الفصل الثاني: الكلام في الحديثين الواردين الآمرين بالابتداء بالبسملة والتحميد وعلاج معارضتهما

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

قد ورد في الحديث أنه (عليه السلام) قال: «كل أمر ذي بال لم يُذكر، وفي رواية لم يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر ـ بل قال لاتدعها ولو كان بعدها شعر» ([1])، وفي تفسير العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين في حديث ان رجلاً قال: قال له إن رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس فقال: تركك حين جلست أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ان رسول الله حدثني عن الله أنه قال: كل امر ذي بال لم يذكر الله فيه فهو أبتر ([2]).
والبال بمعنى الشأن والحال لقوله تعالى: (..... وَأَصْلَحَ بَالَهُم) ([3]). أي (شأنهم وحالهم بأن نصرهم على عبادتهم في الدنيا ويدخلهم الجنة في العقبى) ([4]). وقوله تعالى: (قَالَ فَما بَالُ القُروْن الأولى) ([5]). أي ما حال الأمم الماضية في السعاده والشقاوة، والابتر ـ المقطوع الذنب وبتر الشيء بتراً ـ أي قطعه قبل الاتمام ـ وفي الحديث: ـ
«من سد طريقاً بتر الله عمره) أي قصر عليه أجله وقطعه.
وعن علي بن ابراهيم عن أبيه عن علي بن حسام عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «كل دعاء لايكون قبله تحميد فهو أبتر، انما التحميد ثمّ الثناء، قلت: ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال: يقول اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم» ([6]).
ومعنى الحديث الأول أن كل أمر ذي شأن وخطر الذي يُهْتَمُّ، به اذا لم يُبدأ ببسم الله فلايكمل وورد أيضاً كل أمر ذي بال لايُبدأ بحمد الله فهو أقطع ([7]). والاقطع هو المقطوع اليد وهو هنا كناية عن عدم اكمال العمل أيضاً.
وورد أيضاً: كل دعاء لايكون فيه تحميد فهو أبتر ([8]).
وفي الدعاء: أعوذ بك من الذنوب التي تقطع الرجاء.
وقبل الدخول في علاج التعارض بين الروايتين لابد من بيان أمور:
الأول: الفرق بين الحمد والمدح والشكر، وقد عرّفوا الحمد بالثناء باللسان على جميل الاختيار بقصد التبجيل للممدوح، أي هو الثناء على أمر جليل جميل صدر عن الاختيار، نعمةً كانت أو غيرها. وحمد الله جل وعلا يكون حمداً على الآثار الاختيارية الصادرة عن ذاته المقدسة. ومقابل الحمد الذم والمنعوت سواء أكانت الفضائل أو الفواضل.
والمراد من الاختيار مقابل الأضطرار والمضطر هو الذي احوجه الشيء لكي يصدر منه الفعل مقابل المختار، قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ) ([9]).
وقيل المضطر: هو الذي أحوجه، مرضٌ أو فقر أو نازلة من نوازل الأيام، الى التضرع الى الله تعالى.
وفي الحديث نهي عن بيع المضطر، أو لاتبع من مضطر. يتصور من وجهين:
الأول: بمعنى أنه اضطر الى اجراء العقد بطريق الاكراه عليه.
الثاني: ان يضطر الى البيع لدَين ركبه أو مؤونة تلحقه فيبيع ما في يده بالوكس ([10]) للضرورة.
والعبد اذا حمد الله فقد ظفر بأربعة أشياء: قضى حق الله فأدى شكر النعمة الماضية، وتقرب من استحقاق ثواب الله، واستحق المزيد من نعمائه. وقيل للحمد أربعة أركان:
1ـ الحامد.
2ـ المحمود.
3ـ المحمود عليه.
4ـ المحمود به.
أما الحامد ـ فهو الذي صدر منه الحمد، والمحمود هو الذي وقع عليه الحمد والمحمود عليه هو الذي يقع الحمد بإزائه، والمحمود به هو مدلول الصيغة والصيغة هي عبارة عن قول القائل: الحمد لله.
أقسام الحمد:
... وقيل: الحمد على ثلاثة أقسام:
1ـ القولي: وهو الجاري على لسان الأولياء.
2ـ الفعلي: وهو العمل بالأركان.
3ـ الحالي: ويكون بحسب الروح والقلب.
أما الحمد بالمعنى اللغوي فهو: الثناء باللسان. والحمد والمدح قريبا المعنى لكن الأول يكون ضداً ونقيضاً للذم والثاني نقيضاً أو ضدّاً للهجاء، يقال: الحمد لله ولا يقال أحمد الله لان العبد لايتمكن من أن يحمده حمداً لائقاً له جل وعلا، لان توفيق أداء الحمد يكون منه. اذن لايتمكن من أداء حق النعمة بالحمد الذي لايكون موجباً للحمد أيضاً كما قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فإلَيْهِ تَجْأَرُوْنَ) ([11]).
أي: كل النعم الظاهرية والباطنية فهي منه تعالى وهو ولي النعم. ومتى لحق الانسان ضرٌّ أو بلاءٌ أو سوء يتضرع اليه تعالى بالدعاء ويرفع صوته بالاستغاثة والاستعانة به. وقيل: ان للحمد أقساماً بحسب الموارد:
1ـ حمد اللسان باللفظ.
2ـ حمد القلب التوحيد.
3ـ حمد الجوارح عدم العصيان.
وفي تفسير أبي الفتوح نقلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما كان يَرى أحد الأصحاب مبتلىً بشيء فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً.
وعن الصادق (عليه السلام): «إذا رأيت عبداً مبتلىً ببلية وأنت في نعمة الله قل: اللهم اني لا أُسحِر ولا أفخر ولكن أحمدك على عظيم نعمائك عليّ». وورد أنه اذا وقع للرسول أمر يسره كان يقول: «الحمد لله الذي بنعمته ختم الصالحات واذا صادف أمراً يحزنه كان يقول الحمد على كل حال».
وعن عدّة الداعي قال الصادق (عليه السلام): «من قال عند الصباح أربع مرات: الحمد لله رب العالمين فقد أدى شكر يومه» ([12]).
وعن الصادق (عليه السلام) أنه كان اذا أصبح وأمسى يقول: «اللهم ما أُصبحُ وأُمسي بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى، وبعد الرضا يقول إذا أصبح عشراً وإذا أمسى عشراً» ([13]).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «سبحان الله نصف الميزان والحمد لله ملئ الميزان» ([14]).
وفي الخبر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قال العبد الحمد لله كما هو أهله فتقف الملائكة عن الكتابة فيقول الله تبارك وتعالى: ملائكتي فما قاله عبدي، فما كتبتم له فيقولون انا لا نتمكن من كتابة ما نعلم ونحن لانعلم بانك أهل لاي شيء من الحمد وغيرك لايعلم بانك مستحق لاي نوع من الحمد وما نعلم المقدار الذي تستحقه أنت عالم به ونحن لانعلم» ([15]).
والثناء بالمد: هو ذكر الشيء بخير والذكر الحسن والكلام الجميل (إثنِ على ربك) اي أذكره ذكراً حسناً جميلاً ـ يقال اثنيت على زيد ـ أي مدحته.
ويقال استعماله في الذكر الجميل أكثر من القبيح وفي الحديث:
(من أُتي إليه بمعروف فليكافئ عليه فان عجز فليثنِ، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة) ([16]). أي يثني على من جاء بها.
قلنا: ان استعماله في الشر يكون أقل، كباب المشاكلة لا أنه يستعمل في الخير والشر حقيقتاً كما يقال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، ومروا بأخرى فأثنوا عليها شراً أو من باب الاستعارة التهكمية.
اذاً استعماله في الشر يكون من باب الأستهزاء وقيّد الثناء باللسان لاخراج الشكر. وقيّد بالاختيار انما لخروج المدح، لان المدح يستعمل في الشيء غير الاختياري غالباً كقولك: مدح اللؤلؤة على صفائها، ولكن قد يستعمل في الاختيار أيضاً كقولك مدحته (أي أثنيت عليه) ولما فيه من الصفات الجميلة وهذه تارة تكون ـ طبيعة وأخرى كسبية، اذاً يكون المدح أعم من الحمد، كما يستعمل المدح في مقابل ذاته وصفاته جلَّ وعلا، مع أنها غير أختارية، ولكن يمكن أن يقال هنا أيضاً: يكون اختيارياً لأن الاختيار يكون على قسمين (حقيقي، حكمي).
وهنا يكون حكمياً لان ذاته بما انه منشأ للافعال الاختيارية يكون في حكم الاختياري.
وقد ذكروا فروقاً أخرى بين المدح والحمد. وهو أن المدح قد يكون قبل الاحسان والحمد لايكون الاّ بعده. وغيرها من الفروق الاخرى.
(نعمة كانت أو غيرها) النعمة: بمعنى اليد والصنيعة والمنّة (وُجُوْهٌ يَوْمَئِذ نَاعِمَةٌ) ([17]) أي متنعمة في ذلك اليوم بأنواع اللذات والطيبات ظاهرٌ عليها آثار النعم والسرور، مضيئة مشرقة. وقوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذ عَن النّعِيْم) ([18])أي عن شكر ما كنتم فيه من النعيم الذي هو من الله تبارك وتعالى وخالفتموه وبمخالفتكم هذه لم تؤدوا شكر النعم ـ أي عبدتم غيره وأشركتم به. قال قتادة: ان الله سائل عن كل ذي نعمة عما أنعم عليه.
وقيل المراد بالنعيم: الأمن والصحة.
وقيل: الصحة والفراغ.
وقيل: يسئل عن كل نعمة، الا ما خصه الحديث وهو ثلاثة لايسئل عنها العبد. خرقة وارى بها عورته وكسرة يسد بها جوعه، وبيت يسكنه عن الحر والبرد.
وقيل: المأكل والمشرب وفي تفسير العياشي في حديث طويل سأل أبو عبدالله أبا حنيفة عن هذه الآية: «فقال ما النعيم عندك يا نعمان، قال القوت والطعام والماء البارد، فقال: لان اوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى يسئلك عن كل اكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك قال: نحن أهل البيت، النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعدما كانوا مختلفين وبنا ألفّ الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله للاسلام وهي النعمة التي لاتنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وعترته» ([19]).
والمراد بالنعمة وهي الافضال، أي الاحسان المتعدي الى الغير.
(أو غيرها) ـ أي الفضائل وهي التي لاتتعدى الى الغير كالعلم والقدرة.
([1]) لآلىء الأخبار: ج3 ص343.
([2]) لآلىء الأخبار: ج3 ص343.
([3]) محمّد: 2.
([4]) مجمع البحرين مادّة بول.
([5]) طه آية 51.
([6]) اصول الكافي: ج2 ص503.
([7]) نهاية ابن الأثير مادة (بتر).
([8]) أصول الكافي: ج2 ص504.
([9]) النمل: 62.
([10]) الوكس ـ هو النقص. وفي الخبر المرأة لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط قال الجوهري لانقصان ولا زيادة (مجمع البحرين مادة ـ وكس).
([11]) النحل: 53 ـ والجأر ـ الثور اذا رفع صوته من جوع أو غيره، ويقال جأر القوم الى الله اذا دعوا اليه وعجوا اليه برفع اصواتهم ومنه الحديث: (كأني انظر الى موسى له جؤار إلى ربّه بالتلبية (مجمع البحرين مادة ـ جأر).
([12]) البحار 93، ص: 216 ح 21.
([13]) البرهان: ج2 ص405.
([14]) تفسير جلاء الاذهان: ج1 ص17.
([15]) تفسير جلاء الأذهان: ج1 ص18.
([16]) مجمع البحرين مادة (ثناء).
([17]) الغاشية: 8.
([18]) التكاثر: 8.
([19]) مجمع البيان: ج1 ص535.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com