الفصل الأول: بحث موجز في معاني الرحمن الرّحيم واشتقاقهما

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 والكلام فيهما يقع في أمور:

الأول: في بيان اشتقاقهما: ورد في اللغة أنهما مشتقان من الرحمة بمعنى اعطاء الرحمة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِيْنَ) ([1]) أي وما أرسلناك الاّ للناس كافة رحمةً منا عليهم ـ للمؤمن والكافر ـ بل هو (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لأهل السماء أيضاً. أما رحمته للمؤمنين تكون في الدارين، وهذا معلوم، وأما للكافرين هو اسعادهم في دار الدنيا من جهة المعاش، بل آمنهم من الخسف والمسخ والزلازل والاستأصال، الا من حق عليهم القول، ويقال للقرآن رحمة وللمطر رحمة.
وفي التفسير المنسوب الى الامام العسكري (عليه السلام) قال: في تفسير قوله عزّوجلّ (الرحمن) ان الرحمن مشتق من الرحمة.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله يقول: يقول الله تعالى: أنا الرحمن أنا الرحيم شققت لهما اسماً من أسمائي من وصلهما وصلته ومن قطعهما أبنته، ثم قال أمير المؤمنين: ان الرحيم اشتقّها الله من إسمه ـ بقوله أنا الرحمن أنا الرحيم وهي رحم محمّداً، وإنّ من إعظام الله إعظام محمّد، فالويل لمن استخف بشيء من حرمة رحم محمد وطوبى لمن أعظم حرمته وأكرم رحمه ووصلهما ([2]).
ومنها اختلاف أمّتي رحمة لا شكّ ولا شبهة إنّه ليس المراد من الاختلاف هو الاختلاف في الدين والعقيدة لأنّ الدين واحد بل مشير بذلك إلى قوله تعالى (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُم طائِفَة...) فأمرهم الله أن ينفروا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ويختلفوا إليه فيعلموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. أو المراد (اختلافهم في البلدان لا في الدين) كما في معاني الأخبار.
الثاني: ان الرحمة لغة ـ تكون بمعنى رقة القلب وأنعطاف يقتضي التفضل والاحسان. وسمى الرحم رحماً لانعطافه على ما فيه، وهي في الله اخذت باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي هي بمعنى الانفعال.
وقد قسموا الرحمة في الوجود الى ثلاثة أقسام:
1ـ الاطلاع بحال المحتاج.
2ـ بعد الاطلاع يحصل للشخص رقة القلب حيث يحصل للانسان عطوفه للمساعدة والاحسان.
3ـ الاحسان طبق ما يريد المحسن إليه، ولايخفى ان الرحمة بالمعنى الثاني لايتصور بالنسبة الى البارى لان ذاته منزهة من الحلول، ولا تكون حالّة بذاته المقدسة بل هو محسن البشر ويساعدهم ويعطيهم حسب احتياجاتهم.
نسب الى السيد المرتضى: أنّه ليست الرحمة عبارة عن رقة القلب والشفقة. وانما هي عبارة عن الفعل والانعام وضروب الاحسان، فعلى هذا يكون اطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقياً وعلى الاول يكون مجازاً، نعم بالنسبة للخلق يقال لرقيق القلب من الخلق رحيماً لكثرة وجود الرحمة وتكون سبباً للرقة. واقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له.
إذا لم تؤخذ رقة القلب في مفهوم الرحمة بل من لوازمه بالنسبة الى البشر بهذا المعنى بل فيه جل وعلا عبارة عن احسانه وعطفه وبرّه وايجاد النعمة وكشف البلاء عنهم، وقد يتصور البعض بان الجبروت والقهر مختصان به فاراد الله تعالى ان يذكّرهم برحمته واحسانه وأن ربوبيته ربوبية رحمة واحسان ليُقبلوا على اكتساب مرضاته وطمئنة قلوبهم. ولذا تتكرر في كل صلاة لكي يغرس في نفوس المصلين بان الله رحمان ورحيم.
وقد يكون بمعنى إفاضة الخير على المحتاجين، والعناية بهم عناية تامة. حيث أراد قضائها عليهم عناية لهم، وعامة تشمل المستحق وغيره المسلم والكافر والمؤمن والفاسق وتكون هذه الرحمة كاملة. أما كمالها لان هذه الافاضة لم تكن عن الرقة المؤلمة التي تعتري الرحيم وحينئذ تتحرك الى قضاء حاجة المحتاج. فهذا في الحقيقة اراد بالرحمة دفع الألم عن نفسه، إذاً سعيه لقضاء الحاجة يكون لغرض نفسه ويرجع نفعه اليه لا للمرحوم.
اما الرحمة الالهية فلاتكون كذلك بل للمرحوم لاجل أنه مرحوم ومحتاج.
وقال صاحب العدة: الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة فهي النعمة. ومنه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ) ([3]) أي رحمة منا لجميع الناس.
الثالث: هما من أبنية المبالغة أو من الصفات المشبهة.
ففي الرسالة الواضحة للكفعمي ان الرحمن والرحيم من أبنية المبالغة، الاّ أن (فعلان) أبلغ من (فعيل)، ثم ان هذه المبالغة قد توجد باعتبار الكمية واخرى باعتبار الكيفية، فعلى الاول ـ قيل يا رحمن الدنيا لانه يعم المؤمن والكافر ورحيم الاخرة لانه يخص الرحمة بالمؤمنين قال تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَحِيْماً) ([4])وعلى الثاني قيل يارحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا لان النعم الاخروية كلها جسام. واما الدنيوية فقليلة وحقيرة، بل يمكن أن يقال: بانها تكون مقابل النعم الاخروية كلّها حقيرة.
وقال الامام(عليه السلام): ومعنى قوله الرحيم ـ قال رحيم بعباده المؤمنين. ومن رحمته ان خلق مئة رحمة واحدة في الخلق كلهم، وفيها يتراحم الناس ترحم الوالدة على ولدها وحنو الوالدة على أولادها، فاذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الى تسع وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يشفعهم فيما يحبّون الشفاعة من أهل الملأ حتى أن الواحد ليجيء الى المؤمن من الشيعة فيقول له: أشفع لي لأنك: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع فيه فلايزال في جيرانه وخلطائه ومعارفه وان المؤمن اكرم على الله ما يظنون ([5]).
الرابع: هل هما بمعنى واحد أم لا؟ وفيه أقوال:
1) قد يقال بانهما كالندمان والنديم يكونان بمعنى واحد، وبما ان اختلافهما يكون من جهة التلفظ فتكرارهما ليس بقبيح.
2) وقد قيل بانهما مشتركان بمعنى الرحمة الدنيوية والاخروية كما ورد في الحديث: (يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) وقوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء) ([6]) أي ما يطلق عليه شيء في جميع العوالم فهو من رحمته.
قد يقال: ان الشرّ يطلق عليه شيء، فلابد ان يكون من رحمته وفيه:
* أن الشيء يكون من الأمور الوجودية والشر يكون من الامور العدمية، اذن هو نقيض الشيء لانفسه.
3) وقد يقال: ان الرحمن يكون ابلغ من الرحيم لان كثرة المباني تدل على كثرة المعاني.
وقد أجاب عن هذا استاذنا الأعظم (قدس سره) بقوله: وهذا التعليل ينبغي أن يعد من المضحكات، فان دلالة الألفاظ تتبع كيفية وضعها ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها. ورب لفظ قليل الحروف كثير المعنى وبخلاف لفظ آخر فكلمة حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر. وان كثيراً ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد كضرّ وأضرّ ([7]).
والحق: أن الرحمن لفظ مختص به جلّ وعلا ومعناه يكون عاماً، أي القادر المتعال المنعم على جميع الخلق أعم من المؤمن والكافر والمطيع والعاصي.
أما الرحيم فليس اسماً مختصاً. فمن حيث المعنى يكون مختصاً بالمؤمن فعن الصادق (عليه السلام): (الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة) ([8]).
وخلاصة الفرق بين الرحمن والرحيم:
1 ـ الأوّل يشير إلى صفة عامّة، والثاني يشير إلى صفة خاصّة.
2 ـ الرحمن ورد في جميع القرآن على نحو الإطلاق وهو يدلّ على عموميّته، والرحيم قد يأتي مطلق، وقد يأتي بصورة التقييد، والدليل عليه قوله تعالى (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَحِيْماً)، وما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) (والله إله كلّ شيء الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصّة).
3 ـ الرحمن من صيغ المبالغة وهذا دليل آخر على عموميته والرحيم صفة مشبهة ولها علامة الثبات والدوام وهذا يدل على أختصاصه بالمؤمنين.
لايخفى ان المبالغة لاتتصور بالنسبة اليه تعالى، لان صفاته عين ذاته وغير محدودة نعم تصح بالنسبة الى مورد الرحمة.
4 ـ ان الرحمن من الأسماء المختصة ولايستعمل في غيره. ولذا وضع لفظ الرحمن لغير الله بدون القيد مشكل. نعم يصح وضع عبدالرحمن.
واما الرحيم فيستعمل صفة لله تعالى ولغيره، واما اختصاص رحيميته بالمؤمنين فقد ورد في الآية الشريفة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مِا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ) ([9]) أي تشمل رحمته ورأفته المؤمنين خاصة.
فان قلت: قد ورد في دعاء عرفه: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها.
قلنا: بان الفرق بين الرحمن والرحيم يكون بالذات، وان استعمل الرحيم في بعض الموارد في معنى عام.
وعن عكرمة قال: الرحمن رحمة واحدة والرحيم مئة رحمة.
يقول الطبرسي: هذا مقتبس من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (ان لله عزّوجلّ مئة رحمة وانه انزل منها واحدة الى الأرض فقسمها بين خلقه يتعاطفون ويتراحمون وأخّر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة) ([10]).
([1]) الانبياء: 107.
([2]) التفسير المنسوب للامام العسكري.
([3]) الانبياء: 107.
([4]) الاحزاب: 43.
([5]) التفسير المنسوب للامام العسكري: ص12.
([6]) الاعراف: 156.
([7]) البيان في تفسير القرآن: ص438.
([8]) توحيد باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم: ص230 ح20.
([9]) التوبة: 128.
([10]) مجمع البيان: ج1 ص21.


دروس البحث الخارج (الأصول)

دروس البحث الخارج (الفقه)

الإستفاءات

مكارم الاخلاق

س)جاء في بعض الروايات ان صلاة الليل (تبيض الوجه) ،...


المزید...

صحة بعض الكتب والاحاديث

س)كيفية ثبوت صحة وصول ما ورد إلينا من كتب ومصنفات...


المزید...

عصمة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعلى آله

س)ما هي البراهين العقلية المحضة غير النقلية على النبوة الخاصة...


المزید...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س)شاب زنى بأخته بعد ان دفع لها مبلغ من المال...


المزید...

السحر ونحوه

س)ما رأي سماحتكم في اللجوء الى المشعوذين ومن يذّعون كشف...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين...


المزید...

التدخين

ـ ما رأي سماحة المرجع الكريم(دام ظله)في حكم تدخين السكاير...


المزید...

العمل في الدوائر الرسمية

نحن مجموعة من المهندسين ومن الموظفين الحكوميين ، تقع على...


المزید...

شبهات وردود

هل الاستعانة من الامام المعصوم (ع) جائز, مثلا يقال...


المزید...
0123456789
© {2017} www.wadhy.com