الفور والتراخي

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الفور والتراخي


وممّا ذكرنا في حال دلالة الأمر على المرّة والتكرار، يظهر حال دلالته على الفور والتراخي، ونلتزم هنا ـ أيضاً ـ بعدم دلالة الأمر على شيءٍ منهما، لا بمادّته، ولا بهيئته، وإذا كان كلّ من الفور والتراخي خارجاً عن مدلول صيغة الأمر مادّةً وهيئةً، فلابدّ لها في الدلالة على كلٍّ منهما من دليل خارج عنه.
وأمّا ما ذكره المحقّق الشيخ عبد الكريم الحائريّ ـ بعد مقايسته للأوامر التشريعيّة على العلل التكوينيّة ـ من حيث عدم جواز انفكاك معلولها عنها عقلاً؛ من «أنّ الأمر المتعلّق بموضوع خاصّ غير مقيّدٍ بزمان، وإن لم يكن مدلوله اللّفظيّ ظاهراً في الفور ولا في التراخي، ولكن لا يمكن التمسّك به للتراخي بواسطة الإطلاق، ولا التمسّك بالبراءة العقليّة لنفي الفوريّة؛ لأنّه يمكن أن يقال: بأنّ الفوريّة، وإن كانت غير ملحوظة للآمر قيداً للعمل، إلّا أنّها من لوازم الأمر المتعلّق به، فإنّ الأمر تحريك إلى العمل وعلّة تشريعيّة، وكما أنّ العلّة التكوينيّة لا تنفكّ عن معلولها في الخارج، كذلك العلّة التشريعيّة تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج، وإن لم يلاحظ الآمر ترتّبه على العلّة في الخارج قيداً»( ).
ففيه: أنّه لا يمكن قياس الأوامر التشريعيّة بالعلل التكوينيّة؛ فإنّ عدم الانفكاك عن المعلول في التكوينيّات إنّما هو من جهة ضرورة العقل، فلا يكون قابلاً للتخصيص. وأمّا التشريعيّات، فلا مانع من انفكاكها. مضافاً إلى أنّ الأمر ـ أحياناً ـ قد يُرى متعلّقاً بشيء، مع كونه مقيّداً بالتراخي، مع أنّنا لو قلنا بصحّة القياس المذكور لكان ذلك محالاً عقلاً.
والصحيح: أنّه لابدّ من الالتزام بأنّه لا علّيّه ولا معلوليّة بالنسبة إلى التشريعيّات، وإلّا، فإنّ المعلول ـ في أيّ وعاء كان ـ يستحيل انفكاكه عن العلّة. فالفوريّة إنّما هي عبارة عن لزوم المبادرة وعدم جواز التأخير في الامتثال عن أوّل أزمنة الإمكان. وأمّا التراخي، فليس إلّا عبارة عن جواز ذلك.
ولكن مع ذلك، فكلّ منهما خارج عن مدلول صيغة الأمر، فثبوت كلّ واحد منهما يحتاج إلى دليل.
فإذا كان للصيغة إطلاق، كما لو علمنا بكون المتكلّم في مقام البيان، فإنّ جريان الإطلاق في مدلول الصيغة يقتضي عدم تقييده بواحد منهما.
هذا من ناحية ما هو مقتضى الأصل اللّفظيّ في المسألة.
فإن لم نحرز الإطلاق، وشككنا في وجوب أحدهما، فلا يبقى مجال للتمسّك بالأصل اللّفظيّ، وتصل النوبة إلى الأصل العمليّ، ومقتضاه ـ أيضاً ـ عدم وجوب شيء منهما.
وكيف كان، فقد استدلّ للفور ببعض الآيات التي تدلّ المسارعة، كقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة ٍ مِّن رَبـّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾( )، بتقريب: أنّ المسارعة إلى الشيء تتحقّق بالمبادرة إلى الإتيان به في أوّل أوقات إمكانه، وأنّ المُراد هو المسارعة إلى أسباب المغفرة، لا إليها نفسها، لأنّ المغفرة إنّما هي من فعل اﷲ تعالى، لا من فعل العبد، فلا يكون العبد مأموراً بالإسراع إليها، بل إلى ما يوجبها.
وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾( )، فإنّه دالّ على وجوب استباق الخيرات، وهو المبادرة إلى فعلها في أوّل أوقات إمكانها.
وفي الحديث: «أنهاك عن التسرّع بالقول والفعل»( )، أي: عن الإسراع والمبادرة إليهما من دون تأمّل.
ولكن فيه:
أوّلاً: أنّ آيتي المسارعة والاستباق لا تدلّان على وجوب المسارعة، ولا يُستَفاد منهما حكم إلزاميّ مولويّ، بل المراد ـ بقرينة ما ورد في ذيل الأُولى، أعني: قوله تعالى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾( ) ـ الوعظ والإرشاد إلى ما يستقلّ به العقل من حسن المسارعة والاستباق إلى ما بعث إليه المولى، وأين هذا من المولويّة؟!
وثانياً: ما عن بعض المحقّقين( )، وحاصله:
أنّه يلزم من وجوب الاستباق إلى الخيرات عدمه؛ لأنّ الاستباق إلى الخيرات يقتضي ـ بمفهومه ـ وجود عددٍ منها، يتحقّق بفعل بعض دون بعض، مع كونهما من الخيرات.
وعلى فرض وجوب الاستباق إلى الخيرات، فالفرد الذي لا يتحقّق به الاستباق يلزم أن لا يكون من الخيرات، لمزاحمته بالفرد الآخر، وعلى فرض انتفاء كونه من أفراد الخيرات، يلزم عدم وجوب الاستباق فيما يتحقّق فيه، وما يلزم من وجوده عدمه محال.
وفيه: أنّ وقوع التزاحم بين الأهمّ والمهمّ، وتقديم الأهمّ، في باب الواجبات، لا يُخرج الواجب المزاحَم عن كونه واجباً، بل يبقى على وجوبه. فكذلك فيما نحن فيه، فإنّ تزاحم الخيرات وتقديم أحدها على الآخر، لا يستوجب خروج الخير المزاحَم عن الخيريّة، وإن كان يسقط عنه الحكم بوجوب الاستباق؛ لأنّ هذا السقوط المفروض ناشئ عن التزاحم، لا التعارض.
ومعه: فيبقى ظهور مفهوم الاستباق على حاله.
على أنّنا لا نسلّم وقوع التزاحم؛ لأنّ الأمر إنّما يتعلّق بالطبائع دون الأفراد.
سلّمناه، إلّا أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو كان إتيان الفعل في أوّل وقته مطلوباً واحداً، بحيث لو تأخّر لسقط عن المطلوبيّة، فحينئذٍ تكون مزاحمته لفردٍ آخر موجبةً لخروجه عن الفرديّة.
وأمّا لو فرضنا تعدّد المطلوب، بحيث يكون أصل وجود الفعل مطلوباً، والإتيان به في أوّل الوقت مطلوباً آخر، فلا تستلزم المزاحمة خروجه عنها، كما هو أوضح من أن يخفى.
وثالثاً: أنّ البناء على دلالة الآيتين على وجوب الفور مستلزم لتـخصيـص الأكثـر، لخروج المستحبّات طرّاً وكثير من الواجبات ـ كالواجبات المضيّقة ـ عن ذلك، فلا يبقى إلّا القليل من الواجبات، وتخصيص الأكثر مستهجن عرفاً، فيصلح لأن يكون قرينة صارفة للآيتين عن ظاهرهما، وهو الوجوب.
ورابعاً: الواجبات على قسمين: موسّعة ومضيّقة، ولا يمكن تصوير الاستباق في الثاني.

مسألة:
لو سلّمنا دلالة الأمر على الفور، فهل معنى ذلك: وجوب الإتيان بالفعل فوراً ففوراً، بحيث لو عصى، أو أخلّ به، ولو لعدم التمكّن، لوجب عليه الإتيان بالفعل في الزمان الثاني أم لا؟
وجهان: مترتّبان على مفاد الصيغة ما هو؟
فهل مفادها هو وحدة المطلوب، بمعنى: كون الفوريّة مقوّمة لأصل المصلحة، بحيث تفوت المصلحة بفوات الفوريّة؟
أم أنّ مفادها هو تعدّد المطلوب، بمعنى: أنّ هناك مصلحتين: إحداهما قائمة بذات الفعل، والأُخرى قائمة بالفوريّة في كلّ زمان؟!
فعلى الثاني: لو لم يأتِ بالفعل في الآن الأوّل لوجب عليه الإتيان به في الآن الثاني، وهكذا...
وأمّا على الأوّل: فتكون الفوريّة دخيلة في الواجب ومقوّمة لأصل المصلحة القائمة به، وتكون بذلك كبقيّة القيود الدخيلة في الواجب، وحينئذٍ: فيكون حالها حال تلك القيود، فكما أنّ سقوط الأمر يكون باُمورٍ عدّة، منها: العصيان والامتثال وفوت الموضوع، فكذلك يكون السقوط بعدم الإتيان بالواجب فوراً؟
وغير خفيّ: بأنّه حتى مع تسليم دلالة الصيغة على وجوب الفور، فهي لا تدلّ على أزيد من مطلوبيّة الطبيعة فوراً، ولا دلالة لها على كيفيّة مطلوبيّتها، من وجوب الفور في كلّ زمان، فلا يسقط الأمر بالفوريّة بالإخلال بها في الزمان الأوّل أو بعده، أو وجوب الفور في خصوص الزمان الأوّل، فيسقط الأمر به بالإخلال بالفوريّة.
وبعبارة أُخرى: فإنّ الصيغة تكون قاصرة عن بيان كيفيّة مطلوبيّة الطبيعة، وأنّها هل تكون بنحو تعدّد المطلوب أو وحدته؟
ومعه: فلابدّ من الرجوع إلى الأصل. وبما أنّ الفوريّة قيد زائد، فيندفع بالأصل.
بل حتى ولو قلنا بأنّ قيد الفوريّة مستفادة من تعدّد المطلوب، إلّا أنّه ـ مع ذلك ـ لا يستفاد منه وجوب الإتيان بالفعل فوراً ففوراً؛ إذ غاية ما يستفاد من دليلها: أنّ الفوريّة في الإتيان بالفعل واجبة حيث أمكن. أمّا أنّه لو لم يمكن، ولم يتحقّق الإتيان في الآن الأوّل، فيتعيّن عليه الإتيان به في الآن الثاني والثالث، وهكذا، إلى آخر أزمنة الإمكان، فلا.
وقد يقال: إنّ المصلحة القائمة بالفعل الذي تعلّق به الأمر بنحو الفوريّة ذات مراتب، فإذا لم يأتِ بالفعل في الآن الأوّل، فلابدّ من الإتيان به في الآن الثاني، فتكون الفوريّة واجباً في واجب، فإذا لم يتحصّل في الزمان الأوّل كان لابدّ من الإتيان بالفعل في الزمان الثاني والثالث وهكذا...
ولكنّ الحقّ: أنّه لو التزمنا في المقام بتعدّد المطلوب، فسقوط أصل الفوريّة لا ينافي بقاء أصل وجوبها؛ فلو لم يأتِ به في الزمان الأوّل فلابدّ أن يأتي به في الزمان الثاني، فوراً ففوراً، وهكذا.. وذلك لأنّ مقتضى إطلاق دليل الفوريّة هو اعتبار الفوريّة مطلقاً؛ لأنّ المولى لو كان في مقام البيان وأمر بالإتيان بالفعل فوراً، فلو أراد أنّ الفوريّة تكون مختصّةً بالزمان الأول، لكان عليه أن يبيّن ذلك، فلمّا أطلق، فهمنا وجوب الفوريّة في الآن الثاني والثالث وهكذا..
نعم، لو استفدنا من الدليل الفوريّة في الجملة، وكان المولى في مقام التشريع، فمقتضى الأصل العمليّ البراءة بالنسبة إلى عدا الزمان الأوّل.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com