فصل في مفهوم الحصر

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

فصل
في مفهوم الحصر


لا يخفى: أنّ الحصر تارةً يكون للحكم، وأُخرى يكون للموضوع، فإذا كان حصراً للحكم، كما في الاستثناء، حيث يتمّ حصر الحكم في المستثنى منه وإخراج المستثنى بعد الإسناد، فيكون له دلالة على المفهوم، كما في مثل: (أكرم العلماء إلّا زيداً)؛ فإنّ هذا يدلّ على أنّ زيداً لم يشمله هذا الحكم، وأنّ الحكم منتفٍ عنه، كما أنّه إذا كان الحصر قيداً للموضوع، فلا يفيد المفهوم، بل يدلّ على أنّ الموضوع يكون مقيّداً، فينتفي الحكم لا محالة؛ لأنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقليّ.
فإذا عرفت هذا، فإنّ كلمة (إلّا) تفيد الحصر، أي: حصر الحكم في المستثنى منه وإخراج المستثنى عنه بعد الإسناد، ولذا يكون الاستثناء من الإثبات نفياً، ومن النفي إثباتاً، كما إذا قلت: (أكرم القوم إلّا زيداً)، وليس هناك أيّ تناقض بين المستثنى والمستثنى منه، فما نسب إلى نجم الأئمّة( ) من أنّ رفع التناقض المتوهّم في باب الاستثناء منحصر بأن يخرج المستثنى قبل الإسناد، غير تام؛ لأنّه ليس هناك تناقض أصلاً بين المستثنى والمستثنى منه حتى نقول: بأنّ رفع هذا التناقض يتوقّف على جعل الإخراج قبل الإسناد، وذلك لأنّ الكلام لا يؤخذ به، ولا يحمل على ما هو ظاهر فيه إلّا بعد تماميّته بجميع متمّماته، من لواحقه وتوابعه، بل لا يمكن القول بالتناقض، حتى لو جيء بالقرينة المنفصلة بعد تماميّة الكلام، فالعرف لا يرى بين هذه القرينة وذي القرينة أيّ تناقض.
بل هذا الإشكال، لو قلنا به، فهو غير مختصّ بباب الاستثناء، بل يأتي ويجري ـ أيضاً ـ في جميع قرائن المجازات والتخصيصات والتقييدات بالنسبة إلى ذي القرائن والعمومات والمطلقات.
وبعبارة أُخرى: فالنزاع إنّما يكون في إرجاع معنى (جاء القوم إلّا زيداً) إلى جعل (إلّا زيد) قيداً من قيود (القوم)، ليكون حاصل المعنى: أنّ القوم الموصوفين بأنّ غير زيد منهم قد جاؤوا، وبهذا الإرجاع، يرجع مفهوم الاستثناء إلى مفهوم الوصف، ولا نقول بالمفهوم فيها؛ لأنّه يرجع إلى إثبات الحكم لموضوع خاصّ، وهذا من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، كما أنّ العرض ينتفي بانتفاء معروضه.
ويمكن أن يكون قيداً من قيود الحكم، ويكون المعنى: أنّ الإكرام منحصر بالقوم دون زيد، فيدلّ على أنّ زيداً لم يشمله الحكم المذكور، فهذا يدلّ على المفهوم.
فالحقّ ـ إذاً ـ: أنّ الجملة الاستثنائيّة تفيد المفهوم؛ لأنّ إثبات الحكم للقوم ـ في المثال المتقدّم ـ وإخراج زيد من الحكم الذي هو ثابت لقومه، هو عين المفهوم، وهي استفادة تثبت بالتبادر.
فما عن أبي حنيفة( ) من أنّ الاستثناء لا يدلّ إلّا على أنّ المستثنى لا يكون مشمولاً للحكم المنشأ في القضيّة، وأمّا ثبوت نقيضه له في الواقع، حتى نقول بالمفهوم، فلا.
ففي غير محلّه.
وكذا لا محلّ لما حكي عنه ـ أيضاً ـ: من أنّ الاستثناء لو كان دالّاً على اختصاص الحكم بالمستثنى منه، وأنّه منتفٍ عن المستثنى، فإنّه يدلّ على أنّ الفاقد للطهور ليس بصلاةٍ مطلقاً، يعني: وإن كان واجداً لما عدا الطهور من الأجزاء والشرائط، والواجد له صلاة مطلقاً أيضاً، وإن كان فاقداً لما عداه من الأجزاء والشرائط.
وهو باطل قطعاً، ضرورة انتفاء الصلاة بفقدان ركن من أركانها، ولو كان الطهور موجوداً، فيكشف هذا عن عدم دلالة الاستثناء على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى.
فخلاصة الكلام: لو كان ﻟ (إلّا) مفهوم فهو ما يدلّ على أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ توجد مع وجود الطهارة، سواء وجد سائر ما يعتبر فيها أم لم يوجد، مع أنّ هذا قطعاً ليس بصحيح.
ولكنّ الحقّ: أنّ المراد من هذه العبارة وأمثالها هو أنّ الصلاة الصحيحة لا يمكن أن توجد وتتحقّق إلّا مع هذا الشرط أو الجزء، ومفهوم هذا الكلام هو أنّه مع وجود هذا المستثنى يمكن أن تقع وتوجد ولو بضمّ سائر الشرائط والأجزاء، بل كلّ ما يعتبر فيها، وليس المفهوم: أنّها توجد مع هذا المستثنى مطلقاً، سواء انضمّ إليها سائر ما اعتبر فيها أو لم ينضمّ حتى يرد ذلك الإشكال.
وأمّا الإشكال: بأنّ الكلمة الطيّبة التوحيديّة، أعني: (لا إله إلّا اﷲ)، لا تدلّ على التوحيد سواء كان الخبر المقدّر لكلمة (لا) هو لفظ (ممكن) أو (موجود)؛ إذ:
على الأوّل: لا تدلّ كلمة الإخلاص إلّا على إمكان المستثنى، وهو اﷲ تعالى، وذلك لأنّ المستثنى منه على هذا التقدير هو نفي الإمكان، فالمستثنى هو ثبوت الإمكان، ومن المعلوم: أنّه لا يستلزم الوجود والفعليّة؛ لأنّ الإمكان أعمّ من الفعليّة.
وعلى الثاني: وإن كانت كلمة الإخلاص لا تدلّ إلّا على وجوده تعالى شأنه؛ لأنّ المستثنى منه نفي وجود طبيعة الإله، والمستثنى إثبات وجود فردٍ واحدٍ منها، وهو اﷲ تعالى، إلّا أنّها لا تدلّ على نفي إمكان إلهٍ آخر، فإنّ نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعمّ، ومن المعلوم: أنّ المقصود من كلمة الإخلاص إنّما هو نفي إمكان إلهٍ آخر، لا نفي وجوده فقط.
فواضح الدفع: إذ نجيب عنه:
بأنّ المراد من الإله في المستثنى منه هو واجب الوجود، يعني: أنّه لا واجب وجود موجود إلّا اﷲ تعالى، ومن المعلوم: أنّ نفي طبيعة واجب الوجود وإثبات فرد منها، وهو اﷲ جلّ وعلا، يدلّ على عدم إمكان واجب سواه، إذ لو كان ممكناً لوجد قطعاً، ضرورة أنّ المراد بواجب الوجود ما كان واجباً بذاته، من دون أن يكون لوجوده حالة منتظرة، ففرض إمكانه مساوق لوجوده، لكون وجوده واجباً حسب الفرض، والمفروض أنّ وجوده منتفٍ إلّا في فرد واحد.
ولكن قد يرد عليه الإشكال بأن يقال: إنّ (لا) لنفي الحقيقة، كما في قولك: (لا فتى إلّا عليّ) و(لا سخاء إلّا في العرب)، فكما تدلّ الجملتان على أنّ الفتوّة تكون منحصرة في علي، والسخاوة منحصرة في العرب، فهكذا تدلّ كلمة الإخلاص على أنّ حقيقة المعبوديّة منحصرة بذاته جلّ وعلا. ولهذه الكلمة دلالات ثلاث:
الأُولى: المطابقيّة، أي أنّه ليس هناك معبود بحقّ لائق للعبادة غير اﷲ تعالى.
والثانية: الالتزاميّة، أي: بما أنّ المعبود بالحقّ منحصر به تعالى، فيكون واجب الوجود منحصراً به.
والثالثة: الدلالة الاقتضائيّة، وهي الدلالة العقليّة التي تثبت وحدانيّة اﷲ، وتفصيلها في علم الكلام.
فكلمة (اﷲ) في كلمة (لا إله إلّا اﷲ) هي اسم لذات واجب الوجود الجامع لجميع صفات الكمال والمنزّه عن كلّ صفة توجب النقص، فمقتضى هذا الكلام: أنّه لا يفعل شيئاً إلّا في الموارد التي هي موافقة للحكمة والمصلحة، وهذا هو معنى العدل، بعد امتناع أن يصدر منه الأفعال القبيحة، من الظلم واللّغو وغيرها، ومن لوازم عدله: إرسال الرسل وإنزال الكتب وجعل الأحكام ونصب الإمام، أي: الحافظ المبين في جميع الأزمنة، وأنّه عيّن محلّاً للجزاء، كما في المطيع والعاصي والكافر.
وممّا قيل بدلالته على الحصر: كلمة (إنّما)، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء﴾( )، وقوله: ﴿يَا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾( )، فالآية الأُولى تدلّ على أنّ الصدقات مختصّة بالفقراء، وتنفي استحقاق الصدقات عن غير الفقراء، والآية الثانية تدلّ على أنّ الذي هو من عمل الشيطان ويكون رجساً إنّما هي الاُمور المصرّح بها في الآية، دون ما سواها.
وقد استدلّوا على أنّ المستفاد من (إنّما) هو الحصر باُمور:
الأوّل: تصريح أهل اللّغة به، وأنّ النحاة أرسلوه إرسال المسلّمات.
ولكنّ شيئاً من ذلك لا يفيد القطع، خصوصاً مع ذكر التعليلات العليلة في كلامهم.
والثاني: التبادر، أي تبادر الحصر من كلمة (إنّما)، فقد فرّقوا بين أن تكون الكلمة مؤلّفة من (إنّ) الإثباتيّة و(ما) النافية، وبين أن تكون كلمة مركّبة بسيطة.
ولكن قد يستشكل على وجود المفهوم بعدم حصول الجزم بالتبادر، بل وإمكان منعه، بتقريب: أنّ موارد الاستعمالات كانت مختلفة في العرف السابق، فقد استعملوها في الحصر تارةً، وفي غيره أُخرى، ولا عبرة بما هو في عرفنا في استكشاف أنّه هل يفيد الحصر أم لا؟
وأيضاً: فحينما نراجع مواقع استعمال هذه الكلمة في كلمات الفصحاء، لم نجد موضعاً غير قابل للمناقشة في استفادة الحصر من هذه الكلمة، لأجل أنّ الاستفادة كانت بسبب القرائن،إمّا من جهة قيام القرينة المقاميّة التي تدلّ على الحصر، أو من باب تقديم ما هو حقّه التأخير، بحيث لو حذف لفظة (إنّما) لدلّت القرائن على الحصر ـ أيضاً ـ.
قال في التقريرات ـ ما نصّه ـ:
<والإنصاف: أنّه لا سبيل لنا إلى ذلك؛ فإنّ موارد استعمال هذه اللّفظة مختلفة، ولا يُعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يُستكشف منها ما هو المتبادر منها، بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة قطعاً لبعض الكلمات العربيّة، كما في أداة الشرط ونحوها.
وأمّا النقل المذكور، فاعتباره في المقام موقوف على اعتبار قول اللّغويّ في تشخيص الأوضاع على تقدير أن لا يكون ذلك منهم اجتهاداً، ولم يثبت ذلك على تقدير اعتبار مطلق الظنّ، كما قُرّر في محلّه>( ).
وأمّا ما ذكره الاُستاذ المحقّق من أنّه <لا شكّ في أنّ المتبادر منها [أي: من (إنّما)] هو حصر المسند في المسند إليه، سواء قلنا بأنّ الكلمة مركّبة من (إنّ) الإثباتيّة و(ما) النافية، أو لم نقل، وقلنا بأنّها كلمة بسيطة>( ).
فمحلّ تأمّل، فإنّ ما هو مسلّم إنّما هو استفادة التأكيد منها.
وقد أورد صاحب الكفاية على كلام التقريرات بما لفظه:
<ودعوى: أنّ الإنصاف أنّه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإنّ موارد استعمال هذه اللّفظة مختلفة، ولا يُعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يُستكشف منها ما هو المتبادر منها، غير مسموعة؛ فإنّ السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإنّ الانسباق إلى أذهان أهل العرف ـ أيضاً ـ سبيل>( ).
وقد يستشكل فيما أفاده: أنّه إن كان المراد العرف الحاضر، فإنّ الانسباق إلى أذهانهم فرع استعمالها فيه، وإن كان المراد العرف السابق، فقد عرفت اختلاف الاستعمال عنه.
فالحقّ: عدم إمكان إثبات استفادة المفهوم من كلمة (إنّما) دائماً وبنحو الموجبة الكلّيّة.
ثمّ إنّهم قد ذكروا ها هنا اُموراً أُخرى زعموا أنّها تفيد المفهوم، مثل: (بل)، وتعريف المسند إليه، وغير ذلك، ولكنّ إفادة هذه الاُمور له ليست بالقرائن العامّة والوضعيّة، بل بالقرائن المقاميّة والحاليّة.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com