أما فساد ما يترتب على قول المجبرة فأمور: أولاً: هذا القول يكون خلاف الحس والوجدان وضرورة العقل، لأنه هناك فرق بين اليد المرتعشة في حركتها واليد الصحيحة، لان الأولى لاتقدر على فعلها وصدور الحركة منها يكون جبراً وبلا إختيار. بخلاف الثانية لأنها قادرة على ال

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

بعدما عرفت من أن خلق الانسان انما كان لاجل المعرفة، فقد تاهت فيه أفكار العقلاء وتحيرت فيه ذوو الألباب، ولو أن بعض المحققين تخيلوا بأنهم أجابوا عن هذا الاشكال وكشفوا الستار عن هذه المعضلة ولكن في الحقيقة ما وصلوا الى النتيجة ولايصلون اليها لان ذلك من اسراره تبارك وتعالى وأنى لنا بالاطلاع عليها وعقولنا محدودة وقاصرة، بل لابد من أجل كشف هذه المعضلة الرجوع الى منبع المعرفة وهم اولوا العلم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة صلوات الله عليهم أجمعين.

نعم هناك شبهات لابد من بيانها والردّ عليها.
الشبهة الأولى: ان الله تبارك وتعالى كان عالماً من الأزل، بان الكافر يختار الكفر، والفاسق يختار الفسق، فمع أنه يعلم لماذا خلقهما؟
والجواب: بما أن الله تبارك وتعالى فياض مطلق ولا بخل في ساحته المقدسة، وفيضه ورحمته تشمل جميع الكائنات والذرات ـ يارحمن الدنيا والآخرة ـ من مؤمن وصالح وكافر وفاسق وكلما يعطيه ويهيّؤه للمؤمن من أسباب الهداية التكوينية، كالعقل والشعور والجوارح والأعضاء والقدرة والاختيار، وكذلك الاسباب والهداية التشريعية كإرسال الرسل (مَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ كَافّةً لِلنّاسِ) ([1])وانزال الكتب، وبيان الأحكام، فيعطي للكافر أيضاً.
انما الكلام ان المؤمن يختار الأيمان ويجعل هذه الأمور وسيلة للأيمان والعمل الصالح، وانما يجعل الكافر والفاسق تلك الأسباب بسوء اختياره وسيلة للكفر والمعصية (إنّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيْلَ إمّا شَاكِرَاً وَإمّا كَفُوْرَاً) ([2]) وقوله تعالى: (وأَمّا ثَمُوْدَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلى الْهُدَى) ([3]).
وإنّما خلق الله الكافر لكي يسلك الطريق الحقّ والرشاد ويعمل لما فيه الخير لنفسه حتى يحصل على الثواب ولكن هو باختياره ترك طريق الحقّ واختار الطريق غير المستقيم فبسوء اختياره هذا استحقّ العقاب. فخلْقُ الله له لم يكن ظلماً له.
الشبهة الثانية: أن الله عالم بما يختار المؤمن الايمان، والفاسق الفسق أيضاً والعبد يكون مجبوراً في فعله، ولايتمكن من ترك فعله لانه لو كان متمكناً من ذلك لاصبح علم الله تعالى جهلاً.والجواب: ان علمه جلّ وعلا ليس علة لصدور الفسق أو الايمان من العبد. أي بما أن الكافر والفاسق والمؤمن والصالح يختارون الكفر أو الفسق أو الايمان أوالعمل الصالح، فالله تعالى يعلم بذلك. ولو علمنا بأنّ غداً سيكون عيداً فإنّه سيكون كذلك ولكنّ لا بسبب علمنا. وليس علمنا صيّره عيداً.
الشبهة الثالثة: أنه ورد في بعض الأخبار ما ظاهره الجبر منها:
1ـ «الشقي من شقى في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمّه» ([4]).
2ـ «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» ([5]).
3ـ «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا» ([6]).
والجواب: ان معنى الشقاوة والسعادة الموجودتين في الأشخاص، انهما ليسا من العلل التامة، بل هذه الأمور من المقتضيات، ولو فرض ان طينة شخص من العليين أو السجين، فهذا المقدار لايكفي في حصول السعادة أو الشقاوة، بل يحتاج الى اسباب ومقدمات اخرى من قبيل تحصيل المعارف وتكميل الاخلاق والاطاعة والامتثال حتى تحصل السعادة، وكذا أختيار الكفر والنفاق والعقائد الفاسدة والتجري والطغيان، حتى يحصل على الشقاوة، وهذه الأمور كلّها اختيارية. كما ورد على لسان المحقق السبزواري في أرجوزته:
اذ عجنت طينتنا بالملكه***وتلك فينا حصلت بالحركة
ويمكن أن نفس معنى الحديث هكذا:بأن الناس يتفاوتون في مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وفيما يذكر عنهم من المآثر حسب الاستعدادات وتفاوت الشرف بتفاوت المعادن، حيث فيها الجيد والرديء.ووجود الطينة يكون سبباً للقابلية، وأما مقام الفعلية فيكون بالافعال والعقائد والحركات الاختيارية.
ويمكن أن يقال: بان كل من اصبح سعيداً فيكشف بانه كان صاحب القابلية في بطن أمه، لا أن كل من له القابلية فلابد أن يصبح سعيداً فشجرة النخل وجدت من النواة، لان فيها القابلية. لا كل نواة ـ ولو فيها القابلية ـ تصبح شجراً.
فهذه الرويات لو فرض ورودها عن المعصوم، فلابد من تأويلها، لمخالفتها للدليل العقلي لو أخذنا بظاهرها، مع أنه ورد على العكس في الدعاء: «أعوذ بك من الذنوب التي تورث الشقاء»، فالذنب يكون علة لا العكس، وكذا غيرها من الموارد.
الشبهة الرابعة: ماورد في الأخبار بأن أولاد الظلمة في الدنيا يعاقبون الى سبعين ظهراً وان المهدي (عج) حينما يأتي ينتقم من أولاد من قتلوا الحسين (عليه السلام)، أو أن الأكل الحرام والمعاصي في الأب يؤثر في الابن، مع أنه خلاف العقل، وصريح الآية: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ([7]).
والجواب: ان الارتكاب للظلم من الآباء والانتقام من الأولاد يتصور بوجوه:
أولاً: ان ظلم الآباء يصل نفعه الى الأولاد ونفس الأثر باق ويكون عائداً للأولاد، كما اذا سرق الأب مالاً أو غصب داراً، والأولاد ـ مع علمهم بذلك ـ يستغلون ويتصرفون في هذه الأمور.
ثانياً: الأولاد راضون بأفعال الآباء، كأولاد النواصب كما في الروايات:
«الراضي بفعل قوم كالداخل فيهم، وعلى الداخل إثمان، اثم الرضا واثم الدخول» ([8]).
و «من أحبّ قوماً حشر معهم، من أحب عمل قوم أُشرك في عملهم» ([9])والآية الشريفة: (يَا أَيُّها الّذِيْنَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا اليَهُوْدَ وَالنَصارَى أوْلِيْاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإنّهُ مِنْهُمْ إنّ اللهَ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِيْنَ) ([10]).
اذاً الأولاد الذين لم يصل اليهم أي نفع، ويبرؤوُن من أعمال آبائهم، فانهم خارجون من هذا المورد، والانتقام منهم يكون خلاف العدل.
وأما تأثير أكل الحرام أو عصيان الأب في الأولاد ليس حتمياً، بل يكون من باب المقتضي، لا العلة التامة، مثلا يوجد اشخاص في الخارج ـ الغرب ـ كانوا اتقياء مع أن آبائهم كانوا من الكفار أو الفسقة (يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيّ) ([11]).
الشبهة الخامسة: في معنى التوفيق والخذلان.
التوفيق من الله تعالى ـ هو توجيه الأسباب نحو المطلب.
والخذلان ـ هو ترك النصرة والأعانة. وفي الحديث: «المؤمن أخو المؤمن لايخذله..» ([12]) أي لايترك نصرته وإعانته.
والمراد من توفيق الله تبارك وتعالى للعبد هو إصلاح شؤونه وزيادة الألطاف له، بل إيجاد الشوق بالخيرات والعبادات.
أما معنى الخذلان من الله تعالى بالنسبة للعبد، هو أن يتركه ونفسه (اللهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً) ([13]).
الجواب: ان أسباب التوفيق والخذلان  تكون بيد العبد، لأنه لو أطاع الله تبارك وتعالى وانقاد الى أوامره يحصل على القابلية للفيوض الكثيرة ويصبح قابلاً للألطاف الالهية كما جاء في القرآن الكريم:
(والّذِيْنَ جَاهَدُوا فِيْنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ([14]) ـ أي الذين جاهدوا فينا الجهاد الأصغر أو الأكبر وحاربوا النفس الأمارة نرشدهم ونهديهم الى طريق الحق والسير إلينا، وأن الله تعالى دوماً يكون مع المحسنين ينصرهم بنصره ويعينهم في أعمالهم.
وكذلك لو أن العبد عصى الله عزّوجلّ وكله الى نفسه ولايشمله اللطف الالهي (نَسُوْا اللهَ فَنَسِيَهُم) ([15]). نسوا الله بترك جميع طاعاته ولم يشكروه بل لم يتفكروا بأنه خالقهم ورازقهم  ومكلّفهم ولذا تركهم الله وجعلهم بحكم المنسيين وهذا من باب الأزدواج في الكلام والاّ لايجوز عليه جلّ  وعلا النسيان والسهو.
وفي حديث الحسين بن علي (عليه السلام) في جواب من سأله عن خير الدنيا والآخرة، فكتب اليه (بسم الله الرحمن الرحيم ـ من طلب رضا الله بسخط الناس، كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، وكّله الله الى الناس) ([16]).
ولكن مع ذلك لو كانت اسباب الخذلان والتوفيق بيد العبد ولكن لاتصل الى حد يكون صدور الفعل من العبد على نحو الجبر، بل الاختيار موجود بالنسبة اليه في كلتا الحالتين.
([1]) سبأ: 28.
([2]) الانسان: 3.
([3]) فصّلت: 17.
([4]) عوالي اللآلي ج1 ـ 35 ـ ح19.
([5]) الكافي ج8 ـ 77 ـ ح197.
([6]) البحار ج53 ـ 303.
([7]) الأنعام: 164.
([8]) نهج البلاغة: 499، قصار الحكم 154.
([9]) مستدرك الوسائل ج12 ـ 108.
([10]) المائدة: 51.
([11]) يونس: 31.
([12]) البحار 74: 286، ح 13.
([13]) البحار 16: 218، ح6.
([14]) العنكبوت: 69.
([15]) التوبة: 67.
([16]) البحار 71: 371، ح3.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com