قال المحقق السبزواري في أرجوزته: (الفعل فعل الله وهو فعلنا)

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

أما فساد ما يترتب على قول المجبرة فأمور:

أولاً: هذا القول يكون خلاف الحس والوجدان وضرورة العقل، لأنه هناك فرق بين اليد المرتعشة في حركتها واليد الصحيحة، لان الأولى لاتقدر على فعلها وصدور الحركة منها يكون جبراً وبلا إختيار. بخلاف الثانية لأنها قادرة على الفعل والترك، ولذا جعل البعض هذا القول ذريعة لكي يُبرِّىء نفسه حينما تصدر منه الأعمال المنكرة والرذائل الخلقية، وتمسكهم بالجبر كان عذراً مناسباً لهم لصدور الأعمال القبيحة.
ثانياً: لو كانوا مجبرين في أفعالهم لكانت كل أفعالهم وما صدر منهم على طراز واحد ولايكون هناك فرق بين فعل دون فعل.
ثالثاً: لو قلنا بالجبر لابد أن نقول بعدم العدل الالهي، لان هذه الفكرة تنافي العدالة الالهية، لأنه لو فرض ان ما يصدر من العبد يكون الله في الحقيقة هو الفاعل، حتى الأعمال القبيحة، فكيف يمكنه أن يجازي انساناً بجرم مع أنه هو الذي فعله، وانما صدر عن الانسان بلا أختيار، وانّ الحكم بجزائه يكون حكماً عن ظلم وبعيداً عن اصول العدالة، فالعدل اساس العمل لله في النشأتين.
كما جاء في القرآن الكريم: (شَهِدَ اللهُ أنّه لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلْمِ قَائِماً بالقِسْطِ لاَ إلهَ إلاّ هُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْم) ([1]) أي بيّن واعلم كما يشهد الشاهد عند القاضي ويبين ويُعلم لمن الحق، وشهادة الله هي إعلامه بوحدانيته والهيته بالدلائل الباهرة والحجج القاطعة وقوانين أنظمة الكائنات البالغة في القدرة مع انتظامها منذ خلقت الكائنات، كذلك شهدت الملائكة وأصحاب العلم والعرفان من البشر الذين كانت قلوبهم منوّرة بالايمان والذين رفع الله تعالى الغطاء عن أعينهم حيث نظروا الى عجيب صنعه وبديع نظامه أمثال حركات الافلاك (وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُوْنَ) ([2]) وجعلوا ذلك دليلاً وبرهاناً على الألوهية والوحدانية وحجة قويةً لارشاد الجاهل وأقناع المعاند ويشهدون بذلك بان للكون الهاً واحداً قائماً بالقسط، أي مقيماً للعدل لا اله الاّ هو أي لا رب ولا معبود سواه العزيز الحكيم الذي لا يغلبه أحد في الالهية والوحدانية والذي يعمل في ما يعمل بالحكمة والمصلحة ويأمر بما يأمر كذلك.
وبالنسبة الى القيامة يقول القرآن الكريم: (وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلاتُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) ([3]). أي في يوم القيامة الأعمال توزن بموازين العدل والوزن كما قال الشيخ أبو علي: هو العدل في الآخرة ولا ظلم فيها. ولمعنى الميزان اختلاف كثير ولسنا بصدد توضيحه.
الرابع: لو قلنا بالجبر، يكون إرسال الرسل وإنزال الكتب والتكليف والوعد والوعيد كلها لغواً، مع أنه جعل استقرار العدل من قبل الله تعالى في المجتمع البشري يكون من اهداف بعث الرسل وانزال الكتب كقوله تعالى:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالمِيْزَانَ لِيَقُوْمَ النَاسُ بِالْقِسْطِ) ([4]) أي أرسلنا الرسل بالمعجزات وانزلنا الكتب السماوية الحاوية للأحكام بل كلما يحتاج اليه الخلق موجود فيها. وكذلك انزلنا الميزان لكي يتعامل الخلق فيما بينهم بالعدل.
أما لغوية هذه الأمور، لأنه بناءاً على الجبر لايصح التكليف والأمر لانه يتعلق بالمقدور وعلى الفرض ان العبد لا قدرة له.
فما دام الأمر الالهي يكون خارجاً عن اختيار الانسان فما هو الموقع من توجيه التكليف اليه، فاذا تصدر الأفعال بدون ارادة واختيار عن العبد، اذا فما هو دور رسالة الأنبياء، وما هي الثمرة من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وما الفائدة من سعيهم في اصلاح المجتمع.
الخامس: لو كان العباد مجبورين لكان كل فعل من القبيح والمعاصي الذي يصدر عنهم ـ لو فرض بان الفاعل هو الله ـ لابد أن نقول: بأنّه فاعل جميع القبائح، مع ان الله تعالى مبرّء عن ذلك، بل لابد أن نقول: بان الله اظلم الظالمين لانه يعاقب العباد بفعل صدر منه جلّ وعلا.
السادس: لو قلنا بالجبر، لابد أن نقول، بانه لافرق هناك بين الانسان والحيوان، لان أفعال الحيوانات معلولة لعلل خارجة عن إرادتها واختيارها. ولابد أن نقول: بأنّ أفعال الانسان أيضاً كذلك.
فظهر مما ذكر ـ وهو الصحيح ـ معنى الاختيار بأنّ اختياره الذي هو بارادته يأخذ احد الطريقين الخير أو الشر فهو مسؤول عن انحطاطه وسقوطه.
كما أن إسعاده وعلوه وتقربه يكون بيده. وان الانسان لايستحق المدح والثناء واللوم الا أن يكون ما يصدر منه باختياره والاّ فلا لوم ولاتحسين، ولذا رد البعض على الأشعار التي وردت في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):
أقسم بالله وآلائه***والمرء عما قال مسؤول
ان علي بن أبي طالب***على التقى والبرّ مجبول
فقال: لو كان علياً (عليه السلام) مجبولا على التقى، فليس تقواه قابلاً للمدح لانه يكون بدون أختيار.
ولكن المراد من قول الشاعر (على التقى والبر مجبول) يعني أي أنّه من كثرة عبادته(عليه السلام) أصبحت التقوى عنده ملكة فصار كأنّه مجبولا على ذلك. إذاً مقدّمات المجبولية تكون بيده(عليه السلام) وصدرت عن اختياره وبذلك يكون مستحقّاً للمدح والثناء.
الثاني: قول المفوضة: حينما رأى أصحاب هذه الفرقة ماورد من الاشكالات على المجبّرة، أختاروا لأنفسهم طريقاً آخر وقالوا: بأن العباد مستقلين في أفعالهم وليس للعلم والمشيئة الأزلية أي دخل في ذلك وبعد ايجادنا فَوّضَ الأمر إلينا، وان قدرة الله لاتتعلق بافعال العباد، وهذا المذهب أيضاً باطل بأمور.
أوّلا حيث نرى بالحس والوجدان بان هناك أفعالا يريد الإنسان أن يحييها بفعله.
ويصرف جميع طاقاته ويهيئ جميع أسبابها ومقدماتها. ولكن لايوفق الى تتميم العمل (تجري الرياح بما لاتشتهي السفن).
وورد عن الامام الصادق (عليه السلام): «بأن شخصاً سئل من علي (عليه السلام) بمَ عرفت ربّك؟ قال: بفسخ العزائم ونقض الهمم، لما هممت حيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي وعلمت أن المدبر غيري».
ثانياً: ان هذه العقيدة تكون سبباً للقول بعدم القدرة المطلقة لله تعالى عن ذلك. وأنه شرك أفعالى أي الشركة في سلطنة الباري عزّوجلّ.
وثالثاً: إليك الآيات التي تدلّ على خلاف معتقدهم.
1ـ (إيّاكَ نَعْبُدُ وَاِيّاكَ نَسْتَعِيْن) ([5]) ـ أي نعبدك ولا نعبد غيرك ونستعينك في أمورنا كلّها. وتقديم المفعول يكون لأفادة الحصر (أي ان العبادة والاستعانة مقصور ثان عليه وهياقصى غاية الخضوع والتذلل.
(فَلَمْ تَقْتُلُوْهُم وَلَكِنّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمْى) ([6]) وقد مرّ الحديث عنها. وفي الدعاء (لا حول ولا قوة الاّ بالله) أي لا قدرة على الحركة ولا استطاعة لنا في التصرف بالاشياء إلاّ بمشيئة الله تعالى وإعانته، وقد تقدّم.
وأيضاً (بحول الله وقوته أقوم وأقعد).
بعبارة أخرى: ان الممكنات كما في أصل الوجود تحتاج الى الفيض وفي البقاء أيضاً يكون كذلك: (يَا أَيُّها النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ الى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيْدُ) ([7]) قال الامام الصادق (عليه السلام): «الله أكرم من أن يكلف الناس ما لايطيقون والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما يريد» ([8]).
لايخفى ان قول القائلين بالجبر والاختيار، بين إفراط وتفريط وقد أخطأوا حيث تخيلوا بأنه لا واسطة هناك ولا ثالث للأمرين، فليس الانسان مسلوب الحرية على الاطلاق، ولا أنه مستقل في صدور الفعل من ذاته وبدون ارتباط بالله تعالى، بل هناك أمر بين الأمرين لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين. وهذا القول هو القول الوسط، بمعنى أنه يمكن أن تنسب الأفعال الى العباد من جهة، والى الله تبارك وتعالى من جهة اخرى أما نسبته الى نفسه لأنه يصدر منه باختياره ومباشرة وبلا واسطة، واما نسبته الى الله تعالى فمع واسطة الانسان. وهذا هو قول الأمامية والمحققين من الحكماء.
أما هذا القول فليس فيه مضار الجبر والتفويض وفيه مصالح الجبر والتفويض لان في كل من القولين مصالح ومضار، وبما أن رأى هؤلاء، أي كل من الفريقين لم يكن مستفاداً من الوحي، بل عملوا بفكرهم وعقلهم القاصر لذا وقعوا في الورطة، واوقعوا المسلمين في الحيرة، ولذا ترى كلاً من الفريقين في مقام النقض والابرام لإثبات معتقده، شن على الآخر وحمل عليه حملة عشواء.
وهذا القول الوسط الذي هو مختار الإمامية يكون مطابقاً للعقل والشرع والفطرة السليمة، ولايرد عليه أي فساد ويثبت العدل الألهي، ويثبت بان ارسال الرسل وأنزال الكتب والوعد والوعيد والجنة والنار ليس لغواً.
ومعنى لا جبر ولا تفويض: ان العباد ليسوا بمجبورين كما يقول الأشاعرة ولالهم الاستقلال التام كما يقوله المفوضة.
الخلاصة:
لايخفى بان هناك فرقاً بين حركاتنا الارادية، وبين حركات الشمس والقمر، فانها تصدر عنّا عن ارادتنا واختيارنا وقوة التمييز فينا وتشخيص الضرر والنفع لأنفسنا، فان العبد يصدر عنه الفعل باختياره، وله وعي وشعور وبصيرة، ويدرك المصلحة والمفسدة في أفعاله، وهذا العمل الذي يصدر منه بالاختيار لايجري، الاّ بارادته واحاطته، ويكون منشأ هذه الارادة اختياره ومشيئته الواقعة وتحت احاطته.
وأيضاً إنّما يصدر من العبد من الافعال انما يكون بواسطة القدرة التي أعطاها اّلله تبارك وتعالى والتي تفيض من الفيّاض، فلو انقطع عنه الفيض لم يبق له قدرة ولا ارادة ولا اختيار، لان ما عدا الباري جميع الكائنات تكون ممكنة واخذت الفيض من الفيّاض. إذاً كما إنّ العبد في أصل وجوده يحتاج الى الفيض ففي بقائه أيضاً يحتاج له. ولاتكون أي قوة ولا حول بدون الاستناد إليه. وعرفنا بان العلة من الخلق لم تكن عبثاً (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) ([9]) و(مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُوْنَ) ([10]).
فلابد أن تكون ثمرة هذه العبادة: هي ان هناك نفعاً وثواباً وهذا لابد أن يرجع الى العبد، لان الله غني وغير محتاج. والثواب والعقاب لايترتب ولايستحقه العبد الاّ اذا كان الفعل اختيارياً له.
فاتّضح ممّا ذكرنا أنّ ما يصدر من العبد يكون باختياره وليس هناك أي جبر، فهو فاعل الافعال لا أنه تصدر منه جبراً، وان الثواب والعقاب يترتب على الفعل الاختياري، فأعطاه الله تعالى القدرة والارادة والاختيار، بل أعطاه العقل لكي يفعل الاشياء باختياره بعد ما بين له طريق الخير، فان سلكه يثاب عليه، والشر إن سلكه يعاقب عليه. (إنّا هَدَيْنهُ السَّبِيْلَ إمّا شَاكِرَاً وَإمّا كَفُوْراً) ([11])
ويمكن أن ينسب الفعل الى الله تعالى والى العبد، ينسب الى العبد لأنه صدر باختياره، وينسب الى الله تعالى لان الارادة والاختيار والاسباب والمقدمات للفعل تكون تحت ارادة الله عزّوجلّ فهو تعالى الذي اراد بان يصدر من العبد الشيء باختياره، اذاً ليس هناك أي فساد يترتب. ويكون إرسال الرسل وجعل الأحكام والتكاليف والثواب والعقاب كلها صحيحة وليس هناك أي توهين لسلطنته تعالى ولا هناك شرك في الأفعال ولاينافي الآيات والأخبار.
([1]) آل عمران: 18.
([2]) يس: 40.
([3]) الأنبياء: 47.
([4]) الحديد: 25.
([5]) الفاتحة: 5.
([6]) الأنفال: 17.
([7]) فاطر: 15.
([8]) الكافي ج1 ـ 160 ـ ح14.
([9]) المؤمنون: 115.
([10]) الذاريات: 56.
([11]) الإنسان: 3.
([18]) مجمع البيان: ج4 ص451 ـ 452 / بيروت.
([19]) تفسير العياشي ج1 / 377، ح 95.
([20]) الأنعام: 125.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com