الفصل الرابع: الارتباط بالله

تقييم المستخدم: 2 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

عوداً على بدء وكما عرفت ان الانسان لابد عند شروعه في أمر إذا كان خطيراً لابدّ أن يكون له ارتباط مع الله تبارك وتعالى، وهذا لايختص ان يكون مع الاسم، بل مع ذاته. الا اذا قلنا بان الاسم عين الذات، اذا يكون الارتباط بالاسم ارتباطاً بالذات وهذا الارتباط يكون سبباً للدلالة على الصراط المستقيم ويعطينا الاطمئنان بالوصول الى المقصد، واتمام العمل على النحو الاحسن. ولذا حينما اراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بأعباء النبوة (وهذا أمر خطير) علمه الله تبارك وتعالى بان يشرع مع اسمه تعالى ويستعين به بقوله تعالى: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذِي خَلَقَ) ([1])ولو أن الله تعالى خاطبه بأن يستعين باسمه جل وعلا ويدعوه به لكن بما أن تعظيم الاسم تعظيم للمسمى، أو أن الاسم عين المسمى، فلا فرق بين ان يستعين بالاسم أو يستعين بالمسمى ولذا قال تعالى: (قُلْ ادْعُوا اللهَ أَو ادْعُوا الرَّحمنَ أيّاً مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى) ([2]) وكذا نوح (عليه السلام) حينما أراد ركوب السفينة مع وجود الطوفان الشديد بيّن له الله تبارك وتعالى بأن نجاتك من هذا الخطر المحيط بك من كل جانب، هو ارتباطك مع الله والاستعانة به عند الركوب وعند الوقوف حيث قال تعالى: (ارْكَبُوا فِيْهَا بِاسْمِ اللهِ مَجْرَاها وَمُرْسَاهَا) ([3]) أي ببركة ذكرك الاسم الشريف أو ببركة استعانتك بالاسم أو الذات عند سيرها ووقوفها، فيكون ذلك حافظاً لها وموفراً لنجاتها كما قال تعالى: (قِيْلَ يَا نُوْحُ اهْبِطْ بِسَلاَم مِنّا وَبَرَكَات عَلَيْكَ وَعَلى اُمَم مِمّنْ مَعَكَ وأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذَابٌ أَلِيْمٌ) ([4]) أي إهبط سالماً ناجياً ببركات نعم كثيرة نرسلها عليك وعلى أمم ممن معك... الخ.
وهكذا سليمان (عليه السلام) حينما أرسل كتاباً لملكة سبأ، صدّر الكتاب باسم الله تبارك وتعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) ([5]).
ولذا فالبدء ببسم الله ـ أي الذي تفوق قدرته كلّ قدرة ـ يبعث فينا القوة والعزم والثقة والاندفاع والصمود والأمل أمام المشكلات. وذكر الله تعالى البسملة وأتى بعدها بالحمد والعبادة وسؤال الهداية، وهذه الكلمات يتكلّم بها الله تعالى نيابة عن العبد حتى يكون متأدباً في مقام العبودية بما أدبه به جل وعلا، بل يمكن أن يقال ان وجود البسملة في إبتداء كل سورة انما يكون لأجل بيان أن الهدف الأصلي في القرآن الكريم الهداية وسوق البشر الى السعادة وأن حصول التوفيق والنجاح لايحصل إلاّ بالاستعانة باسمه تبارك وتعالى.
فاذا عرفت أنّ الله تعالى هو القادر على الاطلاق، فلماذا تستعين بغيره؟
ولماذا تقف على باب غيره؟ ولماذا تطرق باب غيره؟ وهو الغني بالذات وما سواه تعالى فهو فقير بالذات.
كيفية الارتباط بالله تبارك وتعالى: ـ
كما ذكرنا ان الله تبارك وتعالى حينما يأمر الانسان ـ اذا أراد أن يبدأ بكل عمل ـ بأن يذكر اسم الله تعالى حتى تحصل دائماً الصلة بينه وبين الله جل وعلا والارتباط الحقيقي الذي يؤدي الى السلوك الصحيح والطريق المستقيم الذي يبعد الانسان عن الهلاك ويحصل المطلوب وهو القرب الالهي.
وهذه الصلة الرئيسة بين الانسان وبين الله عزّوجلّ تقوم على أمور:
الأول: الايمان به تعالى.
الثاني: محبته له جل وعلا.
الثالث: شكره تعالى على ما أنعم من نعم لاتحصى.
واليك بيان هذه الأمور:
الايمان: وهو لغةً: التصديق المطلق اتفاقاً من الكل.
وشرعاً كما قيل: التصديق بالله بان يصدّق بوجوده وبصفاتهِ وبرسلهِ وأن يعتقد بأنهم صادقون فيما اخبروا به عن الله وبكتبه، وان يصدّق بأنها كلام الله وان مضمونها حق، وبالبعث من القبور والصراط والميزان وبالجنة والنار وبالملائكة بأنهم موجودون وأنهم عباد مكرمون لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبحون الله بالليل والنهار لايفترون، مطهرون من أنواع الشهوات من الأكل والشرب والجماع الى غير ذلك مبرّؤون من التناسل والتوالد ليسوا بذكور ولا أناث بل خلقهم الله تعالى من نور وجعلهم رسلاً الى من يشاء من عباده.
وفي الحديث: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً؟ قال(عليه السلام): يشهد أن لا إله الاّ الله، وان محمداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة ويعرف امام زمانه فاذا فعل ذلك فهو مؤمن ([6]).
أقسام الايمان:
ويَرد الايمان به عزّوجلّ على صيغتين هما (الايمان بالله والايمان لله).
أما الأول: فهو التصديق باثباته على النعت الذي يليق بكبريائه.
وأما الثاني: هو الخضوع له والقبول منه والاتباع لما يأمر والانتهاء لما ينهى.
وعن حلية الأولياء عن الباقر(عليه السلام): «الايمان ثابت في القلب واليقين خطرات فمرة يقوى فيصير كأنه زبر الحديد، ومرة يضعف ويصير كأنه الخرقة البالية» ([7]).
ذكرنا ان المؤمن من اتصف بالايمان وهل يكلف بالدليل.
قال المحقق الشيخ (رحمه الله): المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الامامية وإن لم يكن عنده دليل.
وقريب منه ما عن المحقق الطوسي، وقيل لابد منه ولو اجمالاً.
فوائد الايمان بالله:
للايمان بالله تبارك وتعالى فوائد مهمة كثيرة نذكر منها ما هو أهم على نحو الاختصار:
(1) أنه عماد الحياة الروحية ومنبع كل طمأنينة نفسية ومصدر كل سعادة فهو ينير لنا ظلمات هذه الحياة ففي ساعة الفشل يتذكر المؤمن بان هناك ملاذاً يلوذ به وملجأً يلجأ إليه، بعد ما علم بأن ربه قادر على معونته فحينذ لايجزع مما وقع فيه ولاييأس، فتطمئن نفسه وتصغر أمامه الأهوال وتهون المصائب ويعلم بأن يد المعونة والتأييد ممدودة له.
قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ([8]) ـ فهو راض بقضائه ومستسلماً لما يصيبه وهو بعلم الله عزّوجلّ، فإن ابتلي صبر وإن أُعطي شكر.
(2) والايمان ـ بعد معرفته حق معرفة ـ يكون حائلاً بين المرء. وأقتراف المعاصي، لان الانسان فيما يصدر منه ويفعله يكون خاضعاً لسلطان عقيدته ومسيّراً بأمرها، لان الايمان الكامل يأبى على المؤمن أن يفعل ما ينافيه أو يترك ما يقتضيه.
(3) ان الايمان المصحوب بالعمل الصالح وسيلة الى النعيم الدنيوي والاخروي ـ كما في قوله تعالى:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ([9]).
أي يعش عيشاً طيباً.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنها القناعة والرضا بما قسم الله ([10]).
والارتباط الواقعي بمعناه وهذا الارتباط يخلق الاتجاه الصحيح ويصون الانسان من الانحراف ويؤدي حتماً الى النتيجة المطلوبة المباركة كما في قوله تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ([11]) أي يجزيهم الله تعالى تجاه عملهم الصلاح ويعطيهم أجراً عظيماً.
(4) وأيضاً حينما وقع الانسان وسط حياة جارفة من الآلام والمصاعب، فمن لم يؤمن بالله تعالى ولم يتخذه ملجأً (ومعزّياً) ([12]) لنفسه في المصائب ومساعداً في المتاعب كان اشقى الناس في حياته بخلاف المؤمن الذي يلتجئ اليه ويستمد منه في ساعة ورود الالام والمصاعب فتطمئنّ نفسه، وتصغر عنده الأهوال، وتهون عليه المصاعب والمصائب كما قلنا.
(5) إن لذكر الله جل وعلا أثر فعال في النفس ووسيلة فعالة في الوصول الى الهدف السامي بعدما حصل له الاطمئنان بان الاستمداد الغيبي موجود، فينبذ حينئذ الهم والقلق الّذين كانا من أعدى أعدائها.
أما حب العبد لله تبارك وتعالى وعشقه له: ـ ومعنى العشق ـ هو تجاوز الحد في المحبّة، وعن الغزالي ـ معنى كون الشيء محبوباً ـ هو ميل النفس اليه، فان قوى الميل سمي عشقاً ([13])، وعن جالينوس الحكيم العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد ([14]).
قال افلاطون: العشق ـ قوة غريزية متولدة عن وساوس الطمع واشباح التخيل للهيكل الطبعي تُحدث للشجاع جبناً وللجبان شجاعة ويكسب كل انسان عكس طباعه ([15]).
وقال بعض الحكماء: العشق الهام شوقي أفاضه الله على كل ذي روح ليتحصل له به ما لايمكن حصوله له بغيره ([16])، وهو غير مختص بالانسان بل يشمل غيره أيضاً كما ذكر الشيخ أبو علي سينا في رسالته في العشق بانه لايختص بنوع الانسان، بل هو سار في جميع الموجودات من الفلكيات والعنصريات والمواليد الثلاث المعدنيات والنباتات والحيوانات ([17]).
وبعبارة أخرى: إنّ العاشق يحب معشوقه وكلما يفعله به فهو محبوب عنده «رضاً بقضائك»، لان ما يفعله المحبوب محبوب ولو أُحرق العاشق بالنار، فلو أنّ العروة بين العاشق والمعشوق اصبحت قوية ومستحكمة يكون العاشق للمعشوق والمعشوق للعاشق; لذا قيل: «مَن كانَ لله كان اللهُ له».
والحق: إنّه لابد أن نتعلم العشق مِنَ الامام الحسين (عليه السلام) حيث صنع يوم الطف صنع العاشق الولهان وضحى في سبيل معشوقه بكلِّ ما عزَّ وهان.
فالقرآن الصامت يطلب منّا المجاهدة بالأموال والأنفس: (وَجَاهِدُوْا بِأْمْوَالِكُم وَأَنْفُسِكُم) ([18]) أي إبذلوا الأموال والأنفس لأعلاء كلمة الحق.
والحسين (عليه السلام) القرآن الناطق جاهد بماله ونفسه وأولاده وعياله وأطفاله والخيار من صحبه وأسرته، وهو لايبالي بزخارف الدنيا وزبرجها بل كل همه كان هو لقاء حبيبه، وكانت ملاقاة الله جل وعلا أعزّ الاشياء عنده، فأصبح ثار الله في الأرض والوتر والموتر.
سلام الله عليك يا أبا عبدالله.
اذاً فحب الله جل وعلا، مصدر سعادته، وتركه له مصدر شقائه، لان ذلك الحب تتبعه ولاية الله تعالى ونصرته ودفاعه عنه، وعدم ايكاله الى نفسه «رب لاتكلني الى نفسي طرفة عين أبداً» كما ورد في الدعاء ـ وفي الحديث وكّله الى نفسه ـ أي خلى بينه وبين الشيطان وهو المعني بالضلال من الاية (وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هَاد) ([19]) أي لايكون هناك من يدله على طريق الحق والصواب ([20]).
وإن بغض الله تعالى سبب لشقائه، وايكاله الى نفسه يعمل ما تشتيه نفسه، وحينما ادرك المؤمن حقيقة الله جل وعلا وأدرك جماله وجلاله وأنه اللطيف الذي يتلطف على عباده، والمحسن الذي يحسن اليهم والموصل الذي يوصلهم الى ماينتفعون به في الدارين ويهيىء لهم ما يحصلون به على المصالح والمفاسد من حيث لايعلمون ولايحتسبون. وعلموا علم اليقين بانه تعالى المنعم عليهم، وحينما تأثر بهذا الادراك فاحبّه، فاصبح قلبه مشغولاً به ويفضل أن يكون مطيعاً له، وان لذّاته وارتباطه في طاعته له وعدم مخالفة امره سبحانه.
وليس الحب هو الايمان به ومعرفته واذعان النفس له فقط انما الحب الحقيقي هو أن المحب لله تبارك وتعالى لابد أن تبدوا آثار حبه آياه في جميع أقواله وأفعاله  وتصرفاته.
أما الايمان الجاف الذي لايعدُّ الاذعان النفسي والاقرار القلبي وآثاره مظهر من المظاهر العملية، فهذا لايكون الايمان الذي يريده الله تبارك وتعالى ويحبه (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَاد فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ([21]).
أي أنه لو كانت هذه الأمور أحب اليكم من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)وجهاد في سبيله ـ أي آثرتموها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله ـ انتظروا حتى يأتي الله تعالى بحكمه فيكم وهذا من أوعد الأشياء عند الله تبارك وتعالى.
اذا تحررت النفس من تلك اللذائذ الدنيوية وعن حب الدنيا على الاطلاق الذي هو منبع جميع المهلكات من الغل والحسد والرياء والنفاق والتفاخر والتكاثر وحب النساء والمال والأولاد. ولذا ورد في الحديث «حب الدنيا رأس كل خطيئة» ونسب الى بعض العارفين بأنه: ليس الدنيا عبارة عن الجاه والمال فقط بل هما حظان من حظوظهما وان الدنيا عبارة عن حالتك قبل الموت كما ان الآخرة عبارة عن حالتك بعد الموت، فمالك فيه حظ قبل الموت فهو دنياك. وليعلم الناظر انما خلقت الدنيا للمرور منها الى الاخرة، وانها مزرعة الآخرة في حق من عرفها اذ يعرف أنها من منازل السائرين الى الله تعالى وهي كرباط بني على الطريق أُعد فيها العلف والزاد وأسباب السفر فمن تزود لآخرته واقتصر منها على قدر الضرورة من المطعم والملبس والمنكح وسائر الضروريات الاخرى فقد حرث وبذر، وسيحصد في الآخرة ما زرع. ومن عرج عليها واشتغل بلذاتها وحدودها هلك.
وحب الدنيا قد يوصل الانسان الموحّد الى البغض والسخط وعدم رضائه ([22]) بما أعطاه الله جل وعلا. وقد يتصور أنه سلبت منه أشياء مما يحب.
فاذا ذاق المؤمن حلاوة هذا الحب، فحينئذ يؤُثر الله ورسوله، ولم يرغب عنه، ولم يجعل له بديلاً، وبعد ما عرفنا بأن الحب القلبي لايفيد بل لابد من اطاعة المحبوب في جميع ما يأمره، فهذا الحب حينئذ يحولنا الى روح لطيف نظيف يغلب عليه الصفا فينسي البغض والحقد والحسد وسائر الوساوس الشيطانية ونتيجته عدم صدور أي شر وعدوان من المحب.
قلنا لابد أن يكون الحب منحصراً في الله تبارك وتعالى، ولكن هناك بعض من لامعرفة حقيقية له بالله تعالى يجعل لله أنداداً ويقسم حبه لله جل وعلا وشركائه، كما عبّر عن ذلك في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) ([23]) أي أتخذوا غير الله انداد له من الاصنام وغيرها، من الرؤساء الذين يتبعونهم فيحبونهم كما يحبون الله ويعظّمونهم ويخضعون لهم وينقادون لأوامرهم كما يفعلون ذلك بالنسبة الى الله جل عن ذلك أي أنهم لايفرقون بينه تعالى وبينهم في المحبة.
أما الذين آمنوا لايعدلون عن محبته الى محبة غيره، بل تكون محبتهم خالصة لله جل وعلا... الخ، مع أن الحب والاطاعة منحصرتان في الله تبارك وتعالى ولاينافي مع من يجوز حبه كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في قوله تعالى: (أَحَبَّ إلْيْكُم مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ) ([24]).
اذاً حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حب الله تبارك وتعالى وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام): «هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة من دون الامام الذي جعله الله للناس اماماً فلذلك قال: (ولو يرى الذين ظلموا) الاية ثم قال: والله هم أئمة الظلم واشياعهم» ([25]).
فظهر من الآية الشريفة بان الحب كلّه لابد أن يكون لله جل وعلا ولايفيد التشريك في الحب بأن يحبه تعالى ويحب غيره ولو فرض ان الحب لله تعالى أكثر، بعدما بين في ذيل الآية (أنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعاً) ([26]).
وأيضاً يظهر من الآيتين اللتين بعدها (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الاَْسْبَابُ) ([27]) ـ أي تبرأوا من أتباعهم وزال عنهم كل سبب وربط بينهما وزال ذلك الحب وما أنتفعوا به يوم القيامة (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ) ([28]) ـ أي ان التابعين لأئمة الضلال تمنوا الرجوع الى الدنيا مع المتبوعين ليتبرَّؤوا منهم جزاءاً لتبرُّءِ التابعين منهم حينما رأوا العذاب...ا لخ الآية.
فعلمنا من الآية المباركة ان الذم لم يتوجه للحب الفارغ، بل للازمه الذي هو الاتباع لا كما تصوروا بأن الأنداد يتمكنون من الدفاع عنهم في الضراء والسراء ويجلبون اليهم كل محبوب  ويدفعون عنهم كل مكروه. اذاً الاتباع هو الذي يجلب السوء للذي تبعهم لا الحب الفارغ.
([1]) العلق: 1.
([2]) الاسراء: 110.
([3]) هود: 41.
([4]) هود: 48.
([5]) النمل: 30.
([6]) البحار ج16 ـ 69.
([7]) البحار 78: 185، ح16.
([8]) التغابن: 11.
([9]) النحل: 97.
([10]) التفسير الجديد: ج4 ص254 ط . بيروت.
([11]) النحل: 97.
([12]) من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ـ مشكات الأنوار: ص242.
([13]) مجمع البحرين باب (عشق).
([14]) مجمع البحرين باب (عشق).
([15]) كشكول البهائي: ص16.
([16]) نفس المصدر: ص17.
([17]) نفس المصدر: ص19.
([18]) التوبة: 41.
([19]) الرعد: 33.
([20]) عن أبي عبدالله (عليه السلام) ثلاث تناسخها الأبناء من آدم حتى وصلت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)كان اذا اصبح يقول: اللهم اني أسألك ايماناً تباشر به قلبي ويقيناً حتى أعلم أنه لايصيبني الاّ ما كتبت ليورضني بما قسمت لي، ورواه بعض أصحابنا وزاد فيه حتى لا أحب تعجيل ما أخرت... ولا تكلني الى نفسي طرفة عين أبداً / اصول الكافي: ج2 ص524، كتاب الدعاء حديث 1.
ونقل العلامة المجلسي في بحاره عن تفسير علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت ام سلمة رافعاً يديه الى السماء وهو يقول: اللهم لاتكلني الى نفسي طرفة عين أبداً. (البحار: ج95 ص362).
([21]) التوبة: 24.
([22]) ارشاد القلوب: ج1 ص19.
([23]) البقرة: 165.
([24]) التوبة: 24.
([25]) التفسير الجديد: ج1 ص192.
([26]) البقرة: 165.
([27]) البقرة: 166.
([28]) البقرة: 167.