مسألة: 3_4

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

(مسألة ـ 3) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في للتطهير على الاقوى، وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها، وأما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا([1])
(مسألة ـ 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل من بول غير للرضيع للغسل مرتين([2])
وأما من بول للرضيع غير المتغذي بالطعام فيكفي صب الماء مرة، وان كان المرتان أحوط([3])
وأما المتنجس بسائر النجاسات عدد الولوغ فالاقوى كفاية الغسل مرة بعد زوال العين، فلا تكفي الغسلة المزيلة لها الا أن يصب الماء مستمراً بعد زوالها، والأحوط للتعدد في سائر النجاسات ايضا، بل كونهما غير للغسلة المزيلة([4])
[1].  الذي يدل على ما ذكره «قده» في هذه المسألة هو اطلاقات ادلة غسل النجاسات بالماء، فانها وان كانت تقيد بكون الماء طاهراً حسب الارتكاز العرفي وأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له» ولكنه لا تقييد فيها من حيث الاستعمال في الاستنجاء أو في تطهير سائر النجاسات بل مطلق من هذه الجهة، فلا مانع من استمالها في تطهير سائر النجاسات.
وأما ما يقال من أن كونه كذلك لا اقل من انه يوجب الشك في كونه مطهراً فيجرى استصحاب نجاسة المتنجس المغسول به. ففيه انه مع شمول إطلاقات أدلة التطهير بالماء لا يبقى شك في عالم التشريع كي تستصحب النجاسة، فان الاطلاقات حاكمة على دليل الاستصحاب.
وأما دعوى انصراف الاطلاقات عن الماء المستعمل في الاستنجاء أو في رفع سائر النجاسات، فدعوى بلا بينة ولا برهان، وقياسه على الانصراف عن الماء النجس باطل ومع الفارق.
وأما الاستدلال على عدم شمول الاطلاقات للماء المستعمل بموثق عمار عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن الكوز والاناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر.
بأن يقال: لو كان التطهير بالماء المستعمل في تطهير النجاسات جائزاً لما كان وجه للأمر بالتفريغ، بل كان له أن يحرك ذلك الماء ثلاث مرات في جميع المواضع النجسة كي تتحقق الغسلات الثلاث.
ففيه: انه لا تدل الموثقة على عدم جواز التطهير بذلك الماء بعد التفريغ وأما الأمر بالتفريغ ـ وإن كان يدل على عدم كفاية تحريك الماء الأول ثلاث مرات وعلى عدم حصول التطهير به ـ إلا أنه ليس من جهة ان الماء المستعمل في ازالة النجاسة لا يرفع به النجس ثانياً، بل من جهة حصول تعدد الغسلات، إذ ظاهر الغسلات المتعددة هو أن يكون الماء في كل غسلة غيره في الغسلة السابقة عليه، فالغسل الجديد لا يتحقق إلا بماء جديد.
هذا كله بناءاً على القول بطهارة الغسالة، وأما بناءاً على القول بالنجاسة ـ كما اخترناه في محله ـ فمعلوم أن الماء النجس لا يكون مطهراً، لما تقدم من الارتكاز العرفي بأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له، فلا يجوز استعماله في التطهير، اي لا يحصل به طهارة المغسول.
وأما بناءاً على وجوب الاجتناب عنها احتياطاً، فان كان لا يثبت به نجاسة المتنجس المغسول به واقعاً بل تابع للواقع، فان كانت الغسالة في الواقع نجسة يكون المغسول به واقعاً نجساً، وإلا فلا. ولكن حيث انه يكون مورداً للشك لوجود كلا الاحتمالين، فيجرى استصحاب بقاء نجاسة المتنجس المغسول بذلك الماء.
[2].  هذا هو المشهور بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهناك قول آخر بالاكتفاء بالمرة، ونسب هذا القول إلى الشهيد وإلى الشيخ في المبسوط وإلى العلامة تارة مطلقاً وأخرى مع التفصيل بين الجاف فمرة وغيره فمرتان، كما انه في المعتبر نسب المرتين إلى علمائنا، وهذه العبارة مشعره بالاجماع. فالاقوال ثلاثة: مرتين مطلقا، ومرة واحدة مطلقا، والتفصيل بين الجاف وغيره.
وعلى كل حال حيث ان مدرك الاقوال هو اختلاف الأخبار فلنذكرها كي نرى على أي واحد منها تدل:
فمنها ـ صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السلام عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب ـ 2 ـ الحديث 1.)
ومنها ـ صحيح ابن ابي يعفور قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب ـ 1 ـ الحديث 2.)
ومنها ـ حسنة حسين بن ابي العلاء سألت ابا عبدالله عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين، فانما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال عليه السلام: اغلسه مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب 1 ـ الحديث 4.)
وسألته عن الصبي يبول على الثوب؟ قال عليه السلام: نصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب 3 ـ الحديث 1.)
ومنها ـ خبر ابي ابن مسلم الآخر عن احدهما عليهما السلام قال: سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب ـ 1 ـ الحديث 1.)
ومنها ـ المروي عن جامع البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال عليه السلام: صب عليه الماء مرتين، فانما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب 1 ـ الحديث 7.)
ومنها ـ ما عن فقه الرضا عليه السلام: وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة وفي ماء راكد مرتين ثم اعصره (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ـ باب ـ 1 ـ الحديث 1.)
وهذه الروايات ظهورها في القول المشهور ليس قابلاً للانكار وظاهر كثير منها ـ وان كان مطلقا بالنسبة إلى كان مطلقا بالنسبة إلى القلة والكثرة ـ فالماء الذي يغسل به ما أصابه البول لا فرق بين أن يكون جارياً أو راكداً، والراكد أيضاً لا فرق بين أن يكون قليلاً او كثيراً، فظاهر الروايات أنه في جميع أقسام المطلق يحتاج تطهير ما أصابه البول إلى التعدد والغسل مرتين. ولكن صحيح ابن مسلم يقيد الاطلاقات بالماء غير الجاري، بل يقيد بالماء الراكد القليل، لأن مفاده أن التعدد فيما إذا غسل في المركن. ومعلوم أن الماء الذي في الركن راكد وقليل، فأثبت التعدد في هذا المورد، اي فيما كان قليلاً وراكداً. وكذلك قوله عليه السلام في رواية ابي اسحاق النحوي «صب عليه الماء مرتين»، وهكذا في المروي عن جامع البزنطي من قوله «صب عليه الماء مرتين» ظاهر في الماء الراكد القليل، لأن الكثير وان كان راكداً وكذلك الجاري وان كان قليلاً لا يناسب مع كلمة «الصب». فهذا الحكم مخصوص بالقليل الراكد ولا يأتي في الراكد الكثير والجارى مطلقا.
ان قلت: ان بعض الروايات مطلق يشمل المياه بأقسامها، وذلك في كل رواية امر عليه السلام فيها بالغسل مرتين كصحيحصي محمد بن مسلم وصحيح ابن ابي يعفور وغيرها، فيخرج الجارى بقوله عليه السلام في رواية المركن «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة»، ويبقى الراكد الكثير تحت الاطلاق.
نقول: إن أحداً من الفقهاء لم يفرق بين الجاري والراكد الكثير، فيلزم من القول بشمول المطلق للراكد الكثير وتقييد بالنسبة الى الجارى خرق للاجماع المركب.
ثم إنه على فرض عدم تحقق الاجماع المركب ووجود القول بالفرق بين الكثير الراكد والجارى بلزوم الغسل مرتين في الأول دون الثاني كما ادعاه بعضهم، يمكن أن يقال: إن ظاهر رواية المركن هو التفصيل بين الجارى وغيره، لأنه عليه السلام بعدا يأمر بالغسل مرتين في المركن بجعل الجارى مقابل المركن، والا يكون إهمالاً للحكم  بالنسبة الى بعض أقسام المياه، وهذا خلاف ظاهر ما بصدده الامام عليه السلام، فقوله: «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» أعم من أن يكون الماء المغسول به من مصاديق الجارى موضوعاً أو حكماً، فيشمل ماء المطر والحمام والكر والبشر ـ فتأمل.
ولكن مع ذلك كله الأحوط هو التعدد في غير الجارى مطلقاً، خصوصاً مع ملاحظة ما في فقه الرضا عليه السلام «وإن أصابك بول فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره».
ثم انه كما تقيد الأخبار المطلقة التي تدل على كفاية صدق الغسل بالماء في تطهير الأجسام المتنجسة بالبول بهذه الأخبار ولزوم كونه مرتين، كذلك تقيد هذه الأخبار بالأخبار الواردة في بول الصبي من كفاية الغسل أو الصب مرة، بأن المراد مما يلزم غسله مرتين هو ما عدا بول الصبي والمناط في كلا الموردين واحد، وهو الاطلاق والتقييد.
وأما مرسلة الكافي «روى أنه يجزى ان يغسله بمثله من الماء اذا كان فأولاً ـ يمكن أن يقال: إن المراد به بيان أقل كمية يمكن أن يغسل به المتنجس بالبول في كل مرة، سواء كان المتنجس هي الحشفة أو غيرها.
وثانياً ـ على فرض تسليم ظهورها في المرة الواحدة هي مرسلة ولم يعمل بها الأصحاب كي يكون ضعف سندها منجبراً يعملهم.
وثالثاً ـ من المحتمل القوى أن تكون هي نفس رواية نشيط بن صالح عن ابي عبدالله عليه السلام: سألته كم يجزى من الاستنجاء من البول؟ قال عليه السلام: مثلا ما على الحشفة (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب احكام الخلوة، باب ـ 26 ـ الحديث 5.) فتكون الرواية مضطربة متناً ونتيجته الاجمال وعدم صحة الاستدلال بها على كفاية المرة الواحدة وان كانت رواية اخرى كما انه ليس ببعيد، فتكون رواية نشيط معارضة لها بناءاً على ظهورها في المرتين، وسنتكلم عنها فيما سيأتي في أحكام الخلوة انشاء الله تعالى.
وأما الاستدلال على كفاية الغسل مرة واحدة في الجسم المتنجس بالبول بالزيادة التي ذكرها في المعتبر في رواية حسين بن ابي العلاء، وهي بعد قوله عليه السلام صب عليه الماء مرتين: «الأولى للازالة والثانية للانقاء» (المعتبر كتاب الطهارة، احكام النجاسات ص 121، حق الرضا عن عوالي اللآلي.) ولو كانت هذه الجملة قول الامام عليه السلام فلا شك في أنها تدل على كفاية المرة الواحدة للتطهير، لأن الذى يقول بكفاية المرة يقول بها بعد إزالة العين، فالغسلة التى يتحقق بها التطهير غير الغسلة المزيلة لعين النجس، فالذى يقول بالمرتين لابد وان يقول بكونهما بعد الغسلة المزيلة كي تكون الغسلات جميعها ثلاثاً، فمفاد الرواية حيث أنه غسلة بعد المزيلة فتدل الرواية مع هذه الزيادة على كفاية غسلة واحدة بعد زوال العين ولو كان بفرك ونحوه.
ففيه: ان هذه الزيادة غير ثابتة في كتب الحديث وليس فيها عين ولا اثر منها. قال في الحد ائق: وهذه الزيادة لا وجود لها في شيء من كتب الاخبار، وقال في المعالم: ولم أر لهذه الزيادة أثراً في كتب الحديث الموجودة الآن بعدالتصفح بقدر الوسع ـ انتهى. والظاهر أنها استنباط واستظهار عن المحقق في هذه الرواية، فلا حجية فيها.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنه بجب غسل المتنجس بالبول مرتين، وأما في الاستنجاء من البول يكفي المرة أو يحتاج الى مرتين، فهذا شيء سنتكلم فيه في محله انشاء الله تعالى.
[3].  مدرك هذا الحكم هو الأخبار الواردة في هذه المسألة.
فمنها ـ ما روى الحسين بن ابي العلاء عن الصادق عليه السلام وفيه:
وعن الصبي يبول على الثوب؟ قال عليه السلام: نصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 3 ـ الحديث 1.).
ومنها ـ ما عن الحلبي: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال: تصب الماء، فان كان قد أكل فاغسله غسلاً، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 30 ـ الحديث 2.).
ومنها ـ مافي الفقه الرضوي: وإن كان بول الغلام الرضيع تصب عليه الماء صباً، وإن كان قد أكل فاغسله، والغلام والجارية سواء (مستدرك الوسائل كتاب الطهارة، في بيان احكام التيمم باب ـ 2 ـ الحديث 1.).
وظاهر هاتين الروايتين كفاية الصب وعدم الاحتياج الى الغسل من بول الرضيع غير المتغذي، وادعى عليه الا جماع جماعة.
وأما موثق سماعة عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال عليهالسلام: اغسله. قلت: فان لم أجد مكانه؟ قال عليه السلام: اغسل الثوب كله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 3 ـ الحديث 3.) فلابد وأن يحمل على الصبي المتغذي، وذلك للاجماع على عدم وجوب الغسل من بول الرضيع غير المتغذي، ولتقييدا برواية الحلبي وما في الفقه الرضوي بناءاً على اعتباره ولزوم حملها على المتغذي.
نعم يبقى الكلام في كفاية الصب مرة أو يحتاج اليه مرتين، والمحكي عن كاشف الغطاء هو لزوم الصب مرتين، وفي المتن أنه أحوط، وقال في الجواهر أنه لم يعثر على موافق له في هذا القول.
وغاية ما يمكن أن يوجه به كلامه «قده» أن المطلقات الواردة في باب تطهير ما أصابه البول مشتمل على حكمين مستقلين: أحدهما غسل المحل، ثانيهما هو اطلاق التعدد سواء كان غسلا أو صباً. وقيد الأول بغير الرضيع بهذه الروايات التي هي أخص من المطلقات، ونتيجة هذا التقييد وجوب الغسل في غير الرضيع غير المتغذي، أى في الكبير وفي الطفل المتغذى. وأما في الطفل الرضيع غير المتغذى فيكفي الصب.
وأما الحكم الثاني ـ أي إطلاق التعدد سواء كان صباً أو غسلا فيعارض مع إطلاق الصب سواء كان مرة أو مرتين، ولا مرترجيح لأحدهما، فيتساقطان وتصل النوبة الى استصحاب النجاسة، ولا يرتفع إلا بتعدد الصب والقطع بعدم بقاء النجاسة.
ولكن أنت خبير بأنه ليس هناك حكمين مستقلين، بل مفاد قوله عليه السلام «اغسله مرتين» هو الغسل المتخصص بخصوصية كونه مرتين، وذلك لأن «مرتين» بيان لكمية الغسل لا لكمية كل مطهر وإن كان هو الصب أو المطر أو غير ذلك.
وأما الرجوع إلى استصحاب النجاسة فلا مورد له مع إطلاق الصب لحكومته عليه ورفع الشك به.
هذا مضافاً إلى أن في قوله عليه السلام: في رواية حسين بن أبي العلاء «تصب عليه الماء قليلا» (قد مر ذكرها.) إشعار بكفاية المرة، وان نجاسة بول الرضيع غير المتغذي خفيف يرتفع بمقدار قليل من الماء، وكذلك قوله عليه السلام في رواية الحلبي «تصب عليه الماء صباً» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 3 ـ الحديث 2.) إشعار بذلك. فالانصاف أن لزوم التعدد في الصب ـ كما صدر عن هذا الفقيه المحقق ـ خلاف الانصاف. ويظهر من عبارة صاحب الجواهر «لم أعثر على موافق له» أنه خلاف الاجماع أيضاً.
وأيضاً وردت روايات أخر تدل على كفاية الصب مرة واحدة من طرق المخالفين لنا توجب الاطمئنان بما ذكرناه وتؤيده.
[4].  أما كفاية الغسل مرة واحدة بعد زوال العين وإن كان بالماء القليل في سائر النجاسات عدد الولوغ فهو القول المشهور، وذهب جماعة الى لزوم التعدد واعتباره في التطهير عن سائر النجاسات أيضاً، منهم الشهيد «قده»، وقال العلامة بالتفصيل بين ماله قوام وثخن كالمني فمرتان وما ليس كذلك فمرة واحدة. وعلى كل حال سواء قلنا بالمرة أو لزوم المرتين لابد وأن يكون بعد زوال العين، فكفاية المرة على القول بها بعد الغسلة المزيلة، وكذلك الأمر بناءاً على القول باعتبار مرتين، وسنتكلم في هذا الأمر انشاء الله تعالى.
والدليل على قول المشهور وجوه:
(الأول) وهو العمدة إطلاق الأمر بالغسل الوارد في موارد كثيرة في مقام التطهير عن كثير من النجاسات، منها قوله عليه السلام «إن أصاب ثوبك من الكب رطوبة فاغسله» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 26 ـ الحديث 2).
وأيضاً ورد في الكلب «إذا مسسته فاغسل يدك» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 12 ـ الحديث 9).
وأيضاً ورد فيه قوله عليه السلام في جسد الرجل الذي يصيبه الكلب يغسل المكان الذي أصابه (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 12 ـ الحديث 8).
ومنها ماورد في الخنزير قلت: وما على من قلب لحم الخنزير؟ قال عليه السلام: يغسل يده (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 13 ـ الحديث 4).
ومنها ماورد في الثوب الذي أصابه خمر أو نبيذ: أغسله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 38 ـ الحديث 3).
ومنها ماورد في الثوب الذي أصاب جسد الميت: يغسل ما أصاب ثوبك منه (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 34 ـ الحديث 1).
ومنها ماورد في المني يصيب الثوب: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفى عليك مكانه فاغسل الثوب كله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 16 ـ الحديث 1).
ومنها ماورد في الكافر: فان صافحك بيده فاغسل يدك (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 14 ـ الحديث 5).
ومنها ماورد في أوانى الكفار: إذا اضطررتم اليها فاغسلوها بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 14 ـ الحديث 12).
ومنها ماورد في الثوب الذي يعرق فيه الجنب فليغسل ما أصاب من ذلك. إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي يقف عليها المتتبع، ولاشك في أن امتثال هذه الأوامر كما أنه يمكن بالغسل مرتين كذلك يمكن بالغسل مرة واحدة، بل الامتثال يحصل بالأول ولا يبقى مجال لتأثير الغسلة الثانية، لأن المطلوب بالأمر صرف الوجود من طبيعة الغسل، وصرف الوجود يتحقق بأول وجود منها، فيحصل الامتثال ويسقط الأمر ويوجد أثره وهو طهارة المتنجس المغسول، فتحصيلها بالوجود الثاني يكون من قبيل تحصيل الحاصل.
وأما ما ربما يتوهم من عدم كون هذه الأوامر في مقام بيان كيفية الغسل وكميته من حيث المرة والمرتين كي يؤخذ باطلاقها، بل هي من قبيل الكنايات وذكر اللازم وإرادة الملزوم، بأن يكون المراد من الأمر بالغسل في هذه الأخبار نجاسة ذلك المحل الذي أمر بغسله. فهذه الأخبار في مقام بيان نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ لا في مقام بيان كيفية إزالة النجاسة عن الملاقي لتلك الأعيان، فلا إطلاق لها كي يتمسك به لاثبات كفاية الغسل مرة واحدة في غير البول وفي غير الولوغ.
ففيه: انه لا شك في أن في جملة من هذه الأخبار يسأل الرواوي عن علاج ما ابتلى به بعد الفراغ عن نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فكيف يمكن أن يكون الامام عليه السلام في مقام بيان نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فقوله عليه السلام «يغسل يده» في جواب السائل «قلت وما على من قلب لحم الخنزير» في مقام ازالة ما حصل ليده من تقليب لحم الخنزير لا في مقام بيان نجاسة لحم الخنزير، لأن ظاهر هذا الكلام أنها كانت مفروغة عنها عند السائل، ولذلك يسأل عما عليه من طرف هذا الفعل الذي صدر منه.
والانصاف أن القول بأن جميع الأخبار الواردة في أبواب غسل النجاسات من قبيل الكنايات وإثبات نجاسة ما أمر بغسل المحل عنها، مكابرة وخروج عن جادة الاعتدال.
ثم انه ربما يرد على ما ذكرنا من التمسك باطلاق أخبار الغسل لكفاية المرة، بأنه لو سلم كون بعضها في مقام بيان كيفية إزالة النجاسة وكان له إطلاق لما كان له فائدة في المقام، لأنه لا يمكن استنباط حكم كلي عن مورد جزئي.
ولكن يمكن الجواب عنه بوجهين:
الأول: عدم القول بالفصل بين سائر النجاسات غير ما استثناها كالبول والولوغ.
الثاني: العلم بعدم خصوصية لذلك المورد الجزئى، وان الحال فيه وفي سائر الموارد على حد سواء ـ فتأمل.
(الوجه الثاني) ما أفاده الشيخ الأعظم الانصاري ـ قدس سره ـ وهو: أن الشارع بعدما حكم بنجاسة بعض الأشياء وجعل للجسم الملاقي معها مع رطوبة أحدهما أو كلاهما، بعد أن حكم على الملاقي الذي كان طاهراً بالنجاسة بواسطة الملاقاة مطهرات من جملتها الماء وهو أشملها، فأمر بغسلها، ولا شك في أن هذا الخطاب يكون كسائر خطاباته على طريقة أهل المحاورة، فيكون مفاد الخطاب ما يفهمه العرف من ذلك الخطاب، ولا شك في ان العرف يفهم من قولهم عليهم السلام «اغسل يدك اذا صافحت الكافر مع الرطوبة» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 14 ـ الحديث 4) إجراء الماء على يده وصرف الوجود منه، وهو يصدق على أول وجود من طبيعة الغسل، فيحصل الامتثال ويسقط الأمر. وكذلك يحصل إزالة النجاسة وطهارة المغسول بجعل من قبل الشارع، سواء سميت ذلك الغسل سبباً لطهارة المحل المغسول أو موضوعاً لها، وان كان الحق هو الأخير منهما.
ولا يرد على هذا البيان أن الطهارة مجعول شرعي ليس للعرف طريق الى فهم كيفية إزالتها، ولابد في ذلك من تعيين الشارع طريقاً لازالتها، فاذا شككنا في إزالتها بغسل مرة يكون استصحاب النجاسة محكماً، وذلك لأنه بعد بيان الشارع أن التطهير يحصل بالغسل، فيكون فهم العرف هو الميزان في تحقق الغسل المأمور به وحصول التطهير به.
(الوجه الثالث) قوله صلى الله عليه وآله للمرأة التي سألت عن كيفية تطهير ثوبها الذى تلطخ بدم الحيض «حتّيه ثم إغسليه».
وتقريب الاستدلال بهذا الحديث الشريف: انه صلى الله عليه وآله أمر المرأة بحت الدم، والمراد بالحت هو الحك بتصريح اللغوبين، ولاشك في أن الحت والحك لأجل إزالة عين النجس، إذ إزالته بنفس الغسل يحتاج الى استعمال الماء كثيراً والى مدة طويلة اذا كان الدم يابساً في الثوب، كما هو المفروض في المرد بقرينة قوله صلى الله عليه وآله «حتيه»، لأنه لا معنى لحته لو كان رطباً، فبعد إزالة العين بالحت ـ أي الحك ـ أمر صلى الله عليه وآله بغسله، ولا شك في صدق الغسل بوقوعه مرة واحدة. فيستفاد من الحديث أمران: أحدهما كفاية الغسلة الواحدة، ثانيهما أن تكون تلك الغسلة بعد إزالة عين النجاسة، سواء كانت الإزالة بالحك أو بالغسل بالماء.
وأما أمره صلى الله عليه وآله بخصصوص الحت فمن جهة سهولته بالنسبة الى إزالتها بالغسل بالماء.
وقد اعتمد المحقق «ره» على هذا الحديث في قوله بكفاية المرة في سائر النجاسات غير البول، قال في المعتبر: وهل يراعى العدد في غير البول؟ فيه تردد، أشبهه يكفي المرة بعد إزالة العين، لقوله صلى الله عليه وآله: في دم الحيض «حتّيه ثم اغسليه»، والأمر المطلق يتناول المرة.
وفي الحقيقة هذا الحديث أحد المطلقات التي قلنا بأنها تدل على كفاية المرة، وإنما افردناه لجهتين: احداهما دلالته على أن الغسلة الواحدة التي يطهر بها المحل هي غير الغسلة المزيلة، ثانيتهما صراحته في الاطلاق وأنه صلى الله عليه وآله بصدد بيان كيفية تطهير الثوب عن دم الحيض، ووضوح أنه ليس بصدد اثبات نجاسة دم الحيض، فانها كانت معلومة، والمرأة كانت تسأل عن كيفية تطهير ثوبها. هذا مضافاً إلى استدلال المحقق به واعتماده في فتواه عليه، وهو شيخ الفقهاء.
(الوجه الرابع) قوله عليه السلام «خلق الله الماء طهوراً» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب الماء المطلق، باب ـ 1 ـ الحديث 9) بناءاً على أن الطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، وأن مطهريته عام لجميع الأجسام المتنجسة إلا ما خرج بالدليل أو مالا يمكن الوصول اليه بوصف الاطلاق، كما إذا تنجس أعماق القند أو الملح أو غير ذلك.
واما احتمال عدم وروده في مقام البيان، ففيه ان ظاهر هذا الحديث النبوي مثل ظاهر الآيات التي وردت في هذا الباب، كقوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً» (سورة الفرقان: 48) وقوله تعالى «وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به» (سورة الانفال: 11) حيث أنها وردت في مقام الامتنان، ولطفه تعالى على العباد هو انه تعالى خلق الماء وجعله مطهراً لكل متنجس كي لايقعوا في ضيق.
وقد تقدم صحيحة داود بن فرقد وأنه «كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً».
فهذه الرواية صريحة في أن الله تعالى جعل الماء مطهراً لكل متنجس وإلا لو كان مطهراً في الجملة وبطور الموجبة الجزئية لما كان أوسع ما بين السماء والأرض.
فاذا ظهر ظهور هذه الآيات في عموم مطهريته لكل متنجس ولم يرد بيان من قبله تعالى في كيفية التطهير، فيستكشف أنه تعالى أحال كيفية التطهير إلى العرف، ولاشك في أن العرف إذا عرف أن الشارع جعل الماء مطهراً يحكم بكفاية الغسلة الواحدة بعد زوال العين في حصول التطهير.
ثم انه تقدم في عنوان هذا الأمر الثالث انه بناءاً على القول بكفاية غسلة واحدة في سائر النجاسات غير البول وغير الولوغ لابد وأن تكون تلك الغسلة غير الغسلة المزيلة النجاسة. والدليل على هذا ـ مضافاً إلى انصراف الاطلاقات إلى غير المزيلة وفهم العرف من الاطلاقات كفاية الغسلة الواحدة بعد زوال العين بالماء أو بشكل آخر من الحك والفرك وامثالها هو الحديث المتقدم عن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال للمرأة التي سألت عن كيفية تطهيرها الثوب المتلطخ بدم الحيض «حتيه ثم اغسليه»، فجعل صلى الله عليه وآله الغسلة المطهرة بعد الحت الذي هو عبارة عن الحك وإزالة العين.
وقد اتضح مما ذكرنا أن ما ذهب اليه المشهور من كفاية للغسلة الواحدة في تطهير سائر النجاسات، هو الاقوى.
وأما الاستدلال على لزوم التعدد بما في صحيح ابن مسلم عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ذكر المنى فشدده وجعله أشد من البول (الوسائل الطهارة، ابواب النجاسات، باب ـ 16 ـ الحديث 2) بأنه إذا كان المني أشد من البول من حيث النجاسة، فبعيد أن يكون مطهره أخف من مطهر البول بكونه مرة في الأول الأشد ومرتين فيما هو الأخف.
ففيه: انه من الممكن أن يكون أشدتيه من البول باعتبار مانعيته للصلاة بدون الغسل لا باعتبار نجاسته، فربما يكون مانعية شيء للصلاة شديدة وليس بنجس اصلاً، وذلك كجلد غير المأكول المزكى أو وبره وصوفه وشعره فالمني يمكن أن يكون أشد من البول في مقام المانعية وأخف منه في مقام النجاسة.
وأما الاستدلال للتفصيل الذي ذهب اليه العلامة «قده» بلزوم للتعدد، فيما فيه ثخانة دون ما هو مائع ورقيق برواية حسين بن ابي العلا والبزنطي من قوله عليه السلام «صب عليه الماء مرتين فانه ماء» بأن يقال: إن البول إذا كان لا يكفيه الغسلة الواحدة مع انه ماء، فالمتنجسات التي لها ثخانة تحتاج الى التعدد بطريق أولى.
وفيه: أن التعليل بأنه ماء لكفاية الصب بدلاً عن الغسل لا للتعدد، وهذا واضح جداً.
ثم لا يخفى أنه بناءاً على التعدد في غير البول أيضاً لابد وأن تكون المرتان بعد زوال العين، سواء كان زوال العين بالماء أو بغير الماء من الاسباب الأخر، لما ذكرنا من أن مقتضى الفهم العرفي من دليل التطهير بالماء مرة أو مرتين هو كون تلك الغسلة أو الغسلتين بعد زوال العين، وإلا مع وجود العين لا يفيد وإن كان ألف غسلة، لأنه مادام بقاء العين مقتضى النجاسة وموضوعها موجود فلو فرضنا وصول الماء إلى المحل مع وجود العين في ذلك المحل فكيف يمكن أن يكون ذلك الوصول مطهراً مع وجود سبب النجاسة؟ وارتفاع العين وإزالتها ليس بنفسه من المطهرات ولم يقل به أحد إلا السيد «قده» في خصوص الأجسام الصقيلة. فتطهير المحل بعد ارتفاع عين النجاسة يحتاج إلى مطهر، سواء كان هو الماء أو غيره. فلا فرق بين أن يكون المطهر هي الغسلة الواحدة أو الغسلتان. وعلى أي واحد من التقديرين لابد وأن يكون بعد زوال عين النجاسة، ولذلك لو كان ارتفاع عين النجاسة وإزالتها عن المحل بالماء فيحتاج إلى ثلاث غسلات إحداها للازالة واثنان للتطهير بناءاً على التعدد.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com