البراهين والأدلة على وجوده تعالى (عند المتكلمين والحكماء)

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

هناك بعض الأدلة استدل بها المتكلمون والحكماء على وجوده جلّ وعلا ولهم ثلاثة طرق :

 الأوّل : طريق الحكماء في النظر إلى نفس الوجود وتقسمهم إيّاه إلى: واجب وممكن وممتنع
يمكن أن تكون الآية الشريفة إشارة إلى ذلك في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء شَهِيْدٌ) ([1]) ، أي أولم يكفِ ثبوت وجوده جلّ وعلا وأنّه مطّلع على كل شيء أو حاضر عند كل شيء ؟
إذاً لابدّ أن يكون للوجود واجب حتى تكون جميع الممكنات موجودة بوجوده ويكون مطّلعاً عليها .
الثاني : طريق المتكلمين
فقد أثبتوا وجود الخالق عن طريق حدوث العالَم، وأنّ كل حادث يحتاج في حدوثه إلى مَن يحدثه، ولابدّ أن يكون هذا المحدِث قديماً أزلياً غير محتاج إلى محدِث يُحْدِثه ولا إلى موجود يوجده . ويمكن أن تكون الآية الشريفة مشيرة إلى ذلك ، قال  تعالى :
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لا اُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أ نَا مِنَ المُشْرِكِينَ) ([2]) . وكان استدلال إبراهيم بهذه الأمور على سبيل المماشاة والمصانعة مع قومه ليبطل ذلك بالأدلة الواضحة .
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : «إنّ المأمون سأله فقال : يابن رسول الله أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون قال: بلى، قال: فأخبرني عن قول الله عزّ وجل (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي) ، فقال الرضا (عليه السلام) : إنّ إبراهيم وقع بين ثلاثة أصناف ، صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفته فيه أمه ، فلما جنّ عليه الليل رأى الزهرة كوكباً فقال هذا ربي على الإنكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لا أحب الآفلين لأن الأفلول من صفات المحدَث لا من صفات القديم ، فلما رأى القمر بازغاً أي طالعاً قال هذا ربي على وجه الإنكار والاستخبار فلما أفل أي غاب قال : لئن لم يهدِني ربي لأكونن من القوم الضالّين ، فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قد شرعت بالشروق قال : هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا علا الإخبار والإقرار فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمرة والشمس : يا قومي إنّي بريء مما تشركون. إني وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، وإنّما أراد إبراهيم بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أنّ العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض . وكان مما احتجّ به على قومه مما ألهمه الله وآتاه كما قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيْمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجات مَنْ نَشاءُ) فقال المأمون : فللّه درّك يابن رسول الله» .
وبعبارة أخرى : حينما أبطل إبراهيم (عليه السلام) عقائدهم السخيفة وماشاهم وأظهر لهم بأنّي كنت معتقداً لما  أنتم عليه من عبادة الزهرة والقمر والشمس ، ولكن بعد أفول هذه الثلاثة عرفتهم بأنّهم لا يستحقون العبادة، ولذا قال: وجّهت وجهي وأقبلت بقلبي بل بجميع مشاعري إلى الله الأزلي والأبدي الذي خلق السماوات والأرض مع ما هي عليه من الموجودات والأنظمة الدقيقة ، مخلصاً في عبادتي غير مشرك به، مائلاً عمّا أنتم عليه من الوثنية .
الثالث : الآيات والأخبار
فما استدلوا به من الآيات والأخبار ما يلي :
1 ـ قوله تعالى : (سَنُرِيْهِمْ آيَاتُنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنّهُ الحَقُّ) ([3]) ، أي سنطلعهم على العلائم والآثار الآفاقية، والآيات الأنفسية كمراتب خلق الإنسان من النطفة إلى العلقة ... الخ كما ورد في الحديث : «مَن عرف نفسه فقد عرف ربه» ([4]) ، حتى يتبيّن لهم أنّه الحق وأنّه الخالق لهذا الكون . ومعنى عرف نفسه: حيث وُجِد من أخس وأرذل الأشياء وأحقرها وهي النطفة، ووصل بعد طي المراحل إلى هذا الجمال والكمال الجسماني والروحاني أي عالم العقل ، إذاً يعرف ربه لأنّه يعلم بأنّ غير الذات العالِم القادر الحكيم الوهّاب المصوّر، لا يتمكن من إيصال النطفة إلى هذا الكمال والجمال .
إذاً من جهة التفكر والتوجه إلى النفس الناطقة المجردة، عرف الله تعالى بأوصافه الجمالية والكمالية والجلالية . وسئل عارف بمَ عرفت ربك فقال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفس عن تكذيبها .
2 ـ قوله تعالى : (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَـيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَات لِقَوْم يَعْقِلُونَ) ([5]) .
فحينما ينظر الإنسان إلى الموجودات السماوية والأرضية وهي على أشكال مختلفة، ولكل منها نظام خاص وحركة مخصوصة، وهي على نظامها المستمر لا يطرأ عليها نقص ولا عيب من الأزل إلى الأبد ، وكما ذكر حين نتفكر في هذه الأنظمة الدقيقة البديعة نكتشف بأنّ هناك منظِّماً حكيماً دقيقاً وهو الله جلّ وعلا. وهذا دليل عقلي بسيط يتمكن كل مَن ينظر إليها أن يصل إلى وجود الخالق ، ولذا دائماً يحث الله تبارك وتعالى في آياته الشريفة، على النظر إلى هذه الآيات والتفكر فيها بقوله تعالى : (وَيَتَفَكَّرُون فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلا ...) ([6]) وغيرها من الآيات .
وأما ما استدلوا به من الأخبار فنذكر منها:
أوّلاً : كيفية معرفة أهل البيت (عليهم السلام) له جلّ وعلا .
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إعرف الله بالله» ([7]) ، وهذه معرفة  العارفين كما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : «إلهي بك عرفتك وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت» ، وفي الواقع بهذه المعرفة يتفاضل الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) على غيرهم .
ثانياً : معرفة العوام ، ويكفي فيها ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام : «البعرة تدل على البعير والروثة تدل على الحمير وآثار القدم تدل على المسير أفهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة ، كيف لا تدلاّن على اللطيف الخبير» ([8]) . إلى هنا نكتفي بهذا المقدار من البحث وشرح هذه الأدلة مفصلاً في كتابنا «كليات في الفلسفة» .
فوائد معرفة الله
لا بأس بذكر بعض الفوائد التي تحصل من جهة معرفته جلّ وعلا .
1 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ينبغي لمَن عرف الله سبحانه أن لا يخلو قلبه من رجائه وخوفه» ([9]) ، أي مَن عرفه جلّ وعلا ليس في قلبه أيّ اضطراب ولا يخاف إلاّ منه تعالى ولا يرجو إلاّ منه ويكون دوماً بين الخوف والرجاء .
2 ـ كما أنّه بعد معرفته جلّ وعلا لابدّ أن يتوكل في جميع أموره عليه كما مرّت الإشارة إليه ، قال أمير المؤمنين : «ينبغي لمَن عرف الله أن يتوكل عليه ولا يتوكل على غيره، بل كلما كان إيمانه أقوى يكون توكله على الله تعالى أكثر ، ومَن كان توكله أكثر كانت معرفته به أكثر» .
3 ـ العارف بالله يكون خائفاً منه جلّ وعلا فقط ولا يخاف من أحد غيره حتى من الكوارث والموت، لأنّه يتيقن أنّه يكون بعد الموت حاضراً عند محبوبه ، إذاً الموت يكون عنده أحلى من العسل ، قال (عليه السلام) : «مَن عرف الله خاف الله ومَن خاف الله آمنه من كل شيء» .
4 ـ إنّ معرفة الله تنوّر القلوب بأنواره وإشراقاته ، قال (عليه السلام) : «المعرفة نور القلب» .
5 ـ مَن عرف الله فقد منع نفسه من الكلام غير الضروري وهكذا بطنه واهتم دائماً بالقيام والصيام ، قال (عليه السلام) : «مَن عرف الله منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنى نفسه بالقيام والصيام» ، أي لا يتكلم بالكلام العبث ويكون السكوت عنده أَولى من الكلام غير المفيد ، وكلامه دائماً بذكر الله ، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)أو كلام حكمة أو إرشاد الخلق ، ويمنع نفسه من ألوان الطعام والملذات النفسانية ويسعى دائماً في الخير، ويصرف عمره في طاعة الله تعالى ، إما بقيام للصلاة أو إمساك للصوم. ويسعى ليله ونهاره للقرب منه جلّ وعلا .
6 ـ مَن عرف الله يكون أكثر قبولاً لعذر الخلائق عند اعتذارهم. ولو لم يكن لهم عذرٌ ، قال (عليه السلام) : «أعرف الناس بالله سبحانه أعذرهم للناس» ، أي لا يطلق لسانه لبيان عيوب الناس ولا يلوم أحداً ويقبل عذره، ولا يبغض أحداً من الخلق، ولا يحقر ولا يهين شخصاً خصوصاً، إذا كان مؤمناً. ويطلب من الله المغفرة لما صدر منه من ذنب .
7 ـ أعلم الناس بالله سائل منه جلّ وعلا أكثر. وهو يرجع في احتياجاته إليه ويطلب منه فقط ، قال (عليه السلام) : «أعلم الناس بالله أكثرهم له مسألة» ([10]) ، يعني مَن عرف الله وكان أعرف بمعرفته، يعلم بأنّ زمام أمور العالَم يكون بيده تعالى ، وغيره لا يملك شيئاً ولا تتعلق أيّ قدرة بدون مشيئته سبحانه ، إذاً يلجأ في جميع حاجاته الجسمانية والروحانية إليه تبارك وتعالى، ويمد إليه يد المسألة ، قال تعالى : (إنّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيْدُ) ([11]) ، أي غني عن الخلق، المحمود في الأمور في السراء والضراء .
إذاً لا يتمكن شخص من افتتاح باب مغلوق عليه كأبواب الرزق، إلاّ بالتوسل إليه. وهو الذي يتمكن أن يفتح هذه الأبواب ، قال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلاَ مُمْسِكَ لَها وَمَا يُمْسِكُ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ) ([12]) ، أي لو أراد الله بعبد خيراً يفتح له باب رحمته، وإذا فتح هذا الباب فلا يقدر أحد منع هذا الخير والرحمة النازلة إليه ، وأما لو حبس الله الخير والنعمة ومنعهما من العبد، فلا يتمكن أحد أن يرسلها من بعد إمساكه جلّ وعلا ومنعه . لأنّ الأمور كلها بيده وتحت قدرته وليس للبشر أيّ قدرة واختيار .
وأنت تعلم بأنّ طلب الحاجة من الغير ذلّة ضئيلة كانت أو كثيرة ، لذا كلما يطلب من الله ويكثر من طلب الحاجة فإنّه محبوب عند الله، كما ورد عنه (عليه السلام) : «إكثار طلب الحاجة من الله يعزّك ومن الناس يذلّك» . إذاً مَن عرف الله أكثر، طلب منه حاجته أكثر .
لا يخفى أنّ أعظم المعارف والحِكم هو معرفة الله جلّ وعلا ولا يكون هناك علم أشرف وأعلى من معرفته سبحانه لأنّ أشرفية كل علم بأشرفية معلومه، أو بأشرفية وأظهرية الأدلة، أو أفضلية الغايات ، والعلم الإلهي ومعرفته جلّ وعلا تكون أشرف العلوم من عدة جهات .
1) من جهة الموضوع : فإنّ هذا العلم يكون موضوعه أعلى وأكمل، لأنّه هو معرفة الباري وصفاته الجلالية أو الكمالية أو الجمالية ، ومعلوم أنّ هذا الموضوع أعلى وأشرف من بقية الموضوعات ، لذا قال الحكماء في تعريف علم الحكمة الإلهية: بما أنّ موضوعه وجود الحق وصفاته وأفعاله وكيفية صنعه وإبداعه إذاً يكون أعلى العلوم والمعارف .
2) من جهة البرهان : فبرهانه وجود كامل فوق الكمالات وهو الله ، وهو أتمّ وأظهر وأتقن البراهين ، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «اعرِف الله بالله» ([13]) ، وورد في الدعاء عنه (عليه السلام) أيضاً : «يا مَن دلّ على ذاته بذاته» ([14]) ، أي البرهان والدليل على وجوده هو نفس ذاته المقدسة . وقد ورد في الحديث أيضاً : «أنت الذي أشرقت لك الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك» . إذاً أنّ وجود الله هو الدليل والبرهان على ذاته جلّ وعلا.
3) من جهة الغاية : بما أنّ معرفة الله هي الغاية ، إذاً الحكمة الإلهية تكون من أشرف الغايات .
([1]) فصلت / 53 .
([2]) الأنعام / 76 ـ 79 .
([3]) فصلت / 53 .
([4]) البحار 61: 99.
([5]) البقرة / 164 .
([6]) آل عمران: 191.
([7]) أصول الكافي ، ج1 ، ص66 .
([8]) روضة الواعظين ، ص40 .
([9]) عيون الحكم والمواعظ.
([10])
([11]) الحج / 64 .
([12]) فاطر / 2 .
([13]) روضة الواعظين ص: 40.
([14]) دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، مفاتيح الجنان ، ص60 .


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com