الواجب العينيّ والكفائي

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


الواجب العينيّ والكفائي


والكلام فيه في اُمور:

الأوّل: في تعريف الواجب الكفائي:
لا يخفى: أنّ الوجوب في الواجب الكفائيّ يتعلّق بكلّ واحد من المكلّفين بنحو العامّ الاستغراقيّ، وأنّ الوجوب يسقط بفعل بعضهم، دون العينيّ؛ فإنّه لا يسقط عن أحدٍ منهم بفعل الآخرين، بل إنّما يسقط بفعل المكلّف نفسه فقط.

الأمر الثاني: الفرق بينه وبين الواجب التخييري:
الفرق بينهما: أنّ البحث في الواجب التخييريّ كان بالنسبة إلى متعلّق التكليف والمكلّف به كما مرّ، وأمّا الواجب الكفائي: فالبحث عنه بالنسبة إلى الفاعل والمكلّف، أي: أنّ المكلّف يكون جميع الآحاد وجميع الأشخاص، بمعنى: أنّ كلّ واحدٍ منهم يكون بدلاً عن الآخر، بحيث لو ترك الكلّ لأثموا جميعاً.
وقد يظهر من الكفاية( ) أنّ البحث فيه هو على حدّ البحث في الوجوب التخييريّ.
إلّا أنّك عرفت أنّ موضوع البحث هناك كان عبارة عن متعلّق الحكم، وأمّا المبحوث عنه هنا فهو المكلّف.

الأمر الثالث: محلّ البحث في الواجب الكفائي:
ذكرنا في مبحث الواجب التخييريّ أنّ البحث إنّما يقع في مقام الإثبات، دون مقام الثبوت والفعليّة. وهذا الكلام ـ بعينه ـ يأتي هنا، بعد وضوح وجود الواجب الكفائي في الشرعيّات، كما في دفن الميّت وردّ السلام.

الأمر الرابع: في بيان كيّفيّة تعلّق الوجوب:
لا يخفى: أنّ التكليف باعتبار المكلّف به تارةً يقع بنحو صرف الوجود، وأُخرى باعتبار مطلق الوجود. وكذا بالنسبة إلى المكلّف، فهو تارةً يكون بنحو صرف الوجود من المكلّف، وأُخرى باعتبار مطلق وجوده منه. فبناءً على الأول يكون كفائيّاً، وأمّا بناءً على الثاني فإنّه يكون عينيّاً.
وبعبارة أُخرى: فإنّ التكليف إذا كان بنحو مطلق الوجود والعامّ الاستغراقيّ يكون الخطاب به انحلاليّاً من قبيل الواجب العينيّ، وإذا كان بنحو صرف الوجود فيكون من قبيل الواجب الكفائي.
وبما أنّ الواجب الكفائيّ مأخوذ على نحو صرف الوجود، فهو يسقط بفعل البعض، ويستحقّ الجميع العقوبة عليه لو تركوا العمل؛ لأنّ موضوع التكليف ـ بحسب الفرض ـ هو صرف الوجود من طبيعيّ المكلّف، فبامتثال أحد المكلّفين يتحقّق صرف الوجود الداعي إلى الأمر، فيسقط الغرض، وبسقوط الغرض يسقط الأمر أيضاً بتبعه.
وأمّا الوجه في استحقاق الجميع للعقاب عن تركهم له، فهو وجود المناط؛ لأنّ إتيان كلّ واحد من المكلّفين مصداق لصرف الوجود، فإذا كان كلّ واحدٍ منهم مخالفاً للتكليف المتوجّه إليه، فمن الطبيعيّ أن يكون مستحقّاً العقوبة.
وأمّا استحقاق الجميع للمثوبة عند امتثال الكلّ للتكليف؛ فلأنّ الفعل قد صدر من كلّ واحدٍ منهم، فينطبق عليه صرف الوجود، فامتثال كلّ واحدٍ للأمر المتوجّه إليه محقّق لصرف الوجود، فيوجب استحقاق كلّ ممتثلٍ للمثوبة.
هذا في صورة امتثالهم للأمر دفعة.
وإلّا، فإنّ كلّاً من الملاك والأمر يسقطان بمبادرة السابق منهم إلى العمل، فلا يبقى للأمر موضوع حينئذ، فليس ثمّة ما يوجب استحقاق الجميع للمثوبة.

الأمر الخامس: تصوير كيفيّة تعلّق الوجوب في الواجب الكفائيّ:
قد ذكروا في تصويره وجوهاً:

الوجه الأوّل:
ما في الكفاية من أنّ الوجوب الكفائيّ سنخ من الوجوب يتعلّق بكل مكلّف، وهو يُعرف بآثاره ولوازمه، من عقاب الكلّ لو أخلّوا بامتثاله جميعاً، ومن سقوطه بامتثال البعض.
قال: «والتحقيق أنّه من سنخ الوجوب، وله تعلّق بكلّ واحد، بحيث لو أخلّ بامتثاله الكلّ لعوقبوا على مخالفته جميعاً، وإن سقط عنهم لو أتى به بعضهم، وذلك لأنّه قضيّة ما إذا كان هناك غرض واحد، حصل بفعلٍ واحد، صادر عن الكلّ أو البعض. كما أنّ الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعةً، واستحقاقهم للمثوبة، وسقوط الغرض بفعل الكلّ، كما هو قضيّة توارد العلل المتعدّدة على معلولٍ واحد»( ).
وتوضيحه: أنّ التكليف في الوجوب الكفائيّ يتعلّق بكلّ واحد من المكلّفين على نحو العامّ الاستغراقيّ، فحاله في التعلّق بهم إنّما هو حال الوجوب العينيّ، وإن كان يسقط بفعل البعض وامتثاله عن الباقي.
فالوجوب، سواء كان كفائيّاً أم عينيّاً، سنخ واحد، وهو يتعلّق بكلّ واحد واحد من الأفراد، ولا يجوز أن يكون متعلّقاً بالمبهم؛ لأنّ ذلك غير معقول، لامتناع التحريك والبعث نحو المبهم. كما لا يجوز أن يكون متعلّقاً بالمعيّن؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح، فلابدّ وأن يكون متعلّقاً بالجميع، كالوجوب العينيّ، ولا فرق بينهما أصلاً من هذه الناحية. فإذا امتثل الكلّ كانوا جميعاً مستحقّين للثواب، وإذا عصى الكلّ وتركوا كانوا جميعاً مستحقّين للعقاب.
ولكن، هل يكون كلّ واحد منهم مستحقّاً لعقاب مستقلّ، أم أنّ هناك عقاباً واحد للكلّ؟!
الحقّ: أنّ الكلّ يستحقّون العقاب حينئذٍ، ولكن، هو عقاب واحد ليس أكثر؛ لأنّ الغرض واحد، فتفويت الجميع لذلك الغرض لا يكون إلّا تفويتاً للغرض الواحد، فيكون ما يستحقّونه حينئذٍ عقاباً واحداً.
وقد ظهر بذلك: أنّ ما ذكره بعض شارحي الكفاية ـ بقوله: «فإذا امتثل الكلّ استحقّوا الثواب وإذا عصوا استحقّوا العقاب، بمعنى: استحقاق كلّ واحدٍ منهم عقاباً مستقلّاً كما في الواجبات العينيّة»( ) ـ من تعدّد العقاب في صورة الترك والعصيان من الكلّ، غير صحيح.
نعم، ثمّة فرق بين الوجوب الكفائيّ والعينيّ، وهو أنّ الأول يسقط عن بقيّة المكلّفين بمجرّد أن يمتثله واحد منهم؛ وذلك لارتفاع موضوع التكليف حينئذ، فإنّ وجوب تجهيز الميّت ـ مثلاً ـ: هو الميّت الذي لم يجهّز، وظاهر أنّ تجهيزه مرّةً واحدة يخرجه عن هذا الموضوع، وإلّا، فليس هناك فرق بين الكفائيّ والعينيّ في أصل حقيقة الوجوب، وإنّما الفرق من جهة الخصوصيّة المأخوذة في متعلّق الوجوب الكفائيّ، وهي خصوصيّة ترتفع بمبادرة واحد منهم إلى الامتثال، الأمر الذي يوجب سقوط الوجوب عن الباقي؛ لعدم بقاء الموضوع.
ومن هنا ظهر: فساد ما يستفاد من كلام الاُستاذ المحقق، من أنّه إذا كان الملاك في الوجوب الكفائيّ مطلقاً، كما هي الحال في الملاك في الوجوب العينيّ، فلا معنى حينئذٍ لسقوط الوجوب فيه بفعل الآخرين وإتيانهم بالمأمور به، بل لابدّ من بقائه، سواء فعل الآخرون أم لم يفعلوا.
قال: «وممّا ذكرنا تبيّن فساد ما احتمل أيضاً من كون كلّ واحد منهما واجباً عينيّاً، غاية الأمر: أنّه يسقط بفعل الآخر؛ لأنّه لو لم يكن الملاك مطلقاً، فلا وجه لوجوبها بالوجوب العينيّ؛ لأنّ الوجوب العينيّ عبارة عن إطلاق الوجوب، بمعنى: وجود الوجوب وتحقّقه مطلقاً، سواء فعل الآخرون أم لا»( ).
وجه الفساد: أنّ سقوط الأمر ليس من جهة عدم الملاك، بل من جهة عدم بقاء الموضوع.

الوجه الثاني:
ما نُسِب إلى جمع من العامّة، كالرازي والبيضاويّ، وعُزي إلى الشافعيّة( )، وحاصله: أنّ الوجوب الكفائيّ يتعلّق بالبعض ممّن يُكتفى به في أداء الفعل، وذلك نظير ما ذكروه في الواجب التخييريّ من انّ الوجوب قد تعلّق بواحد لا بعينه، غاية الأمر: أنّ الإبهام هناك كان في المكلّف به، وأمّا هنا، فهو في المكلّف.
ولكن فيه:
أوّلاً: قد بيّنّا هناك أنّه لا يمكن تعلّق التكليف بالمبهم، فهو غير ممكن ها هنا أيضاً.
وثانياً: أنّه مخالف لظواهر الأدلّة في الواجبات الكفائيّة، كما في الحديث عن النبيّ «لا تَدَعوا أحداً من اُمّتي بلا صلاة»( )؛ فإنّ الظاهر أنّ الخطاب فيه متوجّه إلى الجميع، فيكون ظاهراً في العموم.
وثالثاً: انّه ترجيح بلا مرجّح؛ إذ لا وجه لتعلّق الوجوب بالبعض.
ورابعاً: بناءً على هذا القول، فيمكن لكلّ واحدٍ منهم أن يجري الأصل بالنسبة إلى توجّه التكليف بالنسبة إليه.

الوجه الثالث:
ما نُسِب إلى القطب الشيرازيّ( )، وحاصله: أنّ الوجوب تعلّق بالمجموع من حيث هو، فإذا تركه الجميع أثموا وكان العصيان ثابتاً بالذّات للمجموع، ولكلّ واحد بالعرض، وأمّا إذا أتى به البعض سقط عن الباقين.
وفيه:
أوّلاً: أنّه مخالف لظاهر الأدلّة؛ فإنّه يظهر منها أنّ الوجوب وارد على كلّ واحد واحد، لا على المجموع بما هو.
وثانياً: أنّه لا معنى لسقوطه بفعل البعض، بعد عدم كون الفعل صادراً عن المجموع؛ فإنّ الأمر ـ بناءً على هذا القول ـ إنّما ورد على المجموع، فيكون المجموع هو المناط للسقوط.
نعم، يمكن أن يقال بالسقوط ـ حينئذٍ ـ عن الباقين باعتبار انتفاء الموضوع وعدم بقائه؛ لأنّ الموضوع لوجوب الغسل ـ مثلاً ـ إنّما هو الميّت الذي لم يُغسّل، فبعد قيام أحدهم بتغسيله، وبعد تحقّق الغسل على وجه صحيح، فلا يبقى يصدق عليه عنوان الميّت الذي لم يُغسّل، فيسقط وجوبه حينئذٍ.

الوجه الرابع:
أنّ الوجوب بالنسبة إلى كلّ واحد من الأفراد يكون مشروطاً بترك الآخر. فلا يكون هناك وجوب على المكلّف إلّا إذا ترك صاحبه، فلو ترك الكلّ أثموا جميعاً، لحصول الترك الذي هو شرط الوجوب لجميعهم. وأمّا إذا فعله واحد منهم فلا يجب على الباقي، لعدم تحقّق الشرط بالنسبة إلى الباقي، لا أنّه يسقط عنهم، لأنّه لم يكن من الأول ثابتاً عليهم حتى يسقط عنهم، فإنّ السقوط فرع الثبوت.
ولكن يرد عليه:
أوّلاً: بأنّه بناءً على هذا الوجه، فلو أتى به الكلّ فلا يتّصف الفعل بعنوان الوجوب أصلاً، لعدم تحقّق شرط الوجوب، وهو ترك البعض، في حقّهم جميعاً. وهو فاسد ضرورة.
وثانياً: بناءً على هذا الوجه، فإنّ الوجوب عند ترك البعض يكون عينيّاً.
وثالثاً: لو شكّ بأنّ غيره قد أتى بالفعل أم لا، تجري أصالة البراءة بالنسبة إلى الشاكّ فلا يثبت الوجوب عليه، وهو كما ترى.
ورابعاً: أنّ المناط هو على ظهور لسان الدليل، ولا شكّ في أنّ ظاهره كون الوجوب على كلّ واحد من الأفراد، فالقول بأنّ الوجوب على كلّ واحد يكون مشروطاً بترك الآخر، مخالَفةٌ لظاهر الدليل بلا موجب.
ومن هنا يظهر: فساد ما ذكره الاُستاذ المحقق من أنّ الواجب الكفائيّ يكون متوجّهاً إلى «آحاد المكلّفين بالخطابات الانحلاليّة، كالواجب العينيّ. غاية الأمر: تلك الخطابات في الواجبات العينيّة مطلقة بالنسبة إلى إتيان الآخرين أو اشتغالهم بالإتيان، وفي الواجبات الكفائيّة مشروطة بعدم إتيان الآخرين حدوثاً وبقاءً»( ).
وخامساً: أنّه إرجاع للوجوب الكفائيّ إلى الواجب العينيّ المشروط، وهو إنكار للوجوب الكفائيّ رأساً، الأمر الذي لا نرى له توجيهاً.
وسادساً: أنّ هذا الوجه إنّما يتمّ مع تعدّد الملاك في كلّ واحد من الأطراف، وامتناع استيفاء الجميع، بسبب وجود تزاحم في مقام الفعليّة، كإنقاذ الغريقين حيث لا يمكن إنقاذهما معاً، فإنّه ـ حينئذٍ ـ فقط يصحّ أن يقال: بأنّ إطلاق وجوب إنقاذ كلّ منهما لابدّ وأن يكون مقيّداً بترك الآخر، فيصبح الوجوب في كلّ منهما مشروطاً لذلك. وأمّا فيما نحن فيه، فبما أنّ الملاك في الواجب الكفائيّ ليس إلّا ملاكاً واحداً، فلا يكون لهذا الاشتراط المذكور أيّ معنىً أصلاً، كما هو ظاهر.

الوجه الخامس:
أن يكون الوجوب بالنسبة إلى كلّ واحد منهما مشروطاً بعدم بناء الآخر على الإتيان بالفعل، فإذا علم بكون الغير بانياً على الإتيان بالفعل، أو شكّ في عزم الغير على الإتيان به، فيسقط عنه الوجوب؛ لأنّه مصداق للشكّ في التكليف، فتجري فيه البراءة.
ويرد عليه:
أوّلاً: نفس ما ورد على الوجه السابق؛ فإنّ مآل هذا الوجه إلى رجوع الوجوب الكفائيّ إلى الوجوب العينيّ المشروط.
وثانياً: لو كان الجميع بانين على الإتيان بالفعل؛ فإنّ هذا الفعل من أحد منهم لا يكون متّصفاً بالوجوب؛ لعدم تحقّق شرط وجوبه، الذي هو البناء على الترك بحسب الفرض.
وثالثاً: أنّ ما ذكروه في الواجبات الكفائيّة، هو أنّها لا تسقط عن الآخرين إلّا بإتيان القائم بالعمل بتمام ما هو الواجب، وأمّا مجرّد شروع بعضهم بالقيام به فلا يوجب سقوطه عن الآخرين على وجه الإطلاق، بل هو إنّما يسقط عنهم سقوطاً مشروطاً بالإتمام. والحال، أنّ ما يلزم بناءً على هذا القول هو سقوط الوجوب وعدم ثبوته في حقّ الآخرين بمجرّد أن يكون البعض بانياً على الإتيان به، ولو لم يشرع به بعد، فضلاً عن إتمامه.
فتحصّل: بطلان سائر الأقوال ما عدا القول الأوّل، وذلك لعدم جواز توجّه الخطاب إلى الواحد المبهم؛ لامتناع البعث والتحريك نحوه، وتعلّقه بواحدٍ معيّن إنّما هو ترجيح بلا مرجّح، وذلك نظير توجّه الخطاب إلى المردّد؛ فإنّ المردّد حيث لم يكن له وجود في الخارج، فلا ملاك له، فلا معنى لتعلّق الخطاب به.
ومن هنا ظهر عدم صحّة ما ذكره بعض المحقّقين بقوله:
«وما ربّما يدور في ألسنتهم أنّ المردّد لا وجود له، ولا يجوز البعث والإغراء بالنسبة إليه، فلا يُصغى إليه، ضرورة صحّة التكليف التخييريّ بين الفردين أو الأفراد».. إلى آخر كلامه( ).
وبناءً على ما ذكرناه: فلابدّ من أن يكون الوجوب متعلّقاً بكلّ واحد، حاله في ذلك حال الوجوب العينيّ، بلا فرق بينهما أصلاً من هذه الناحية. فيكون التكليف، كالمكلّف به، متعدّداً وعلى نحو العموم الاستغراقيّ في كلٍّ من الوجوب العينيّ والكفائيّ، فإذا امتثل الكلّ استحقّوا الثواب.
نعم، يرد الإشكال بناءً على هذا:
بأنّه كيف يصحّ أن يقال بتعدّد العقاب في الواجب الكفائيّ مع وحدة ملاكه؟! فإنّ وحدة الملاك لا يمكن يجتمع معها تعدّد الخطاب، بل إنّ الوحدة في الملاك تقتضي ـ لا محالة ـ وحدةً في الخطاب، لا تعدّداً.
ومعه: فكيف يمكن أن يقال: بأنّ حال الواجب الكفائيّ هو حال الواجب العينيّ من ناحية تعلّقه بكلّ واحدٍ من المكلّفين؟! فإنّ التعلّق بكلّ واحدٍ منهم إنّما هو فرع تعدّد الخطاب، ولا تعدّد فيه كما عرفت.
نعم، يمكن القول بأنّ الفرق بينه وبين الوجوب العينيّ هو سقوط الموضوع في الوجوب الكفائيّ بالامتثال الأوّل، أي: بأوّل مبادرةٍ إلى الامتثال من أحد المكلّفين، ففي وجوب التجهيز ـ مثلاً ـ الموضوع هو: الميّت الذي لم يجهّز أو لم يدفن، فإذا صدق هذا العنوان وجب دفنه أو تجهيزه، وأمّا بعد دفنه وتجهيزه، فلا معنى لوجوب تجهيزه أو دفنه ثانياً، لسقوط الموضوع بهذه المبادرة، كما هو ظاهر؛ ولأنّه تحصيل للحاصل.
وقد تحصّل ممّا ذكرناه:
أنّ بين الواجب العينيّ والواجب الكفائيّ فرقاً، وهو أنّه لو ترك الكلّ الامتثال في الواجب العينيّ، فإنّ الجميع يعاقبون، بحيث يكون لكلّ واحد منهم عقاب مُستقلّ. وأمّا في الواجب الكفائيّ، فليس هناك في الصورة المزبورة إلّا عقاب واحد يشمل الجميع.
وكيفما كان، فحتى لو فُرض عدم تصوّر تعلّق الواجب الكفائيّ، إلّا أنّه مع ذلك، فلا إشكال في وقوعه في الشريعة المقدّسة، ومجرّد عدم إدراكنا لكيفيّة تعلّقه لا يدلّ على عدم وقوعه.

ملاحظة:
تعرّض اُستاذنا المحقق( ) في المقام لذكر فرعٍ نقله عن الميرزا النائيني، وقد أحببنا ذكره هنا أيضاً. وحاصله:
أنّه لو وجد جماعة من المتيمّمين ماءً مباحاً يكفي لوضوء أحدهم، فأفتى ببطلان تيمّمهم أجمع، لكون كلّ واحد منهم قادراً على الحيازة والتمكّن من استعمال ذلك الماء، مع أنّ صحّة التيمم مشروطة ـ كما هو معلوم ـ حدوثاً وبقاءً، بعدم وجدان الماء وعدم التمكّن من استعماله.
ثمّ أجاب عنه بما لفظه:
«وأنت خبير بأنّ قدرة كلّ واحدٍ منهم على الاستعمال ـ على فرض صحّته وإغماض النظر عن الإشكال بأنّ الماء الذي لا يمكن استعمال الجميع له لا مجتمعاً ولا منفرداً كيف يمكن أن يكون استعماله مقدوراً لكلّ واحدٍ منهم ـ إنّما يكون في فرض عدم مزاحمة الآخرين، وأمّا مع المزاحمة، فلا يبطل إلّا تيمّم الغالب منهم على الآخرين أو السابق إليه، وإلّا، إن لم يكن سبق أو غلبة، فلا يبطل تيمّم كلّ واحدٍ منهم»( ).
وحاصل ما أفاده: أنّه مع فرض المزاحمة، فليس هناك أحد منهم يكون قادراً على الاستعمال؛ وذلك لعدم قدرة كلّ واحد منهم على استعمال الماء، والممنوع عقلاً كالممنوع شرعاً، كما هو معلوم، فلا يبطل الوضوء. نعم، المتيمّم السابق أو الأقوى هو من يكون تيمّمه باطلاً.
وأمّا اُستاذنا الأعظم فقد أورد عليه في الحاشية بما نصّه:
«بل الأقوى هو التفصيل بين صورتي سبق أحدهما إلى الحيازة وعدمه. ففي الاُولى يبطل تيمّم السابق فقط، ويُستكشف به عدم قدرة الآخر على الوضوء وبقاؤه على ما كان عليه من عدم وجدانه الماء. وأمّا في الصورة الثانية، فبما أنّ كلّاً من الشخصين المفروضين قادر على حيازة الماء واستعماله من دون مزاحم، فيبطل كلّ من التيمّمين. والوجه فيما ذكرناه هو: أنّ الأمر بالوضوء وبطلان التيمّم مترتّبان في لسان الدليل على وجدان الماء، فإذا تحقّق، يترتّب عليه كلّ من الأثرين، كما أنّه إذا لم يتحقّق، فلا يتحقّق شيء منهما، فالتفصيل بين بطلان التيمّم وعدم الأمر بالوضوء كما أُفيد في المتن لا وجه له»( ).
وتوضيح ما أفاده:
أنّ بطلان التيمم كما أنّ موضوعه هو وجدان الماء، فكذلك الأمر بالوضوء، موضوعه وجدان الماء أيضاً. فكلّما فُرض تحقّق موضوع البطلان المذكور، فقد فُرض تحقّق موضوع الأمر بالوضوء أيضاً، فيكون هناك ملازمة بين بطلان التيمّم وبين الأمر بالوضوء، بعد أن كان عدم الوجدان موضوعاً لهما معاً. فلو التزمنا ببطلان تيمّم السابق منهما، في صورة سبق أحدهما إلى الحيازة دون الآخر؛ لأنّه يكشف عن عدم قدرة الآخر على الوضوء، فلابدّ من الالتزام بأنّ الآخر لا يبطل تيمّمه، حيث لم يكن قادراً على الوضوء.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com