وأما الآيات التي أستدلوا بها فهي: بعيدة لما اختاروه ـ

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

) قوله تعالى: (قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ...) ([1]). أي الشرّ والخير وهذا ما ينافي ما ذكرنا.
2) وقوله: (وَمَا تَوْفِيْقِي إلاّ بِاللهِ...) ([2]) ـ أي في شأن الاصلاح لست موفقاً الاّ بعنايته، بل بمعونة وقدرة الله جلّ وعلا لا بقدرتي الشخصية. وأن أموري كلّها مفوضة اليه وأنا أرجع اليه فيها.
3) وقوله: (يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشاءُ..) ([3]) ـ أي يوصله الى المطلوب والحق لمن أراد ذلك ولايمنع من أراد الضلال وأوغل فيه كي لايكون الايمان قسراً.
4) وقوله: (وَمَا تَشَاؤُوْنَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) ([4]) أي أنتم لاتريدون أن تتخذوا الطريق الذي يرضي الله تعالى والطريق السوي والصراط المستقيم الا أن يجبركم الله على ذلك ويرجعكم اليها وما تريدون اتخاذ اختيار ذلك الطريق باختياركم ولكن لاينفعكم ذلك لو اجبركم الله عليه، ولذا لم يشأ الله تعالى المشيئة القسرية التي لا ثواب لفاعلها، بل ترك لكم الاختيار في الايمان لتستحقوا الثواب.
5) ـ وقوله: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) ([5]) وهذه الآية بعيدة عن الجبر كما ذكر ابن عباس وغيره، ان جبرائيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خذ قبضة من تراب فأرمهم بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. لما التقى الجمعان لعلي: أعطني قبضة من حصى الوادي، فناوله كفّاً مِن حصىً عليه تراب فرمى به في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك الاّ دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وكان هذا سبب هزيمة المشركين.
وانما نسب الفعل ـ جل وعلا ـ الى نفسه لانه هو الذي علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي ساعده وألقى الرعب في قلوب اعدائهم كأنه هو الذي فعله. والآية حسب الرواية مختصة بمورد خاص وهو «غزوة بدر».
6) ـ وقوله: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) ([6]) ـ قد ذكر في تأويل الآية وجوه:
(احدها): ان معناه (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَه) الى الثواب وطريق الجنة (يشرح صدره) في الدنيا للايمان بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان، وما يعرض في القلوب من الخواطر الفاسدة. وانما يفعل ذلك لطفاً به ومنّاً عليه وثواباً على اهتدائه بهدي الله وقبوله إيّاه ونظيره قوله سبحانه: (والَّذِيْنَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وآتاهُمْ تَقْويهُم) ([7]).
(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) يعني ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقاً حرجاً عقوبة له على ترك الايمان من غير أن يكون سبحانه مانعاً عن الايمان وسالباً أياه القدرة عليه بل ربما يكون ذلك سبباً داعياً له الى الايمان فان من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعياً له الى تركه والدليل على أن شرح الصدر قد يكون ثواباً قوله سبحانه (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ([8])، وغيرها من الآيات.
ومعلوم أن وضع الوزر ورفع الذكر يكون ثواباً على تحمّل أعباء الرسالة كُلِّها، فكذلك ما قرن به من شرح الصدر. والدليل على أن الهدى قد يكون الى الثواب قوله (والّذيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيْهِمْ وَيُصْلِحْ بَالَهُم) ([9]) ومعلوم أنّ الهداية بعد القتل لاتكون إلاّ الى الثواب فليس بعد الموت تكليف وقد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن شرح الصدر ما هو فقال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له صدره وينفسح. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم الإنابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت.
(وثانيها) ـ ان معنى الآية (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ....) أَنْ يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه جزاء له على إيمانه وإهتدائه. وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في قوله (إهْدِنا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْم) ([10]).
(وَمَنْ يُرِدِ أَنْ يُضِلَّهُ) أي يخذله ويخلّي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر وترك الايمان (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها باقامته على كفره فإن قيل: إنا نجد الكافر غير ضيق الصدر لما هو فيه ونراه طيّب القلب على كفره، فكيف يصح الخُلف في قوله سبحانه.
قلنا: انه سبحانه بيّن أنه يجعل صدره ضيقاً ولم يقل في كل حال ومعلوم من حاله في أحوال كثيرة أنه يضيق صدره بما هو فيه من ورود الشبهة والشكوك عليه.
وعندما يجزي الله تعالى المؤمن على استعمال الأدلة الموصلة الى الايمان، كما اشارت الى ذلك الاية الشريفة (يا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيْهَا..) ([11]) أي حسرتهم على أنفسهم في الآخرة لاستهزائهم بالرسل في الدنيا.
(وثالثها) ـ أن معنى الاية: (فمن يرد الله ان يهديه) زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة. ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة، بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه ويجعل صدره ضيقاً حرجاً لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده وتكون الفائدة في ذلك الترغيب في الايمان والزجر عن الكفر وهذا التأويل قريب مما تقدمه.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: انما سمّى الله قلب الكافر حرجاً لانه لايصل الخير الى قلبه. وفي رواية أخرى لاتصل الحكمة الى قلبه ولايجوز أن يكون المراد بالأضلال في الآية الدعاء الى الضلال ولا الأمر به ولا الإجبار عليه لإجماع الامة على ان الله تعالى لايأمر بالضلال ولايدعو إليه، فكيف يجبر عليه؟ والدعاء إليه أهون من الاجبار عليه. وقد ذمّ الله تعالى فرعون والسامري على إضلالهما عن دين الهدى في قوله (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) ([12]) وقوله (وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِي) ([13]) ولا خلاف في أن إضلالهما إضلال أمر وإجبار ودعاء وقد ذمّهما الله تعالى عليه مطلقاً، فكيف يمتدح بما ذمّ عليه غيره.
قوله (كَأَنّما يَصّعَدُ فِي السّماءِ) ([14]) فيه وجوه:
(احدها) ـ أن معناه كأنه قد كلف ان يصّعد الى السماء إذا دعي الى الاسلام من ضيق صدره عنه أو كأن قلبه يصعد في السماء نُبوّاً ([15]) عن الاسلام والحكمة، عن الزجّاج.
(ثانيها) ـ أن معنى يصّعد كأنه يتكلّف مشقة في ارتقاء وصعود. وعلى هذا قيل عقبة عنوت وكؤود، عن أبي علي الفارسي قال: ولاتكون السماء في هذا القول المظلة للأرض ولكن كما قال سيبويه: القيدود الطويل في غير سماء، أي في غير إرتفاع صُعُدا. وقريب منه ما روي عن سعيد بن جبير أن معناه كأنه لايجد مسلكاً إلا صُعُدا. وفي حديث أبي الدرداء أنّ بين أيدينا عقبة كؤود أي (شاقّة المصعد) ([16])
(ثالثها) ـ أن معناه كأنما ينزع قلبه الى السماء لشدة المشقّة عليه في مفارقة مذهبه (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) ([17]). أي العذاب. عن ابن زيد وغيره من أهل اللغة وقيل: هو ما لا خير فيه. عن مجاهد (على الذين لايؤمنون) ([18]) وفي هذا دلالة على صحة التأويل الأول لانه تعالى بيّن ان الأضلال المذكور في الآية كان على وجه العقوبة على الكفر. ولو كان المراد به الاجبار على الكفر لقال كذلك لايؤمن من جعل الله الرجس على قلبه. ووجه التشبيه في قوله (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرجْسَ)أنه يجعل الرجس على هؤلاء كما يجعل ضيق الصدر في قلوب اولئك وإن كان ذلك على وجه الاستحقاق.
وروى العياشي باسناده عن أبي بصير عن خيثمة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: إن القلب ينقلب من لدن موضعه الى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا أصاب الحق قرَّ، ثمّ ضمّ أصابعه ([19]). ثمّ قرء هذه الآية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ([20]).
مما أن ظاهرها ان الأفعال صدورها يكون من الله تعالى، فهذه الآيات تكون رداً على المفوضة، بل الجمع بين هذه الآيات والآيات التي استدل بها المفوضة هو دليل مستقل على أن الفعل في حين استناده الى العبد، مستند الى الله جلَّ وعلا إذاً فهو مستند الى الله تعالى والعبد.
([1]) النساء: 78.
([2]) هود: 88.
([3]) النحل: 93.
([4]) الانسان: 30.
([5]) الانفال: 17.
([6]) الانعام: 125.
([7]) محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 17.
([8]) الانشراح: 1.
([9]) محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): 4 ـ 5.
([10]) الفاتحة: 6.
([11]) الانعام: 31.
([12]) طه: 79.
([13]) طه: 85.
([14]) الانعام: 125.
([15]) نبأ: نبواً، تجافى وتباعد.
([16]) مجمع البحرين مادّة صعد.
([17]) الأنعام: 125.