موارد التقية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

لايخفى أنّ التقية إمّا أن تكون في الفتوى أو في العمل أو في كليهما، والتقية تارة تكون في اتقاء المفتي نفسه، كما ورد في دعائم الاسلام: وقد روينا عن علي بن الحسين(ع) أنّه سُئل عن المسح على الخفين، فسكت حتى مرَّ بموضع فيه ماء والسائل معه، فنزل وتوضأ ومسح على خفيه وعلى عمامته، وقال: هذا وضوء مَن لم يحدث.

واُخرى تكون على نفس المستفتي كما في قضية علي بن يقطين، فقد روي أنّه كتب إلى الامام الكاظم(ع) يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن(ع): (فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، ولاتخالف ذلك إلى غيره، فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجَّب مما رسم له أبو الحسن(ع) مما جميع العصابة على خلافه. ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا امتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة إمتثالاً لأمر أبي الحسن(ع)، وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنّه رافضي، فامتحنه الرشيد من حيث لايشعر، فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة، وصلحت حاله عنده. وورد عليه كتاب أبي الحسن(ع) ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين وتوضأ كما أمرك الله تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة، واُخرى اسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك والسلام).

وعن داود الرقي قال: (دخلت على أبي عبدالله(ع) فقلت له: جعلت فداك كم عدّة الطهارة؟ فقال: ما أوجبه الله فواحدة، وأضاف إليها رسول الله(ص) واحدة لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له، أنا معه في ذا حتى جاءه داود بن زربي فسأله عن عدّة الطهارة، فقال له: ثلاثاً ثلاثاً، مَن نقص عنه فلاصلاة له، قال: فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبدالله(ع) إليه وقد تغير لوني فقال: اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق، قال: فخرجنا من عنده، وكان ابن زربي الى جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد القي الى أبي جعفر أمر داود بن زربي، وأنّه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد، فقال أبو جعفر المنصور: إنّي مطلع إلى طهارته، فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمّد ـ فإنّي لأعرف طهارته ـ حققت عليه القول وقتلته، فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لايراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبدالله(ع)، فما تمَّ وضوؤه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه، قال داود: فلمّا إن دخلت عليه رحّب بي وقال: يا داود قيل فيك شيء باطل، وما أنت كذلك قد اطلعت على طهارتك، وليس طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حلّ، وأمر له بمائة ألف درهم، قال: فقال داود الرقي: التقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبدالله(ع)، فقال داود بن زربي: جعلت فداك حقنت دمائنا في دار الدنيا ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة، فقال أبو عبدالله(ع): فعل الله ذلك بك وباخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبدالله لداود بن زربي: حدّث داود الرقي بما مرّ عليكم حتى تسكن روعته، فقال: حدثته بالأمر كله، قال: فقال أبو عبداله(ع): لهذا أفتيته، لأنّه كان قد أشرف على القتل من يد هذا العدو، ثمّ قال يا داود بن زربي: توضأ مثنى مثنى، ولاتزدنّ عليه، فانّك إن زدت عليه فلاصلاة لك).

وروى عن سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله(ع): إنّ رجلاً مات وأوصى إليَّ بتركته وترك ابنته، قال: فقال لي: اعطها النصف، قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتقاك، إنّما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله انّ أصحابنا زعموا أنّك اتقيتني، فقال: لا والله ما اتقيتك، ولكني اتقيت عليك أن تضمن، فهل علم بذلك أحد؟ قلت: لا، قال: فاعطها ما بقي.

وثالثاً: أن يكون الاتقاء على شخص ثالث أو لكليهما من المؤمنين أو المسلمين، وقد يكون الشخص الذي يعمل معه التقية من الأشخاص العاديين، وقد يكون من الرؤساء أو من يعتقد خلاف المذهب من امراء وسلاطين، بل إذا كان من قضاتهم، وقد يكون مع الامراء والسلاطين ولو كانوا من الشيعة ظاهراً ولكنهم لم يعملوا بأحكام الشيعة، والعمل الذي لابد من التقية فيه قد يكون في فعل الحرام وقد يكون في ترك الواجب، ودلالة الروايات عليه بكثرة وسيأتي قسم منها مع البحث مفصلاً كما قد تقدم قسم منها أيضاً.