نبذة عن حياة أبي الأسود

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

هو ظالم بن عمرو بن سليمان بن جند الدُؤلي الكناني، واضع علم النحو كان معدودا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب من التابعين([1]) والملقّب بـ( أبو الأسود) وقيل اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن خلس بن يعمر بن نفاته بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة([2]).
وقال في الأغاني: هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن ياس بن مقتر بن نزار([3])، وأمه الطويلة من بني عبد الدار بن قصي([4]).
والدُئل كما في مجمع البحرين([5]): دويبة تشبه اُم عرس، ومنه قول الشاعر
جاؤوا بجيش لو قيس معرسه
ما كان إلا ّ كمعرس الدُئِل
ويقال: ديلي([6])، اي :ظالم بن عمر بن سفيان بن جندل الديلي بكسر الدال وفتح الياء بعدها، ويقال الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة نسبة إلى الدئل بكسر الهمزة، وهي قبيلة من كنانة.
وقال ابن خلكان في اسمه ونسبه اختلاف كثير([7])، وقال جلال الدين السيوطي في المزار: قال أبو الطيب اللغوي أختلف في اسمه فقال عمرو بن شيبة اسمه: عمرو بن سفيان بن ظالم وقال الجاحظ اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان وقال أيضا الدؤلي من ولد دؤل بن مكي بن كنانة، وقال السيرافي في طبقاته: وقيل في الدؤلي بالفتح كما قيل في النمر نمري استثقالا للكسرة، ويجوز تخفيف الهمزة بالدئلي بقلب الهمزة واوا لخفته، لأن الهمزة إذا فتحت وقبلها ضمة خففت لقلبها واوا انتهى([8]).
وقال في المغرب قال أبو حاتم: سمعت الأخفش يقول: الدوئلي بضم الدال وكسر الواو المهموز دويبة شبيه بـ(ابن عرس).
وقال: لم أسمع بفُعَلْ في الأسماء والصفات غيره، وبه سمّيت قبيلة أبي الأسود الدُئَلي([9])، وقال الجوهري في الصحاح: الدُئِل بهمزة مكسورة، وأما الدؤلي فتفتح استيحاشاً لتوالي الكسرات([10]).
مولده
ولد أبو الأسود قبل البعثة بثلاث سنوات، وقيل قبل الهجرة بـ(16)عاماً، وذهب أكثر المؤرخين إلى أن عمره حينما أدركته الوفاة عام 69 هـ كان خمساً وثمانين سنة و عليه يكون قد ادرك حياة الرسول(ص) وعن أبي عبيدة: انه شهد بدراً مع المسلمين([11]).
طبقته ورواياته
يعدّ أبو الأسود من الفقهاء والمحدّثين والأشراف والفرسان والأمراء الحاضري الجواب ثقة في حديثه كما ذكره السيوطي في طبقات النحاة([12]).
قال: قال ابن خلكان:
(كان من سادات التابعين و أعيانهم صحب عليـا وشهد معه صفين )، بل (من أصفياء أمير المؤمنين وأصحاب السبطين والســــــجادG  وإجلائهم)([13]) قال ابن منظور: (كان أبو الأسود من أفصح الناس، وعـــن يحيى بن معين: ثقة وعن ابن منجويه شهد مع علي صفين)([14]) و (قال ابن حجر : فاضل، مخضرم)
وروى عن أبي بن كعب عن كتاب الرد على أهل القدر والزبير بن العوام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود في الرد على أهل القدر، وعن علي بن أبي طالب(ع) في سنن أبي داود والترمذي وخصائص أمير المؤمنين(ع)، وابن ماجة وعمر بن الخطاب في البخاري والترمذي وسنن النسائي، وعمران ابن حصين في صحيح مسلم، وفي كتاب الرد على أهل القدر ومعاذ بن جبل في سنن أبي داوود وأبي ذر الغفاري في كتب السنة وأبو موسى الأشعري في صحيح مسلم.
وروى عنه سعيد بن عبد الرحمن بن رفيش في كتاب الرد على أهل القدر وعبد الله بن بريدة في البخاري والترمذي وابن ماجة والنسائي وأبي داوود وعمر بن عبد الله مولى عفرة في كتاب الرد على أهل القدر ويحيى بن يعمر في البخاري([15]).
وقد كان راويا من رواة الحديث ومما رواه عنه (ع) أنه قال: في بول الجارية يغسل وفي بول الغلام ينضح ما لم يأكلا الطعام([16]) وله روايات كثيرة في أبواب الفقه والعقائد.
إسلامه
­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­
كان ممن أسلم على عهد النبي(ص) وروى أبو عبيدة أنه شهد بدراً مع المسلمين([17])وهاجر إلى البصرة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وسكن فيها وله بها مسجد خاص باسمه([18]) ولو انه اشتهر في عصر عمر وعثمان، ولكنه لم يشتهر ولم يعرف الا في عهد أمير المؤمني (ع)فقد وصل في عهده من المنزلة اشرفها واسماها وأرفعها، وكان الوسيط في حرب الجمل بين أمير المؤمنين(ع) وطلحة والزبير وعائشة، وكان محل ثقة عند علي(ع)، وكان شيعياً حقيقياً مخلصاً ثقة في حديثه كما ذكره السيوطي في طبقات النحاة([19]).
تشيّعه
هو أحد الأئمة في اللغة والأدب العربي، من الطبقة الأولى من الشعراء، ومن السادات التابعين، وكان أكمل الرجال رأياً وأسدهم عقلاً وهو شيعيٌ، والتشيع يعني: الأتباع والأعانة والنصرة وشيعة علي هم تابعوه، وشايعته في الأمر أي تابعته وفي النهاية أصل الشيعة أي الفرقة من الناس وتقع على الواحد والأثنين والجمع المذكر والمؤنث بلفظ واحد وغلب هذا الاسم على من يزعم أنه يوالي علياً وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً في مذهب الشيعة. وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة. أنتهى كلامه([20]).
ولايصدق الا على كل من يعتقد بأن عليا(ع) الخليفة بعد الرسول (ص) بلا فصل وقد تعين بالنص، والمختار من قبل الله حيث ان الله أمر النبي أن يبلغ بأنه قد اختار عليا خليفة.
ويقول الشهرستاني: ان الشيعة هم الذين شايعوا علياً على الخصوص بالإمامة له وخلافته نصاً ووصية([21]).
اذاً الإمام هو الذي انتخبه الله في نظر الأمامية، وهو يتولى الحكم لا من انتخبه الناس وهو يحكم بإرادته ـ جلّ وعلاـ ويكون في نظرهم حديث الغدير الذي نقل بالتواتر نصا في خلافة أمير المؤمنين(ع) (وكان أبو الأسود الدؤلي من كبار الشيعة كما نقل عن الجاحظ وغيره ممن ذكره) وبالمناسبة لا بأس في ذكر الشيعة وأوصافهم بعد أن كانوا هم على الحق إذ اختاروا من اختاره الله لا من أختاره الناس.
وفي الخصال عن أبي جعفر(ع) قال: إنما شيعة علي الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم ،خميصة بطونهم، متغيرة ألوانهم، مصفرة وجوههم، اذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون([22]).
وروى عن أمير المؤمنين(ع)انه خرج ذات ليلة من المسجد وكانت ليلة قمراء، فأم الجبانة ولحقه جماعة يقفون أثره فوقف عليهم ثم قال: من أنتم ؟ قالوا شيعتك ياأمير المؤمنين فتفرس في وجوههم ثم قال: فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا وما سيماء الشيعة ياأمير المؤمنين؟ قال: صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين([23]).
وعن أمالي الطوسي عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد(ع) وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً. قولوا للناس حسناً واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبح القول([24]).
كان أبو الأسود الدؤلي من المحبين لعلي أمير الؤمنين(ع)، والقائلين بولايته، وشهد معه الجمل وصفين وأكثر مشاهده([25]).
وروى ابن عبد ربه: ان علياً عند ما اضطرّ الى التحكيم همً أن يقدم أبا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه([26]) وروى السيد المرتضى: انّ أبا الأسود دخل يوماً على معاوية بالنخيلة: فقال له معاوية: أكنت ذُكرتَ للحكومة؟ قال: نعم، قال: فما ذا كنت صانعاً؟
قال: كنت أجمع ألفاً من المهاجرين وأبنائهم، وألفاً من الأنصار وأبنائهم، ثم أقول: يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحقّ أم من الطلقاء؟([27])، ويشابه ذلك ما في العقد الفريد([28])، ونقل عن زهر الربيع انه ضحك معاوية ثم قال اذن والله ما أختلف عليك اثنان([29]) وفي ربيع الأبرار أنّ معاوية أهدى إليه هديّة ومن جملتها الحلوى، فلما نظرت إليها ابنته قالت لأبيها: من أين هذه الهدايا؟
قال: بعثها إلينا معاوية يخدعنا عن ديننا، فأنشدت ابنته بيتين:
أبا الشهد المزعفر يا بن حرب
نبيع عليك أحساباً وديناً
معاذ الله كيف يكون هذا
ومولانا أمير المؤمنينا([30])
واسند الشيخ منتجب الدين في كتابه الأربعين: عن علي بن محمد قال: رأت ابنة أبي الأسود الدؤلي بين يدي أبيها خبيصاً([31]).
فقالت: يا أبة أطعمني،
فقال: افتحي فاك ففتحت، فوضع فيه مثل اللوزة، ثمّ قال: عليك بالتمر، فانّه أنفع وأشبع، فقالت: هذا أنفع وأشبع، فقال: هذا طعام بعثه إلينا معاوية يخدعنا عن علي بن أبي طالب، فقالت: قبّحه الله أيخدعنا عن السيد المطهّر بالشهد المزعفر، تباً لمرسله وآكله، ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلته منه، وأنشأت تقول:
أبا الشهد المزعفر يا بن حرب
وقد مرّ البيتان([32])
وقال السيد الشريف المرتضىRفي أمإليه الغرر والدرر: روى محمد بن يزيد النحوي انّ أبا الأسود كان شيعياً، وكان ينزل البصرة في بني قشير، وكانوا يرمونه بالليل، فاذا أصبح شكا ذلك فشكاهم مرّة فقالوا: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك، فقال: كذبتم لو كان الله يرميني لما أخطأني، قال: ونازعوه الكلام فأنشأ يقول:
يقول الأرذلونَ بنو قُشَيرٍ
طوالَ الدهرِ لا تنسى عليا
أُحبُّ محمداً حُبّاً شديداً
وعباساً وحمزةَ والوصّيا
أحبُّهُمُ لحبَّ اللهِ حتى
أجيءَ اذا بُعِثتُ على هَويّا
فان يكُ حبُّهم رشداً أُصِبْهُ
ولست بمخطىءٍ ان كان غيّا([33])
 وروي بشكل آخر مع إختلاف يسير قال: كان أبو الأسود نازلاً بني قشير، فكانوا يؤذنه ويسبونه وينالون من عليّ(ع) بحضرته ليغيظوه ويرموه بالليل، فاذا أصبح قال لهم: أي جواز هذا؟
فيقولون له: لم نرمك انّما رماك الله لسوء مذهبك وقبح دينك، فقال:
يقول الأرذلون بنو قشير
طوال الدهر لا تنسى عليا
فقلت لهم وكيف يكون تركي
من الاعمال مفروضا علياً
الى أن قال :
فان يك حبهم رشدا أصبه
ولست بمخطئ ان كان غيا
فقالوا له: شككت في صاحبك في بيتك هذا ــ أي فان يك حبهم... ألخ ــ  فقال: أما سمعتم قوله عزوجل: [وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ] أفترون الله شك([34])، وروى الزمخشري هذين البيتين لأبي الأسود:
أمفنّدي في حبِّ آل محمدٍ
حجرُ بفيكَ فدعْ ملامَك أوزدِ
مَن لم يكن في حبهِّم متمسّكاً
فليُعرَفنْ بولادةٍ لم ترشد([35])
 وقيل: إنّ زياداً قال له يوماً: كيف أنت في حبّ عليّ؟
قال: كما أنت في حبّ معاوية، إلا أنّي أطلب بحبّ علي ثواب الآخرة، وأنت تطلب بحبّ معاوية حطام الدنيا، ومثلك في ذلك قول عمرو بن معدي كرب:
أحبَ دماءَ بني مالكٍ
وراقَ المعلى بياضَ اللبن
خليطانِ مختلفٌ شأننا
أريدُ العلىّ ويهوى السمن([36])
وروى الزمخشري في ربيع الابرار: أن زياد بن أبيه سأل أبا الأسود عن حبّ علي؟
فقال: حبّ علي يزداد في قلبي كما يزداد حبّ معاوية في قلبك، وأني أريد الله والدار الآخرة بحبّي لعلي، وتريد الدنيا وزينتها بحبّك لمعاوية([37]).
وفي بعض الروايات أنك تريد بما انت فيه من حب الدنيا وزخرفها وذلك زائل بعد قليل.
فقال زياد: انك شيخ كبير قد خرفت ولو أني أتقدم اليك انكرتني. فقال أبو الأسود:
غضبَ الأمير بأنْ صدقتُ وربما
غضِبَ الأمير على البريءِ المسلمِ([38])
وجاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني: روي أنه قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية بعد مقتل علي(رضي الله عنه) وقد استقامت لمعاوية البلاد فأدنى مجلسه وأعظم جائزته، فحسده عمرو بن العاص، فقدم على معاوية فأستأذن عليه في غير وقت الإذن فأذن له.
فقال له معاوية: يا أبا عبد الله ما أعجلك قبل وقت الإذن؟
فقال يا أمير المؤمنين أتيتك لأمر قد أوجعني وأرقني وغاضني وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين قال: وما ذاك يا عمرو؟
قال: يا أمير المؤمنين إن أبا الأسود رجل مفوه، وله عقل وأدب ومن مثله للكلام يذكر وقد أذاع بمصرك من الذكر لعلي والبغض لعدوه، وقد خشيت عليك أن يترى في ذلك حتى يؤخذ لعنقك.
وقد رأيت ان ترسل إليه وترهبه وترعبه وتسبره وتحيره فأنكّ من مسألته على أحدى خيرتين: أما ان يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وأما ان يستقبلك فيقول ما ليس من رأيه فيحتمل ذلك عنه، فيكون لك في ذلك عاقبة صلاح ان شاء الله تعالى.
فقال له معاوية: أني أمرؤٌ والله لقلما تركت رأياً لرأى أمري قط إلا كنت فيه بين أن أرى ما أكره وبين بين ولكن إن ارسلت إليه فسئلته، فخرج عن مسألتي بأمر لا أجد عليه مقدماً ويملأني غيظا لمعرفتي بما يريد، وان الأمر فيه أن يقبل ما ابدي من لفظة فليس لنا أن نشرح صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانباً، فقال عمرو: انا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين وقد عرفت رأيّ ولست أرى خلافي، وما ألوك خبرا فأرسل إليه ولا تفرش مهاد العجز فتتخذه وطيئا.
فأرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثا، فرحب به معاوية وقال يا أبا الأسود خلوت أنا وعمرو فتناجزنا في أصحاب محمد(ص) وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين.
 فقال سل يا أمير المؤمنين عما بدى لك فقال: يا أبا الأسود أيهم كان أحب إلى رسول الله(ص)؟
فقال: أشدهم حبا لرسول وأوفاهم له بنفسه.
فنظر معاوية الى عمرو وحرك رأسه ثم تمادى في مسألته.
فقال يا أبا الأسود فأيهم كان أفضلهم عندك؟
قال: أتقاهم لربه وأشدهم خوفا لدينه.
فأغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال يا أبا الأسود فأيهم كان أعلم؟
قال: أقولهم للصواب وأفضلهم للخطاب.
قال يا أبا الأسود فأيهم كان أشجع؟
قال: أعظمهم بلاءا وأحسنهم عناءا وأصبرهم على اللقى.
قال: فأيهم كان أوثق عنده؟
قال: من أوصى إليه فيما بعده.
قال: فأيهم كان للنبي(ص) صديقا؟
قال : أولهم تصديقا.
فأقبل معاوية على عمرو، قال لا جزاك الله خيرا هل تستطيع ان ترد مما قال شيئا؟
فقال أبو الأسود: إني قد عرفت من أين أتيت فهل تأذن لي فيه.
فقال : نعم فقل ما بدى لك.
فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا الذي تراه، هجا رسول الله(ص) بأبيات من الشعر.
فقال رسول الله(ص): اللهم اني لا أحسن أن أقول الشعر فالعن عمروا بكل بيت لعنة، أفتراه بعد هذا نائلا فلاحا أو مدركا رباحا.
وأيم الله أن أمرا لم يعرف إلا بسهم أجيل عليه فجاله لحقيق ان يكون كلِيلَ اللسان ضعيف الجنان، مستشعرا للأستكانة، مقارنا للذل والمهانة، غير ولوج فيما بين الرجال، ولا ناظراً في تسطير المقال، ان قالت الرجال أصغى وأن قامت الكرام اقعى، متعيص لدينه العظيم دينه غير ناظر في أهبة الكرام، ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجة ظلماء مع قلة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار.
فقال عمرو: يا أخا بني الدؤل والله لأنت الذليل القليل ولو ما تَمُتُّ به من حسب كنانة لأختطفتك من حولك أختطاف الأجدل الحدية، غير أنك بهم تطول وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لساناً قوالا سيصير عليك وبالا، وأيم الله انك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا وما كنت قط بأشد عداوة منك الساعة وأنك لتوالي عدوه وتعادي وليه وتبغيه الغوائل وان اطاعني ليقطعن عنك لسانك، وليخرجن من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له أطراق الأفعوان في أصل الشجرة.
فتكلم معاوية، فقال يا أبا الأسود: أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك، وقال لعمر: فلم تغرق كما اغرقت ولم تبلغ بما بلغت غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء والباغي أظلم والثالث احلم، فأنصرفا عن هذا القول الى غيره، وقوما غير مطرودين.
 فقام عمرو هو يقول:
لَعمري لقد أعي القرونَ التي مضتْ
لغش ثوى بينَ الفؤادِ كمينِ
وقام أبو الأسود وهو يقول:
ألا ان عمرواً رام ليس خفيّة
وكيف ينال الذئبُ ليثَ عَرينِ([39])
وولاء أبي الأسود لأمير المؤمنين(ع) ومحبته له مما لا ينكر.
وروى المؤرخون ان عثمان ابن حنيف أيام حرب الجمل كان قد أوفد أبا الأسود في ضمن الموفدين للمفاوضة مع عائشة وطلحة والزبير وأيضا قيل إنه كان على رأس الجيش الذي أرسله عبد الله ابن عباس لقتال خوارج البصرة([40]).
وروي أنه لما خرج أبن عباس إلى المدينة من البصرة، تبعه أبو الأسود في قومه ليرده فأعتصم عبد الله بأخواله من بني هلال، فمنعوه وكادت تكون بينهم حرب فقال لهم بنوا هلال: ننشدكم الله ألا تسفكوا بيننا دماء حتى تبقى معها العداوة إلى آخر الأبد، وأمير المؤمنين أولى بأبن عمه فلا تتدخلو أنفسكم بينهما فرجعت كنانة، وكتب أبو الأسود الى علي(ع) فاخبره بما جرى فولاه البصرة.
وكان سبب خروج أبن عباس أنه أتى بأبي الأسود فقال: لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو كنت راعيا لما بغلت المرعى.
فكتب أبو الأسود الى علي(ع): (أما بعد فأن الله عزوجل جعلك والياً مؤتمناً وراعيا مستوليا فقد بلوناك، فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للرعية، توفر لهم فيئهم وتكف نفسك عن دنياهم، ولاتأكل أموالهم، ولا ترشي في حكامهم، وان ابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك ولم يسعني كتمانك رحمك الله فأنظر فيما هناك وأكتب إلي برأيك فيما أحببت)
 فكتب إليه علي(ع):(أما بعد فمثلك نصح الإمام والأمة وولى على الحق، وقد كتبت الى صاحبك فيما كتب إلي ولم أعلمه بكتابك فلا تدع إعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه صلاح الأمة فإنك بذلك جدير وهو حق واجب)([41])وكان علي بن أبي طالب(ع) استكتب زياد ابن ابيه، فجعل زياد يَتْبعُ أبا الأسود عند علي(ع) ويقع فيه، ويبغي عليه، فلما بلغ ذلك أبا الأسود قال فيه:
رأيت زيادا ينتحيني بشرِّه
وأعرضُ عنه وهو بادٍ مقاتلُه
وكل أمريء والله بالناسِ عالمٌ
له عادةٌ قامت عليها شمائلُه
تعودها فيما مضى من شبابه
كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُه
ويعجبُه صَفحي له وتجمُّلي
وذو الجهلِ يحذو الجهلَ من لا يعاجلُه
فقلت له دعني وشأني إننا
كلانا له معمل هو عاملُه
فلولا الذي قد يرتجا من رجائه
لجربت مني بعض ما أنت جاهلُه
لجربت أني أمنح الغيَّ مَن غوى
عليّ وأجزي ما جزى وأطاولُه([42])
وقال لزياد أيضا في ذلك:
نبئت ان زياداً ظل يشتمني
القول يكتبُ عندَ اللهِ والعملُ
وقد لقيتُ زيادا ثم قلتُ له
وقبل ذلك ما خبت به الرسلُ
حتام تسرِقُني في كل مجمعةٍ
عرضي وانت اذا ما شئتَ منتقلُ
كل أمريء سائرٌ يوما لشيمتهِ
في كل منزلةٍ يَبلى بها الرجلُ([43])
نـعيه
ورثـــائه لأمــير المؤمنـين (ع)
روى أبو الفرج في أغانيه، عن أبي بكر الهذلي قال:
 أتى أبا الأسود نعيُ أمير المؤمنين(ع) وبيعة الحسن(ع)، فقام على المنبر فخطب الناس ونعى لهم علياً(ع).
فقال: وإن رجلاً من أعداء الله لمارقٌ عن دينه اغتال أمير المؤمنين (كرم الله وجهه ومثواه في مسجده) وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر، فقتله.
فيالله هو من قتيل، وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت الى الله تعالى بالبر والتقوى والإيمان والإحسان، لقد أطفئ بقتله نور الله في أرضه، لا يبين بعده أبداً، وهدم ركن من أركان الله تعالى لا يشاد مثله.
 فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين وعليه السلام ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حياً، ثمّ بكى حتى اختلفت أضلاعه.
 ثم قال:
(وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله(ص) وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، وإنّي لأرجو أن يجبر الله به ما وَهى، ويسدّ به ما انثلم، ويجمع به الشمل، ويطفئ به نيران الفتنة فبايعوه ترشدوا)([44]).
 وقال أبو الأسود في رثاء علي(ع):
ألا يا عين ويحكِ فاسعدينا
ألا فابكي أمير المؤمنينا
رزئنا خيرَ مَن ركبَ المطايا
وفارسَها ومَن ركبَ السفينا
ومن لبس النعالَ ومَن حذاها
ومَن قرأ المثانيَ والمِئينا
فكل مناقبِ الخيراتِ فيه
وحبُّ رسولِ ربِّ العالمينا
وكنّا قبلَ مقتلِه بخيرٍ
نرى مولى رسولِ اللهِ فينا
يقيمُ الدينَ لا يرتابُ فيه
ويقضي بالفرائضِ مستبينا
ويدعو للجماعةِ مَن عصاهُ
وينهكُ قطعَ أيدي السارقينا
وليس بكاتمٍ علماً لديه
ولم يخلقْ من المتجبّرينا
ألا أبلغْ معاويةَ بنِ حربٍ
فلا قرّت عيونُ الشامتينا
أفي شهرِ الصيامِ فجعتمونا
بخيرِ الناسِ طُرّاً أجمعينا
ومَن بعدَ النبي فخيرُ نفسٍ
أبو حسنٍ وخيرُ الصالحينا
لقد علمتْ قريشٌ حيث كانت
بأنك خيرُها حَسَباً ودِينا
اذا استقبلتُ وجه أبي حسين
رأيتُ البدرَ راق الناظرينا
كأن الناسَ إذ فقدوا علياً
نعام جال في بلدٍ سنينا
فلا والله لا أنسى علياً
وحسنَ صلاتِه في الراكعينا
وتبكي أًمّ ُكلثوم عليه
بعبرتِها وقد رأتْ اليقينا
ولو انّا سُئلنا المالَ فيه
بذلنا المالَ فيه والبنينا
فلا تشمت معاويةُ بنَ حربٍ
فانّ بقيةَ الخلفاءِ فينا
إلى ابن نبينا والى أخينا
فلا نعطي زمامَ الأمرِ فينا
سواء الدهر آخر ما بقينا
وانّ سُراتَنا وذوي حِجانا
تواصوا ان نجيبَ اذا دُعينا
بكل مهندٍ عضْبٍ وجردٍ
عليهنّ الكماةُ مسوّمينا([45])
ج
له رثاء آخر لأمير المؤمنين(ع):
يامن بمقتِلِه دهى الدهرُ
قد كان منك ومنهم أمرُ
زعموا قُتِلتَ وعندهم عذرُ
كذبوا وقبرِك مالَهم عذرُ
يا قبرَ سيدِنا المجن سماحةً
صلى عليك الله يا قبرُ
ما ضرّ قبراً انتَ ساكنُه
ان لايمرَّ بأرضِه القطرُ
فليعدِلَنّ سماحَ كفِّكَ قطرُه
وليروقن بقربِكَ الصخرُ
واذا رقدت فأنتَ منتبهٌ
ج
واذا انتبهتَ فوجهُكُ البدرُ
ج
واذا غضِبتَ تصدّعتْ فرقاً
منك الجبالُ وخافَك الذُّعرُ
يا ساكنَ القبرِ السلامُ على
من حال دونَ لقائِه القبرُ
يا هاجري إذ جئتُ زائرَه
ما كان من عاداتِك الهَجْرُ
والله لوبكى لم ادع أحداً
الا قتلتُ لفاتني الوترُ([46])
جج
وله في رثاء الامـــــام الحسين(ع) ومن استــــشهد معـــه من بــني هـــاشم:
أقول لعاذلتي مرةً
وكانت على ودِنّا قائمة
اذا أنتِ لم تبصري ما أرى
فبيني وانتِ لنا صارمه
الستِ ترَينَ بني هاشم
افنتهم الفئة الظالمة
ج
وانت تزّينّهم بالهدى
وبالطفَ هامُ بني فاطمة
فلو كنتِ راسخة في الكتا
ب بالأحزابِ خابرةً عالمة
علمتِ بأنهم معشرٌ
لهم سبقت لعنةُ حاتمة
سأجعلُ نفسي لهم جُنّةً
فلا تُكثري بي من اللائمة
ارجي بذلك حوضَ الرّسو
لِ والفوزَ والنعمةَ الدائمَة
لتهلك ان هلكت برّةَ
وتخلص ان خلصت غانمة([47])
أما في رثاء بني هاشم:
يا ناعي الدين الذي ينعى التقى
قم وانعَهُ والبيتَ ذا الاستارِ
ابني علّي آل بيت محمدٍ
بالطف تقتلُهم جفاةُ نزارِ
ج
سبحان ذي العرش العليِّ مكانُه
أنّى يكابِرُه ذوو الأوزارِ
ابني قشير إنني أدعوكُمُ
ج
للحقِّ قبلَ ضلالةِ وخسارِ
قودوا الجياد لنصرِ آل محمدٍ
ليكونَ سهمُكم مع الانصارِ
كونوا لهم جنناً وذودوا عنهم
أشياع كلِّ منافقٍ جباّرِ
وتقدموا في سهمِكم من هاشمٍ
خيرِ البريةِ في كتابِ الباري
بهم اهتديتُم فأكفروا إن شئتمُ
وهم الخيار وهم بنو الاخيارِ([48])      
حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الزبير عن عمه مصعب بن عبد الله قال: خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطف وهي تقول:
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم
ماذا فعلتم وكنتم أخرَ الأممِ
بأهل بيتي وأنصاري وذريتي
منهم اسارى وقتلى ضُرجوا بدمي
ما كان ذاك جزائي اذ نصحتُ لكم
ان تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
فقال أبو الأسود الدؤلي نقول: ربنا ظلمنا أنفسنا... الأية ، ثم قال أبو الأسود الدؤلي اقول :
وزادني جزعا وغيضا
أزال الله ملك بني زيادِ
ج
وأبعدَهم كما غدروا وخانوا
كما بعُدَت ثمودٌ قومُ عادِ
و لارجعت ركابُهم إليهم
ج
إذا قفت إلى يومِ التنادِ
(1) الأعلام ج3 ص236 / خير الدين الزركلي
(2) الطبقات الكبرى ج7 ص99 /محمد بن سعد
(3) الأغاني 12/297
(4) الطبقات 1/453
(5) مجمع البحرين مادة دؤل
(6) رجال الشيعة في أسانيد السنة ص202.
(7) أحاديث أم المؤمنين عائشة ج1 ص202
(8) كتاب الأربعين الشيخ الماحوزي ص 463.
(9) نقله عنه في تأسيس الشيعة (للسيد حسن الصدر) ص46
(10) الصحاح: ج4 ص170
(11) الأغاني12/297
(12) نقله عنه في تأسيس الشيعة ص44.
(13) اختيار معرفة الرجال ج2 /ص476 الشيخ الطوسي.
(14) رجال الشيعة في أسانيد السنة /ص202 الشيخ الطبرسي.
(15)المصدر السابق.
(16) الأغاني ج12 ص300.
(17) الأغاني 2/297.
(18) اللباب ج1/430.
(19) نقله في تأسيس الشيعة: ص44. رجال الشيعة في أسانيد السنة ص202.
(20) الزيادات في النهاية (شيع)
(21) الملل والنحل( انظر كتاب الغدير)
(22) سفينة البحار: ج4، ص547.
(23) سفينة البحار: ج4، ص547.
(24) سفينة البحار: ج4، ص547 انظر السفينة تجد ما نجد في وصف الشيعة والخصال الحسنة التي فيهم.
(25) وفيات الأعيان ج2 ص216.
(26) العقد الفريد ج4 ص346.
(27) الأمالي ج1 ص291.
(28) العقد الفريد ج4 ص349.
(29) زهر الربيع ص22.
(30) نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص55.
(31) الخبيص: الحَلواءُ المخبوطة معروف، والخبيصة أخصًّ منه . لسان العرب ج5: ص12
(32) نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص55.
(33) أمالي المرتضى ج1 ص292-293.
(34) قاموس الرجال ج5 ص173.
(35) نقله عنه في قاموس الرجال: ج5، ص173.
(36) المصدر السابق
(37) نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص44.
(38) نور القبس: ص10.
(39) الأغاني ج12 ص322
(40) تاريخ الطبري ج4 ص461-462.
(41) وقد ذكر في نفائس المخطوطات ص9 تحقيق العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين Dأنه لم يولَّ علي أبا الأسود مباشرة على البصرة وإنما الوالي عبد الله ابن عباس فلما شخص عبد الله الى الحجاز أستخلف أبا الأسود الدؤلي ولم يزل كذلك حتى قتل عليB ولكن الحق أنه استعمله علي على البصرة بعد ابن عباس، الأغاني: ج12 ص297.
(42) الأغاني: ج12 ص311.
(43) الأغاني: ج12 ص312.
(44) نقله عنه في قاموس الرجال: ج5 ص171 – 172.
(45) أعيان الشيعة: ج7، ص403.
 (46)
(47) المصدر السابق.
(48) ديوان أبي الأسود: ص298.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com