الكلام في الجبر والتفويض والإختيار

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

* الجبريّة: هم خلاف القدرية; وهم القائلون بأن الافعال جميعها صادرة من الله، أي أن الأفعال الصادرة من العباد من الايمان والكفر والطاعة والمعصية وافعال الجوارح من الذهاب والأياب والقيام والقعود والحركة والسكون وغيرها.. كلها من الله والعبد مجبور عليها، فهو كالآلة فإن تحرّكها ليس بارادة واختيار منها كيف تشاء، والى أيِّ جانب تريد وإنّما بواسطة محرك لها.

فالافعال وإن كانت منسوبة الى العبد لكنها على نحو المجاز لا الحقيقة، وقد تمسكوا بالآيات التي تدل في ظاهرها على ذلك.
وفي الحقيقة أنّ معنى الجبر: الحمل على الفعل والإضطرار اليه بالقهر أو القسر، ومعنى ذلك: هو إيجاد الفعل مِنَ الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على إمتناعه.
ومذهب الجبرية هو أن الله خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون له قدرة على ضدها والإمتناع منها، وخلق فيه المعصية كذلك.
بعبارة أُخرى: إن أفعال الانسان قد تقررت وتحتمت في صدورها مِن قبله منذ الأزل بتخطيط من الله وليس للانسان القدرة وحق التصرف كيف يشاء، وإنّما هو آلة ووسيلة لذلك التخطيط، فلابد له من الخضوع فيما يؤدي اليه من الخير والشر.
* أما معنى التفويض: فهو رفع الحظر عن الخلق في الأفعال والاباحة لهم فيما شاؤا مِنَ الأعمال، فللانسان الحريّة المطلقة في تصرفاته، وليس لله تعالى في ذلك أي تدخل مباشر لأفعال الأنسان.
وقد يطلق على المجبرة; المرجئة ([1]) أيضاً; لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر، فقسم منهم قال: إنّ الأفعال كلّها من الله والعبد يكون آلة وقد مرّ، والقسم الثاني: إنّ ذات الفعل يكون من الله وللعبد الإكتساب، وبناءاً على هذا يصدق عليه عنوان المطيع والعاصي، والثالث: إنّ العبد حينما يصمم على إتيان الفعل يوجده الله.
* الإختيار: ـ والقائلون به هم الإمامية; ومعناه: أن الفعل يصدر من العبد بإرادته وأختياره، ولكن في عين الحال ليس بمستقل في فعله، بل هو محتاج الى قوة وارادة من الله تعالى; لأنّه إذا توافقت ارادة الباري (جلّ وعلا) مع إرادته يصدر منه الفعل; وإلا فلا، كما سيأتي البحث عنه مفصلاً.
بعبارة أُخرى: إن أفعالنا تصدر عنا بإرادتنا; ونحن مختارون; ولم تصدر بالإكراه، فإنّا حينما نتأمل في صدور افعالنا نجد بالوجدان أنها على قسمين:
1. أفعال تصدر من الأنسان وهو مكره على القيام بها، فلا إرادة له في صدورها; وانما تنسب اليه مجازاً، كما في إفرازات الغدد وعملية الهضم، فهي من فعاليات البدن; فليس للانسان أي اختيار في صدورها لا إبتداءاً ولا إستدامةً، بل قد لايعلم بكيفية صدورها.
2ـ أفعال تصدر عنه وهو مختار في فعلها; وله الإختيار; فإن شاء فعل وإن شاء ترك، كما في الكاتب واللاعب.. وغيرهما، فإنّه مختار في فعلها إن شاء كتب... وإن شاء لايكتب، وكذا بالنسبة الى اللعب، فهناك قوانين طبيعية في الأرض، قاضية باكراه من الأنسان، فالحائط إنْ وقع على الإنسان يسبب موته، ولذا إن جلس تحته ووقع عليه لامحالة يموت ولكنه مختار بترك الجلوس فيبقى سالماً.
فحرية الإرادة قد تجعل الأنسان تحت تأثير القوانين الطبيعية التي تسبب هلاكه، وقد تؤدي الى نجاته حيث جعلها تحت القوانين المؤدية الى النجاة.
فعندما كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) جالساً في ظل حائط مائل وتركه ثم جلس الى ظل حائط مستقيم فاعترض عليه بعض الحضور بقوله: أتفرّ من قضاء الله قال (عليه السلام): «أفر من قضاء الله الى قدره» ([2])، فإنّ للامام الحريّة في إختيار البقاء حتى يقع عليه الحائط فيموت ويكون بقضاء الله حسب خلقه لما في الحائط والأرض، وأيضاً حرّ في أختياره للانتقال فيسلم من الموت، ولكن عدم موته يكون مسبباً عن سببين:
الأول: حريته.
الثاني: ما قدر الله من عدم وقوع الحائط.
فحريّة الارادة قد تجعل الانسان تحت القوانين الطبيعية التي تسبّب هلاكه، وقد تؤدي الى نجاته، كما مرَّ.
وبهذا يمكن تفسير قوله (عليه السلام): «بل أمر بين الأمرين».
إذاً لسنا مجبرين، فأفعالنا تكون تحت قدرتنا وإرادتنا، وهذا خلافاً للمجبّره، ومع ذلك نخضع لقدرة الله وندخل تحت سلطانه بعدما أفاض علينا الوجود. خلافاً للمفوّضة، وعليه; فلو كنا مجبّرين، وكنا كالآلة فلانستحق مدحاً على فعل الخير، ولا ذماً على فعل الشرّ، ولا مختارين على الاطلاق، فإنه لو قلنا بذلك فمعناه أنه ليس لله تعالى علينا أي سلطان، وليس له حق التدخل في أفعالنا، وأنه عاجزٌ.
وحيث أنّ الفريقين قد وقعا بين الأفراط والتفريط، فالصحيح هو القول الثالث، فالانسان مع أنه حر في إرادته لكنه لايقهر القوانين الطبيعية، وليس له أن يفعل الأفعال بالحريّة التامّة ما يعاكس تلك القوانين إلا على سبيل الإعجاز، فإن الله تعالى له التدخل في إرادة الانسان فيمنعه من الوصول الى مراده.
قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): «عرفت الله بفسخ العزائم وكشف الضرر والبلية عمن أخلص له النية»، وسيأتي الكلام عنه مفصلاً.
ومنه الحديث: «لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين»، وسئل ما الأمر بين الأمرين؟
قال مثل ذلك: رجل رأيته على المعصية فلم ينته، فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته، كنت أنت الذي أمرته بالمعصية.
وقد استدل كلّ من المجبرة والأمامية والمفوضة على مذاهبهم بأمور:
الأول: إنّ كل ممكن في العالم في وجوده يحتاج الى العلة، ولو كانت تلك العلة ممكنة أيضاً لاحتاج الى علة أخرى الى أن ينتهي الى علة العلل (الواجب) وبناءاً على هذا، فاذا كان في الوجود محتاجاً الى العلة يكون في البقاء كذلك، وبما أنّ أفعال العباد من الأمور المهمة الممكنة وهي محتاجة الى العلة أيضاً فلابد أن تنتهي تلك العلل بارادته واختياره; لأن الممكنات ليس لها ارادة واختيار من أنفسها.
والجواب عنه: إن القول بالاختيار لايستلزم وجود المعلول بلا علة، أو يخرج الشيء من تحت قدرة الواجب تعالى، وليس معناه انكار الحاكمية المطلقة على جميع عالم الوجود ـ كما ادعوا ـ وليس معناه تحديد قدرته تعالى; لأنه لو فرض أنّ العبد يفعل الشيء بنفسه واختياره ومع ذلك لايخرج عن حيطة وارادة الله تعالى... وهذا لايلزم تحديد ارادة الله تعالى وتصبح قدرته وارادته محدودة بل هذا إكمال للقدرة بان يخلق الباري مخلوقاً يكون مختاراً في أفعاله، بعد أن هيّأ له الأسباب والمقدمات لايجاد الشيء باختياره، وبعد أن أعطاه القدرة بحيث لو أراد أن يفعل أو يترك فهو قادر على ذلك.
الثاني: إن أفعال العباد أيضاً تكون تحت إرادة الباري وليست خارجة عن حيطته وقدرته كما مرّ؟
والجواب عنه لو أن العبد يفعل شيئاً بإرادته وإختياره، ولكن هذه الإرادة وإتيان الشيء يكون ناشئاً عن إرادة الله تعالى. فهو محتاج في كل آن الى فيض الفيّاض. فلو انقطع منه الفيض آناً ما لايبقى لديه أي شيء.
الثالث: إذا صدر فعلٌ من العبد، فهل الله يريده أم لا؟
فلو أراد عدم وقوع الفعل، فلابد أن لايقع، لانه لو وقع فمعناه تغلّب إرادة العبد على إرادة الباري. ولو أراد الوقوع إما أن الفعل يقع بارادة الجميع فلو كان لكل واحد منهما ارادة مستقلة فمعناه وقوع إرادتين مستقلتين على معلول واحد وهذا محال.
ولو كان وقوع الفعل بإرادتيهما معاً هذا يلزم أن يكون إرادة العبد مساوية لارادة الباري وليس مقهوراً لإرادته وتابعاً لإرادته، مع أنه مناف للتوحيد الأفعالي، وأما أن يقع بإرادته فقط فتكون إرادة المولى عبثاً. وأما على العكس ولا فائدة في إرادة العبد، فهو المطلوب.
الجواب عن هذا: بان إرادة العبد تكون في طول ارادة الله تبارك وتعالى، وان أفعاله تقع بإرادته ولكن هذا لايستلزم القول بالجبر، بل إرادته تعلّقت بفعل العبد اذا صدر باختياره حتى تتم نعمة الإختيار في حقه.
إذاً في حين أنه مختار ويصدر منه الفعل بأختياره، فينسب الفعل الى الله تعالى أيضاً.
وبعبارة أخرى: أن طاقاتنا تكون من الله تعالى ونحن نحتاج الى الفيض، بل حتى في تهيأت المقدمات وأنّه قرر أن يكون صدور الفعل منا بالاختيار.
 ([1]) أختلف في معنى المرجئة فقيل هم فرقة من فرق المسلمين يعتقدون بأنه لاتضر المعصية مع الإيمان، كما لاينفع مع الكفر طاعة; وسمّوا مرجئة لإعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم، وقد ذُكرت أقوال اُخرى في المسألة لسنا بصددها.
أما القدرية: فهم قوم من المعتزلة; وهم المنسوبون الى القدر يزعمون أن كل عبد خالق لفعله، ولايرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيئة، فنسبوا الى القدر; لانه بدعتهم وضلالتهم، كما في «مجمع البحرين / مادة قدر».
وهم القائلون: بأن العبد قبل أن يقع منه الفعل مستقل في فعله; وله إستطاعة تامة، وجميع ما يصدر منه يكون من قبله ولايتوقف فعله على تحديد وتقدير الله ومشيئته، وإنما فوض الله افعالهم إليهم; وليس لله أي دخل في صدور الفعل من العبد.
([2]) البحار: ج27 ص33


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com