الفصل الثاني: في الشرائــــــط

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

يشترط في وجوب الجهاد أمور:

الاول : التكليف ، فلا يجب على المجنون ولا على الصبي.
الثاني: الذكورة، فلا يجب على المرأة اتفاقاً ، وتدل عليه ـ مضافاً الى سيرة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ـ معتبرة الاصبغ، قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (كتب الله الجهاد على الرجال والنساء، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من اذى زوجها)(1).
الثالث: الحرية على المشهور ودليله غير ظاهر ، والاجماع المدّعى على ذلك غير ثابت.
نعم إن هنا روايتين: احداهما رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن معنا مماليك لنا وقد تمتعوا ، علينا أن نذبح عنهم؟ قال: فقال: (آن المملوك لاحج له ولا عمرة ولا شيء)(2).
والاخرى رواية آدم بن علي، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: (ليس على المملوك حجّ ولا جهاد) الحديث(4) ولا يمكن الاستدلال بشيء منها على اعتبار الحريّة.
أما الرواية الاولى فهي ضعيفة سنداً ودلالة.
أما سنداً ، فلأن الموجود في التهذيب وإن كان هو رواية الشيخ بسنده عن العباس عن سعد بن سعد ، الا أن الظاهر وقوع التحريف فيه، والصحيح عبّاد ، عن سعد بن سعد ،وهو عباد بن سليمان ، حيث أنه راوٍٍ لكتاب سعد بن سعد وقد أكثر الرواية عنه وطريق الشيخ الى عبّاد مجهول، فالنتيجة أن الرواية ضعيفة سنداً.
وأما الدلالة ، فلانه لايمكن الأخذ باطلاقها لاستلزامه تخصيص الاكثر المستهجن لدى العرف.
هذا مضافاً الى انه لايبعد ان يكون المراد من الشيء في نفسه ما هو راجع الى الحج.
وأما الرواية الثانية فهي وإن كانت تامة دلالة الا انها ضعيفة سنداً فان ادم ابن علي لم يرد فيه توثيق ولا مدح.
الرابع: القدرة ، فلا يجب على الاعمى والاعرج والمقعد والشيخ الهم والزمن والمريض والفقير الذي يعجز عن نفقة الطريق والعيال والسلاح ونحو ذلك، ویدل عليه قول الله تعالى: (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج)(3) وقوله تعالى : (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لايجدون ما ينفقون حرج)(4).
(مسألة 1): الجهاد واجب كفائي ، فلا يتعين على أحد المسلمين الا ان يعينه الامام عليه السلام لمصلحة تدعو الىذلك، او فيما لم يكن من به الكفاية موجوداً الا بضمه كما انه يتعين بالنذر وشبهه .
(مسألة 2): ان الجهاد مع الكفار من أحد اركان الدين الاسلامي وقد تقوى الاسلام وانتشر امره في العالم بالجهاد مع الدعوةالى التوحيد في ظل راية النبي الاكرم صلى الله ليه وآله وسلّم، ومن هنا قد اهتم القران الكريم به في ضمن نصوصه التشريعية حيث قد ورد في الآيات الكثيرة وجوب القتال والجهاد علىالمسلمين مع الكفار المشركين حتى يسلموا او يقتلوان ومع أهل الكتاب حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن الطبيعي أن تخصص هذا الحكم بزمان موقت وهو زمان الحضور لا ينسجم مع اهتمام القران وأمره به من دون توقيت في ضمن نصوصه الكثير، ثم ان الكلام يقع في مقامين:
المقام الاول: هل يعتبر اذن الامام عليه السلام أو نائبه الخاص في مشروعية اصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟ فيه وجهان:
المشهور بين الاصحاب هو الوجه الاول، وقد استدل عليه بوجهين
الوجه الاول دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه ان الاجماع لم يثبت ، اذ لم يتعرض جماعة من الاصحاب للمسألة ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله:
ويشترط في وجوب الجهاد وجود الامام  (عليه السلام) او من نصبه على المشهور بين الاصحاب ولعل مستنده اخبار لم تبلغ درجة الصحة مع معارضتها بعموم الايات ففي الحكم به اشكال(5).
ثم على تقدير ثبوته فهو لايكون كاشفاً عن قول المعصوم عليه السلام لاحتمال ان يكون مداركه الروايات الآتية فلا يكون تعبدياً.
نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الامر، النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم أوالامام عليه السلام بعده.
الوجه الثاني الرويات التي استدل بها على اعتبار اذن الامام عليه السلام في مشروعية الجهاد والعمدة منها روايتان:
الاولى رواية سويد القلاء، عن بشير ، عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له أني رأيت في المنام اني قلت لك، أن القتال مع غير الامام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم هو كذلك ، فقال ابو عبد الله عليه السلام (هو كذلك هو كذلك)(6).
وفيه أن هذه الرواية مضافاً الى امكان المناقشة في سندها على اساس أنه لا يمكن لنا اثبات أن المراد من بشير الواقع في سندها هو بشير الدهان ، ورواية سويد القلاء عن بشير الدهان في مورد لاتدل على ان المراد من بشير هنا هو بشير الدّهان ، مع ان المسمى بـ (بشير) متعدّد في هذه الطبقة ولا يكون منحصراًبـ (بشير) الدهان .
نعم روى في الكافي هذه الرواية مرسلاً عن بشير الدهان(7)، وهي لاتكون حجة من جهة الارسال وقابلة للمناقشة دلالةً، فان الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته وبمتابعة فيه، ولا تدل على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار اذا رأى المسلمون من ذوي الآراء والخبرة فيه مصلحة عامة للاسلام واعلاء كلمة التوحيد بدون إذن الإمام عليه السلام كزماننا هذا.
الثانية رواية عبد الله بن مغيرة ، قال محمد بن عبد الله للرضا (عليه السلام) وأنا اسمع: حدثني أبي، عن أهل بيته، عن آبائه أنه قال له بعضهم: ان في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، وعدواً يقال له الديلم ، فهل من جهاد؟ أو هل من رباط ؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه. فأعاد الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، اما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فان أدركه كان كمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدراً، وان مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه، الحديث(8).
ولكن الظاهر انها في مقام بيان الحكم المؤقت لا الحكم الدائم بمعنى أنه لم يكن في الجهاد او الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص، ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد مع أنه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الإمام عليه السلام وثبوته في زمان الغيبة ومما يؤكد ذلك أنه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب اذا قبلوا ذلك مع أن أخذ الجزية إنما هو في مقابل ترك القتال معهم، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعاً لم يجز أخذ الجزية منهم أيضاً.
وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة وثبوته في كافة الاعصار لدى توفر شرائطه، وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للاسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لايحتمل عادة أن يخسروا في المعركة، فاذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم.
وأما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكام وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات الله عليه فهو اجنبي عن مسألتنا هذه وهي الجهاد مع الكفار رأساً ، ولا يربط بها نهائياً.
المقام الثاني: أنا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أولاً؟ يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة.
وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي، وهو أن على الفقيه أن يشاور في هذا الامر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين حتى يطمئن بأن لدى المسلمين من العدة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين ، وبما ان عملية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة الى قائد وآمر يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم، فلا محال يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط، فانه يتصدى لتنفيذ هذا الامر المهم من باب الحسبة على اساس أن تصدّى غيره لذلك يوجب الهرج والمرج ويؤدي الى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل.
(مسألة 3): اذا كان الجهاد واجباً على شخص عيناً على اساس عدم وجود من به الكفاية، لم يكن الدين الثابت على ذمته مانعاً عن وجوب الخروج اليه، بلا فرق بين كون الدين حاّلاً أو مؤجلاً ، بلا فرق بين إذن الغريم فيه وعدم إذنه ، نعم لو تمكن ـ والحال هذه ـ من التحفظ على حق الغريم بإيصاء أو نحوه وجب ذلك وأما اذا كان من به الكفاية موجوداً لم يجب عليه الخروج الى الجهاد مطلقاً وإن كان دينه مؤجلاً أو كان حالاً ولكن لم يكن موسراً ، بل لايجوز إذا كان موجباً لتفويت حق الغير.
(مسألة 4): إذا منع الابوان ولدهما عن الخروج الى الجهاد فان كان عينياً وجب عليه الخروج ولا أثر لمنعهما، وأن لم يكن عينياً ـ لوجود من به الكفاية ـ لم يجز له الخروج اليه اذا كان موجباً لايذائهما لا مطلقاً .
وفي اعتبار الابوين حرين إشكال بل منع لعدم الدليل عليه.
(مسألة 5): اذا طرأ العذر على المقاتل المسلم أثناء الحرب فإن كان مما يعتبر عدمه في وجوب الجهاد شرعاً كالعمى والمرض ونحوهما سقط الوجوب عنه ، وأما اذا كان العذر مما لايعتبر  عدمه فيه، وإنما كان اعتباره لأجل المزاحمة مع واجب آخر كمنع الابوين أو مطالبة الغريم أو نحو ذلك فالظاهر عدم السقوط، وذلك لان الخروج الى الجهاد وإن لم يكن واجباً عليه الاّ أنه اذا خرج ودخل فيه لم يجز تركه والفرار عنه، لانه يدخل في الفرار من الزحف والدبر عنه وهو محرم.
(مسألة 6): اذا بُذل للمعسر ما يحتاج اليه في الحرب، فان كان من به الكفاية موجوداً لم يجب عليه القبول مجاناً فضلاً عما اذا كان بنحو الاجارة وان لم يكن موجوداً وجب عليه القبول ، بل الظاهر وجوب الاجارة عليه على أساس أن المعتبر في وجوب الجهاد على المكّلف هو التمكن، والفرض أنه متمكن ولو بالاجارة.
(مسألة 7): الاظهر أنه لايجب، عيناً ولا كفاية، على العاجز عن الجهاد بنفسه لمرض أو نحوه ان يجهز غيره مكانه، حيث إن ذلك بحاجة الى دليل ولا دليل عليه، نعم لا شبهة في استحاب ذلك شرعاً على أساس أن ذلك سبيل من سبل الله ، هذا فيما اذا لم يكن الجهاد الواجب متوقفاً على اقامة غيره مكانه، والا وجب عليه ذلك جزماً.
(مسألة 8): الجهاد مع الكفار يقوم على اساس أمرين:
الاول: الجهاد بالنفس:
الثاني : الجهاد بالمال:
ويترتب على ذلك وجوب الجهاد بالنفس والمال معاً على من تمكن من ذلك كفاية إن كان من به الكفاية موجوداً، وعيناً إن لم يكن موجوداً ، وبالنفس فقط على من تمكن من الجهاد بها كفاية أو عيناً، والمال فقط على من تمكن من الجهاد به كذلك وتدل على ذلك عدة من الآيات.
ومنها قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (9).
ومنها قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(10).
ومنها قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(11).
وتدل على ذلك ايضاً معتبرة الاصبغ المتقدمة في الشرط الثاني من شرائط وجوب الجهاد.
ثم أن كثيراً من الاصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة، ولا يبعد أن يكون ذلك لوضوح الحكم، فلا يصغي الى ما قيل من عدم وجدان قائل بوجوب الجهاد بالنفس والمال معاً على شخص واحد.
حرمة الجهاد في الاشهر الحرم
(مسألة 9): يحرم القتال في الاشهر الحرم ـ وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم ـ بالكتاب والسنة، نعم اذا بدأ الكفار في القتال في تلك الاشهر جاز قتالهم فيها على اساس أنه دفاع في الحقيقة ، ولا شبهة في جوازه فيها، وكذا يجوز قتالهم في تلك الاشهر قصاصاً، وذلك كما اذا كان الكفار بادئين في القتال في شهر من تلك الاشهر جاز للمسلمين ان يبدؤ فيه في شهر آخر من هذه الاشهر في هذه السنة أو في السنة القادمة ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(12).
(مسألة 10): المشهور ان من لايرى للاشهر الحرم حرمة جاز قتالهم في تلك الاشهر ابتداءً ولكن دليله غير ظاهر عندنا.
(مسألة 11): يجوز قتال الطائفة الباغية في الاشهر الحرم، وهم الذين قاتلوا الطائفة الاخرى ولم يقبلوا الإصلاح وظلّوا على بغيهم على تلك الطائفة وقتالهم، فان الآية الدالة على حرمة القتال في الاشهر الحرم تنصرف عن القتال المذكور حيث انه لدفع البغي وليس من القاتال الابتدائي كي يكون مشمولاً للاية.
(مسألة 12): يحرم قتال الكفار في المسجد الحرام الا أن يبدأ الكفار بالقتال فيه فعندئذ يجوز قتالهم فيه، ويدلّ عليه قول تعالى: (وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)(13).
(مسألة 13): لايجوز البدء بقتال الكفار الا بعد دعوتهم الى الاسلام، فاذا قام المسلمون بدعوتهم اليه ولم يقبلوا وجب قتالهم.
واما اذا بدؤا بالقتال قبل الدعوة وقتلوهم ، فانهم وان كانوا آثمين الا انه لا ضمان عليهم، على اساس أنه لاحرمة لهم نفساً ولا مالاً.
نعم لو كانوا مسبوقين بالدعوة او عارفين بها لم يجب عليهم دعوتهم مرة ثانية، بل يجوز البدء بالقتال معهم حيث ان احتمال الموضوعية في وجوب الدعوة غير محتمل.
(مسألة 14): اذا كان الكفار المحاربون على ضعف من المسلمين بأن يكون واحد منهم في مقابل أثنين من هؤلاء الكفار وجب عليهم أن يقاتلوهم، وذلك لقوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ، الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(14) فانه يدّل على ان كل فرد من المسلمين في مقابل اثنين منهم ويدلّ عليه موثقة مسعدة بن صدقة أيضاً عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (أن الله عزوجل فرض على المؤمنين ـ الى أن قال ـ ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من الله عزوجل فنسخ الرجلان العشرة)(15).
نعم اذا حصل العلم بالشهادة لفرد من المسلمين المقاتلين اذا ظلّ على القتال مع الاثنين منهم ، جاز له الفرار اذا لم يترتب فائدة عامة على شهادته ، لانصراف الآية المزبورة عن هذا الفرض.
واما اذا كان الكفار اكثر من الضعف فلا يجب عليهم الثبات في القتال معهم الا اذا كانوا مطمئنين بالغلبة عليهم واذا ظنوا بالغلبة لم يجب عليهم الثبات او البدء في القتال معهم، ولكن لاشبهة في مشروعية الجهاد في هذا الفرض في الشريعة المقدسة وذلك لاطلاق الآيات المتضمنة لترغيب المسلمين فيه.
واما اذا ظنوا بغلبة الكفار عليهم فهل الجهاد مشروع في هذا الفرض ؟ قیل بعدم المشروعية ووجوب الانصراف وقيل بالمشروعية ومرغوبية الجهاد، والظاهر هو الثاني لاطلاق الآيات.
(مسألة 15): لايجوز الفرار من الزحف الا لتحرف في القتال أو تحيز الى فئة وان ظنوا بالشهادة في ساحة المعركة وذلك لإطلاق الآية الكريمة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبارَ ، وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ)(16).
(مسألة 16): يجوز قتال الكفار المحاربين بكل وسيلة ممكنة من الوسائل والادوات الحربية في كل عصر حسب متطلبات ذلك العصر، ولا يختص الجهاد معهم بالادوات القتالية المخصوصة.
(مسألة 17): قد استثني من الكفار الشيخ الفاني والمرأة والصبيان، فانه لا يجوز قتلهم، وكذا الاسارى من المسلمين الذين أسروا بيد الكفار، نعم لو تترس الاعداء بهم جاز قتلهم اذا كانت المقاتلة معهم أو الغلبة عليهم متوقفة عليهم.
وهل تجب الدية على قتل المسلم من هؤلاء الاسارى وكذا الكفارة؟ الظاهر عدم الوجوب ، اما الدية فمضافاً الى عدم الخلاف فيه تدل عليه معتبرة السكوني عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (من اقتص منه فهو قتيل القرآن)(17)وذلك فان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم الموضوع هو أن كلما كان القتل بأمر الهي فلا شيء فيه من الاقتصاص والدية، والقتل بالقصاص من صغريات تلك الكبرى وتؤيد ذلك رواية حفص بن غياث، قال: سألت ابا عبد الله عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز ان يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والاسارى من المسلمين والتجار؟ فقال: (يفعل ذلك بهم ولايمسك عنهم هؤلاَُِّء ولا دية عليهم للمسلمين ولاكفارة ) الحديث(18).
واما الكفارة فهل تجب أولاً فيه وجهان المشهور بين الاصحاب وجوبها، وقد يستدل على الوجوب بقوله تعالى: (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(19).
بدعوى أن الآية تدل على الوجوب في المقام: الاولوية، وفيه أنه لا أولوية فان القتل في مورد الآية قتل خطئي ولا يكون بمأمور به والقتل في المقام يكون مامور به على انه لو تم الاستدلال بالآية في المقام فظاهرها وجوب الكفارة على القاتل كما نص على ذلك غير واحد من الاصحاب وهو على خلاف مصلحة الجهاد.فانه يوجب التخاذل فيه كما صرح به الشهيد الثاني (قدس سره) فالصحيح هو عدم وجوب الكفارة في المقام المؤيد برواية حفص المتقدم.
(مسألة 18): المشهور كراهة طلب المبارزة في الحرب بغير إذن الامام عليه السلام) ، وقيل :يحرم وفيه اشكال والاظهر طلبه اذا كان أصل الجهاد مشروعاً
(مسألة 19): اذا طلب الكافر مبارزاً من المسلمين ولم يشترط عدم الاعانة بغيره جاز اعانته، والمشهور على أنه لايجوز ذلك اذا اشترط عدم الاعانة بغيره حيث أنه نحو أمان من قبل غيره فلا يجوز نقضه ولكنه محل إشكال بل منع.
(مسألة 20): لايجوز القتال مع الكفار بعد الامان والعهد ، حيث إنه نقض لهما وهو غير جائز.
ويدل عليه غير واحدة من الروايات ،ـ منها صحيحة جميل عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا اراد أن يبعث سرية دعاهم فاجلسهم صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه ثم يقول ـ الى أن قال ـ وأيما رجل من ادنى المسلمين او افضلهم نظر الى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله فان تبعكم فاخوكم في الدين ، وإن ابى فابلغوه مامنه واستعينوا بالله)(20).
ومنها معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (يسعى بذمّتهم أدناهم)؟ قال: (لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فاشرف رجل فقال: أعطوني الامان حتى القى صاحبكم واناظره، فاعطاه ادناهم الامان وجب على أفضلهم الوفاء به.)(21).
نعم تجوز الخدعة في الحرب ليتمكنوا بها من الغلبة عليهم، وتدل عليه معتبرة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه أن علياً عليه السلام كان يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم الخندق: (الحرب خدعة) ويقول : تكلموا بما أردتم)(22).
(مسألة 21): لايجوز الغلول من الكفار بعد الامان، فانه خيانة ، وقد ورد في صحيحة جميل المتقدمة آنفاً، وفي معتبرة مسعد بن صدقة نهى النبي 0صلى الله علية وآله وسلم) عن الغلول(23) وكذالاتجوز السرقة من الغنيمة على اساس أنها ملك عام لجميع المقاتلين.
(مسألة 22): لايجوز التمثيل بالمقتلوين من الكفار ، لورود النهي عنه في صحيحة جميل ومعتبرة مسعدة المتقدمتين آنفاً وكذا لايجوز القاء السم في بلاد المشركين لنهي النبي (صلى الله عليه وله) وفي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهى رسول الله (صلى الله عليه وىله وسلم) أن يُلقى السم في بلاد المشركين)(24).
      نعم اذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك كما اذا توقف الجهاد او الفتح عليه جاز، واما القاؤه في جبهة القتال فقط من جهة قتل المحاربين من الكفار فلا بأس به.
(1) الوسائل ج11، باب 4 ، من أبواب جهاد العدو الحديث 1.
(2) و(4)  الوسائل ج8 ، باب 15، من من وجوب الحج الحديث 3و4 .
(3) سورة الفتح ، الآية 17.
(4) سورة التوبة، الآية 91.
(5) كفاية الاحكام: 74.
(6) الوسائل ج11 باب 12 من ابواب جهاد العدو، الخديث 1.
(7) الوسائل ج11 باب 12 من جهاد العدو ، ذيل الحديث 1.
(8) الوسائل ج11 باب 12 من جهاد العدو ، الحديث 5.
(9) سورة التوبة، الآية 41.
(10) سورة التوبة، الاية 81.
(11) سورة الصف، الآية 10 و11.
(12) سورة البقرة، الآية 194.
(13) سورة البقرة، الآية 191.
(14) سورة اللانفال ، الآية 65-66.
(15) الوسائل ج11 باب 27 من جهاد العدو ، الحديث 2.
(16) سورة الانفال الآية 15-16.
(17) الوسائل ج19 باب 24 من قصاص النفس  ، الحديث 2.
(18) الوسائل ج11 باب 16 من جهاد العدو ، الحديث 2.
(19) سورة النساء الآية 92.
(20) الوسائل ج11 باب 15 من جهاد العدو ،ذيل الحديث 1.
(21) الوسائل ج11 باب 20 من جهاد العدو ، الحديث 1.
(22) الوسائل ج11 باب 53 من جهاد العدو ، الحديث 1.
(23) الوسائل ج11 باب 15 من جهاد العدو ، الحديث 3.
(24) الوسائل ج11 باب 16 من جهاد العدو ، الحديث 1.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com