قاعدة لا تعاد

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

قاعدة لا تعاد


ولابدّ من الكلام فيها في أمرين:
الأوّل: هل هي من القواعد الاُصوليّة أم لا؟
لا يخفى: أنّ القواعد الاُصوليّة هي التي لا تكون مختصّةً بباب خاصّ، وبناءً على هذا، فلابدّ من خروج هذه القاعدة عن القواعد الاُصوليّة؛ لوضوح كونها مختصّة بباب الصلاة، غاية الأمر: أنّها لمّا كانت تنطبق على فروع كثيرة، أدخلوها في سلك القواعد الفقهيّة، وجعلوها من تلك القواعد. هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى، فهي لا تقع في طريق الاستنباط حتى تكون من المسائل الاُصوليّة، بل إنّما هي حكم شرعيّ كلّيّ يُطَبَّق على مصاديقه تطبيقاً.
الثاني: هل هذه القاعدة مختصّة بالسهو والنسيان أم أنّها ـ أيضاً ـ تشمل الجهل بقسميه، أعني: الجهل بالموضوع والجهل بالحكم؟ وكذلك فهل هي شاملة لقسمي الجهل الآخرين، وهما: الجهل عن القصور والجهل عن تقصير، أم أنّها على فرض شمولها للجهل تكون مختصّة بالأوّل منهما فقط؟ كلّ هذا بعد قطعنا بعدم شمول القاعدة للخلل العمديّ، بل إنّ احتمال شمولها لإخلال العامد العالم بالحكم، لا ينبغي ـ كما أفاده الاُستاذ المحقّق( ) ـ صدوره من أحد؛ لأنّه مخالف لأدلّة الأجزاء والشرائط والموانع، إذ إنّ معنى جعل شيءٍ ما جزءاً أو شرطاً للصلاة هو أنّ المركّب الماُمور به، وهو الصلاة، لا يتحقّق بدونها، فلو كانت الصلاة صحيحة مع الإخلال بشيءٍ من أجزائها أو شرائطها عمداً من قبل العالم به، للزم الخلف لا محالة؛ لأنّ معناه أنّ ما هو جزء أو شرط أو مانع بمقتضى أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع لم يكن جزءاً ولا شرطاً ولا مانعاً، وهذا عين الخلف والتهافت.
بلا فرق في ذلك بين أن يكون الدليل المثبت للجزئيّة أو الشرطيّة وارداً بمثل لسان (يعيد)، أو بلسان نفي الصلاة وإثبات عدمها نحو (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) أو بلسان الأمر كما في مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيـْدِيَكُمْ﴾ الآية( ).
والمنسوب إلى المحقّق الميرزا الشيرازي( ) إمكان ذلك، وذلك عن طريق الالتزام بأمرين:
أحدهما: متعلّق بالخمسة المستثناة وغيرها ممّا ثبتت له الركنيّة.
والآخر: متعلّق بإتيان باقي الأجزاء والشرائط معها.
فلو أتى بالخمسة وغيرها ممّا ثبتت ركنيّته وترك الباقي عمداً مع العلم بوجوب إتيانها، كان الأمر المتعلّق بإتيان نفس تلك الخمسة وغيرها ساقطاً ببركة الامتثال، وكذلك، كان الأمر المتعلّق بإتيان باقي الأجزاء والشرائط أيضاً ساقطاً بواسطة عدم بقاء المحلّ والموضوع؛ إذ محلّه وموضوعه كان عبارةً عن إتيان باقي الأجزاء والشرائط مضافاً إلى الخمسة، والمفروض أنّه قد أتى بتلك الخمسة، وأنّ الأمر بها قد سقط.
وهكذا الحال فيما لو نذر أن يأتي بصلاته الواجبة بخصوصيّةٍ ما مستحبّة، كما لو نذر أن يأتي بصلاة الظهر ـ مثلاً ـ جماعةً، أو في المسجد، فأتى بها منفرداً، أو في الدار، فإنّ الأمر الأوّل العباديّ يسقط بمجرّد إتيان الفريضة، ولو من دون تلك الخصوصيّة؛ لصدق أنّه قد أتى بما بما هو متعلّق ذلك الأمر العباديّ، وإلّا يلزم طلب الحاصل.
ويسقط ـ أيضاً ـ الأمر الثاني، أعني: الأمر النذريّ، لعدم بقاء المحلّ والموضوع له؛ لأنّ متعلّقه كان عبارة خصوصيّة محلّ وجودها هو متعلّق الأمر الأوّل، ومع فرض تحقّق الإتيان به، فلا يبقى محلّ لتلك الخصوصيّة حتى يأتي بها.
نعم، إنّ لازم الالتزام بالأمرين بالبيان المتقدّم هو استحقاق العقاب فيما إذا كان عالماً بالحكم أو جاهلاً مقصّراً، وذلك لأنّه فوّت الواجب بإتيانه للماُمور به بذلك الأمر العباديّ بدون مراعاة الخصوصيّة التي أخذها في مورد النذر، وبدون أنّ يقصّر فيما إذا كان مسافراً، وبدون الجهر في مورد الجهر، والإخفات في مورد الإخفات.
ولكن لا بأس بالالتزام بذلك، وذلك بأن يقال:
تصحّ صلاته ولا يجب عليه الإعادة إذا أتى بالخمسة المستثناة، ونحوها ممّا ثبتت ركنيّته، وإن كان يستحقّ العقاب من ناحية تفويته الواجب الآخر.
وردّه اُستاذنا المحقّق <بأنّ هذا صرف فرض، وإلّا، فهو أمر مخالف للواقع، والمسلّم المقطوع أنّه ليس للصلاة إلّا أمر واحد متعلّق بمجموع تلك الأجزاء والشرائط وإعدام تلك الموانع>( ).
وقد نسب إلى المحقّق البروجردي في هذا المقام القول بأنّ <القاعدة إنّما هي بصدد بيان حكم المريد للامتثال، المخلّ ببعض الجوانب، ومن الواضح: أنّ من كان بهذا الصدد لا يُتصوّر في حقّه الإخلال العمديّ، وأمّا من ليس صدد الامتثال من أوّل أمره فهو خارج عن نطاق بحثها قطعاً>( ).
والحاصل: أنّه حينما يحكم المولى بالوجوب ويأمر به فإنّ أمره الوجوبيّ يكون تابعاً للمصلحة الملزمة ووجوب الإتيان به، ومعه: فلا يمكن للمولى أن يرخّص في الترك؛ لأنّ حكمه بالترك ليس إلّا نقضاً للغرض وتفويتاً للمصلحة، فشمول القاعدة للإخلال العمديّ ومآله إلى أمر محال، وهو الخلف، كما بيّنّا.
وقد يقال: بأنّه لا مانع من أنّ يرد الأمر على المركّب من ذات الأجزاء والشرائط، ولكن مع ذلك يحكم بصحّة ما أتى به من بقيّة الأجزاء، كما أنّ الأمر بالقصر والإتمام يكون كذلك، وكذا الأمر بالجهر والإخفات، مع كونهما واجبين، كلّ في محلّه، فإنّ الجاهل المقصّر لو أتى في مقام القصر بالتمام، أو بالعكس، تكون صلاته صحيحة، وإن أثم.
هذا. ولكنّ هذا الكلام إنّما كان تامّاً هناك، أي: في بابي الجهر والإخفات والقصر والتمام؛ لأنّ الأمر هناك كان ذا مراتب، ويكون متعدّداً، وأمّا هنا، فلا دليل على مثل هذا التعدّد.
وقد يقال: يمكن قياس المقام بباب الحجّ، فإنّهم حكموا بصحّته ولو ترك بعض أفعاله عمداً، ولا يجب إعادته مع ترك ذلك الفعل.
ولكن فيه: أنّه هناك أيضاً يحكم ببطلان الحجّ لنقص بعض أفعاله الواجبة بسبب إخلال العالم بالحكم به عمداً.
نعم، لو أحرزنا هناك ورود دليل فيحمل ـ بناءً على القول بالصحّة ـ بأنّه من قبيل الواجب في الواجب أو من قبيل تعدّد المطلوب.

في زيادة الجزء:
أمّا الزيادة العمديّة فهل يبطل العمل بزيادة الجزء عمداً أو سهواً، أم لا؟ يمكن أن لا تكون موجبةً للبطلان. وأمّا بالنسبة إلى النقيصة العمديّة، فمن المسلّم أنّها توجب البطلان، وإلّا، يلزم لغويّة دليل الأجزاء والشرائط، كما يلزم الخلف، وأنّ ما فرضته جزءاً أو شرطاً للواجب لا يكون كذلك.
والكلام في هذا المقام يقع في اُمور:
الأوّل: أنّه هل يمكن تصوير الزيادة في الأجزاء أو الشرائط حقيقةً وأنّها ممكنة أم لا؟
الثاني: أنّ القاعدة الأوّليّة في كلّ من الزيادة والنقيصة هل تقتضي الصحّة أم البطلان؟
الثالث: هل تقتضي الأدلّة الثانويّة خلاف الأدلّة الأوّليّة أم لا؟
أمّا الأمر الأوّل:
فإنّ اتّصاف زيادة الجزء بكونها زيادة الجزء إنّما هو في مورد لم يؤخذ في جزئيّة الجزء قيد الوحدة وكونه بشرط لا؛ إذ لو أُخذ ذلك في جزئيّته، لم يصدق عليه زيادة الجزء حينئذٍ، بل يندرج في نقص الجزء، كما في جزئيّة الركوع ـ مثلاً ـ فإذا اعتبر فيه قيد الوحدة وأتى به مرّتين صدق عليه نقص الجزء؛ إذ لا فرق في عدم تحقّق الركوع الذي هو جزء للصلاة الماُمور بها بين تركه رأساً، أو الإتيان به بدون شرطه، والذي هو عدم تكرّره.
وأما إن أُخذ لا بشرط، وهو يجتمع مع ألف شرط، فبما أنّه لا يكون مقيّداً لا بإتيان وجود آخر معه، ولا باعتبار عدمه، فلا بأس ـ حينئذٍ ـ بإتيان أكثر من فرد واحد، ولا يصدق عليه الزيادة. هذا إذا لم يكن مأخوذاً بنحو صرف الوجود؛ لأنّ صرف الوجود ينطبق على أوّل وجود للطبيعة، فلا مجال لأن يصدق هنا الامتثال عقيب الامتثال.
نعم، لو أوجد أفراداً متعدّدة دفعة واحدة، فإنّها كلّها تكون ـ حينئذٍ ـ مصداقاً للماُمور به. أمّا لو أتى بأحد الأفراد أوّلاً، حصلت الطبيعة وصرف الوجود، فيتحقّق الامتثال، ولا يبقى مجال لصدق الامتثال ثانياً، وحينئذٍ: فيصدق على الوجود الثاني أنّه من الزيادة. وهذه الزيادة، وإن لم تكن من الزيادة التي وردت في الأخبار، إلّا أنّها بلا شكٍّ من مصاديق الزيادة عرفاً.
ولكنّ الحقّ: أنّه يصدق الزيادة الحقيقيّة؛ لأنّه قد يكون الزائد من سنخ المزيد فيه، خصوصاً إذا أتى به بقصد الجزئيّة للمركّب، وإلّا، كان شيئاً أجنبيّاً عن المركّب، لا زيادةً فيه، وكذا لو افترضنا أنّه أتى بشيءٍ من سنخ أجزاء المركّب لا بقصد الجزئيّة، كما لو تحقّق منه الركوع لغرضٍ آخر، فإنّه لا يصدق عليه أنّه زاد في صلاته حينئذٍ.
وأمّا الأمر الثاني:
فهل أنّ القاعدة الأوّليّة تقتضي البطلان بزيادة الجزء عمداً أو سهواً أم لا؟
الصحيح: أنّ بطلان العمل لا يمكن إلّا بالإخلال به، بأن ترك ما اعتبر فيه وجوده، سواء كان من الأجزاء أم الشرائط، أو بأن أتى به مع ما اعتبر فيه عدمه، أي: ما اعتبر من الموانع والقواطع، سواء كان اعتبارها فيه شرعيّاً أم عقليّاً.
أمّا إذا أتى بالمركّب تامّ الأجزاء والشرائط وفاقداً لجميع الموانع فلا وجه لبطلانه عندئذٍ، ولذا كان هناك فرق بين الزيادة والنقيصة؛ إذ مع النقيصة العمديّة تكون صحّة العدم مؤدّية للوقوع في الخلف.
وهذا بخلاف الزيادة، فإنّه يمكن الحكم بصحّة العمل معها من دون أن يكون هناك أيّ محذورٍ.
وعليه: فالزيادة، سهويّةً كانت أم عمديّة، إذا قلنا بأنّها توجب البطلان، فلابدّ أن نقول بأنّ الجزء كان مأخوذاً بنحو البشرط لا، أو بأنّ هناك دليلاً تعبّديّاً ما يدلّ على البطلان، كما لو قلنا بأنّ المركّب مقيّد بعدم الزيادة.
والنتيجة: أنّ مقتضى الأصل هو عدم البطلان بالزيادة العمديّة، فضلاً عن السهويّة.
وقد يستدلّ لعدم البطلان بالاستصحاب، ويقرّب هذا الاستصحاب بتقريبين:
أوّلهما: استصحاب الصحّة التأهليّة للأجزاء التي أتى بها قبل أنّ يأتي بهذه الزيادة، والمقصود بالصحّة التأهليّة في المقام صلاحيّته لانضمام سائر الأجزاء بها، وحصول الامتثال بالمجموع.
والثاني: استصحاب الهيئة الاتّصالية التي كانت في المركّب القائم بذوات المادّة، أي بذوات الأجزاء، فكما أنّ المركّبات الخارجيّة الحقيقيّة مشتملة على مادّة، وهي أجزاء المركّب في الخارج، وعلى صورة، وهي مدار وحدته، وعليه يدور تسميته، بل تلك الصورة مبدأ أثره، فكذلك ـ أيضاً ـ في بعض المركّبات الاعتباريّة، هناك صورة ما إذا انعدمت فلا يكون للأجزاء من أثر أصلاً.
ودليل إثبات هذه الصورة للمركّب ـ بعد الفراغ عن إمكانها في عالم الثبوت ـ أدلّة القواطع؛ لأنّ معنى القاطع هو قطع تلك الهيئة الاتّصاليّة. وهذا بعينه هو الفرق بين القاطع والمانع؛ فإنّ المانع هو الذي اعتبر عدمه في المركّب، كما في لبس الذهب أو غير المأكول في الصلاة ـ مثلاً ـ وأمّا القاطع فهو ما يقطع تلك الهيئة الاتّصاليّة. ولذا لو أوجد مانعاً في حال السكونات المتخلّلة بين الصلاة ورفع حال الاشتغال، فلا يكون موجباً للبطلان البتّة، وهذا بخلاف القاطع، فإنّه أينما وُجد ـ كما في الاستدبار والحدث ـ يكون موجباً البطلان؛ وذلك لمضادته مع حالة كونه في المركّب.
وهل صدق الزيادة يحتاج إلى القصد أم لا؟
ذكر المحقّق العراقي أنّ صدق الزيادة بحاجة إلى القصد؛ لأنّ <حقيقتها ـ يعني: الصلاة ـ عبارة عن الأفعال والأذكار الخاصّة الناشئة عن قصد الصلاتيّة، لا أنّها عبارة عن مجرّد الأفعال والأذكار والهيئات الخاصّة، ولو مجرّدة عن قصد الصلاتيّة، بشهادة عدم حرمتها كذلك على الحائض إذا أتت بها على الكيفيّة الخاصّة لا بعنوان الصلاتية فعليه: يحتاج في صدق عنوان الزيادة فيها إلى قصد عنوان الصلاتية بالجزء المأتيّ به أيضاً، وإلّا، فمع فرض خلوّه عن قصد الصلاتيّة وعنوان الجزئيّة لها، لا يكون المأتيّ به حقيقةً من سنخ الصلاة، فلا يرتبط ـ حينئذٍ ـ بالصلاة حتى يصدق عليه عنوان الزيادة في الصلاة، إلّا على نحوٍ من العناية للمشاكلة الصوريّة>( ).
وبناءً على هذا، فلو قصد الجزئيّة، لأتى البطلان إلى عبادته من جهة التشريع أيضاً.
ويمكن الخدشة فيه: بأنّ الصلاة وإن كانت هي مجموعة من المقولات المتباينة التي يجمعها عنوان واحد قصديّ يوجب أن يكون اتّصاف كلّ واحد من المقولات بالجزئيّة متوقّفاً على القصد، غير أنّ ذلك لا يستلزم أن يكون صدق الزيادة متوقّفاً ـ هو بدوره ـ على القصد أيضاً؛ لأنّ الزيادة من المفاهيم العرفيّة التي لا توقّف لها على القصد، كما هو ظاهر.
ومن المعلوم، أنّ الأدلّة الدالّة على مانعيّة الزيادة ملقاة إلى العرف، ومعنى الزيادة عرفاً خالٍ من اعتبار القصد فيه، بل لو كان يحتاج إلى القصد، فلم يكن معنى للزيادة السهويّة.
وبالجملة: فحيث كان معنى الزيادة عرفاً خالياً من اعتبار القصد فيه، فلابدّ في اعتباره فيه من دليل شرعيٍّ يدلّ عليه، وهو مفقود في المقام.
وعليه: فلو كان الزائد من سنخه فيصدق عليه الزيادة مطلقاً، سواء قصده أم لا، أتى به عمداً أو سهواً، بل حتى لو قصد به الخلاف، أي: أنّه ليس جزءاً.
وأمّا غير المسانخ، كحركة اليد وضمّ الطفل، فلا يصدق عليه الجزئيّة للصلاة، وإن قصد به الجزئيّة، ولو فرض أنّ الإتيان به أوجب خللاً في الصلاة، كالتكتّف المنهيّ عنه مثلاً، فليس ذلك لصدق الزيادة، بل إنّما هو لاقترانها بالمانع، وهو النهي الوارد عنه.
ثمّ إنّ المحقّق العراقي أيّد كلامه المتقدّم بجواز سجدة التلاوة في النافلة مع وضوح اشتراك الفريضة والمندوبة في الشرائط والموانع، ولذا لا يجوز تكرار الركوع فيها بقصد الجزئيّة( ).
ويمكن أن يردّ عليه: بأنّ بين الصلاة المندوبة والصلاة الواجبة فروقاتٍ عدّة، منها: جواز الإتيان بالنافلة ماشياً وراكباً بخلاف الفريضة. ومنها: عدم وجوب سجدة السهو فيها، ومنها: جواز البناء على كلٍّ من الأقلّ والأكثر في الأوّليين، ومنها: جواز البناء على الأقلّ فيها فيما إذا شكّ بين الاثنتين أو الثلاث، ومنها: جواز ترك السورة فيها عمداً، وغير ذلك. فليكن من هذه الفروقات أيضاً اغتفار الزيادة المتحقّقة بمجرّد انضمام ما يسانخ بعض الأجزاء فيها، بلا فرق بين قصد الزيادة وعدمه.
وأمّا الأمر الثالث:
وعن حكم الزيادة، فهل هي موجبة للبطلان أم لا؟ بعدما عرفنا أنّه لا يحكم بمبطليّتها على حسب القاعدة الأوّليّة؛ لأنّ بطلان العمل لابدّ وأن يكون مستنداً إلى الإخلال به، إمّا بفقد شرطٍ أو جزءٍ منه، أو بوجود ما اعتبر عدمه فيه من الموانع والقواطع، والشكّ في بطلان العمل بعد الإتيان به مشتملاً على أمر زائد يرجع إلى الشكّ في أنّ المركّب هل كان مقيّداً بعدم ذلك أمر أم لا؟
فيرجع ـ حينئذٍ ـ إلى الشكّ في الأقلّ والأكثر في باب الأجزاء التحليليّة، فإذا كان للمركّب إطلاق ينفي قدح الزيادة في العمل وإخلالها به، لم يكن العمل باطلاً، وأمّا لو لم يكن له إطلاق، بأن لم يكن لفظيّاً، كالإجماع، أو كان كذلك، ولكن لم تتمّ فيه مقدّمات الحكمة، فتصل النوبة ـ حينئذٍ ـ إلى الأصل العمليّ، من استصحاب الصحّة ونحوه، وإلّا ، فالمرجع إلى البراءة عن مانعيّة الزيادة.
هذا كلّه فيما تقتضيه القاعدة.
وأمّا ما يقتضيه الدليل، فقد وردت روايات تدلّ على بطلان الصلاة والطواف والسعي بالزيادة مطلقاً، أو خصوص العمديّة، فلابدّ من ملاحظة تلك الروايات والتعرّض للجمع فيما بينها. فنقول:
لا يخفى: أنّ روايات الصلاة على طوائف:
الاُولى: ما دلّ على البطلان بالزيادة مطلقاً، سواء كانت عن عمد أم سهواً، وهي نصوص عدّة:
منها: ما ورد عن أبي بصير، قال: <قال أبو عبد اﷲ من زاد في صلاته فعليه الإعادة>( ).
ولكنّ الذي يظهر من هذه الرواية: أنّه لو أتى بالزيادة سهواً ـ أيضاً ـ يكون مبطلاً، مع أنّ الزيادة السهويّة ليست بمبطلة يقيناً، والزيادة العمديّة خارجة عن موضوع الكلام، فلابدّ من حملها على زيادة الأركان أو على الزيادة في عدد الركعات.
ومنها: معتبرة عليّ بن جعفر عن أخيه قال: <سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم، أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها. قال: يسجد ثمّ يقوم، فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع، وذلك زيادة في الفريضة> الخبر( ).
ولكن فيها تعارض بين الصدر والذيل، فيحمل الصدر على التقية؛ لأنّ الظاهر كون الذيل وارداً في مقام بيان الحكم الواقعيّ.
والدليل على ذلك ما ورد عن زرارة عن أحدهما قال: <لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة>( ).
الطائفة الثانية: ما جاء مختصّاً بحال السهو، ولكنّه كان مطلقاً من ناحية الأركان، كخبر زرارة وبكير بن أعين: <إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان استيقن يقيناً>( ).
الطائفة الثالثة: ما دلّ على الصحّة وعدم البطلان مطلقاً في صورة السهو، سواء كان بالزيادة أم نقيصة، وسواء كان في الأركان أم في غيرها، مثل مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد اﷲ قال: <تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان>( ).
والطائفة الرابعة: ما دلّ على البطلان في خصوص الأركان مطلقاً، زيادة كان أو نقيصة، وعدم البطلان كذلك في غيره، كحديث <لا تعاد> المتقدّم.
وتقع المعارضة بين حديث (لا تعاد) وبين خبر أبي بصير الذي مرّ في الطائفة الأُولى، فحديث (لا تعاد) يعارضها في غير الأركان في صورة السهو في عقد المستثنى منه بالظهور، بل بنحو النصوصيّة، ويكون مقدّماً عليها، وإن كان بينهما عموم وخصوص من وجه.
فإن قيل: حديث (لا تعاد) ليس شاملاً للزيادة؛ لأنّه لا يمكن تصوّر الزيادة في الطهور والوقت والقبلة، فلا تعارض هنا أصلاً.
قلنا: أوّلاً: يكفي أن يكون التعارض بين إحدى فقرتي الرواية وبين المستثنى منه، ولو لم يكن تعارض في المستثنى.
وثانياً: لو فرض عدم إمكان تصوّر الزيادة في بعض الاُمور، ولكن يكفي لإثبات عموم الحكم إمكان تصوّر مصداق لها في بعض التقادير، ولو لم يكن تصوّره ممكناً في بعض آخر.
هذا بالنسبة إلى الزيادة السهويّة.
وأمّا الزيادة العمديّة، فحيث إنّ حديث (لا تعاد) لا يشملها فهي باقية تحت عموم الحكم العامّ، وهو وجوب الإعادة وبطلان الصلاة، إذ بعد كون النسبة بين الرواية الاُولى وبين الحديث المذكور عموم من وجه، يكون حديث (لا تعاد) حاكماً عليها، فلا معارضة بينهما؛ ضرورة تقدّم الحاكم على المحكوم.
وأمّا الرواية الثانية، التي كانت مختصّة بحال السهو ومطلقة من حيث الأركان، فهي ـ أيضاً ـ بينها وبين حديث (لا تعاد) عموم من وجه؛ لأنّ الحديث مختصّ في مورد المعارضة بغير الأركان، فيكون مقدّماً على الرواية من باب الحكومة.
نعم، يبقى الكلام في قوله: <تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان>، فبما أنّها عامّة من حيث الأركان أيضاً، فتكون معارضة لحديث (لا تعاد) الذي يثبت به الصحّة بالنسبة إلى غير الركن، فيكون مقدّماً عليها أيضاً، وبالتالي: فيحكم بالصحّة ولزوم الإتيان بالسجدة في غير الركن، وأمّا في الركن فيكون باطلاً.

مسألة: في مقتضى القواعد الأوّليّة عند التعذّر:
إذا تعذّر وجود جزء أو شرط أو عدم مانع بواسطة الاضطرار أو شيءٍ من الأعذار الأُخَر، بمعنى: أنّه اضطرّ إلى ترك جزء أو شرط في الماُمور به، أو اضطرّ إلى وجود مانع أو أُكره على ذلك، بعدما كان لوجود الجزء أو الشرط أو عدم المانع دخل في الماُمور به، فهل يسقط الوجوب ـ بمقتضى القواعد الأوّليّة ـ عن بقيّة الأجزاء؛ لعدم تمكّنه من الإتيان بجميع أجزاء المركّب أم لا، بل الذي يسقط عندئذٍ هو وجوب الجزء أو الشرط أو المانع دون بقيّة الأجزاء؟
فنقول: إن كان لدليل الجزء أو الشرط إطلاق بحيث يجب الإتيان به في جميع الحالات، فلا كلام في سقوط المركّب حينئذٍ؛ لوضوح انتفاء الكلّ والمشروط بانتفاء الجزء أو الشرط، فلا يفيد الإتيان بالباقي إلّا إذا دلّ دليل خارجيّ على وجوب الإتيان بالباقي، كقاعدة الميسور، كما إذا كان لدليل المركّب إطلاق فيقتضي مطلوبيّته مطلقاً، ولو تعذّر بعضه من دون حاجة إلى دليل ثانويّ آخر، كقاعدة الميسور، فإنّ إطلاق دليل المركّب يقتضي وجوب بقيّة الأجزاء، ولو تعذّر الإتيان ببعضها.
وبعبارة أُخرى: فإنّه لو كان لدليل الجزء أو الشرط إطلاق يشمل جميع الحالات، كان مقتضى الإطلاق هو ركنيّتهما؛ فإنّ عدم الإمكان بهما يوجب سقوط الأمر عن بقيّة الأجزاء، حيث إنّ انتفاء الكلّ يكون بسبب انتفاء جزئه أو شرطه، إلّا إذا وُجد دليل ثانويّ، كقاعدة الميسور، ودلّ على وجوب الإتيان بالباقي.
وأمّا لو كان لدليل الواجب والماُمور به إطلاق، ولم يكن لدليل الجزء والشرط إطلاق، فإنّ مقتضى هذا الإطلاق هو وجوب الإتيان بما عدا المتعذّر من سائر الأجزاء، فإنّ معنى إطلاق دليل المركّب أنّه مطلوب على الإطلاق، وأنّه يجب الإتيان به وإن تعذّر بعض أجزائه أو شروطه، ولا يحتاج ـ حينئذٍ ـ في إثبات الوجوب بالنسبة إلى بقيّة الأجزاء إلى أيّ دليل ثانويّ، بل يثبت وجوب الباقي بنفس دليل المركّب.
وأمّا لو كان دليل المركّب أو الشرط لبّيّاً، أو كان لفظيّاً، ولكنّه كان مجملاً، ولم يعلم من دليليهما أنّ وجوبهما ثابت على نحو الإطلاق، أي: حتى في حال العجز، أو أنّه يكون جزءاً وشرطاً فقط في حال التمكّن.
فبناءً على الأوّل: يسقط الأمر عن البقيّة؛ لأنّه قد عجز عن الإتيان بالمركّب من الجزء أو الشرط، وكان وجوبهما ثابتاً على الإطلاق، فهما من أركان المركّب، والمركّب ينتفي بانتفاء شيءٍ من أركانه.
وأمّا بناءً على الثاني، وهو أن تكون الجزئيّة أو الشرطيّة مقيّدة بحال التمكّن، فيبقى الأمر عند العجز، ويجب معه الإتيان ببقيّة الأجزاء.
وأمّا إذا لم يكن لشيء من دليلي الماُمور به والأجزاء إطلاق؛ لفرض إجمالهما، أو إهمالهما، بأن لم يكن مجال لاستفادة الإطلاق من خطابيهما، وكان كلّ منهما قاصراً عن ذلك في مقام الإثبات، إمّا لكونه مجملاً من ناحية اشتراك اللّفظ، أو لكونه مهملاً، أي: أنّ المولى لم يكن في مقام البيان، فحيث لم يكن شيء منهما مطلقاً، ليثبت دخل الجزء أو الشرط مطلقاً، أو مبيّناً، ليثبت أنّهما دخيلان في حال التمكّن، فيجري الشكّ ـ حينئذٍ ـ في كونهما دخيلين على الإطلاق، أم أنّهما دخيلان فقط في حالة التمكّن.
وهو ـ أعني: هذا الشكّ ـ مجرى للبراءة العقليّة؛ لأنّ العقاب ـ حينئذٍ، أي: لو تركنا بقيّة الأجزاء ـ يكون عقاباً بلا بيان.
وخلاصة البحث: أنّه مع الشكّ في كون الجزء أو الشرط دخيلاً في حالتي التمكّن والعجز معاً، أو في خصوص حال التمكّن، وانعدام الدليل الاجتهاديّ المعيّن لأحدهما، فلا محالة: تجري البراءة العقليّة عن وجوب الباقي إذا تعذّر بعض أجزاء الواجب أو شرائطه؛ لأنّ العقاب على ترك الباقي ـ كما أشرنا ـ عقاب بلا بيان.
هذا كلّه إذا كان لكلّ واحدٍ من الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة أمر على حدة.
وأمّا لو كان هناك أمر واحد فقط، وقد ورد هذا الأمر على الماُمور به، بجميع قيوده وشروطه وموانعه، فلا إشكال ـ حينئذٍ ـ في سقوط المقيّد عند تعذّر القيد، ولا يجب الإتيان بالباقي، بل يكون وجوب الباقي بحاجةٍ إلى أمر جديد.
وقد يقال: إنّ البراءة العقليّة وإن كانت جارية لإثبات عدم وجوب الباقي ورافعة للعقاب على تركه، إلّا أنّ حديث الرفع يجري، وتجري البراءة الشرعيّة لنفي الجزئيّة والشرطيّة في حال التعذّر، والبناء على وجوب الباقي بها، حيث إنّ حديث الرفع يضيّق دائرة الجزئيّة أو الشرطيّة ويخصّصها بحال التمكّن فحينئذٍ: لا يكون للجزء أو الشرط المتعذّر دخل في الواجب حتى يقيّد الباقي به ويلتزم بسقوطه، بل يكون الباقي مطلقاً بالنسبة إلى المتعذّر، فيجب الإتيان به، فيكون وزانه ـ والحال هذه ـ وزان النسيان، فكما يثبت هناك بحديث الرفع وجوب ما عدا الجزء أو الشرط المنسيّ، فكذلك يثبت به هنا وجوب ما عدا المتعذّر من الجزء أو الشرط.
وبكلمةٍ: فإنّ الشكّ في بقاء الباقي يكون ناشئاً عن الشكّ في اعتبار المتعذّر على الإطلاق، أي: حتى في حال التعذّر، وحديث الرفع يرفع اعتباره كذلك، ومقتضاه بقاء وجوب الباقي وعدم تقييده بالمتعذّر.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com