزماً لتكرار العبادة.