خلاصة ما تقدم

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

فلو كانت الغنيمة مختصة بغنائم دار الحرب فلماذا أصبح الوجوب في هذه الامور كلها، و لو كان مختصاً بالغنائم فلماذا نقول انها مختصة بالخمسة؟ بل نقول الخمس واجب على الاطلاق كما عليه أهل اللغة. وقد أجاب استاذنا الاعظم السيد الخوئي (قده) بقوله:
هناك إشكال معروف قد تداولته الألسن، ولاسيما في الآونة الاخيرة، وحاصله: أن الاية لو كانت مطلقة ،وكان هذا النوع من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدسة، فلماذا لم يُعهد أخذه من صاحب الشرع حيث لم ينقل لا في كتب الحديث ولا التاريخ ان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) او أحداً من المتصدين بعده حتى وصيه المعظم(عليه السلام) في زمن خلافته الظاهرية تصدى لاخذ الأخماس من الأرباح والتجارات، كما كانوا يبعثون العمال لجباية الزكوات، بل قد جعل سهم خاص للعاميلن عليها ، فانه لو كان ذلك متداولاً كالزكاة لنقل إلينا بطبيعة الحال. وان تعجب فعجب انه لم يوجد لهذا القسم من الخمس عين ولا اثر في صدر الاسلام الى عهد الصادقين (عليهما السلام) حيث ان الروايات القليلة الواردة في المقام كلها برزت منذ هذا العصر، واما قبله فلم يكن منه اسم ولارسم حسبما عرفت.
والجواب: اما بناءً على ما سلكناه من تدريجية الاحكام وجواز تاخير التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبي الى الامام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتية الباعثة على ذلك،  بل قد يظهر من بعض النصوص أن جملةً من الأحكام لم تنشر لحد الآن وانها مودعة عند ولي العصر (عجل الله تعالى فرجه) وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر. فالأمر على هذا المبنى ـ الحاسم لمادة الاشكال ـ ظاهر لا سترة عليه.
 واما مع الغض عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس نظراً الى ان الأول ملك للفقراء و حتى يصرف في مصالح المسلمين وهو (صلى الله عليه وآله) مأمور بالاخذ قال تعالى{خذ من اموالهم صدقة... الخ} فمقدمة للاخذ الواجب عليه لا محيص له (صلى الله عليه وآله) من بعث العمال لجباية الزكوات،
وأما الخمس فهو حق له (صلى الله عليه وآله) ولأقربائه فيُشبه الملكَ الشخصي حيث لاتعود فائدته لعامة المسلمين. ومن ثم لم يؤمر في مورده الا بمجرد التبليغ كما في ساير الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ، فلم يكن ثمة باعث على جبايته، بل قد لايناسب ذلك وشأنه و جلالته كما لايخفى. فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة، فانه مع الفارق الواضح حسبما عرفت. وبالجملة فعلى تقدير تسليم عدم بعث العمال لأخذ الأخماس فهذا  لا يكشف عن عدم الوجوب بوجه.
 كيف ووجوب الخمس في الركاز مما اتفقت عليه العامة، ورووا فيه روايات كثيرة([1]) ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) او من بعده بعث احداً لجبايته. فعدم البعث والحث للأخذ لازم أعم لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبدا. على ان العامة قد رووا هذا الخمس عن النبي(صلى الله عليه وآله ) فقد ورد في صحيح البخاري والترمذي ان رجلا من بني عبد قيس جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما اراد الانصراف امره(صلى الله عليه وآله) بالصلاة والصيام والزكاة واعطاء الخمس مماغنم .فان من الواضح عدم ارادة الخمس من غنائم دار الحرب لعدم فرض قتال او غزو، بل المراد خمس الارباح والمتاجر كما لايخفى.
والانصاف انه لم يتضح لدينا بعدُ ماذا كانت الحالة عليه في عصره (صلى الله عليه وآله) بالاضافة  الى أخذ هذا النوع من الخمس وعدمه، كيف والعهد بعيد والفصل طويل، وقد تخلل بيننا عصر الأمويين الذين بدّلوا الحكومة الاسلامية حكومة جاهلية، ومحقوا احكام الدين حتى ان كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنص القران الكريم كما يحكيه لنا التاريخ والحديث، بل في صحيح ابي داوود وسنن النسائي أن أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون اعداد الفرائض. وعن ابن سعد في الطبقات ان كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجهم.
وروى ابن حزم عن ابن عباس انه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام فلم يعرفوها حتى أمر من معه ان يعلم الناس، فاذا كانت الحال هذه بالإضافة الى مثل هذه الأحكام التي هي من ضروريات الاسلام و متعلقة بجميع الأنام فما ظنك بمثل الخمس الذي هو حق خاص له(صلى الله عليه وآله وسلم) ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامة كما في الزكاة، بل لخصوص بني هاشم زادهم الله عزاً وشرفاً ،فلا غرابة اذاً في جهلنا بما كان عليه أمر الخمس في عصره(صلى الله عليه وآله)  أخذاً وصرفاً.
إلا ان هذا كله لايكشف عن عدم الوجوب، وعدم الوصول لا يلازم عدم التشريع بعد ان نطق به الكتاب العزيز و السنة المتواترة ولو إجمالا حسبما عرفت وستعرف.
 ومما يؤكد ذلك انه لا خلاف بيننا وبين العامة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم، وان الصدقة عليهم حرام، حتى لايجوز استعمالهم عليها، والدفع لهم من سهم العاملين. وقد رووا في ذلك روايات متواترة، كما وردت من طرقنا أيضاً حسبما تقدم في كتاب الزكاة. وفي بعضها: ان الله تعالى قد عوض عنها الخمس إكراماً لهم وتنزيهاً عن أوساخ ما في أيدي الناس. وفي صحيح مسلم وغيره: ان الفضل بن العباس وشخصاً آخر من بني هاشم كانا محتاجَيْن الى الزواج ولم يكن لديهما مهر، فاشتكيا ذلك الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وطلبا منه ان يستعملهما على الزكاة ليحصلا على المهر من سهم العاملين فلم يرتض(صلى الله عليه وآله) ذلك، بل أمر شخصين ان يزوجا ابنتيهما منهما وجعل مهرهما من الخمس بدلاً من الزكاة، والروايات بذلك متظافرة من الطرفين كما عرفت. ومن الواضح الضروري ان الحرب ليست قائمة بين المسلمين والكفار مدى الدهر ليتحقق بذلك موضوع الخمس من غنائم دار الحرب فتدفع اليهم.
اما لاستيلاء الكفار كما في هذه الاعصار و ما تقدمها بكثير ولعل ما سيلحقها ايضاً بأكثر حيث اصبح المسلمون مستعمَرين والى الله المشتكى. أو لاستيلاء الاسلام كما في عهد الامام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وجعلنا من أنصاره وأعوانه، و عليه فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب، ولم يكن متعلقا بما له دوام واستمرار من الأرباح والتجارات فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو عصر طويل الأمد بعيد الأجل كما عرفت. والمفروض تسالم الفريقين على منعهم من الزكاة أيضاً كما مر، اذاً فما هو الخمس المجعول عوضاً عنها في هذه الظروف.
 فلا مناص من الالتزام بتعلقه كالزكاة بما له دوام واستمرار وثبات وقرار في جميع الاعصار، لتستقيم العوضية فيه وتتم البدليه الأبدية، ولايكون الهاشمي أقل نصيباً من غيره، وليس ما هو كذلك الا عامة الأرباح والمكاسب حسبما عرفت، فتحصل ان الاستشكال في وجوب الخمس في هذا القسم ساقط لايُعبأ به بتاتاً.
 ويدلنا على الحكم ثانيا جملةٌ وافرة من النصوص التي عرفت انها بضميمة نصوص التحليل بالغة حد التواتر([2]) وقد ذكرنا تمام كلامه (قدس سره) لما رأينا  فيه من فائدة جمّة.
1- عمدة القاري في شرح البخاري ج9 ص99 باب مايجب فيه الخمس للركاز.
2- مستند العروة الوثقى كتاب الخمس ص195 ـ 199.