الکلام في التقية ويقع فيه عدة جهات من البحث

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الجهة الاُولى: في معناها اللغوي والاصطلاحي.
فهي لغة: مأخوذة من تقى يتقي، أو إتقى يتقي.
والاتقاء هو: الأمتناع عن الرديء باجتناب ما يدعو إليه، والتقوى هي طاعة الله سبحانه وعبادته وخشيته وهيبته.
وفي الاصطلاح: هي إظهار خلاف الواقع في الأمور الدينية بفعلٍ أو قولٍ خوفاً وحذراً على نفسه أو على نفوس مؤمنة، أو المال، أو العرض، أو تودداً وتحبباً وألفة، وهي لاتختص بعصرٍ دون عصر.
قال اُستاذنا المحققR تبعاً للشيخ الانصاريR بأنّها اسم مصدر، كما ورد ذلك عن غير واحد من أهل اللغة.
وقال المحقق الفيروزآبادي في قاموسه: إتقيت الشيء وتقيته ـ إلى أن قال: ـ الاسم التقوى.
وفي حديثٍ عن أمير المؤمنين: (يا حسن أحسن ما بحضرتكم من الزاد التقوى والعمل الصالح).
تحقيق الفرق بين المصدر واسم المصدر:
ولايخفى أنّ هناك فرقاً بين المصدر واسم المصدر، فإنّ المصدر عبارة عن الفعل كغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، واسم المصدر عبارة عن النتيجة الحاصلة من الفعل وهي الطهارة المعنوية، وعليه فقد يكون الشيء الواحد باعتبارٍ مصدراً وباعتبار آخر اسم مصدر، وباعتبار ثالث يكون شرطاً متقدماً، وباعتبارٍ رابع شرطاً مقارناً وباعتبار خامس جزءاً، كما ورد في الحديث عن الامام الهمام أبي عبدالله الصادق(ع): (الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود).
فالوضوء ـ بالضم ـ قد يكون مصدراً، وقد يكون بمعنى اسم مصدر، كما يقال: هل أنت على وضوء؟ ومن هنا ظهر ما ذكره ابن الاعرابي بأنّ التقاة والتقية والاتقاء كله واحد.
فذلكة البحث: أنّ الفرق بين المصدر واسمه هو أنّ اسم المصدر ما هو الحاصل من المصدر ونتيجته، وبعبارة اُخرى فإنّ اسم المصدر يكون ذات ما يصدر عن الفاعل من دون ملاحظة جهة اصداره وانتسابه إلى فاعلٍ ما، أمّا من جهة لحاظة من حيث صدوره وانتسابه إلى فاعلٍ ما، فإنّه بهذا الاعتبار يكون مفاد المصدر، ولذا _ لاتبع وقت النداء _ أنّ البيع إذا تعلّق به النهي بمعنى الاسم المصدري يكون دالاً على فساد المعاملة، لأنّه بذلك المعنى يكون عبارة عن نفس النقل والانتقال، والصادر من البائع من دون ملاحظة جهة اصداره، فإذا كان النقل والانتقال مبغوضاً ومنفوراً من قبل الشارع فلا يتعلّق به الامضاء؛ لتنافي النهي مع الامضاء، فإنّ النهي يكشف عن المفسدة في هذا البيع في هذا الوقت، والأمر إذا وقع عليه ـ مثلاً ـ عبارة عن وجود المصلحة فيه في نفس ذلك الوقت، فستجتمع المصلحة والمفسدة في شيء واحد، وهذا لايمكن. وأمّا إذا تعلق به النهي بالمعنى المصدري فلايدلّ على الفساد، لأنّ مبغوضية جهة إصدار الشيء غير مبغوضية ذات الصادر، ولا منافاة بين ورود النهي من جهة الاصدار وإمضاء الصادر.
الجهة الثانية: في أقسام التقية
ثمّ لايخفى بأنّ التقيّة تنقسم إلى عدة أقسام:
القسم الأوّل: فالتقية تارة تكون بالمعنى التكويني، وهو التحفظ عمّا يُخاف ضرره كالتحفظ عن المرض بسبب شرب الدواء. واُخرى تكون بالمعنى الأعم، وهو التقية مع غير المسلمين من أهل الملل والنحل بل حتى من لم ينتحل ديناً، كما اتقى عمار بن ياسرS مع المشركين. وثالثاً بالمعنى الأخص، وهي التقية مع العامة، وسيأتي الدليل على حجية هذه الموارد باذن الله سبحانه.
القسم الثاني: أنَّ الفقهاء قسّموا التقية بانقسام الأحكام الخمسة:
الأوّل: في الدماء، والمشهور أنّه لاتقية فيها، ففي كلّ موردٍ يستلزم اباحة دم من لايجوز قتله لاتجوز التقية فيه، وذلك لأنّ أصل مشروعية التقية ـ كما سيأتي تحقيق هذا الأمر ـ إنّما هو لأجل حقن الدماء، فلاتكون سبباً في  إباحتها.
والثاني: الواجب، وهو الذي فيه خوف الضرر وتأتي التقية لدفع الضرر المتوجه إليه على النفس أو العرض.
والثالث: المندوب، وهو ما إذا أتى بالعمل الواقعي ثمّ أعاد العمل معهم مع عدم ترتّب ضرر على عدم الاعادة، أو كما قال الشيخ الأنصاريR هو بمعنى أن يكون تركه مفضياً إلى الضرر تدريجاً كترك المداراة مع العامة.
والرابع: المكروه، وهو ترك ذلك إذا قلنا بأنّ ترك المندوب مكروه، وقد استشكل الاستاذ المحقق في الأخير بأنّ ترك المستحب ليس بمكروه، مع أنَّ نقيضه أفضل، فلو كانت الحركة من بلدٍ أفضل من الوقوف فيه فهذا لايلازم كون الوقوف مكروهاً، فالأولى التمثيل بما ذكره الشهيدR وهو التقية باتيان ما هو مستحب عندهم مع عدم خوف الضرر لاعاجلاً ولا آجلاً إذا كان ذلك الشيء مكروهاً واقعاً، وإلاّ لو كان حراماً فالتقية باتيانه لموافقتهم حرام.
والخامس: المباح، وهو إظهار كلمة الكفر، فإنّه يباح الأمران، أي إظهار كلمة الكفر وعدمه استدلالاً بقضية عمار وأبويه (رحمهم الله)، فإنّ النبي(ص) صوّب الفعلين معاً.
والظاهر من قوله تعالى:(إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ) هو الرخصة في التكلّم بكلام الكفر، منّةً منه سبحانه وتعالى على العباد، وحفظاً لأنفسهم وأموالهم واعراضهم، وحيث كان حديثنا في أقسام التقية من حيث الأحكام التكليفية، فلابأس ببيان ما ذكره الشيخ الأنصاريR وتقسيمه التقية إلى خمسة أقسام مع تمثيله الى الموارد.
قالR: mالتقية تنقسم إلى الأحكام الخمسة، فالواجب منها ما كان لدفع الضرر الواجب فعلاً وأمثلته كثيرة، والمستحب ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر بأن يكون تركه مفضياً تدريجاً إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنّه ينجر غالباً إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.
والمباح ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساوياً في نظر الشارع كالتقية في اظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الأصحاب، ويدلّ عليه الخبر الوارد: في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين(ع). والمكروه ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله كما ذكر ذلك بعضهم في اظهار كلمة الكفر، وأنّ الأولى تركها ممن يقتدي به الناس اعلاءً لكلمة الاسلام، والمراد بالمكروه حينئذٍ ما يكون ضده أفضل. والمحرم منه ما كان في الدماءn انتهى كلامهR.
اذن: إذا كان الكفر بالله تبارك وتعالى جاء فيه الترخيص حين الاضطرار والاكراه، فالكفر بالنبي(ص) وأئمة الهدى أو البراءة منهم فإنّه يكون بطريق أولى جائز، كما سنبين ذلك بالنسبة إلى البراءة من مولانا أمير المؤمنين(ع)، اذ هي على تفصيل سيأتي ذكره بمشيئة الله سبحانه.
القسم الثالث: وقد تقسّم التقية بقسم آخر كالتقية الاجبارية والاكراهية، كعمل الشخص المجبور من قبل الجائر إكراهاً وجبراً لحفظ نفسه أو عرضه أو ماله أو حفظ الآخرين من ذوي النفوس المحترمة وأموالهم، ويسمى هذا القسم بالتقية الخوفية كالعمل على فتوى أهل السنة كما هو ديدن الأقلية في اُمور معاشهم مع الأكثرية لحفظ أنفسهم. وقد تكون بمعنى التقية الكتمانية وهي كتمان العقيدة والمذهب والمسلك من جهة الوصول إلى الهدف في المستقبل، حينما يكون ضعيفاً بالفعل ولم يكن الوقت مناسباً لنشر مذهبه. وقد تكون بمعنى التقية المداراتية أو المجاملية وذلك لأجل كسب التحبّب والتودد والمداراة، ولو لم يكن هناك خوف في البين وشرّعت لزوال المنافرة، بل لأجل التآلف والتحابب بين المسلمين. وقد وردت روايات بالنسبة إلى هذا القسم من التقية فيها تفصيلات وتنويعات سوف نأتي على فلسفة نكاتها إن شاء الله تعالى، فاليك هنا ما يسع الحديث في بدايته، وسنوافيك بالباقي في ثنايا البحث وأطرافه بمشيئة الله تعالى.
وقبل: أن نذكرها نقول: إنّه قد اُستشكل في المقام بأنّها ترجع إلى الخوف، وأنّه لو لم يعمل بالتقية بعد ما كانت المداراة سبباً للتحبب ووحدة الكلمة يُخاف على التفرقة بين المسلمين، أو يُخاف على نفس المتقي، أو على بيضة الاسلام وتسلّط الكفار.
ولكن الحق أنّ نفس التحبب والتآلف يكون مطلوباً ولو لم يترتب عليه أي ضررٍ من التفرقة والعداوة.
وأمّا روايات التقية المداراتية: ففي رسالة الامام أبي عبدالله الصادق(ع) إلى أصحابه قال: (وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وايّاكم ومماظتهم، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ...) الحديث.
ومنها: عن سفيان بن سعيد قال: (سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق(ع) يقول: عليك بالتقية فإنّها سنّة ابراهيم الخليل(ع) ـ إلى أن قال: ـ وإنّ رسول الله(ص) كان إذا أراد سفراً دارى بعيره، وقال(ص): أمرني ربي بمداراة الناس، كما أمرني باقامة الفرائض، ولقد أدبه الله عزّ وجلّ بالتقية فقال: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلاّ الذين صبروا ... الآية، يا سفيان من استعمل التقية في دين الله فقد تسنّم الذروة العليا من القرآن، وأنّ عزَّ المؤمن في حفظ لسانه، ومن لم يملك لسانه ندم...) الحديث.
ومنها أيضاً قوله(ص): (عليكم بالتقية فإنّه ليس منّا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجيّته مع من يحذره).
وعن عمار بن أبي الاحوص قال: (قلت لأبي عبدالله(ع) ـ إلى أن قال: ـ إن امامتنا بالرفق والتآلف والوقار والتقية وحسن الخلطة والاجتهاد، فرغّبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه).
وعن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله(ع) أنّه قال: (من صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله(ص) في الصف الأوّل).
وعن اسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبدالله(ع): يا اسحاق أتصلّي معهم في المسجد؟ قلت: نعم، قال: صل معهم، فإنّ المصلّي معهم في الصف الأوّل كالشاهر سيفه في سبيل اللهn.
وعن عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: (اُوصيكم بتقوى الله عزّوجلّ، ولاتحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إنّ الله تبارك و تعالى يقول في كتابه: وقولوا للناس حسناً، ثمّ قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم).
وعن زيد الشحام عن أبي عبدالله(ع) أيضاً أنّه قال: (يازيد خالق الناس باخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه).وعن عبدالله بن سنان عنه(ع) أنّه قال: (ما من عبدٍ يصلّي في الوقت ويفرق ثمّ يأتيهم ويصلّي معهم وهو على وضوء إلاّ كتب الله له خمساً وعشرين درجة) و... . وكما أكدنا آنفاً إنّنا سنشير إلى جملة من التفسير للآيات الواردة في المقام كما في الروايات، فارتقب ولن يطول انتظارك باذن الله سبحانه وتعالى.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com