الفصل الأوّل: بيان كلمة الله (جلّ وعلا)

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

لابد في البحث عنه من بيان أمور

الأوّل : أصله قالوا : إنّ أصله (إله) فيكون بمعنى المفعول لأنّه مألوه ، كالكتاب بمعنى المكتوب حُذفت عنه الهمزة وعوض عنها حرف التعريف .
الثاني : اختلف العلماء بأنّ هذا اللفظ ، هل هو سرياني أم عربي .
وقيل : إنّه كان سريانياً وأصله كان (لاها) وحُذفت منه الألف في آخر الكلمة وعُوض عنه الألف واللام، وعُرِّب فأصبح (الله) .
والحق : إنّه عربي كما يُستفاد من الأخبار والأحاديث الكثيرة .
إذن تكون الألف واللام بمعنى العوض، أو التفخيم لا التعريف، لأنّه كما نبيّن أنّ الله علَمٌ والألف واللام الموجودة فيه أصبحت لازمة، لأنّه لا يستعمل لفظ لاه في أيّ مورد من موارد الاستعمال بدون الألف واللام. وهناك فرق بين الله واله ، فإنّ الأوّل علَم للمعبود الحقيقي كما سيأتي ، وأمّا لفظ إله فيُطلق على مطلق المعبود، حقاً كان أو باطلاً . ثم أُطلق على المعبود الحقيقي على نحو الغلبة ، كالنجم الذي اختص بالثريا والبيت للكعبة .
الثالث : هل الاسم أصبح لله بالوضع أو كثرة الاستعمال ؟
ولو قلنا : بأنّه علَم ووضع له جل وعلا ، فهل كان بالوضع التخصيصي أو التخصّصي ؟
يمكن أن يقال : إنّ هذا الاسم علَم بالوضع لا المفهوم الكلي. وهو المعبود بحق إذاً الوضع يكون تخصيصي وهل الواضع هو الله تعالى أو البشر .
قيل : بأنّ الواضع لابدّ أن يكون هو الله فقط ، لأنّ كل واضع عند وضعه لابدّ أن يتصور الذات ، ولا معنى للوضع بدون التصور ، وتصور ذاته بالنسبة إلى غيره يكون محالاً ، لأنّ التصور على قسمين :
(تصور تفصيلي ـ وتصور إجمالي) فالأوّل يكون بالنسبة إلى تصوّره لذاته تعالى والثاني يكفي بالنسبة إلى العبد.
فإذا عرفت أنّه علم فالأَولى أن يكون بالوضع التخصيصي، حينما نرى أنّه جلّ وعلا جعل لكل موجود اسماً ، فكيف لا يجعل لذاته اسماً مع أنّ هذا الوضع أَولى وذاته أَولى بأن يوضع لها اسم .
الروايات الواردة في وضعه
ويظهر في كثير من الروايات والأدعية أنّه هو الذي جعل هذه الأسماء لذاته لكي يخاطبه العباد بهذه الأسماء ويدعوه ويتضرّعوا إليه ويعبدوه ، فمن تلك الروايات :
الأولى : روى الصدوق عن علي بن أحمد بن عمران الدقاق مسنداً عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال : «... ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبَّدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمي سميعاً بصيراً قادراً قاهراً حياً قيوماً ظاهراً باطناً لطيفاً خبيراً قوياً عزيزاً حكيماً عليماً وما أشبه هذه الأسماء» ([1]) .
الثانية : وروى أيضاً عن أبيه مسنداً عن محمد بن سنان ، قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) : هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : نعم . قلت : يراها ويسمعها ؟ قال : ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعونه بها، لأنّهم إذا لم يدعوه باسمه، لم يُعرف. فأوّل ما اختاره لنفسه: العلي العظيم، لأنّه أعلى الأشياء كلها. فمعناه: الله واسمه العلي العظيم هو أوّل أسمائه لأنّه على على كل شيء» ([2]) .
الثالثة : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : «قال (لي) أبو عبد الله (عليه السلام) : ابتدأ منه يا معاوية أما علمت أنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه . فقال له : أين أنت عن الدعاء السريع الإجابة ؟ فقال له الرجل : ما هو ؟ قال : قل وهو اسمك الأعظم الأعظم ، الأجل الأجل النور الأكبر الذي سمّيتَ به نفسك» ([3]) .
الرابعة : روى المجلسي عن البلد الأمين في الدعاء المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك، واستويت به على عرشك، وهو مكتوب على كرسيك» ([4]) .
الخامسة : روى السيد ابن طاووس في دعاء المشلول ، عن علي (عليه السلام)قال : «أسألك بكل اسم سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في شيء من كتبك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك» ([5]) .
السادسة : روى الشيخ عن إبراهيم بن عمر الصنعاني عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : «للأمر العظيم المخوف تصلّي ركعتين ; وهي التي كانت تصلّيها الزهراء (عليها السلام)تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد ... ثم ترفع يديك وتقول : اللّهم إنّي أتوجه بهم إليك وأتوسّل إليك بحقهم العظيم ... يا مَن سدّ الهواء بالسماء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ، يا مَن سمّى نفسه بالاسم الذي به يقضي حاجة كل طالب يدعوه به» ([6]) .
السابعة : روى السيد ابن طاووس بإسناده إلى هارون بن موسى التلعكبري (رضي الله عنه) مسنداً عن ياسر مولى الربيع قال : «سمعت الربيع يقول ... فقلت : يا أبا عبد الله أسألك بكل حق بينك وبين الله جلّ وعلا إلاّ عرّفتني ما ابتهلت به ا لى ربك تعالى وجعلته حاجزاً بينك وبين حذرك وخوفك فلعل الله يجبر بدوائك كسيراً . فقال : ... أسألك بكل اسم مقدس مطهّر مكنون اخترته لنفسك» ([7]) .
الثامنة : روى أيضاً عن عوذة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم وادي القرى : وأسألك يا الله بحق هذه الأسماء الجليلة الرفيعة عندك العالية المنيعة التي اخترتها لنفسك واختصصتها لذكرك ومنعتها جميع خلقك وأفردتها عن كل شيء دونك وجعلتها دليلة عليك وسبباً إليك» ([8]) .
ومن هذه الروايات وغيرها من الروايات الكثيرة التي لم نذكرها يظهر بأنّ الواضع لهذه الأسماء الشريفة هو نفسه جلّ اسمه .
إذاً كما قال المشهور: إنّه علَم للذات الواحد المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجلالية على وجه العينية وهو الذي يستحق الثناء والعبودية .
الرابع : وهل هو مشتق أو جامد ؟
قالوا : إنّه مشتق من (وله) أي بمعنى ذهاب العقل والتحيّر من شدة الوجد ، وفي الحديث : «لو حننتم حنين الوله العجال لكان في جنب الله قليلاً» ([9]) ، لأنّ التفكر في ذاته يجعل الإنسان مجنوناً .
وقيل : من (ألهَ) الهت إلى فلان أي اتّكلت عليه وأعتمدت في أموري إليه .
وقيل : بمعنى (الهت في شيء) أي تحيّرت فيه .
وقيل : من (لاه) أي احتجب (لاه ـ يليه ـ ليهاً) أي تستَّر ، فإنّ معرفة ذاته جلّ وعلا محجوبة عنا .
وقد نسب إلى الخليل بأنه جامد بدليلين :
الأوّل : بما أنّ ذات الباري لا تكون مشتقة من شيء فالمناسب أن يكون اسمه كذلك .
الثاني : لو كان لفظ الباري مشتقاً، يلزم التسلسل لأنّ أي لفظ يكون لفظ الله مشتقّاً منه فهو أيضاً يكون مشتقاً وهكذا إلى ما لا نهاية والتسلسل باطل. إذاً يكون  جامداً .
الخامس : هل هو علَم أم لا ؟
الحق : إنّه علَم ، وقد نقل عن البلد الأمين للكفعمي أنّه «اسم علم مفرد موضوع على ذات واجب الوجود» ([10]) .
ونقل عن الغزالي : إنّه اسم للموجود الحق الجامع للصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإنّ كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته وإنّما يُستفاد الوجود منه ([11]) .
وقيل : اسم لمَن هو الخالق لهذا العالَم والمدبِّر له .
وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية . فإذا قلنا (الله) فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة وهي صفات الكمال ونعوت الجلال ، ثم قال : هذا المفهوم هو الذي يُعبَد ويوحَّد وينزَّه عن الشريك والنظير والمثل والضد ([12]) . ويميّز عن بقية  الأسماء كما يأتي .
إذاً له جميع الصفات العليا وصفاته عين ذاته وليست زائدة على الذات ويفرق بينها وبينه بالعقل ، ويقال (صفاته تعالى لا هو ولا غيره) أي لا هو باعتبار العقل ولا غيره بحسب الحقيقة ، ولما كانت الذات المقدسة جامعة لجميع أنحاء الكمالات والصفات فلابدّ أن تكون جميع الصفات عين ذاته، إذ لو كان بعض صفاته زائدة على الذات فيصبح ناقصاً فلا يكون منسجماً لجميع الصفات الكمالية .
وأنّه مستحق للعبادة واستحقاقه هذا لا يتم إلاّ إذا كان مبدئاً لجميع ما سواه واحتياج ما سواه إليه ، ولذا قال في سورة التوحيد : (اللهُ الصّمَدُ) أي القائم بنفسه الغني عن غيره والمستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد، والسيد المعظّم الذي يقصد إليه الخلق في الحوائج، قاضي الحاجات بلا امتنان ، ويقصده كل ذي وجود في الحوائج والنوازل فهو غني مطلق وما عداه فقير على الإطلاق . إذن هو المقصد والملجأ الذي يفزع إليه كل ما سواه وهو غيرمحتاج إلى غيره.
وقد استدلّوا أيضاً على أنّه علَم بأمور :
1 ـ بما أنّه دائماً يقع موصوفاً لا صفة للغير ، فلابدّ أن يكون علَماً لا إسماً للمفهوم الكلي .
2 ـ إنّه من البديهي أنّ كلمة الإخلاص تفيد التوحيد ويُعرف التوحيد من نفس الكلمة بدون أي معهودية تكون بين المتكلم والمخاطب ، فإنّ كلمة ـ لا إله إلاّ الله ـ تفيد التوحيد .
وكما قال الزمخشري : إنّ المختار فيها أن يكون أصلها (الله) ـ إله ثم دخلت (لا) و (إلاّ) لتحصيل الحصر فصارت (لا إله إلاّ الله) .
إذاً لو لم يكن علَماً لابدّ أن يستفاد التوحيد من الخارج ومن القرينة. مع أنه يستفاد التوحيد من نفس الجملة ، ولا يحتاج في استفادته إلى أيّ قرينة كالمعهودية الموجودة بين المتكلم والمخاطب .
3 ـ لو لم يكن الله علَماً وكان مفهوماً كلياً، يكون من باب استثناء الشيء من نفسه لأنّ معنى لا إله إلاّ الله ، أي ليس المعبود بحق إلاّ المعبود بحق ، وهذا لا يفيد التوحيد بل يكون كذباً لأنّ معناها ليس هنا معبود مطلقاً، سواء أكان حقاً أو باطلاً إلاّ المعبود بحق مع ما تخيّلوا بأنّ هناك معبودات .
* وأمّا القائلون : إنّه ليس بعلَم فقد استدلّوا بأمور :
1 ـ لو كان علَماً فلابدّ له من واضع، ولابدّ أن يتصوّر المعنى ثم يضع له اللفظ، مع أنّه تعالى غير متناه، وغير قابل للتصور. وقد أجبنا عن ذلك : بأنّه يمكن أن يكون الواضع هو الله جلّ وعلا أو الإنسان ... الخ كما تقدم .
2 ـ لو كان علَماً يكون الإخبار عنه بلفظ (أحد) في قل هو الله أحد، لغواً لأنّ الوحدة تكون داخلة في لفظ الجلالة ولا يكون محتاجاً إلى هذا الإخبار. وقد أجيب عن هذا : بأنّ ضمير (هو) إما أن يكون ضمير الشأن أو لا ، فإذا كان ضمير الشأن فليس أحد بمعنى الواحد مقابل الاثنين حتى يكون الإخبار عنه لغواً، بل أحد يكون إما بمعنى الأوّل كيوم الأحد أي اليوم الأوّل ، أو بمعنى البسيط أي هو بسيط بلا جزء ولا نظير كما هي رواية ابن عباس : قل هو الله أحد أي: لا مبعَّض ولا مجزّأ ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقيصة .
ولو لم يكن ضمير الشأن لابدّ أن نقول بأنّ الآية كانت في جواب كفّار قريش حيث قالوا : يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه ، والضمير (هو) راجع إلى الرب المذكور في كلام قريش. ويكون المعنى هكذا : (إنّ ربي الذي دعوتكم إليه هو ذات مستجمع لجميع الصفات ...) فيكون لفظ أحد هو بمعنى الله، أو خبر ثاني للضمير وليس أحد خبراً للفظ الجلالة حتى يأتي الإشكال ، ولو كان الأحد والواحد بمعنى واحد فالله واحد حقيقي ويكون منزَّهاً عن التركيب الخارجي والوهمي والعقلي كما هو موضح في محله .
إذاً إنّ المعبود بالحق، واللائق للعبادة منحصر في ذاته تعالى لأنّ جميع النعم والخيرات والفيوضات تأتي من قِبله، وهو الذي بيده رحى الوجود. إذاً هو وحده الذي يستحق العبادة، لأنّ شكر المنعِم واجب بحكم العقل ، وكيف لا؟ مع أنّه لا يتمكّن من شكره حقيقةً لو لا الإمداد الإلهي ، إذاً لا يستحق أحد السجود إلاّ الله، كما ورد في القرآن : (وِللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ([13]) ، أي كلّها في السماوات والأرض لابدّ أن تسجد لله. لعظمته سبحانه ، وهذا السجود هو السجود الشأني، أو بمعنى الخضوع أي: الاعتراف بالعبودية .
([1]) عيون أخبار الرضا ، ج1 ، ص145 .
([2]) عيون أخبار الرضا ، ج1 ، ص129 .
([3]) الكافي ، ج2 ، ص582 .
([4]) البحار ، ج93 ، ص266 .
([5]) مهج الدعوات ، ص156 .
([6]) مصباح المتهجد ، ص266 .
([7]) مهج الدعوات ، ص175 .
([8]) مهج الدعوات ، ص174 .
([9]) مجمع البحرين ، باب (وله) ، البحار: 73: 108، ح 108.
([10]) معراج الذاكرين ، ص31 .
([11]) المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، ص14 ; المصباح ، ص213 .
([12]) القواعد والفوائد ، ج2 ، ص166 .
([13]) الرعد / 15 .


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com