الفصل الثالث _ وهو مسائل وفروع

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

المسألة الأولى: هل الأصل هو الوزن أم الكيل؟

الظاهر هو الوزن كما ذكرنا في مسألة الكر: بأنّ الأصل هو الوزن دون المقدار، وإنّما يستعمل الكيل لأجل التسهيل، وقد شاهدنا في القرى أنّ هناك أطنان من الحنطة والشعير فيؤتى بكيل خاصّ ومقدار ما يحتويه معلوم وزناً ثم تكال الأطنان به تسهيلاً.
المسألة الثانية: تعيين المتاع بالكيل والوزن
لا يخفى أنّ في كلّ معاملة لا بدّ من تعيين المتاع، وإلاّ تقع المعاملة مجهولة وغررية، وهذا ـ أي الغرر ـ يرتفع باُمور، ففي المعاملات يرفع بالمشاهدة، وفي بعضها الآخر بالتوصيف وبيان الخصوصيات. وقد يرفع بالذرع، وفي اُخرى بالعد، وفي الثالث بالكيل والوزن. وكلامنا الآن في القسم الأخير، أي: فيما لا تصحّ فيه المعاملة إلاّ بالكيل والوزن.
ثم انّ المعاوضات تختلف من جهة الأزمان والبلاد، مثلاً: إنّ بعض العروض كان من المكيل والموزون في زمان النبي(ص) ثمّ أصبح غير مكيل وموزون بعد زمانه(ص)، كما أنّه لو فرض الاختلاف بحسب البلاد فهل يؤخذ بعرف البلاد التي وردت الروايات على اعتبارها أو مطلقاً أو على عرف البلد الذي تقع فيه المعاملة فعلا؟
ثم أنّه لو فرض أنّه لم يكن بعض الأشياء موجوداً في عصر النبي(ص) فماذا نصنع؟
لا يخفى بما أنّ الشارع لم يخترع طريقة خاصة، اذن يكون المدار بما فهمه العرف. وقد يدعى الاجماع بأنّ المكيل والموزون معتبران حسب القواعد الأوّليّة كما كان فى عصر النبي(ص) وفي لسانه وعرف بلده كذلك، ولو فرض أنّه بعد ذلك صار معدوداً.
وقد نسب الى العلامة(قدس سره) في التذكرة: بأنّه قد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الإشياء الستة؛ لقول النبي(ص): الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد.
أمّا ثبوت الربا في هذا الموضوع ـ ولو كانت لاتباع في الأزمنة المتأخّرة بالكيل والوزن ـ فعلّ الوجه في ذلك هو أنّ الحكم يدور مدار الموضوع دائماً، والموضوع هنا هو نفس هذه العناوين، ولم يعلّق الحكم على كونها مكيلة أو موزونة، وما عدا هذه الستة فلو كان في عصر النبي(ص) موجود فيدخل في المسألة الربوية مع اتحاد الجنس أو فرض أن أحد العوضين فرع لآخر ـ كالدبس بالتمر ـ أو كليهما فرعان لجنس واحد ـ كالدبس بالخل ـ، وأمّا إذا لم يكن الشيء موجوداً في عصره (ص) أو لم يعرف كيفية بيعه في زمانه (ص) فان كان هناك عرف عامّ بأن كانت البلاد الاسلامية متفقة على تقدير معيّن فيحمل عليه، وإلاّ فيحمل على ما هو المتعارف في بلدة المعاوضة، ثمّ انّه لو فرض أنّ الشيء كان موزوناً أو مكيلاً في عصره وبلده ثمّ صار معدوداً فهل يكون فيه الربا أم لا؟
قد يقال: بدخوله في المسألة الربوية.
ولكن الحق أنّه بناء على أنّ الأحكام وردت على نحو القضايا الحقيقيّة المفروضة الموضوع والمقدّر وجوده فمتى وجد الموضوع أصبح الحكم فعلياً، فنقول: إذا تبدّل الموضوع فالحكم يتبدّل كالكلب في المملحة. اذن يكون هذا طبقاً للقاعدة.
فاذا عرفت هذا فلو فرض أنّ الشيء لم يكن مكيلاً أو موزوناً في عصر النبي(ص) وأصبح في هذا العصر مكيلاً وموزوناً وكان المعاوضان من جنس واحد تدخل المعاملة حنيئذٍ في المسألة الربوية، وعلى العكس لو كان الشيء مكيلاً أو موزوناً في عصره (ص) وأصبح في عصر المعاوضة غير مكيل ولا موزون فلا تدخل في المسألة الربوية؛ لعدم وجود الموضوع، وإنّما خرجت الستة من هذه القاعدة؛ لأنّ الحكم ورد فيها على نفس هذه العناوين كالتمر والحنطة والشعير وهكذا.
نعم لو فرض أنّ هناك إجماع وقلنا: بحجيته ودلَّ على أنّه لو كان هناك شيء غير هذه الستة ـ وكان مكيلاً وموزوناً في عصره (ص) ثمّ صار في عصر المعاوضة غير مكيل ولا موزون ـ فتدخل المعاوضة في المسألة الربوية الى يوم القامة فبها، وإلاّ لا بدّ من العمل بالقاعدة، وأنّه لا بدّ أن يكون الشيء مكيلاً وموزوناً في زمان وقوع المعاوضة.
إذن فما ذكره المشهور ـ بحمل صحيحة الحلبي التي توجد فيها هذه الجملة mما كان من طعام سميت فيه كيلاً فانّه لا يصلح مجازفةn حيث حمل لفظ mالكيلn على عادة الشرع، أي ما كان مكيلاً أو موزوناً في عصر ـ يحتاج إلى دليل.
المسألة الثالثة: في اختلاف اللحوم واتحادها
لا يخفى أنّ اللحوم في اختلافها واتحادها إنّما هو تابع للاُصول، فاذا كانت متحدة من جهة الشخص أو الوصف أو الصنف فيعتبر العوضان من متحدي الجنس، ولا اعتبار بوحدة الاسم، وأمّا إذا كان أحدهما من نوع والآخر من نوع آخر ـ مثل: أن يكون أحدهما من البقر والثاني من الغنم ـ فلا يكونان حينئذٍ من متحدي الجنس، فلو عوّض أحدهما بالآخر مع التفاضل فلا يثبت في هذه المعاوضة الربا ولو أنّهما داخلين في وحدة الاسم ويطلق عليهما اسم اللحم؛ لأنّه حينئذٍ يصحّ الاشتراك في الجنس، وانّ لفظ اللحم كلفظ الحيوان موضوع في المعنى الجنسي لا النوعي، فانّ اللحوم التي أصبحت تندرج تحت اسم اللحم هي في الواقع حقائق مختلفة، كما أنّ الحيوانات المندرجة تحت مفهوم الحيوان مختلفة.
فاذا عرفت هذا فقد يكون هناك اختلاف بين أصلين من جهة الاسم، وإن كانا متحدين بحسب الحقيقة كالبقر والجاموس فانّهما يدخلان تحت لفظ البقر؛ لأنّهما متحدان حقيقة، وكذا العرابي والبخاتي من الابل فانّهما جنس واحد، والضأن والماعز فانّهما ولو كانا مختلفين من جهة الاسم ولكن حقيقتهما واحدة.
إذن المعاوضة بين لحم البقر والجاموس والعرابي والبخاتي والضأن والمعز مع التفاضل تكون معاملة ربوية.
وعليه فالمدار في الاتحاد في الحقيقة لا الاسم، فاللحم والكبد والقلب والكرش واحد ولو كانوا مختلفين من جهة الاسم، ولكن لا اختلاف فيهما من جهة الحقيقة، بل كلّها واحدة حقيقة، وكذا في لحم الطيور فانّه مختلف باختلاف نفس الطيور حقيقة، فاذا كانت تدخل تحت حقيقة واحدة من جهة الشخص أو الصنف أو النوع فالمعاوضة مع التفاضل تدخل في المعاملة الربوية، أمّا إذا كانت حقائق مختلفة فانّه يجوز فيها التفاضل ولا ربا حينئذٍ فيها.
وأمّا في خصوص الحمام فمحل كلام بين الأصحاب ـ كالغراب والعصفور ـ والعلّة في الاختلاف بأنّ مقولية هذه الاُمور على ما تحتها هل تكون من مقوليّة النوع على الصنف أو الجنس على النوع؟
فان كانت من القسم الأوّل فيقع الربا فيها مع التفاضل، وأمّا إذا كانت من القسم الثاني فتجوز المعاوضة مع التفاضل، ولا تدخل في المعاوضة الربوية، بلا فرق بين أن يكون التفاضل في العوض أو المعوّض.
ملاحظة في المقام: لا تكون الذكورة والاُنوثة موجبة لاختلاف الحقيقة إذا كانتا داخلتين تحت النوع الواحد.
إذا عرفت هذا فاذا لم يعلم بين شيئين هل أنّهما مختلفين في الحقيقة أو أنّهما داخلان في حقيقة واحدة، فعند الشكّ لا بدّ من الرجوع الى العرف والعبرة في الحقيقة الى نظره، كما أنّه إذا شكّ في صدق المكيل والموزون وعدمه على شيء، أي إذا شككنا بأنّ هذا الشيء هل بالكيل والوزن أو بغيرهما، فما لم يعلم أنّهما يباعان بالكيل والوزن أو بالعد فالأصل اللفظي هو الحلّية. وقد ذكر بعض المعاصرين بأنّه تمسّك بالعام في الشبهات المصداقية.
ولكن الحق جريان أصالة العموم أو الاطلاق وهو: (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) ولا تصل النوبة الى أصالة الفساد في البيع، وإذا شككنا في أنّه من المكيل والموزون فبما أنّهما حادثان فيرفعان بالأصل، وبهذا الأصل ينقح موضوع حلّية البيع.
وأمّا في صورة الشكّ في الاتحاد وعدمه فان أدخلنا المسألة في مسألة الشكّ في المفهوم حيث انّ البيع مطلقاً يكون حلالاً، إلاّ في متحد الجنس متفاضلاً، وقد أدخلناهما في مسألة الشبهة المفهوميّة؛ لعدم إحراز وعدم ضبط مفهوميهما.
ولكن الحق أنّهما من مسائل الشبهة المصداقيّة، ولا تجري أصالة عدم الاتحاد هنا ليحرز الموضوع، وهو عموم (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) إلاّ بناء على جريان استصحاب العدم الأزلي، وقلنا في محله: إنّ هذا الاستصحاب لا يجري، خلافاً لاستاذنا الأعظم(قدس سره).
إذن أصالة عدم ترتيب الأثر جارية.
إن قلت: نتمسّك بأصالة عدم الحرمة.
قلنا: هذا الأصل لا يفيد؛ لأنّه لا يثبت الانتقال، وإذا شككنا في الانتقال تجري أصالة عدم الانتقال، وهو معنى أصالة عدم ترتّب الأثر.
إذن لا يمكن التمسّك بأصالة العموم أو الاطلاق، ولكن هذا الأصل مسبّبي، وهو مسبّب عن أنّ هذا العقد الذي وقع بين الشيئين المتماثلين أي هل هو عقد ربوي أم لا؟
ومسألة الشكّ في وجود الشرط الزائد، فالأصل عدم شرطية الزائد، وحينئذٍ ينقّح موضوع (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) فاذا لم يجر هذا الأصل فلا يمكن التمسّك بالعموم؛ لأنّ المورد مورد أصالة الفساد.
ثمّ انّ لهذه المسألة فروعاً هامة اليكها على التوالي:
الفرع الأوّل: لا يخفى بأنّ لحوم الأسماك يمكن معاوضتها مع لحوم سائر الحيوانات؛ لأنّها مختلفة؛ لأنّ اللحوم ـ وهي الأسماك ـ من أي قسم كان مخالفاً مع البقر والغنم، إنّما الكلام في أنّه هل لحوم الأسماك بأقسامها حقيقة واحدة أم لا؟
وهل يجوز بيع مَنٍّ من الشبوط بمنين من القطان أم لا؟
الظاهر أنّه لا؛ لأنّ هذه العناوين عناوين للأصناف لا الأنواع، وإلاّ فكلها واقعة تحت نوع واحد، وليست عناوين للأنواع حتى تكون مختلفة وتقع تحت الجنس الواحد، بل الاختلاف بين هذه العناوين كالاختلاف بين أصناف الغنم كالمعز والضأن، حيث أنّهما متحدان في الحقيقة، ولو فرض أنّ الأسماك مما يكال أو يوزن فلا تجوز المعاوضة فيها على نحو التفاضل، كما في عصرنا الراهن.
الفرع الثاني: هل يجوز بيع الجراد مع سائر اللحوم متفاضلاً؟
لا يخفى بأنّه يجوز بيع الجراد مع سائر اللحوم متفاضلاً، سواء كانت من اللحوم البريّة أو البحريّة أو الأهليّة أو الوحشيّة؛ لأنّها مخالفة لسائر اللحوم في الحقيقة.
الفرع الثالث: هل اللحوم الوحشيّة من الحيوانات مخالف للأهليّة منها أم لا؟
قد يدعى الاجماع على المخالفة، كما في الغنية، وجامع المقاصد، وظاهر التذكرة.
ولا يخفى أنّه إذا فرضنا أنّ هناك اتفاقاً بين الأصحاب فيها، فحينئذٍ يجوز بيع الغنم الوحشي ـ كالضبي بالغنم الأهلي ـ متفاضلاً؛ لأنّهما يدخلان تحت جنس واحد؛ لأنّ الوحشي من كلّ نوع ليس متحداً حقيقة مع الأهلي من ذلك النوع، وإن اتحدا في الاسم، واُطلق على الظبي الغنم، ولكن إنّما هو لأجل المشابهة، وهكذا بالنسبة الى الحمار الوحشي والأهلي فانّهما مختلفان في الحقيقة لا متحدان فيها.
ولكن لا يمكن أن نأخذ هذا على نحو القاعدة الكلية ونجريها في جميع الأصناف من الوحشي والأهلي، فلولا إدعاء الاتفاق يمكن أن يقال: بأنّ الجاموس الوحشي مع الأهلي حقيقة واحدة، وهكذا في الثور الوحشي مع الأهلي، فلا يجوز حينئذٍ المعاوضة فيهما مع التفاضل.
ولذا قال في الجواهر: ولولا هذا الاتفاق لأمكن المناقشة في ذلك، وبقوله: كما اعترف به في الرياض.
الفرع الرابع: هل يجوز بيع اللحم بالحيوان ولو كان من جنسه أم لا؟
فقد ادعي عدم الخلاف تارة كما في المختلف بقوله: لم نقف فيه على مخالف منّا غير إبن ادريس فجوّز، وقوله: محدث لا يعوّل عليه ولا ينثلم به الاجماع.
وفي الدروس نسبته الى الشذوذ، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه.
ولكن الحق أنّ أمثال هذه الاجماعات ـ كما عرفت منّا مراراً ـ لا يمكن أن يعوّل عليها؛ لأنّها محتملة المدركية، ولكن لو كنّا نحن والقاعدة لقلنا: بالجواز: لأنّ المعاملة ليست ربوية؛ لأنّ الحيوان غير موزون، ولذا يجوز بيع شاة بشاتين؛ لأنّه لا ربا بين ما لا يكون من المكيل والموزون، إلاّ إذا اتفق كما في عصرنا، إذ أصبح الحيوان من المكيل والموزون.
ولذا قال العلاّمة في التذكرة بالكراهة دون الحرمة؛ لأنّ المعاملة ليست ربوية لفقد الشرط وهو كونه مكيلاً وموزوناً.
ولكن الحق أنّ الحرمة إنّما جاءت من جهة الروايات.
فعن النبي (ص): أنّه نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
وعن دعائم الاسلام عن أبي عبدالله(ع) أنّه نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
وعن غياث بن ابراهيم، عن جعفر بن محمد عن أبيه: انّ علياً (ع) كره بيع اللحم بالحيوان.
والكراهة بمعنى الحرمة كما بيّنا ذلك كراراً.
إذن المدار هو الدليل لا القاعدة.
فاذا عرفت هذا فهل يجوز بيع اللحم بالحيوان من غير جنسه أم لا؟ بعد ما قلنا: بعدم جواز المعاوضة باللحم مع الحيوان من جنسه ـ لورود الدليل فتأمل ـ كلحم الشاة بالبقر فهل هو حرام أم لا؟
بعدما فرضنا بأنّه لم تأتي الحرمة من قبل الربا فنقول: تارة نتكلّم فيه من جهة الاجماع، واُخرى من جهة الدليل.
أمّا من جهة الاجماع ـ لو قلنا: بأنّه حجة وتعبدي لا أنّه مدركي ـ فيمكن أن نقول: بعدم شموله للمورد؛ لأنّه بيع اللحم بلحم آخر من غير جنسه كبيع لحم الشاة بلحم البقر، وقد اُدعي عليه الاجماع، ومع وجود هذه الشهرة وهذا الاجماع كيف يمكن القول بشمول المنع للمورد؟!
إذن بيع لحم الشاة بالبقر بطريق أولى يكون جائزاً، مع ما ذكرنا من أنّ اللحم تابع للحيوان.
وأمّا من جهة الدليل فظاهر الروايات هو الشمول؛ لأنّها مطلقة شاملة لبيع لحم الحيوان بجنسه أو بغير جنسه، كما في رواية غياث المتقدمة، فمقتضى الاطلاق هو عدم الجواز.
ومن هنا نتمكّن أن نجيب عما قاله العلاّمة: بأنّه لو كان بيع اللحم بلحم غير جنسه جائز فبيعه به حياً أولى.
ولكن هذه الأولويّة ولو كانت صحيحة خصوصاً بعدما فرضنا بأنّ الحيوان غير مكيل ولا موزون فيكون الجواز أولى، ولكن الكلام بأنّ هذه الأولويّة تأتي إذا كان المنشأ للمنع هو حصول الربا لا الرواية، والحيوان غير مكيل ولا موزون. أمّا إذا كان هو الرواية وهي مطلقة فلا مورد لهذا الأصل.
وأمّا ما ذكره الاُستاذ المحقق: بأنّه قياس، ففيه أنّه ليس بقياس، بل مراده من الأولويّة؛ لأنّ الحيوان غير مكيل؛ لأنّ غاية ما يمكن الانصراف الى الحيوان الحي، أمّا الانصراف الى الجنس فلا.
إذن بمقتضى الرواية لا يجوز بيع اللحم بالحيوان من غير جنسه، ثمّ أنّه ممّا يمكن الاستفادة ـ أعني: المنع ـ بما إذا كان وقوع اللحم مثمناً، ولكن ظاهر الفتوى أنّه لا يجوز ولو جعلناه ثمناً والحيوان مثمناً. ولعلّهم استفادوا من الرواية كراهة المبادلة بأي شكل وقعت، سواء وقع اللحم ثمناً أو مثمناً.
الفرع الخامس: وهل يجوز بيع اللحم بالحيوان غير مأكول اللحم آدمياً كان أو غيره كالسباع أم لا؟ فالظاهر هو الجواز؛ لعدم وجود الدليل على المنع.
وقال في التذكرة: يجوز عندنا.
وظهور هذه الكلمة منه(قدس سره) هو الاتفاق عند الشيعة.
واستدل العلاّمة على الجواز بأنّ المسألة غير ربوية؛ لأنّ الحيوان لا يكون مكيلاً.
إذن لا مانع ولا حرمة.
والحق هو الجواز، لكن من جهة قصور دليل المنع، وما قيل: من الاجماع على المنع، ففيه أنّ هذا الاجماع دليل لبي فلا يشمل غير مأكول اللحم، بلا فرق بين أن يكون آدمياً أو غيره كالسباع، فالقدر المتيقّن للمنع هو شموله لمأكول اللحم. وأمّا الروايات فهي منصرفة لمأكول اللحم أيضاً.
إذن مقتضى اطلاق الأدلّة (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) هو الجواز، ولو فرض عدم جريانه ـ أي الاطلاق ـ فمقتضى الأصل هو الحلّية.
الفرع السادس: يجوز بيع اللحم بالسمكة الحية، وهكذا لحم السمك بالحيوان الحي، لا لما ذكره العلاّمة: من أنّ المسألة غير ربوية؛ لأنّ الحيوان ليس من المكيل والموزون؛ لأنّ من يقول: بعدم الجواز إنّما هو لأجل الدليل، ولكن الدليل على المنع لو قلنا: بأنّه هو الاجماع فهو دليل لبي ـ كما تقدم آنفاً ـ له القدر المتيقّن، والقدر المتيقن منه غير هذا المورد.
إذن الاجماع لا يشمل المورد، والرواية منصرفة عنه؛ لانصراف اللحم عن لحم السمك، وهكذا منع بيع اللحم بالحيوان فلا يشمل الحيوان السمك.
إذن دليل الجواز هو عدم الدليل على المنع.
الفرع السابع: هل يجوز بيع الدجاجة فيها البيضة بالدجاجة الخالية عنها أم لا؟ وكذا بيع البيضة ببيضتين؟
قيل: الظاهر أنّه لا مانع لشمول اطلاق (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) لهذه المعاوضة، وليست هذه من المعاوضات الربوية؛ لأنّها ليست مكيلة ولا موزونة، ومقامنا مثل بيع الشاة بشاتين.
ولكن الحق في عصرنا عدم الجواز في المقيس والمقيس عليه، خصوصاً إذا قلنا: إنّ الشرط في أنّ الشيء يكون مكيلاً أو موزوناً هو عند المعاوضة.
إذن لا يجوز بيع البيضة ببيضتين ولا الدجاجة الخالية من البيضة بالتي في بطنها بيضة، وليس مقامنا مثل بيع الشاة التي ليس في بطنها ولد مع الشاة التي في بطنها ولد، وكذا الشاة بشاتين؛ لأنّ الشاة ليست بمكيل ولا موزون، وليس في هذه المعاوضة شرط الربا موجوداً، إلاّ أن يقال: هذه المعاوضات باطلة أيضاً؛ لأن الشاة مما يكال ويوزن في عصرنا.
المسألة الرابعة: في بيع الألبان
قال المحقق في الشرائع: أمّا الألبان فانّها تتبع اللحوم في التجانس والاختلاف.
وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده.
فبناء على هذا يكون لبن الغنم مخالف للبن البقر، ويجوز معاوضتهما متفاضلاً، وهكذا بالنسبة الى لبن الابل والبقر وهما متخالفان، كما أنّ لبن المعز متحد مع لبن الشاة فكذا لبن البقر مع الجاموس، فاذا فرضنا أنّ البقر الوحشي يكون مخالفاً للبقر الأهلي فيكون لبنهما كذلك.
ولكن الحق ـ لولا الاتفاق ـ هو ما عليه بعض العامّة بأنّ الألبان جنس واحد؛ لأنّا تارة ننظر إليها بالنظر العرفي، واُخرى بالنظر الدقي.
أما بالنظر الدقي فالألبان كلّها مختلفة من حيث الآثار الموجودة فيها، كما أنّ الحيوان الواحد لبنه يختلف من حيث الآثار من جهة اختلاف الأغذية والعلف الذي يعطى للحيوان، ولذا ترى الأطباء يقولون: اشرب لبن المعز ولا تشرب لبن الشاة مثلاً، أو اشرب لبن البقر دون الجاموس.
ولذا نرى أنّ هناك تفصيل في الروايات للألبان، فاستحباب اختيار لبن البقر وكراهة اختيار لبن الابل للشرب، ففي الاُولى كما ورد في روايات عديدة منها قوله رسول الله(ص): mعليكم بألبان البقر فانّها تخلط من كلّ شجرn، وعن الثاني كما ورد في الحديث: mأبوالها خير من ألبانهاn.
ولكن في نظر العرف لبن جميع الحيوانات تكون حقيقة واحدة، فاذا كان كذلك لا يجوز بيعها بعضها ببعض أو مع بعض متفاضلاً.
والحق هو ما عليه العرف، وليس المدار بالتحليل العقلي، فما ذكره الاستاذ المحقق ـ بقوله: أو علمنا بالتجزئة أو التحليل أنّها حقائق مختلفة ـ محل تأمّل.
ولكن مع الاتفاق الذي ادعي في المقام يجوز المعاوضة إذا كان أصل كلّ لبن مخالف للأصل الآخر، فبناء على هذا يجوز بيع اللبن الحيواني مع اللبن الاصطناعي؛ لأنّهما حقيقتان مختلفتان، إلاّ إذا قلنا: بأنّ أصلهما من الحيوان، وكذا بالنسبة الى الفروع مع أصولها، فاذا قلنا: بأنّ الألبان مختلفة فلا يجوز بيع كلّ فرع مع أصله كزبد البقر بلبنه، وكذا بيع الفرع بفرع آخر، فلا يجوز بيع الزبد منه باقطه.
ولكن يجوز معاوضة الفرع من شيء مع الأصل أو الفرع من شيء آخر مخالف لذلك الأصل أو الفرع، وأمّا اذا قلنا: إنّ الألبان شيء واحد فلا يجوز معاوضة الفرع أو الأصل من لبن أي حيوان بالأصل أو الفرع من لبن حيوان آخر متفاضلاً.
نعم ـ كما ذكرنا ـ بأنّ اللبن الحيواني مخالف عرفاً للبن الاصطناعي، فيجوز بيع الأصل أو الفرع ـ كاللبن أو الزبد الحيواني بلبن وزبد الاصطناعي ـ مع التفاضل.
المسألة الخامسة: في الأدهان
أما الأدهان فقد قال في الشرائع: إنّ الأدهان تتبع ما تستخرج منه.
لا يخفى بأنّ الأدهان تارة تستخرج من حليب الحيوان، واُخرى من شحومها وإلياتها، وثالثة كمثل هذا اليوم يؤخذ من النباتات كالسمسم والجوز واللوز وأمثال ذلك.
ولا يخفى بأنّ القسم الثالث من الدهن مخالف للقسم الأوّل والثاني، كما أنّها مخالفة بعضها مع بعض، فدهن السمسم غير دهن اللوز، وهما غير المأخوذ من سائر النباتات؛ لأنّ الاشتراك في الاسم لا يكون موجباً للاتحاد في الحقيقة.
وأمّا القسم الأوّل فحالها حال الحليب المستخرج منه، وذكرنا أنّ الألبان تتبع اللحوم أم لا.
إذن لا يجوز بيع دهن الشاة بالمعز متفاضلاً.
وأمّا القسم الثاني فانّه تابع للحوم، فما دام يستخرج من اللحم أو الشحم فحاله حال اللحم.
وأمّا القسم الثالث فيجوز بيعها بالتفاضل، سواء كان من أنواعها أم من غيره، كبيع دهن اللوز بدهن الجوز، أو بيع أحد هذه الاُمور بالدهن الحيواني.
لا يخفى بأنّه لو قلنا: يجوز بيع هذه الاُمور متفاضلاً مع اختلافها يجوز نقداً، وأمّا النسيئة فلا يجوز، كما أنّه لا يجوز مع اتحاد الجنس مثلاً بمثل نسيئة، كما ورد في صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: وسئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد، قال: يداً بيد لا بأس.
وعن محمد بن الحسن باسناده، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل أسلف رجلاً زيتاً على أن يأخذ منه سمناً، قال: لا يصلح.
المسألة السادسة: بيع الخل بالدبس
هل الخل والدبس يتبعان ما يعمل منهما ـ كالعنب والتمر ـ، فخل العنب ليس كخل التمر، ودبس العنب ليس كدبس التمر، فيجوز بيعهما متفاضلاً أم لا؟
قد يقال ـ كما عليه الاُستاذ المحقق ـ بأنّهما يتبعان ما يعمل منهما؛ لأنّ الخل في الحقيقة نفس ما يعمل منه، وكذا الدبس.
إذن بما أنّ خل أو دبس العنب ليسا من جنس التمر وكذا العكس، فيجوز بيع خل أو دبس كلّ واحد منهما بالآخر متفاضلاً.
ويمكن أن يقال: بأنّه لا يجوز؛ لأنّ العرف يرى الخل حقيقة واحدة وان كان أصلهما مختلفين، فلا يفرق بين الخل المأخوذ من التمر وبين المأخوذ من العنب، ولولا ما قيل: من الاتفاق على الجواز بالتفاضل مع اختلاف الجنس لقلنا: بعدم الجواز، وكذا الحكم بالنسبة الى الدبس لولا الاتفاق على جواز التفاضل أيضاً.
ويمكن أن نقول هذا الكلام بالنسبة الى العصير، وهل يجوز بيع الدبس بالعنب؟ فيمكن أن يقال: بالجواز؛ لأنّه قد تغيّرت هنا صورته النوعيّة، وليس مثل الحنطة والطحين؛ لأنّهما نفسه وهما حقيقة واحدة، وكذا عصير التمر بالخل منه متفاضلاً، فبناء على هذا لا يجوز بيع الخل بالدبس إذا كان أصلهما واحد وهو العنب.
ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّه ولو بالدقة أنّهما شيء واحد ولكن في نظر العرف أنّهما مختلفان، فاذا كانا كذلك فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً. أمّا المعاوضة بين المركّب من الجنسين أو المجموع منهما فهل يجوز بالمركّب أو المجموع منهما متفاضلين، وكذا بيعهما بغيرهما كذلك. فأمّا بيع المركب من الجنسين أو الخلين بالمركّب من الخلين كذلك فلا يجوز؛ لأنّ العرف يرى أنّ الكلّ خل، ولكن في صورة الجواز في هذه الاُمور لا بد أن يكون في ذلك الجنس الذي يقدر أنّه ثمن الزيادة حتى تكون مقابلة للجنس الآخر الذي لا يجانسه، وإلاّ لو لم تكن هذه الزيادة فتصبح إمّا معاملة ربوية أو يدخل ذلك الجزء الزائد غير المجانس في ملكه بلا عوض، وهذا باطل.
المسألة السابعة: هل التمور بأقسامها واصنافها تعتبر شيئاً
واحداً في نظر العرف أم لا؟
لا يخفى بعد أن قلنا: بأنّ الحكم يرد على الموضوع العرفي فاذا اختلف الموضوع في نظر العرف فتجوز المعاوضة بين الصنفين منهما متفاضلاً كبيع البُسر بالتمر وإن اختلف الجنس، ولو كان أحدهما من الجيّد والآخر من الرديء، كبيع منٍّ من الحسناوي بمنٍّ من الزاهدي، وأمّا إذا رآه متحداً فلا يجوز. ولكن ورد في الروايات المنع مطلقاً:
منها: ما رواه سيف التمار ـ الى أن قال ـ: إنّ علي بن أبي طالب(ع) يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر؛ لأنّ تمر المدينة أدونهما.
وما رواه سماعة، عن أبي عبدالله(ع) قال: سُئل أبو عبدالله عن العنب بالزبيب، قال: لا يصلح إلاّ مثلاً بمثل، والتمر بالرطب مثلاً بمثل.
وما رواه الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: قال: لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة ولا يباع، إلاّ مثلاً بمثل، والتمر مثل ذلك.
فيظهر من هذه الروايات أنّ المناط في جميع هذه الأصناف واحد، فتكون المعاوضة ربوية مع التفاضل ولو كان أحدهما رديئاً والآخر جيّداً.
المسألة الثامنة: بيع الرطب بالتمر والزبيب بالعنب
هل يجوز بيع الرطب بالتمر أو الزبيب بالعنب أم لا مع التساوي أو التفاضل؟ وبعبارة اُخرى: هل يكفي التساوي عند الابتياع أم لا بدّ من التساوي ولو بعد البيع؟ لأجل نقصان الرطب بعد الجفاف وكذا العنب، الأقوال في المسألة كثيرة:
الأوّل: الجواز مطلقاً كما في الشرائع.
الثاني: عدم الجواز مطلقاً كما نسب الى المشهور، كما في التذكرة.
الثالث: التفصيل بالمنع في خصوص الرطب أو بالعكس، والجواز بغيره من الرطب واليابس، وهذا القول من المحقق؛ لأنّه قال في الشرائع: في بيع الرطب بالتمر تردد، والأظهر اختصاصه بالمنع إعتماداً على أشهر الروايتين، ثمّ قال في الفرع الثاني: بيع العنب بالزبيب جائز، وقيل: لا اعتماد للعلّة، والأوّل أشبه.
ولعلّ القول الأوّل بعدم الجواز منه (قدس سره) في خصوص بيع الرطب بالتمر أو بالعكس كان لأجل ورود النصّ في خصوص المورد.
الرابع: الفرق بين كون الرطوبة ذاتية ـ أي كانت في الواقع جزءً من الجسم المرطوب ـ وبين كونها عرضية وخارجة عن ذات الشيء، فيقال: بالجواز في الأوّل دون الثاني؛ لأنّه الرطوبة من أجزائه فتصدق المماثلة، بخلاف  الرطوبة العرضية كالحنطة المبلولة بالجافة فلا يجوز؛ لأنّها أمر خارج عن حقيقة ذلك الجسم المرطوب، ولا مالية لها؛ لكي يقع مجموع المالين بازاء ذلك المال حتى يخرج عن كونه رباً، فلا تصدق المماثلة، ويكون البيع ربوياً.
إذن لا بدّ من الرجوع الى الروايات، فقسم منها قد ورد عن طريق العامة، والقسم الآخر عن طريق الخاصّة.
أمّا ما ورد عن طريق العامّة فقد روي أنّ النبي(ص) سُئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم، قال: فلا ءأذن.
وأمّا ما ورد عن طرقنا ما رواه الحلبي، محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا يصلح التمر اليابس بالرطب، من أجل أنّ التمر يابس والرطب رطب، فاذا يبس نقص.
وهذه الرواية تامة من جهة السند والدلالة.
وعن داود بن سرحان، عن أبي عبدالله(ع) قال: سمعته يقول: لا يصلح التمر بالرطب إنّ الرطب رطب والتمر يابس، فاذا يبس الرطب نقص.
وخبر محمد بن قيس، عن أبي جعفر(ع) في حديث أنّ أمير المؤمنين(ع) كره أن يباع التمر بالرطب عاجلاً بمثل كيله الى أجل، ومن أجل أنّ التمر يبس فينقص من كيله.  
وعن داود الأبزاري، عن أبي عبدالله(ع) سمعته يقول: لا يصلح التمر بالرطب، انّ التمر يابس والرطب رطب.
وهذه الروايات وإن كان بعضها ضعيفاً ولكن فيها صحاح، وقد ورد فيها كلمة mلا يصلحn وmيكرهn، وهما ظاهرتان في المنع، بقرينة ما ورد:            بأنّ علياً(ع) لا يكره الحلال، وقد مر الحديث عنها.
وهناك روايات تدل على الجواز، كموثقة سماعة قال: سُئل أبو عبدالله(ع) عن العنب بالزبيب، قال: لا يصلح إلاّ مثلاً بمثل، قال: والتمر بالرطب مثلاً بمثل.
ورواية أبي الربيع قال: قلت لأبي عبدالله(ع): ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلاً بمثل، قال: لا بأس، قلت: فالبختج والعنب مثلاً بمثل؟                        قال:لا بأس.                                                           
ظاهر هاتين الطائفتين المعارضة، فهل يؤخذ بالاُولى؟ كما نسب الى الكثير من الفطاحل من محققي الفقه، كالشيخ في المبسوط، وابن أبي حمزة في الوسيلة، والعلاّمة في التذكرة والتحرير والارشاد والمختلف والقواعد، وكما في اللمعة، والمختصر، والمهذب، والتنقيح، وإيضاح النافع، والميسية، والمسالك والروضة، والدروس.
قد يقال: بأنّه لا بدّ من الأخذ بهذه الطائفة لعدم قابلية الثانية؛ لضعفها، واعراض المشهور عنها، وهو كاسر ولا جابر لها.
أو الثانية فانّها تشمل حتى بيع التمر بالرطب الذي هو مورد رواية المنع، وهذا القول نسب الى المحكي عن الشيخ في الاستبصار، وموضع من المبسوط، وعن ابن إدريس.
فلو قلنا بهذا القول كان لا بدّ من الجمع بين الطائفتين بحمل الاُولى على الكراهة، والثانية على الجواز بالمعنى الأعم الذي لا ينافي الكراهة، بعد إنكار أن كلمة mلايصلحn وmكرهn ظاهرتان في الحرمة لا الكراهة. ولورود بعض الروايات بأنّ عليّاً(ع) لا يكره الحلال، وفي البعض الآخر أنّه لا يكره إلاّ الحرام، ومع ذلك كلّه فالكلمة باقية على ظهورها العرفي لا تصلح للمنع والحرمة. وكذلك كلمة mكرهn وأنّها في الطائفة الاُولى تنافي الطائفة الثانية، والتنافي بينهما موجود.
إذن لا بدّ من الجمع العرفي بينهما، وهو شيء معمول به عند أصحاب المحاورة وعند الفقهاء أيضاً، وهو رفع اليد عن ظهورها في الحرمة بنصّ الطائفة الثانية بالجواز.
إذن فمّما ذكرنا ظهر امكان الجمع، وعدم وجود تعارض هناك تصل النوبة الى ما فصّل ـ خصوصاً بعد أن قلنا: بعموم العلّة، وإلاّ فلا يفرّق بين بيع الرطب بالتمر وغيرهما ـ بأنّ المختص بيع التمر بالرطب وبالعكس دون غيره، وكذا التفصيل الثاني، وهو ما إذا كان في الشيء رطوبة عرضية أو ذاتية، هذا لا يتم لو قلنا: بعمومية العلّة، وإلاّ فلا يفرّق بين الرطوبة العرضية أو الذاتية. وأيضاً إنّما يتم لو قلنا: بأنّه يشترط أن يكون التساوي حال العقد، وإلاّ لو قلنا: بأنّه لا بدّ من التساوي حتى بعد العقد فلا يفرّق بين الرطوبة العرضية أو الذاتية.
إذن إمّا أن نقول: بالمنع كما عليه المشهور، أو بالجواز كما عليه بعض الفقهاء.
ولكن الحق عدم الجواز؛ لأنّ mلا ءاذنn التي وردت في النبوي، وكذا كلمة mلا يصلحn ـ بعد ما علّل بأنّه ينقص؛ لأنّه يجف فيما بعد ـ دالتان على المنع، وإن فرض أنّ كلمة mلا يصلحn وmكرهn ظاهرتان في المرجوحية فقط لا على الفساد، نعم الجمع الدلالي تام. ولكن إذا قلنا: بأنّ الترجيح الدلالي متأخّر عن الترجيح السندي، فاذا قلنا بما هو الحجة وهو ما يوثق بصدوره وان المشهور أعرضوا عن الطائفة الثانية وأخذوا بالاُولى فتكون هي الحجة؛ لأنّ مورد الجمع الدلالي هو ما اذا كانت كلتا الروايتين حجة من جهة السند. ولكن لو قيل: بأنّ اعراض المشهور لا يكون سبباً لسلب الوثوق عن الاُخرى فالطائفتان في أنفسهما حجة ومتعارضتان فتصل النوبة الى الجمع الدلالي.
ولكن الحق بعد عمل هؤلاء الفطاحل بهذه دون تلك فيحصل الاطمئنان بمرجحيّة روايات المنع على روايات الجواز، ولا تصل النوبة للجمع الدلالي.
المسألة التاسعة: في اختلاف المبيع من جهه الكيل والوزن والعدّ
إذا كان الشيء يباع بكل واحد من الكيل والوزن والعد ـ كالبرتقال والبيض فانّهما يباعان بكلّ منهما في زمان ومكان واحد ـ فهذا يتصوّر على وجوه: فتارة أنّ الغالب بيعه بالوزن بحيث يرى العرف بأنّه موزون كما في الرقي غالباً، فتدخل المسألة حينئذٍ في الربا؛ لأنّ العرف يراه موزوناً والموضوعات تكون بيد العرف.
وأمّا على العكس لو كان الغالب هو العد ويوزن أحياناً فالمسألة تكون على خلاف الاُولى، أي لا تدخل في المسألة الربوية.
وأمّا إذا كان يباع تارة بالوزن واُخرى بالعد ولم يكن هناك أي ترجيح في البين فلا يمكن التمسّك باطلاق (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) لأنّ التمسّك هنا يكون من باب التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصّص، ولكن مع ذلك لا يمكن أن تدخل المسألة في الربا؛ لأنّ صدق الربا هنا متوقّف على احراز الموضوع ـ وهو الموزونية والمكيلية ـ ومع الشكّ في الموضوع لا يثبت الحكم.
المسألة العاشرة: في القسمة
تقسيم المال المشترك وتعيين حصة كلّ واحد من الشريكين هل تدخل في المسألة الربوية أم لا، اذا كان حصة أحدهما أكثر من الآخر وكان المال ممّا يكال أو يوزن؟ وبعبارة اُخرى: كان المال المشترك يصلح أن يكون ربوياً كما إذا كان هناك مقدار من الحنطة مشترك بين شخصين أو أكثر وكانوا شركاء في تجارة أو نحوها ثم أرادوا لانفصال ووقعت حصة أحدهما أكثر من الآخر فهل المسألة ربوية أم لا؟
قال العلاّمة: القسمة عندنا ليست بيعاً بل هي افراز، فيجوز قسمة المكيل وزناً وجزافاً، وقسمة الموزون كيلاً وجزافاً.
لا يخفى بأنّه هل هو من أقسام المعاوضة أو البيع أو ليس كذلك؟ بل القسمة عبارة عن تمييز أحد الحقين عن الآخر، فان قلنا: بأنّ المال حينما كان مشتركاً على نحو الاشاعة فان كلّ واحد من المالكين يملك نصفاً كليّاً قابلاً للانطباق على كلّ من القسمين. فمعنى القسمة هي عبارة عن تطبيق ذلك الكلي على الخارجي المعيّن برضاهما أو بالقرعة، ولو كانت في إحدى الحصص الزيادة إلاّ أنّه لا يحصل الربا؛ لأنّه لا معاوضة هنا ولا معاملة، فلا مانع من أن تكون الزيادة في إحدى الحصتين دون الاُخرى، وان تكون السهام متفاوتة من حيث المقدار.
أمّا اذا قلنا: بأنّ المالكين يشتركان في كلّ جزء جزء وأنّ لكلّ منهما نصيباً فبعد القسمة معناه أنّ لكلّ من الشريكين أجزاء من ماله عند الآخر فحينئذٍ بعد القسمة تتحقّق فيها المعاوضة قهراً فحينئذٍ لا يجوز فيه الزيادة، بل لا بدّ أن يكون العوضان مثلاً بمثل، أي يجب أن يكال بكيلين متساويين أو بوزنين متساويين إن كانا ممّا يكال أو يوزن.
والفرق بين التعريفين أنّه بناء على الأوّل فانّ حقيقتهما افراز حق كلّ واحد من الشركاء وتميّزه عن حق الآخر، وليس فيه شيء من حصة شريكه كي يصدق عليه المعاوضة، أمّا بناء على التعريف الثاني فتصدق المعاوضة؛ لأنّه ينتقل أجزاء من مال شريكه مقابل ما ينتقل من ماله الى شريكه كما عليه الجمهور، بلا فرق بين الشركة بالخلط كما إذا خلط حنطته مع حنطة شريكه، أو المزج كما إذا مزج دهنه بدهن الغير أو لبنه بلبن الغير، فبناء على هذا القول فان لكلّ جزء مالكين بناءً على وجود الجزء الذي لا يتجزّأ. ولكن الحقّ انّ الشركة لا تصدق على هذا حينئذٍ؛ لأنّ معنى هذا القول هو أن يكون تمام المال لكليهما وهذا غير الشركة، والجزء الذي لا يتجزّأ محال. ثمّ الفرق بين القولين أنّه لو تلف نصف المال فلا يكون المال الباقي إلاّ لأحدهما غير المعيّن ـ أي أحد الشريكين ـ لأنّه لا يبقى لأحد الكليين مصداق.
إذن يعيّن التالف بالقرعة؛ لأنّ المال المفروض كان نصفان فتلف أحد النصفين ولم يعلم أن النصف الباقي لأي منهما فيقرع حتى يعيّن المال الباقي لأي منهما، بناء على أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل واقعاً وظاهراً، أمّا بناء على التفصيل الثاني فبما أنّ كلّ واحد منهما يكون شريكاً في كلّ جزء فالتالف يكون من مالهما، وحينئذٍ يكون الباقي أيضاً لهما ويكون لكلّ واحد منهما فيه حق. فالمشهور على الأوّل بأنّه ليس بيعاً ولا معاوضة؛ لأنّه لو كان بيعاً فلا بدّ فيه من شروط البيع، فانّها لا تحتاج الى الصيغة، ولا يجوز لأحدهما الرجوع بخيار المجلس، ويكون نصيب كلّ منهما حسب المقرر بخلاف البيع، ثمّ لا يدخل في البيع وغيره من المعاملات الاجبار دون القسمة.
إذن هذه الاُمور تؤيّد بأنّ القسمة لا تدخل في البيع ولا في أحد من المعاملات. فما قيل ـ بأنّه يتعيّن أن يكون نصيب أحدهما بقدر نصيب الآخر ـ فغير صحيح.
وممّا ذكرنا ظهر ما نسب الى بعض العامّة بأنّه بيع، ونسب عدم الخلاف الى بعضهم ففي غير محلّه.
إذن تجوز القسمة بلا فرق بين أن تكون في احدى الحصتين زيادة عينية، كما إذا وقع لأحدهما منٌّ وللآخر منّين أو غيرهما، كما اذا كانت الشركة في الرطب والتمر فأخذ أحدهما الرطب والآخر التمر وكانا متساويين من حيث الوزن، ولكن زيادة الغير العينيّة موجودة في التمر؛ لأنّ الرطب ينقص من جهة الوزن بعد جفافه.
المسألة الحادية عشر: في الأوراق النقدية
هل الأوراق النقدية المتعارفة المعتبرة ـ من أي قسم كانت سواء كانت ديناراً أم توماناً أم دولاراً أم غيرها ـ تدخل في المسألة الربوية أم لا؟ لأنّها بنفسها تكون معتبرة وقد اعتبرها من بيده الاعتبار.
لا بأس قبل الدخول في البحث عن هذه المسألة أن نذكر كيفية حصول المعاملة بالأوراق النقدية فنقول: لا يخفى بأنّ معاملة البشر كان في الصدر الأوّل بصورة مبادلة الجنس بالجنس، مثلاً: كانوا يبادلون منَّاً من الحنطة بمنّين منها، أو بمنّ من شعير، والغنم بالدهن، فكانت المعاملات قائمة عندهم بمبادلة الأجناس، ولكن حينما توسّعت المعاملات بين قرية واُخرى أو بين قضاء وآخر وأصبحت المعاملات عندهم ذات أهمية بالغة، فلذا أصبحت المعاملة بالذهب والفضة مورد نظرهم، والعلّة أنّهم أرادوا أن يكون الشيء المقابل للمال قليل الحجم، وهذا الشيء القليل الحجم يكون فيه تمام الثروة، هذا أوّلاً، وثانياً: رغبتهم في النقل والانتقال بسهولة لهذا الشيء، وثالثاً: أن يكون هذا الشيء بشكل قابل للتبديل في كلّ مكان، ورابعاً: لا تؤثّر فيه المؤثّرات الجويّة ولا تفسده بل يبقى دائماً.
وهذه الخواص رأوها وعرفوها أنّها موجودة في الذهب والفضة، فلا يؤثّر فيهما الهواء والغش، والتبديل مشكل لغير الصانع، خصوصاً بعد أن صنعوهما بشكل خاص مع دوامهما، وهما في كلّ الأزمنة بشكل واحد. ففي المرحلة الاُولى كانوا يستعملون الكأس من الذهب والفضة وغيرهما، ثمّ في المرحلة الثانية كانوا يعاملون القطع منهما التي فيها علامات خاصة، وبما أنّه يمكن أن يقع الغش في هذه المعاملة أي قد يكون مقداراً من تلك القطع، ولو أنّ فيها علامة لكنّها قابلة للسرقة، وقابلة لأن يصنع مكانها قطعة اُخرى أقل عياراً منها، ولذا احتاج الانسان لرفع هذه المشكلة الى طريقة اُخرى، وهي صنع النقود بواسطة قطعة فلزية مع وزن وعيار مخصوص، وبما أنّ هذه النقود يصعب حملها من بلد لآخر فقد اعتبر لها المعتبرون أوراقاً خاصة، بعد ما كان لهذه الأوراق معادل وسند من الذهب والفضة.
ولذا ترى لكلّ حكومة التي تصوّر هذه الأوراق يكون اعتبارها أكثر من البلد الآخر؛ لأجل كثرة الذهب والفضة.
والاعتبار هو تقرر الشيء في وعائه ولا يخفى أنّ التقرر قد يكون في عالم الخارج، وقد يكون في عالم الاعتبار، والشيء المتقرر في الخارج قد يكون مادياً واُخرى معنوياً ومجرداً كالعقل والروح، وأمّا إذا كان تقرر الشيء في عالم الاعتبار يكون متكئاً على اعتبار المعتبر، كما أنّ الشيء الذي يكون تقرره في الخارج يكون متكئاً على إرادة تكوينية منه تعالى، ولا يخفى أنّ لكلّ من هاذين وعاؤه، فوعاء الأوّل الخارج، ووعاء الثاني الاعتبار، والثالث هي الاُمور الانتزاعية ووجودها يكون تابعاً لمنشأ انتزاعه، ويكون تقررها عرضية تابع لمنشأ الانتزاع.
وحينئذٍ فالحق أنّها لا تدخل في المسألة الربوية؛ لأنّها ليست من المكيل والموزون، ولو كانت كذلك في الأزمنة السابقة ولكن ذكرنا أنّ الحكم تابع للموضوع ففي كلّ عصر وجد الموضوع أو في كلّ مكان وجد الموضوع وجد الحكم. نعم لو كانت موزونة أو معرّفة على مقدار من الذهب أو الفضة المسكوكين دخلت المعاوضة في المسألة الربوية.
المسألة الثانية عشر: الزيادة المدفوعة من المصارف
هل الزيادة التي تدفعها المصارف لمن يضع نقوده فيها من الربا أم لا؟
الظاهر أنّه ليس هناك أي التزام بين الطرفين، بل يعطي المال والمصرف يعطي الزيادة من قبل نفسه، كما في مسألة القرض إذا دفع شخص ماله لشخص بعنوان القرض وأعطى المدين شيئاً زائداً على أصل المال، وهذا محبوب، وقد ورد في الحديث التأكيد عليه، وسنوافيك بمزيد بيان عن المعاملات البنكيّة في الفصل الخامس من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة عشر: في مستثنيات الربا
قد يقال: بأنّ هناك موارد مستثنات وان كان يصدق عليها الربا، ولكنها خرجت من المسألة الربوية لا من حيث الموضوع، بل من جهة الحكم، ولا لما ذكره البعض بأنّه لا يصدق عليها الربا، كما اذا كان بين الوالد والولد من جهة العلقة الموجودة بينهما؛ لأنّه حينما قلنا للولد: بأنّك أنت ومالك لأبيك ـ كما هو نص الرواية ـ ولكن صدق الربا بينهما حينئذٍ من جهة خروج هذه المسألة عن الحكم، واستثناؤها عن القاعدة من جهة الدليل.
ولكن الحق أنّ الاستثناء حصل لا من جهة العلقة بل من جهة الدليل، وهو الروايات:
فمنها: رواية معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبدالله(ع) قال أمير المؤمنين(ع): ليس بين الرجل وولده رباً، وليس بين السيد وعبده الربا.
وهذه المسألة وإن كانت مشهورة بين الفقهاء ولكن بما أنّه في سند الرواية عمرو بن جميع فانّه بتري، وهو أبو عثمان الأزدي البصري قاضي الري، ضعيف الحديث، وهو من أصحاب مولانا الصادق(ع).
اذن فالرواية ضعيفة من جهة السند، بـ mعمرو بن جميعn بل بـ mمعاذبن ثابت الجوهريn أيضاً، وإن ذكره صاحب كتاب اتقان المقال في الحسان وذكر بأنّ له كتاباً. فعلى أي حال يكفي في عدم صحة السند عمرو بن جميع.
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(ع) قال: ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا، إنّما الربا فيما بينك وبين مالا تملك، قلت: فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال: نعم، قال: وقلت: فانّهم مماليك؟! فقال: إنّك لست تملكهم إنّما تملكهم مع غيرك، أنت وغيرك فيهم سواء، فالذي بينك وبينهم ليس من ذلك؛ لأن عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك ... الحديث.
ولكن هذه الرواية ضعيفة بـ mياسين الضريرn فانّه لم يوثق، ومع ذلك ذكره طه نجف في الحسان، قال: لقى أبا الحسن موسى(ع) وروى عنه، وصنّف الكتاب المنسوب إليه.

وعن الفقه الرضوي: وليس بين الوالد وولده ربا، ولا بين الزوج والمرأة ربا ولا بين المولى والعبد، ولا بين المسلم والذمي.

وهذه الروايات كلهّا ضعيفة كما كان في نظر البعض، وبعضها كما قال الاُستاذ المحقق في القواعد. ولكن مع ذلك يمكن أن يقال: لا اشكال في عدم الحرمة بعد اتفاق الامامية وانفرادهم بذلك.   

وقد ذكر صاحب الجواهر: بأنّ المخالف هو السيد المرتضى في الموصليات. ولكن في الانتصار بعد أن ذكر ما انفردت به الامامية القول: بأنّه لا ربا بين الوالد والولد، ولا بين الزوج والزوجة، ولا بين الذمي والمسلم، ولا بين العبد ومولاه. قال: وقد كتبت قديماً في جواب مسائل وردت عليّ من الموصل، وتأوّلت الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمّنة لنفي الربا بين ما ذكرناه على أنّ ذلك وإن كان بلفظ الخبر mمعنى الأمرn كأنّه قال: يجب أن يقع بين ما ذكرنا ربا، كما قال تعالى: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) وقوله تعالى (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ) وكقوله(ص): mالعارية مردودة والزعيم غارمn. ومعنى ذلك كلّه الأمر والنهي ـ الى أن قال ـ: واعتمدنا في نصرة هذا المذهب لأنّي وجدت أن أصحابنا مجتمعين على نفي الربا بين ما ذكرناه، وغير مختلفين في وقت من الأوقات.
وحينما رأينا أنّ الأصحاب متفقون بمضمون هذه الروايات فيحصل لنا الوثوق والاطمئنان، فلا يبقى مجال للشكّ في حجيتها، والاطمئنان أمر عقلائي.
وأمّا من حيث الدلالة فهل الرفث بمعنى الحرمة أي النفي بمعنى النهي كما في قوله تعالى: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ...) أو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما قال به بعض المحققين كما في قوله(ع): لا ضرر ولا ضرار؟
والحق أنّ هذين الوجهين خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر من الكلام mولا رباn هو نفي نفس الموضوع.
ولكن يمكن أن يقال: إنّه نفى الموضوع لكن تشريعاً، فتكون النتيجة بعد رفع الموضوع هو ارتفاع الحكم، كما إذا ارتفع الموضوع تكويناً كأخذ السيل الميت فانّه يسقط وجوب التجهيز.
اذن فلا وجه للقول: بعدم الجواز بعد ما بيّنا، ولا القول: بأنّه لا ربا إذا كان الآخذ هو الأب دون الولد كما عن الأسكافي؛ لأنّ الثاني اجتهاد منه في مقابل النص، ثمّ انّ الحكم لا يشمل الاُم مع الولد وقوفاً فيما خالف القاعدة على مورد النص، ولا يكون هناك اجماع أو دليل آخر يدّل عليه.
أمّا ما اُدعي في الفقه الرضوي وما قاله المرتضى: mبأنّه وممّا انفردت به الامامية بأنّه لا ربا بين الوالد والولدn ـ المراد بالوالد ولو كان بصيغة المذكر لكن يعم الاُم ـ فلا يمكن قبوله؛ لأنّه لم يرد في اللغة اطلاق الوالد على الاُم ولا في العرف أيضاً، بل لفظ الوالد مختص بالأب. ثم انّ الظاهر أنّ المراد بالولد أعم من الذكر والاُنثى؛ لأنّ الولد لغة يشملهما، ولا دليل على الانصراف الى الذكر. نعم لو فرض أنّ في بعض الأماكن لا يطلقون الولد إلاّ على الذكر فلو أوصى شخص في ذلك البلد بأن يعطى مالاً لولده فلا بدّ من حمله على الذكر؛ لأنّ اللفظ الذي يصدر من الشخص يحمل على ما هو المتعارف على أهل بلده.
ثمّ هل يشمل ولد الابن وولد البنت أم هناك تفصيل فيشمل ولد الابن ذكراً كان أو انثى دون ولد البنت على الاطلاق أولا تشملهما جميعاً، كما نسب الى العلاّمة والمحقق الثاني والشهيدين؟
قالوا: إنّ الحكم مختص بالولد بلا واسطة، ولكن لو كنّا نحن واللغة لقلنا: بشموله لولد الابن وبنت الابن، وابن البنت وبنت البنت، ولكن يمكن ادعاء الانصراف عن ولد البنت وبنتها.
ثمّ هل يشمل الولد الذي ولد من الزنا؟
لو كنا نحن واللغة لقلنا: بشموله، خصوصاً بعد ورود الخبر mالولد للفراشn.
إلاّ اذا قلنا: بأنّه منصرف الى الولد الحاصل بالنكاح، وأنّه ـ أي ولد الزنا ـ منفي شرعاً، ولذا لا يرث.
ويمكن أن يقال: بأنّه ـ أي عدم الوارثة ـ حكم خاصّ، ولا ربط له بصدق الولد عليه وعدم صدقه.
أمّا الولد الرضاعي فلا اشكال في عدم شموله لهذا الحكم؛ لانصرافه عنه، وأنّه ليس ولداً للأب الرضاعي حقيقة؛ لأنّه لم يخلق من مائه، بل نزّل منزلة الابن، ويكفي في التنزيل وجهة الشبه من جهة واحدة واثبات عموم المنزلة وحمل جميع الآثار عليه يحتاج الى دليل، وmالرضاع لحمة كلحمة النسبn لا يثبت أنّه لا بدّ من ترتيب جميع الآثار المترتّبة على الابن النسبي.
إذن الحق أنّ الربا يثبت بينهما.
المسألة الرابعة عشر: هل الربا بين المولى والعبد موجود أم لا؟
أمّا الربا بين المولى والعبد فانّه مضافاً الى الروايات الضعاف التي ذكرناها في mلا ربا بين الوالد والولدn وردت رواية صحيحة وهي: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع) أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر(ع) عن رجل اعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كلّ شهر عشرة دراهم أيحل ذلك؟ فقال(ع): لا بأس.
ولكن هذا البحث يأتي بناء على ملكية العبد، أمّا بناء على عدم ملكيته فلا.
mفرعn وهل يأتي الربا بين المولى والمكاتب؟
لا يخفى بأنّه لا ربا بينهما أيضاً؛ لأنّه عبد، فاذا قلنا: بأنّه يملك فحكمه حكم بقية الناس، فالربا يقع بينهما، وإنّما لا يقع الربا بين المولى والعبد؛ لأنّه لا يملك، وفيه كما ذكرنا انّ هذا البحث يأتي بناء على ملكية العبد، أمّا بناء على عدم ملكيته فلا يأتي البحث، والنصّ مطلق، وهذه اجتهادات واستحسانات فلا يكون لها اعتبار في مقابل النصّ، والنصّ باطلاقه شامل لجميع الأفراد من العبد المحض والمكاتب الذي لم يتحرر منه شيء والمدبّر.
وهل يشمل العبد المبعّض أم لا؟ محل كلام، والأحوط عدم أخذ الزيادة.
المسألة الخامسة عشر: هل الربا موجود بين الزوج والزوجة
قد يقال: بعدم وجود الربا بينهما، فقد ادعى في الجواهر الاجماع بقسميه.
وقد يستدل برواية زرارة، عن أبي جعفر(ع) قال: ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك ... الحديث.
وقد عبّر  عنها في الجواهر بالصحيحة، ولكن الرواية ضعيفة بـ mياسين الضريرn كما تقدم.
ورواية محمد بن الحسين قال الصادق(ع): ليس بين المسلم وبين الذمي، ولا بين المرأة وزوجها ربا.
ولكن لا يخفى بعد الاتفاق وعدم ذكر المخالف فيطمأن بعدم الربا بين الزوجين.
ولا يخفى أنّ الزوجة التي لا ربا بينها وبين زوجها لابد فيها من توفر الشرطين: الأوّل: الزوجية، الثاني: صدق الأهل، فانّ المتعة القليلة المدة لا يصدق عليها أهل؛ لأنّ اتخاذها ليس كاتخاذ الزوجة بل اتخاذ المستأجرة، وكذا المطلقة الرجعية فانّها لا يصدق عليها الأهل، بعد ما كان هناك عموم وخصوص من وجه، أي قد تكون أهلاً وليست بزوجة كالبنت، وقد تكون زوجة وليست بأهل كالمنقطعة القليلة المدة.
وقد يجتمع الشرطان وهما يحصلان في الدائمة أو المتمتعة الطويلة المدة، بل يمكن أن يقال: بانصراف الروايات عن المتعة القليلة والمطلقة الرجعية، فالعرف لا يراهما أهلاً، وإن كان يصدق على الرجعية أهل من حيث إعطاء النفقة في زمن العدة.
المسألة السادسة عشر: لا ربا بين المسلم والحربي
قد يقال: لا ربا بينهما إذا أخذ المسلم الفضل.
وقد استدل برواية عمرو بن جميع، عن أبي عبدالله(ع) قال: قال رسول الله(ص): ليس بيننا وبين أهل حربنا رباً، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، ونأخذ منهم ولا نعطيهم.
فالرواية دالّة على عدم وجود الربا بينهم إذا قلنا: بأنّه يمكن العمل بها بعد ما كانت المسألة مورد اتفاق بينهم.
إذن ما ذكره الاستاذ المحقق: mلأنّ جواز أخذ الفضل منهم لازم أعم بالنسبة الى صحة المعاملةn فليس في محلّه، بعدما ورد في الرواية بأنّه mليس بيننا وبين أهل حربنا رباn.
نعم لو لم نعمل بالرواية فنقول: أخذ الزيادة على طبق القاعدة ما داموا كفاراً محاربين حيث تكون أموالهم مباحة وكذا دماؤهم، وإن كانت المعاملة باطلة حسب العمومات والمطلقات الواردة في باب الربا.
اذن ما يظهر من الرواية هو أخذ المسلم الفضل دون الكفار، فما نسب الى القاضي من جواز أخذ كلّ من الطرفين لا دليل عليه، مضافاً الى شمول العمومات لـه، وليس هناك ما يصلح للخروج به  عن عمومات التحريم.
mفرعn: وهل يمكن أخذ الربا من المعاهد وغيره ـ كمن اعطي له الأمان في أيام أمانهم ـ أم لا؟
الحق هناك تفصيل بأنّه إذا كان الدليل هو الاجماع فهو نافذ بالقدر المتيقّن فلا يشمل المعاهد وغيره، أمّا إذا كان الدليل هو الرواية فتشمل الكلّ؛ لأنّ ماله من جهة عناده ومحاربته ضد المسلمين لا احترام له، بل لا يكون ماله ودمه محترماً، فتكون أموالهم فيئاً للمسلمين.
إن قلت: إنّ المعاهد ومن اُعطي له الأمان أموالهم وأنفسهم محترمة.
نقول في الجواب ما قاله الاستاذ المحقق: بأنّ الاحترام لهم احترام ظاهري، أي لا يمكن أخذ أموالهم منهم جبراً، أمّا الأخذ منهم برضاهم، بما أنّه لا يكون مخالفاً للمعاهدة فجائز.
ومن هنا ظهر ما ذكره الاُستاذ الأعظم(ع) حيث قال: نعم يجوز أخذ الربا من الحربي بعد وقوع المعاملة من باب الاستنقاذ، ففي نظره أنّ المعاملة صحيحة وضعاً، وأما تكليفاً ـ من جهة الحكم التكليفي ـ فهي محرمة.
ولكن الحق بعد ما ذكرنا mبأنّه ليس لماله أي حرمةn فلا معنى للقول: بأنّ الحرمة التكليفية موجودة.
المسألة السابعة عشر: هل بين الذمي والمسلم ربا أم لا؟
فالمشهور على عدم الجواز، ومقتضى القاعدة هو عدم الجواز ما داموا عاملين بشروط الذمة. نعم ورد في مرسلة الفقيه جواز أخذ الربا منهم، محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق(ع): ليس بين المسلم وبين الذمي ربا.
  ولكن الرواية مرسلة، فلا تتمكّن من أن تعارض الروايات التي تثبت الربا مع ضعفها واعراض المشهور عنها، فلو كانت تامة فمع معارضتها مع تلك نحملها على الذمي الغير العامل بشروط الذمة، كما ذكر صاحب الوسائل نقلاً عن البعض.
وأمّا ما ذكره الاُستاذ الأعظم(قدس سره) الأظهر عدم جواز الربا بين المسلم والذمي، لكنه بعد وقوع المعاملة يجوز الربا منه من جهة قاعدة الالزام.
ولكن هذا الكلام يتم بناء على حلية الربا عندهم، أمّا لو قلنا: بتحريم الربا عند جميع الأديان فلا يصح.
وكذا بناء على شمول قاعدة الالزام وعموميتها، والظاهر أنّها ترد في إلزام المخالفين بما ألزموا به أنفسهم، فلا تشمل الكفار.
فالأحسن أن يقال ـ كما قال الاُستاذ المحقق ـ بأنّ في عصرنا الذمي بالمعنى المصطلح من الأخبار والأحاديث قليل الوجود أو معدوم؛ لعدم تحقق الموضوع، فهم داخلون إمّا في المعاهدين أو في من دخل البلاد الاسلامية بعد ما اُعطي له الأمان، ومع ذلك يجوز أخذ الفضل منهم إذا كان برضاهم، ولا يجوز إعطاء الفضل لهم للعمومات.
المسألة الثامنة عشر: في بيان فساد المعاملة الربوية
هل أنّ المعاملة الربوية محرمة، وتكون فاسدة بتمامها، ولا بد أن يرجع كلّ مال الى صاحبه أم لا، وهل هناك فرق بينما اذا ارتكب عن تعمد ـ أي مع العلم بالحكم أو الموضوع ـ أو أنّه مطلقاً يكون باطلاً، أو يكون من باب تبعّض الصفقة ـ فبالنسبة الى الزيادة تكون المعاملة باطلة لا بالنسبة الى الجميع ـ؟
الظاهر أنّ جميع المعاملة تكون باطلة فلا يدخل شيء من الثمن في ملك البائع، ولا شيء من المثمن في ملك المشتري، لا أنّ الحرمة والبطلان يشملان مقدار الزائد فقط لأجل (وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ) وذلك لاُمور:
أمّا أوّلاً: فبعد أن قسّم الله تبارك وتعالى المعاملة الى قسمين: أحدهما: ألاّ تكون لأحد العوضين زيادة على الآخر فهو حلال وصحيح، والثاني: أن تكون المعاملة مشتملة على زيادة في أحدهما سواء كان بعنوان الجزء أو بعنوان الشرط فهو حرام وباطل، فاذا أصبحت المعاملة باطلة يبقى كلّ مال في ملك صاحبه، فلا ينتقل شيء من العوضين الى صاحب العوض الآخر، بل يبقى كلّ واحد منهما بتمامه في ملك من كان له قبل وقوع هذه المعاملة التي كانت فاسدة.
وأمّا ثانياً: فانّ العقود تابعة للقصود، فانّ كلّ واحد من البائع والمشتري قصد انتقال العوض المشتمل على الزيادة، سواءً كانت جزءً أم شرطاً الى الطرف المقابل بعوض ما ينتقل إليه.
إذن أصل المعاملة تكون باطلة.
قد يقال: إنّه يمكن الحكم بالصحة في أصل المعاملة ويكون البطلان في الزيادة كتبعّض الصفقة.
وفيه: أنّ في تبعّض الصفقة ولو أنّ العقد واحد ولكن ينحل الى عقدين كلاهما مقصودان.
ولكن شرط الصحة ـ وهو الانتقال من ملك صاحبه باذنه في أحدهما ـ موجود دون الآخر، أمّا هنا فلا معنى للانحلال بعد أن لم يكن في مقابل الزيادة شيء كي يقال: بأنّه عقد آخر. إذن لا يمكن جعل المقام بمقام تبعّض الصفقة.
وأمّا ثالثاً: فللأخبار الدالّة على البطلان فانّها تدلّ على فساد المعاملة الربوية بأجمعها، لا أنّها فاسدة بالنسبة الى الزائد حتى يقال: إنّ الذي لم ينتقل هوالزائد فقط الى صاحب العوض الآخر، والروايات في المقام كثيرة:
فمنها: ما عن الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا يصلح التمر اليابس بالرطب، من أجل أنّ ألتمر يابس والرطب رطب، فاذا يبس نقص.
فهذه الرواية دالّة على أنّ أصل المعاملة باطلة؛ لاشتمالها على الزيادة في طرف والنقيصة في الطرف الآخر، من أجل أنّها تصبح يابسة فيما بعد.
ومنها: عن سيف التمار قال: قلت لأبي بصير: أحب أن تسأل أبا عبدالله(ع) ـ الى أن قال: ـ فسأله أبو بصير ذلك، فقال: هذا مكروه، فقال أبو بصير: ولِم يكره؟ فقال: إنّ علي بن أبي طالب(ع) كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر؛ لأنّ تمر المدينة أدونهما، ولم يكن علي(ع) يكره الحلال.
والظاهر من هذه الرواية أيضاً بطلان أصل المعاملة، وأنّها فاسدة كلّها، لا الزيادة فحسب.
ومنها: رواية سعيد بن طريف، عن أبي جعفر(ع) قال: أخبث المكاسب كسب الربا. وتدل كلمة mالأخبثn في الكسب، وظاهرها على فساد أصل المعاملة وحرمتها، لا خصوص الزيادة.
ومنها: قوله(ع): في رواية حماد، عن الحلبي ـ: الزائد والمستزيد في النار، لأنّ المتعاملين إنّما كان سبب دخولهما في النار؛ لأجل فساد معاملتهما.
اذن انّ المعاملة التي تكون سبباً لدخول النار تكون حراماً وفاسدة.
ولكن الحق أنّ هذه الرواية ناظرة الى الحكم التكليفي لا الوضعي.
قد يقال: بأنّ المعاملة إنّما تكون باطلة بتمامها فيما إذا كانت الزيادة جزءً، وأمّا إذا كانت شرطاً فهذا تابع للمسألة التي ذكرت في باب البيع بأنّ الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أم لا؟
فان قلنا: بأنّه مفسد فانّ المعاملة تصبح فاسدة، وأمّا إذا لم نقل بذلك فلا معنى للقول بفساد المعاملة.
ولكن الحق أنّه لا فرق بين أن تكون الزيادة شرطاً أو جزءً؛ لأنّه لو قلنا: بأنّ مدرك البطلان هو الآية أو الرواية فانّ مفادهما هو بطلان أصل المعاملة الربوية، بلا فرق بين أن تكون الزيادة جزءً أو شرطاً، أمّا لو كان المنشأ هو تبعية العقود للقصود فانّ قصد المتعاملين كان هو المبادلة بين العوضين مع الشرط ـ أي شرط الزيادة ـ وأمّا المعاملة بين أصل العوضين بدون الشرط فلم تكن مقصودة، ففي الحقيقة تكون المسألة mبشرط شيءn لا mبشرط لاn والنسبة بين mبشرط شيءn وmبشرط لاn هي التباين.
إن قلت: يمكن دخول المسألة في مسألة خيار الشرط، حيث إنّ المعاملة هناك وقعت بين العينين الشخصيين الذين هما متحدان من جهة الجنس والمقدار فالمعاملة وقعت بنقل تلك العين، بلا فرق بين وجود الشرط وعدمه، غاية الأمر أنّه مع تخلّف الشرط له الخيار.
قلنا: لا يمكن إدخال هذه المسألة في مسألة تخلّف الشرط؛ لأنّه هناك المعاملة وقعت والقصد تعلّق بنقل العين، لكن لا مطلقاً، بل مشروط بشيء.
إذن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، نعم لو فرض أنّ أصل المعاملة وقعت على نقل العينين المتحدتين في الجنس والمقدار ولو لم يكن هناك شرط، ولكن وقعت المعاملة مشروطة بشرط لم يكن جائزاً من جهة أنّه ربا.
اذن تدخل في تلك المسألة، والبطلان لا يأتي من جهة أنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، بل يكون مستنداً الى دليل آخر كالآية أو الرواية، كما مر بأنّهما تدلاّن على بطلان أصل المعاملة.
المسألة التاسعة عشر: في بيان علم المرابي بالحكم والموضوع وجهله.
لا يخفى أنّه بعد أن فرغنا من بطلان أصل المعاملة الربوية وفسادها، فتارة يكون الشخص عالماً بالحكم والموضوع كأن يعلم بالحرمة والبطلان، وتارة يكون جاهلاً بهما أو بأحدهما فهل يكون البيع مطلقاً باطلاً أم اذا كان عالماً بالحكم أو الموضوع دون ما إذا كان جاهلاً بهما أو بأحدهما؟
والفرق بينهما أنّه في الصورة الاُولى لا يجب عليه الرد ـ أي: ما إذا لم يكن عالماً بالحكم أو الموضوع أو كليهما، بل يكون جاهلاً بهما أو بأحدهما ـ ففي هذه الصورة لا يجب عليه ردّ الجميع أو الزيادة مع عدم علمه بأنّه ربا أو حراماً.
وإن كان يعلم بأنّه ربا ففي المسألة أقوال:
احداهما ـ وهو المنسوب الى الصدوق والشيخ والشهيد والأردبيلي والحدائق والرياض ـ: وهو عدم وجوب الرد مطلقاً في صورة الجهل، بلا فرق بين أن يكون جاهلاً بأحدهما أو كليهما، ولعلّه لأجل صحة المعاملة الربوية حال الجهل.
الثاني: بطلان المعاملة ووجوب الرد مطلقاً، سواء كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع أو كليهما، وحكم الجهل هنا حاله حال العلم.
الثالث: التفصيل بين أن يكون المال المأخوذ بالربا موجوداً ومعروفاً قدراً وصاحبه موجود ومعروف، وبينما لا يكون كذلك حيث ما اُخذ بالربا أصبح تالفاً أو امتزج بشيء آخر لا يمكن افرازه وكان صاحبه غير موجود أو غير معروف فلا يجب الرد حينئذٍ في هذه الصورة دون الاُولى.
الرابع: التفريق بين الجهل بالحكم، أو الجهل بالموضوع، والجهل بأصل الحكم، والجهل بالخصوصيات.
لكن الحق لو كنا نحن والأدلّة في الربا فلا يفرق بين العلم والجهل ويجب رد الزيادة، لأنّها محرمة، وهذا يكون موجباً؛ لعدم الملكية، ففي صورة معرفة المال من حيث القدر أو معرفة صاحبه فلا إشكال في وجوب الرد، وكذا في صورة عدم معرفة صاحبه يجب التصدق عنه، أمّا في صورة الامتزاج فهل لا بدّ من تخميسه لأنّه مال مختلط بالحرام ولم يعرف المقدار وصاحبه أم لا؟ ولو فرض تلف المال فهو ضامن؛ لأنّ يده كانت يد ضمان.
نعم في صورة العلم بالفساد، بما أنّه أقدم على إتلاف ماله وهتك حرمته بواسطة علمه بالفساد، فلو تلف فلا ضمان، هذا بحسب القاعدة، ولكن مقتضى الروايات هو التفصيل بين ما اذا كان المأخوذ بالربا معلوماً وموجوداً وكان صاحبه مشخصاً فيجب عليه الرد، وإلاّ فلا يجب.
منها: ما عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: أتى رجل أبا عبدالله(ع) فقال: إنّي ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي قد ورثت منه قد كان يربي، وقد أعرف أنّ فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطيب حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا يحلّ أكله، فقال(ع): إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً فانّ المال مالك... .
ولكن يظهر من بعض هذه الروايات ـ كرواية محمد بن مسلم، ورواية علي بن جعفر، ورواية هشام بن سالم ـ العفو عما مضى مطلقاً، سواء أكان عن علم بالتحريم أم عن جهل، وسواءً أنّ عين المال الربوي موجودة أو تالفة، مشخّصاً كان المال أو مخلوطاً بحيث لا يميزّ، مع أنّه ـ كما ذكرنا ـ حسب القاعدة أنّه إذا لم يكن صاحب المال مشخّصاً يتصدق عنه، وإذا لم يكن مقداره معلوماً فلا بدّ من المصالحة، وإذا اختلط بماله يكون المال مشتركاً بينهما، ولكلّ منهما حق مشاع.
ولكن لو نظرنا الى صحيحة الحلبي المتقدمة، وهكذا إلى رواية أبي الربيع الشامي ترى منهما التفصيل: بانّه لو كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فلك رأس مالك، وإن اختلط بمالك فكله هنيئاً مريئاً.
إذن لو كان المال الربوي موجوداً ومعروفاً ولم يكن مختلطاً ففي هذه الصورة تخرج عن المطلقات، فهو ضامن ولا بدّ من رده الى صاحبه، وبما أنّ الصحيحة مطلقة من جهة علمه وعدمه ولو كان حال ارتكابه جاهلاً.
اذن لا معنى لحمل الصحيحة على الاستحباب، فانّ رجوع المال المعيّن والمشخّص الى صاحبه يكون حسب القاعدة.
ويظهر من الروايات الصحيحة والمطلقات بأنّه إذا لم يعرف صاحبه فهو له، ولكن الأحوط أن يتعامل معه معاملة مجهول المالك، ويتصدق عنه خصوصاً في صورة كونه معزولاً هذا بالنسبة الى الروايات، أمّا الآية الشريفة: (فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبّهِ فَانْتَهَى‏ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
فلا يخفى أنّ جملة mفله ما سلفn مجملة، فيمكن كما عن بعض المفسّرين ألاّ يؤخذ بما مضى منه وأمره الى الله يحكم في شأنه يوم القيامة، ويمكن كما استشهد به الامام(ع) mومخرجك من كتاب اللهn أي يشمل الحكم الوضعي وهو المال أي: يكون له.
إذن في الآية الشريفة احتمالات:
الأوّل: أن يكون المراد أنّ الأموال التي استملكها ـ وحصل عليها بالربا عالماً قبل التوبة، بناء على أن تكون الموعظة بمعنى التوبة، كما فسرت في بعض الأخبار ـ هي له، ولو فرض كونها معزولة وصاحبها معروفاً بناء على التمسك باطلاق الآية.
الثاني: فمقابل هذه الآية آية اُخرى (فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) فانّها معارضة لتلك الآية، فيعني: لكم رؤوس أموالكم ولو كان صاحبه غير موجود أو المال كان مفقوداً أو مختلطاً.
الثالث: أن يكون المراد بالموعظة معناها: ومن بلغه واعظ من ربه وزجر بالنهي عن الربا، أي: لو ارتكب المعاملات الربوية قبل الزجرة وقبل ورود النهي فله ما أخذ قبلاً، ولا يجب ردّ ما أخذه ـ أي: قبل ورود النهي والتحريم ـ ولا يلزمه رده؛ لأنّ الاسلام يجبّ ما قبله. وكما ورد عن الباقر(ع): من أدرك الاسلام وتاب ممّا كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في رواية الوليد بن المغيرة فانّه كان يربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد ابنه المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية.
فاذن بحسب شأن النزول والمورد الآية تشمل المعنى الثالث، أي: أن يكون المراد منه أنّ الذي ارتكب الربا بجهالة سواء كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع ثم التفت فله ما سلف، ولا يجب عليه رده إذا كان شخصه غير معلوم ولا معزول ولا موجود.
إذن تحمل الآية الاُخرى على العمد، وعلى فرض الاطلاق فتقيد الآيتان بصحيحة الحلبي المتقدمة.
المسألة العشرون: في البيع الفضولي
اذا باع شخص رطب شخص أو زبيبه برطب أو زبيب شخص آخر، فبما أنّ المعاملة وقعت على نحو البيع الفضولي ولكن صاحب المال أجاز المعاملة بعد أن يبس أحد العوضين، فهل هذه المعاملة تكون صحيحة أو باطلة أو هناك تفصيل؟
الحق انّ صحّة المعاملة وفسادها مترتّب على القولين: الكشف أو النقل. فان قلنا: بالكشف فالمعاملة صحيح، وإن قلنا: بالنقل فالمعاملة تكون باطلة.
المسألة الواحدة والعشرون: الحيلة الشرعية من جهة الفرار من الربا
وقد اختلف الفقهاء في جعل الحيلة الشرعية ذريعة لتحليل الربا، فهل هذه الحيلة جائزة أم لا؟ وهل هذا العمل يحلل الحرام ويغيّر الماهية أم لا؟
فقسم من الفقهاء يقولون بالجواز، وآخرون يفتون بعدمه، وقسم ثالث قالوا بالتفصيل فيقولون: إنّ هذه الحيلة إذا كانت لأجل الفرار والممانعة من الوقوع في الربا فهي جائزة، وأمّا إذا كانت لأجل تحليل الحرام فليست بجائزة.
وقد استدل المجوّزون بوجوه: بأنّ هذا العمل فرع لعدم قصد الطرفين المعاملة الربوية، وأمّا لو كان لهما قصد في ذلك فلا تكون هذه المعاملة والحيلة الشرعية مغيّرة لما هو المحرم عندالله سبحانه، هذا أولاً، وثانياً: فانّهم يقولون: بأنّ المشاكل في المعيشة هي التي صارت سبباً للجواز، فلو فرض أنّ صاحب المال يدفع نقوده التي حصل عليها بكلّ مشقة مجاناً وبلا عوض بعنوان القرض الحسن تتلاشى معيشته وينفذ رأس ماله، ثمّ انّ الانسان بما فيه من غريزة حب المال يمنع نفسه عن العطاء بعنوان الدين؛ لأنّه لا يبقى له حتى رأس المال عندما يأخذه من المدين ويصرفه تدريجاً، وبما أنّ للشرع من العناوين الثانوية فهذه العناوين تكون مغيّرة للحكم وتجعل ما هو الحرام حلالاً.
وممّن يقول بالجواز: الميرزا القمي في جامع الشتات، وكذا في رسالته غنائم الأنام. وممّن يقول بالجواز أيضاً أبو حنيفة والشافعي.
وهناك روايات تدلّ على الجواز:
منها: عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن الصرف ـ الى أن قال: ـ فقلت له: اشتري ألف درهم وديناراً بألفي درهم، فقال: لا باس بذلك، انّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة مني فكان يقول هذا، فيقولون: إنّما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، وكان يقول: نعم الشيء الفرار من الحرام الى الحلال.
وعنه أيضاً، عن أبي عبدالله(ع) قال: كان محمد بن المنكدر يقول لأبي(ع) يا أبا جعفر رحمك الله، والله إنّا لنعلم أنّك لو أخذت ديناراً والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدت، وما هذا إلاّ الفرار، فكان أبي يقول: صدقت والله، ولكنه الفرار من الباطل الى الحق.
وعن الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا بأس بألف درهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس.
وماقبل هذا القول قول عدم المجوّزين بالعمل بالحيلة الشرعية، وقد استدلّوا لها باُمور:
الأوّل: انّه كما ورد في الحديث بأنّ mالأعمال بالنياتn ففي الحيلة الشرعية قصد الطرفين في الواقع يكون هو المعاملة الربوية، فالمعطي للزائد والآخذ له يقصدان أخذ الزيادة بعنوان المنفعة، ويجريان المعاملة بقصد أخذ النفع، ولولا الربا والزيادة لم تكن تقع المعاملة بينهما.
ولكن ذكرنا بأنّ الحيلة الشرعية إنّما هي جائزة عند الأكثر إذا لم يكن قصد المتعاملين ذلك، بل قصدهما كان لأجل الفرار من الربا.
الثاني: الحيلة الشرعية تسبّب نقض الغرض، وهو قبيح عقلاً. فلو كنا نقول: بجوازها، فمعناه أنّ الشارع لا يعتقد بما يقوله، فيحرم فعلاً صورياً، ثمّ يجوز رتكابه بطريق من طرق الحيلة.
ولكن الجواب عن ذلك: انّ المعاملة إذا كانت لأجل الفرار من الربا المحرم لا لأجل ارتكاب الربا بالحيلة فلا اشكال فيه.
الثالث: ورد عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن علّة تحريم الربا، فقال: لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه، فحرّم الله الربا لينفر الناس من الحرام الى الحلال، والى التجارة، والبيع والشراء.
وفيه: أنّ الحيلة الشرعية هي قسم من الربا المحرّم أول الكلام.
ومن المخالفين للحيلة الشرعية ما ورد عن بعض حيث قال في باب البيع الربوي: كلّ شيء تضمّن نقض الغرض في أصل مشروعيته فنحكم ببطلانه.
وهكذا عبّروا عن نقض الغرض بما إذا جعل الممنوع استعماله للمريض في كبسول وتقديمه له لكي يأكله، وإذا اعترض عليه الطبيب ويقول: أما منعت من استعمال هذا الدواء؟ فيجيب بأنّه إنّما بلع الكبسول، والحيلة الشرعية من هذا القسم.
ولكننا نقول: بأنّ هذا العمل إنّما يمنعه العقلاء؛ لأنّه وقوع في المنع، وفي محل بحثنا إذا كان لأجل الفرار من الربا فانّما هو خروج عن المنع المحذور.
وممّن خالف في الحيلة الشرعية السيد المرتضى، حيث قال في باب الشفعة: كلّ حيلة من شفعة وغيرها من المعاملات بين الناس فاني أبطلها ولا أجيزها. ونسبت المخالفة الى المقدس الأردبيلي أيضاً. وممن لا يقول بجوازها مالك.
وقد استدلّ على عدم جواز الحيلة الشرعية بالآية الشريفة: (وَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَيَسْبِتُونَ لاَتَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وروى القمي قصة أصحاب السبت في تفسيره قال: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر(ع) قال: وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب(ع) أن قوماً من أهل أيله من قوم ثمود، وإن الحيتان كانت سيقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها، فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إنّ الشيطان أوحى الى طائفة منهم إنّما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها فاصطادوها يوم السبت وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم، لئن نصطادها فعتت، وانحازت طائفة اُخرى منهم ذات اليمين فقالوا: ننهاكم عن عقوبة الله أن تتعرضوا لخلاف أمره، واعتزلت طائفة اُخرى منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم: لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً، فقالت الطائفة التي وعظتهم: معذرة الى ربكم ولعلّهم يتقون.
قال: فقال الله عزوجل: (فَلَمّا نَسُوا مَاذُكّرُوا بِهِ) يعني: لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم: لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم هذه الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم. قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن تصيبهم البلاء فنزلوا قريباً من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبحوا أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فاذا هو مصمّت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حسّ أحد، فوضعوا سلّماً على سور المدينة ثمّ أصعدوا رجلاً منهم فأشرف على المدينة فاذا هو بالقوم قردة يتعاوون لها أذناب فكسروا الباب، قال: فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟ فقال علي(ع): والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الاُمة لا ينكرون ولا يغيّرون، بل تركوا ما اُمروا به فتفرّقوا، وقد قال الله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ) وقال الله تعالى: (أَنْجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وروى صاحب مجمع البحرين القصة عن ابن عباس بنحو قريب مع تفصيل في المسألة الى قوله: mفكم رأينا من منكر فلم ننه عنهn.
ولكن لا يخفى بأنّ الصيد منهم إنّما وقع حقيقة يوم السبت، لحيازتهم ولمنعم للسمك من العود، والمقام كوضع المصيدة ووقوع الصيد في يوم السبت وأخذهم يوم الأحد، وهذا ليست من الحيلة الشرعية في شيء.
موارد الحيلة الشرعية:
فعلى أي حال فقد ذكر الفقهاء موارد للفرار من الربا:
المورد الأوّل: ضم ضميمة إلى أحد العوضين كألف درهم وشخاط يبيعه بألفي درهم.
المورد الثاني: أن يبيع سلعته بغير جنس سلعته ثم يشتريه بذلك الجنس بأي مقدار يريد من جنس سلعته، كما إذا باع وزنة من العنبر بوزنتين من الحنطة ثم باعهما بوزنتين من النعيمة فلا يقع حينئذٍ ربا، ولو كان في الواقع باع وزنة من العنبر بوزنتين من النعيمة.
المورد الثالث: منها أن يكون قصد الطرفين من المعاوضة هو المبادلة بين المثلين من جهة الكمية وإنّما يعطي الزيادة قاصداً الهبة.
المورد الرابع: أن يهب كلّ منهما ماله للآخر، من دون أن يشترط على الآخر هبة ماله له، كي تكون الهبة مقابل الهبة، وإلاّ دخلت في المسألة الربوية، بناء على انّ الربا موجود في جميع المعاوضات.
المورد الخامس: يشترط عليه في المعاوضة أن يبيع ماله مثلاً بمثل ويصالح صاحب الزيادة الفضل.
المورد السادس: منها أنّ أحدهما ـ أي المعاوضين ـ يقرض صاحبه ـ مثلاً ـ بمائة وزنة من الحنطة الكردية والآخر يقرض صاحبه بمائتي وزنة عراقية ثم يتباريان ويسقط كلّ واحد منهما ما في ذمة الآخر.
المسألة الثانية والعشرون: بيع العرية
ويكون استثناؤه من حرمة الربا حكمياً، وهو غير مختص بالنخل، بل يشمل بقية الأشجار كبيع ثمرة النخل أو غيرها من الأشجار بالتمر ولو متفاضلاً، لكن بشرط أن يكون التمر من غيرها. ونحن تارة نتكلّم في هذه المسألة حسب القاعدة واُخرى حسب الروايات، أمّا من جهة القاعدة فلا بدّ أن يكون بيع ما في النخل قبل نضوجه حتى لا يصرف عليه المكيل والموزون، ولا يدخل في مسألة الربا إذا بيع متفاضلاً، بخلاف ما إذا أُنضج وهو بيع التمر على النخل بالتمر ولو من غير هذا النخل.
اذن لا بدّ وان يكون متساوياً.
أمّا حسب الروايات فانّه يجوز حتى بعد نضوجه؛ لأنّه يباع بالمشاهدة لا الكيل والوزن، كما في موثقة أبي الصباح الكناني قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إنّ رجلاً كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر وكان له نخل فقال له: خذ ما في نخلتي بتمرك فأبى أن يقبله، فأتى النبي(ص) فقال: يا رسول الله(ص) إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقاً من تمر فكلّمه يأخذ ما في نخلي بثمره، فبعث النبي(ص) إليه فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال: يا رسول الله لا يفي وأبى أن يفعل، فقال رسول (ص) لصاحب النخل: إجذذ نخلك فجذّه فكاله خمسة عشر وسقاً. فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلاّ أنّي قد سمعته منه أن ابا عبدالله(ع) قال: إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبي(ص) قال: هذا رباً، قلت: أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين، قال: صدقت.
 قد يقال: إنّه ليس هناك دلالة على البيع والمعاوضة، بل هو وفاء أو ابراء.
والجواب: يمكن الاستفادة من ذيل الرواية أنّها معاوضة، حيث تصوّر ربيعة وقال: إنّه ربا، مضافاً الى ما ورد من صحيح الحلبي قال: قلت: لأبي عبدالله(ع): في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء فباعه، فقال: لا بأس ... الحديث.
ويؤيده أيضاً ما ورد في الحنطة في صحيحة حسن بن علي قال: سألت أبا الحسن(ع) عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كر على أن يعطيه من الأرض، قال: فقال: حرام، قلت: جعلت فداك فانّي اشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها، قال: لا بأس بذلك.
اذن لو بيع التمر الذي على النخل بتمر آخر فلا بأس ولو زاد أو نقص عند ما يكال أو يوزن أو عند الجفاف؛ لاطلاق النص.
المسألة الثالثة والعشرون: المزابنة
أمّا المزابنة فقد عرّفوها ببيع التمر على النخل بالتمر، ففي مجمع البحرين: في الخبر نهي عن بيع المزابنة، وهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، وأصله من الزبن وهو الدفع، كأن كلّ واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه بما يزداد منه، والنهي عن ذلك لما فيه من الغبن والجهالة.
قال في جامع المقاصد: هي مفاعلة من الزبن وهو الدفع، ومنه الزبانية؛ لأنّهم يدفعون الناس الى النار، سميت بذلك لأنّها مبنية على التخمين والغبن فيها، وكلّ منهما يريد دفعه عن نفسه الى الآخر فيتدافعان.
وقال في الجواهر: فيكون المجموع محرّماً، كما هو أشهر القولين. أي بيع الثمرة على النخلة بتمر على الأرض، أو بيع الثمرة على النخلة بثمرة منها.
قال: بل هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين.
وقد نسب الى الغنية والروضة الاجماع عليه.
وقد عرفت مراراً في عدم حجية هذه الاجماعات؛ لأنّها محتملة المدركية، فالعمدة الروايات:
منها: عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن الصادق(ع) قال: نهى رسول الله(ص) عن المحاقلة والمزابنة، قلت: وما هو؟ قال: أن يشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة.
وقد ورد في رواية اُخرى أيضاً عن أبي عبدالله(ع): نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة، فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة.
ولكن هذه الرواية ضعيفة ولا تقاوم تلك الصحيحة، مع مخالفتها لأهل اللغة، ولما في مخالفتها لخبر عبيد بن قاسم بن سلام بأسانيد متصلة الى النبي(ص) أنّه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر، والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل.
إذن المزابنة هي بيع التمر في رؤوس النخل بتمر منها أو من غيرها، ولكن الأقوى جواز بيع تمرة النخل بتمر من غيرها كما تقدم في روايات العرية.
المسألة الرابعة والعشرون: بيع الطين والماء
ذكر صاحب الجواهر: أنّه لا ربا في الماء والطين؛ للأصل والاطلاق والنصوص السابقة لعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه، وان اتفق بيعه بأحدهما في بعض الأحوال والأمكنة أو الأزمنة، ثمّ يقال: إنّه لا يباع سلفاً إلاّ وزناً، فلو سلف ماءً في ماء الى أجل احتمل أن يكون ربوياً، وكذا الأحجار والتراب والحطب، وفيه أنّ الوزن في السلم يكون للضبط، لالأنّه يعتبر في صحة بيعه ذلك، فالأقوى عدم جريان الربا فيه، إذ لو سُلّم اعتبار الوزن فيه يمكن منع تحقّق شرط الربا بذلك ضرورة ظهور الأدلّة في اعتبار ذلك في أصل بيعه لا في قسم خاص من البيع.
ولكن الحق: أنّه لو فرض بيع الماء مكيلاً أو موزوناً كماء زمزم ـ مثلاً ـ فانّه يقع فيه الربا، وكذا الأحجار الثمينة على فرض بيعها بالوزن، وأمّا الحطب فانّه لا اشكال بوقوع الربا فيه؛ لأنّه يباع بالوزن فيقع فيه الربا كالفحم  الذي يباع دائماً بالوزن، أمّا الماء لو فرض أنّه أسلف ماءً في ماء فالظاهر أنّه ليس ربوياً بعد أن لم يكن أصل بيعه كذلك، واشتراط الكيل إنّما كان لأجل الضبط كما نصّ الجواهر عليه.
أمّا الطين الأرمني فيقع فيه الربا؛ لأنّه مكيل وموزون ويؤخذ للدواء كما في بعض الروايات.
فعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر(ع) أنّ رجلاً شكا إليه الزحير، فقال: خذ من الطين الأرمني وأقله بنار لينة واستفّا منه فانّه يسكن عنك.
وعن الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق قال: سُئل أبو عبدالله(ع) عن الطين الأرمني يؤخذ للكسير والمبطون أيحل أخذه؟ قال: لا بأس به، أمّا انّه من طين قبر ذي القرنين، وطين قبر الحسين(ع) خير منه.
المسألة  الخامسة والعشرون: في جواز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة
إذا باع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة سواء كانا مسكوكين أو غير مسكوكين فان كان وزن أحدهما أكثر من الآخر فالمعاملة باطلة، كما ورد في صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) الفضة بالفضة مثلاً بمثل ... ـ الخ. رواه الصدوق باسناده عن حماد نحوه، إلاّ أنّه زاد: والذهب بالذهب مثلاً بمثل. وغيرها من الروايات.
نعم يجوز بيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب متفاضلاً؛ لاختلاف الجنس، كما لا يجوز بيع تراب معدن الفضة بالفضة؛ لعدم العلم بالمساواة، ويجوز بيعه بالذهب؛ لاختلاف الجنس، وكذا لا يجوز بيع تراب الذهب بالذهب، ويجوز بالفضة لنفس ما ذكر، وكذا على الأحوط وجوباً ترك بيع تراب معدن الذهب أو الفضة بالذهب والفضة لما ذكرنا.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com