حب الله تبارك وتعالى للانسان

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

هو أنعامه جل وعلا عليه وتوفيقه لطاعته وهدايته لدينه الذي أرتضاه وفي الحديث: «ان من أحب عباد الله، عبداً أعانه الله على نفسه» ([1]) أي كسر شهواته بان فعل به الطافاً اختارها عند الطاعة واجتناب المعصية.
ويمكن أن يكون معنى (اعانه على نفسه) أي قوّى القوة العاقلة بحيث غلبت النفس الامارة.
وقيل كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه بان يطئ على بساط قربه. وأصل الحجاب لغة، بمعنى الحاجز والستر الحائل بين الرائي والمرئي ([2]). وحين يوصف الله تعالى حجابه بالنور، أي ان حجابه خلاف الحجب المعهودة لانه تعالى محتجب عن الخلق بانواره وجلاله وسعة عظمته وكبريائه ولا محدودية له بحسب الذات.
فهذا الحجاب هو الحجاب الذي تندهش دونه العقول. وتذهب الأبصار أي تنحسر البصائر ([3]).
قال بعض العرفاء ما هو مضمون كلامه بأن الحجاب في لغة أهل المعرفة يطلق على معنيين كليّين وكلاً من هذين المعنيين يختلف عن الآخر وهما:
المعنى الأول: هو حجاب الظلمانية وهذه الحجب هي التي تمنع الانسان من أن يصل الى مدارج الكمال والترقي، ومن تلك الحجب الظلمانية حجاب الطبيعة فقد خلق الانسان بطبيعته (من طين لازب) يمنعه من العروج الى العالم الأرقى ولايمكن للأنسان أن يوفق لمعرفة تلك العوالم فضلاً عن الدخول فيها والترقي منها الى ما فوقها الاّ بعد أن يتخلص من حجاب الطبيعة.
ومن تلك الحجب الظلمانية أيضاً، حجاب الجهل وأشده الجهل المركب. ومن تلك الحجب الظلمانية: حجاب الذنب وأشده الذنوب الكبيرة... الخ.
المعنى الثاني: هو حجاب النورانية، بعد أن يتخلص من حجبه الظلمانية وهو يطلق على معان منها: المقام، فالمقام والمنزل الذي يكون فيه السالك حجاب له عن ترقّيه الى المقام والمنزل التالي، فما لم تتم له الاحاطة التامة بمنزله الذي هو فيه فانه لايستطيع الترقي الى المقام الاعلى الى أن يقول:
ومن البديهي في العقيدة الاسلامية أن المعرفة على مراتب تختلف درجات العارفين باختلافها، ويعود السبب الاساسي لعدم تساوي المخلوقين بالمعرفة الى مقدار ونوع وضخامة الحجب التي تحيط بالعارف، فكلما تمكّن العارف أن يخرق حجاباً من حجب الظلمة للمبتدئين أو من حجب النّور للسالكين، فانه يترقى درجة أعلى في مقام المعرفة والقرب.
وعلاقة حبّه للعبد، توفيقه له عن دار الغرور، والترقي الى عالم النور والانس بالله تعالى، والوحشة عمن سواه وصيرورة جميع همومه هماً واحداً وهمه أن يُقبل اليه بكله ويترك ما سواه ولايطيع غيره ويتكل عليه ولايتكل على غيره، ويطلب منه لا من غيره، ويعبده حق عبادته ولايعبد غيره، ولايشرك في عبادته أحداً، بل همه الجدّ في اكتساب رضاه والتفكر في ان عباداته مقبولة عنده.
وهمه إرضائه وانه هل هو راض عنه أم لا؟ وتكون استفادته من الدنيا بمقدار متمكن من أن يعبد ويعمل لله تعالى.
والخلاصة: من ادعى محبته تعالى وخالف ما أمره به فهو كذاب.
أما شكره تعالى: فالشكر تارة يكون من العبد واخرى يكون من الله تعالى.
أما الأول: هو أن يكون لسانه مشتغلاً بالثناء على ربه معترفاً بالنعم التي انعم الله جل وعلا بها عليه، ويكون قلبه مملوءاً من الحب تجاه النعم على ما أنعم عليه وشهوداً بأن منه الفضل والاحسان. وشكر المنعم أمر عقلائي واللازم على من أُنعم عليه أن يشكر المنعم ولذا نرى في كثير من الآيات دعى الله تعالى بالتخلق بالشكر في قوله تعالى: (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشاكِريْنَ) ([4]) تجاه نعمه تعالى التي أنعمها عليه من الهداية لمعرفة النبوة والتوحيد والاخلاص في العبادة وغيرها.
ومدح نبيهُ ابراهيم (عليه السلام) لقيامه بواجب الشكر بقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لاَِنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الاْخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) ([5]) ـ أي حامداً ربه على ما أعطاه من النعم ولهدايته على الصراط المستقيم، فآتاه الله في الدنيا رزقاً كثيراً وعمراً طويلاً وأولادً طيبين وأنه في الآخرة من جملة الصالحين.
ان الشكر في الدنيا سبب لزيادة النعم فيها قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ([6]) ـ أي بين وأعلم للشاكرين للنعمه اعطاء الزيادة لحبه لهم. وعلى العكس بما أن كفران النعمة وعدم عرفان الجميل أمر منكر، فهو بمنزلة الكفر لان من ينكر إفضاله يكون أشد كفراً ممن لايعرفه على الاطلاق.
وفي ديث عن الصادق (عليه السلام) حينما بين وجوه الكفر قال: «الثالث كفر النعمة واستشهد بالآية» ([7]).
وشكر العبد لله تعالى بعد اعترافه بنعمه التي اعطاها له هو الاتيان بفعل الطاعة وترك المعصية.
وأما الثاني: وهو شكر الله تبارك وتعالى للعبد بمعنى مجازته للعبد تجاه شكره (وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيْماً) ([8]) وقد مر الحديث فيه.
أي مجاز لكم على ما شكرتموه ويكافئ بما تستحقونه تجاه ما عملتم قليلاً كان أو كثيراً ولا يحصل التقرب من غير شكره. ولذا أمر تعالى عبده بالشكر في آيات عديدة.
1) (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالاَْبْصَارَ وَالاَْفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([9]) ـ أي والله أعلمكم حين كنتم لاتعلمون شيئاً وأعطاكم هذه الآلات والادوات.
هل تعرفون جزئيات الأشياء وتتعقلونها لتحصل لكم العلوم البديهية، وهذه القلوب هي بمنزلة السلاطين في مملكة البدن. ومنّ الله على هذه القلوب حيث ان مستندها القوة العقلية فيها تتميز وتدرك الأشياء واعطاكم هذه الأمور لكي تحمدوه تعالى على هذه النعم الجزيلة (وَآيَةٌ لَهُمْ الاَْرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ) ([10]) ـ أي هذا دليل قاطع وحجة باهرة لقدرة الله تعالى على بعث الناس لانه مثّل جلّ وعلا بالأرض المجدبة غير الزراعية فأحياها وأخرج منها حباً، بل جعل فيها من النخيل والأعناب من أنواعها وهذه الأمور وما عملت أيديهم منها كالدبس والعصير والخل ونحوها خصها للناس كي يستفيدوا منها. ولكن لم يشكروا الله تبارك وتعالى! وجاء بالاستفهام جل وعلا انكاراً لترك شكرهم.
2) وأيضاً قال تعالى: (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِىَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([11]) أي سخر لكم البحر فجعله بشكل خاص من إستواء سطحه وميوعة مائه بحيث لايمنع من الغوص، وجعله أملس لكي لايمنع من سير ما يطفو على سطحه، وجعله هادئاً ليمكن جريان السفن فيه ولكي تركبوها وتضعوا محمولاتكم فيها وهي تجري في لجج البحر في غاية الاطمئنان وكمال السكينة ولكي تطلبوا من فضله النفع في تجارتكم وفي الغوص والصيد حتى تشكروه تجاه هذه النعم الجزيلة الصادرة من المنعم الحقيقي جل وعلا بلطفه وكرمه عليكم.
3) وقال عزّ من قائل: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([12]) ـ أي من رحمانيته الواسعة التي تشمل البشر أجمع وهو خلق الليل والنهار، وفائدة الأول هي الأستراحة فيه والالتذاذ من اتعاب الاشغال في النهار. والثاني هي طلب الرزق للمعيشة الذي خصصه لكم بفضله وكرمه لا بالاستحقاق وأراد بذلك شكره جلّ وعلا على اعطائكم هاتين النعمتين ـ الليل والنهار ـ لما فيهما من الفوائد الكثيرة.
وكما ذكرنا أن منفعة الشكر لاتعود الاّ على العبد نفسه دون الباري تعالى وهو سبب لطهارة النفوس والقرب منه تعالى كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ للهِِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) ([13])والحكمة علم الشريعة والمراد من إتيان لقمان الحكمة: العقل والفهم. يقال فلان صاحب الحكمة اذا كان متقناً للأمور. وفي حديث أولياء الله نطقوا فكان نطقهم حكمة أراد بها صلاح الآخرة والأولى من المعارف والعلوم لا الدنيا ([14]).
(وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي: يعود نفعه إليها. والله غني بالذات فلاينفعه شكر الشاكرين، حقيقٌ بالحمد سواء حُمد أم لا.
ولذا نرى أن أكثر الناس غير شاكرين لنعمه تعالى.
لايخفى بأن الشكر من أركان السعادة للمجتمع والرقيّ لهم، وأما الكفران للنعم فيعرّضها لزوال نعمه التي أنعمها عليه، بل يكون سبباً لخراب الاُمم كما أخبر به جل وعلا حيث قال: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) ([15]).
إذاً كما بينا أن الشكرَ مِن دَعَائِمِ السَّعَادَةِ وعلى العكس، الكفر والاعراض عن الشكر لايجلب غير الدمار والخراب الذين لوّعا الشعوب. فلابد أن تكون دائماً شاكرة لأنعمه تبارك وتعالى لتحصل على السعادة التي تنشدها.
فعن الباقر وكذا الصادق (عليهما السلام): أنه كان اذا اصبح وامسى يقول:
«اللهم ما أصبح بي من نعمة أو عافية من دين أو دنياً فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها حتى ترضى وبعد الرضا، كان يقول: اذا أصبح ثلاثاً واذا أمسى ثلاثاً، فهذا شكره».
وعن معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «من أعطى ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً من أعطى الدعاء أعطي الأجابة ومَن أعطى الشكر أُعطي الزيادة ومَن أعطى التوكّل أُعطي الكفاية ثم قال: أتلوت كتاب الله عزّوجلّ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال: (وَلَئِنْ شَكَرتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ) وقال: (أُدْعُوْني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ([16]).
وفي الحديث: (لايرد القضاء الاّ الدعاء) ([17]) قيل ـ أراد بالقضاء ما تخافه من نزول مكروه وتتوقاه. وتسميته قضاءاً مجاز ويراد به حقيقة القضاء. ومعنى رده تسهيله وتيسيره حتى كأن القضاء النازل لم ينزل. ويؤيده ما روي: من أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، أما مما نزل فصبره عليه وتحمله له ورضاه به، وأما نفعه مما لم ينزل فيصرفه عنه ([18]).
التوكّل على الله
بعدما عُرف الله تعالى بأنه هو الذي لابد أن يستعان به في جميع أموره. اذاً لابد أن يتوكّل العبد عليه في أموره كلها. وبعد ما عَرف أن الله بيده تصاريف الحياة وبيده النفع والضرّ وبيده الأحياء والممات، اذاً لابد أن يُترك الأمر اليه ويرضى بمشيئته فلايفزعه المستقبل وما يخبئه من المفاجأة، ويستعيظ بدلاً من الخوف الى السكينة والأمان حينما يوكل اليه أمره، ولذا نرى الله جلّ وعلا لاجل رفع الخوف وبث السكينة في النفس وبيان ان كل شيء بيده وتحت اختياره يأمر العبد بالتوكّل بقوله تعالى: (إلَيْهِ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ([19]).
أي اليه تعالى وحده يرجع الأمر كله في الدنيا والآخرة وله الحكم الفصل يوم القيامة فأعبده لانه أهل للعبادة وأَوكل أمرك كله إليه.
وغير مخفي بان الايمان يكون مصاحباً للتوكل، أي حينما يؤمن بان كل شيء بيده فلابد حينئذ من التوكّل عليه. ومن لم يتوكّل فليس بمؤمن قال تعالى: (وَعَلى اللهِ فَتَوَكَّلوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) ([20]) أي انقطعوا اليه في كل ما تأملون وسلّموا اليه أموركم إن كنتم مصدّقين بقوله ووعده. وقوله تعالى: (اللهُ لاَ إِلَهَ اِلاّ هُوَ وَعَلى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ) ([21]) أي المعبود الذي لامعبود غيره والرب الذي لاتحق العبادة لغيره فتوكّلوا عليه وفوّضوا اليه أمركم وارضوا بقضائه وحكمه.
فهو جل وعلا بعد أن وعدهم بالبشرى ونيل الفضل منه والبركات وبث في نفوس المؤمنين الطمأنينة ومسح ما في نفوسهم من الخوف ومدهم بقوة روحية يستطيعون بها التغلب على فزعهم وقلقهم بقوله تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ([22])أي ما أعطاكم الله فيما يتعلق بدنياكم من الأموال والأولاد وكل شيء ترغبون وتتنافسون فيه انما تنتفعون في هذه الدنيا الفانية وتتمتعون به مدة حياتكم وهو زائل غير باق، لكن ما عند الله من الثواب والجنة أفضل وأبقى، لانه باق غير منقطع ولاينقص منه شيء فهو خير، لانه متاع دار البقاء وهو أفضل من متاع الدنيا بمراتب كثيرة، لأنه كما ذكرنا. فان ما في الآخرة باق والباقي ولو كان قليلاً أفضل من الفاني ولو كان كثيراً، أو الباقي ولو كانت قيمته على نحو البخس ([23]) أفضل مما اذا كانت قيمته قيمة الذهب.
وبعد أن عرف بأن وعده وعد صادق حينما يوعدهم بالمعونة وان من يتوكّل عليه يكفيه لرفع همه وغمّه بقوله جل وعلا: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...) ([24]) أي من جعل أموره متكلاً عليه ومفوضاً إليه مع علمه بحسن تقديره وتدبيره فانه يكفيه أمر دنياه وآخرته.
إذاً لابد للمصلحين الذين دائماً ودوماً يتجاوزون الطرق المملوءة بالأشواك والاخطار ويكونون عرضة للأذى والتعب المظني، أن يفوّضوا أمرهم الى الله حتى لايؤولوا الى الفشل، وأن يقتدوا بنبي الله شعيب (عليه السلام) حيث قال الله تعالى عن لسانه:

( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الاِْصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ([25]) أي عملي اصلاح شؤونكم الدنيوية والاخروية افعل ذلك بحسب قدرتي وحسب تمكني وفي هذه كلّها لا أكون موفقاً الاّ بالله ولايكون هذا الاصلاح بقدرتي الشخصية بل بمعونة من الله تعالى وما أعطاني من قدرة وبالتوكّل عليه مفوضاً أمري الى ربي وأنا ملتزم بطاعته وراض بتدبيره وأَرجع إليه في أموري كلها.
وبعد أن عرفت أن العامل الاساسي للقضاء على الخوف هو التوكّل وتفويض الأمر اليه تعالى. ولذا أن المدنية حيث وصلت الى القمة من النجاح وتيسّر العيش وترفيهه للناس ولكن القلق منتشر بشتى صوره وكذا الخوف على مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي موجود، وأنه يفعل فعله السيء في النفس الانسانية، حيث انها لاتعرف الدواء. أي لايكون عندها العامل النفسي للقضاء على الخوف وهو التوكل، ولذا نرى مع الترفيه في العيش يؤول أمره الى الانتحار.
ففي الحقيقة التوكّل هو عامل روحي في الانسان، وأمر به المؤمنين لكي يتوكلوا عليه ويتغلبوا بواسطة التوكل على الخوف والقلق ويتجلدوا أمام أحلك الساعات التي تمرُّ بهم ويهبهم الطمأنينة وسكون النفس للوصول الى مقاصدهم والعيشة المرضية لهم.
درجات التوكّل
للتوكّل درجات نذكر منها كما يلي:
1) أن يكون حال المتوكّل بالنسبة الى الله حال الوكيل بالنسبة الى الموكل وهذه هي الدرجة النازلة من التوكّل.
2) أن يكون حال المتوكّل بالنسبة اليه حال الطفل بالنسبة للام والأب بحيث لايعرف غيرهما فهنا أيضاً العبد لايعرف غير الله تعالى وهذه هي المرتبة المتوسطة للتوكل.
3) أن تكون حاله كالميت بين يدي الغاسل فهو يشعر بأن جميع حركاته وسكناته وأفعاله منه. وهذه أعلى درجات التوكّل.
([1]) نهج البلاغة 118، الخطبة 87.
([2]) مجمع البحرين مادة (حجب).
([3]) مجمع البحرين: ج2 ص34.
([4]) الزمر: 66.
([5])النحل: 120 ـ 122.
([6]) ابراهيم: 7.
([7]) الكافي ج3: 389 ـ 390، ح1.
([8]) النساء: 147.
([9]) النحل: 78.
([10]) يس: 33، 34، 35.
([11]) الجاثية: 12.
([12]) القصص: 73.
([13]) لقمان: 12.
([14]) مجمع البحرين مادة (حَكَم). البحار 69: 289، ح23.
([15]) سبأ: 15، 16، 17.
([16]) بحار الأنوار: ج71 ص129.
([17]) مكارم الأخلاق: ص314.
([18]) مجمع البحرين باب «دعوّ».
([19]) هود: 123.
([20]) المائدة: 23.
([21]) التغابن: 13.
([22]) الشورى: 36.
([23]) البخس: أي النقص كما في قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم) يوسف: 20.
([24]) الطلاق: 3.
([25]) الطلاق: 3.      


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com