نبذة من حياة سماحة آية الله العظمى المرجع الديني
الشيخ شمس الدين الواعظي
(دام ظله الوارف)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كثيراً والصلاة والسلام على نبييه الذي أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، وعلى أهل بيته الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، سيما ابن عمه الذي جعله وزيراً، وللمؤمنين أميراً، ولعنة الله على أعدائهم الذين جعل الله لهم جهنم حصيراً. أما بعد
فقد جرت سيرة أهل العلم والمعرفة أن يدونوا حياة كبرائهم من حماة الدين والمذهب، حفظة الشريعة ونواب الإمام الحجة ابن الحسن العسكري (عج) لأمرين:
الأول: لحفظ التراث الشيعي الغني برجالاته العظام، وردّاً لجميل مواقفهم تجاه المذهب وأهله.
الثاني: أن كتابة سيرة العلماء الأعلام رحم الله تعالى الماضين منهم وحفظ الباقين تنفع أهل العلم والبصيرة لدراسة هذه الشخصيات، والتأمل في حياتهم العلمية والعملية، لتكون لهم نبراساً على الدرب فيكونوا خير خلف لخير سلف.
لذا فان سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ شمس الدين الواعظي، أكبر من أن نعرّفه في سطور يسيرة، في الوقت الذي أصبح مقلدوه في ازدياد مطرد في أنحاء العالم كافة، وكذلك معتمدوه أيضاً. فان هذا لا يمنع من كتابة نبذة بسيطة وإطلالة سريعة عن حياته ونشأته، ولماله من الحق علينا في درب الهداية والنصيحة والعلم، إذاً فهوسماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي نجل آية الله الشيخ حامد نجل الخطيب البارع الشيخ عبد القهار الواعظي(قدس سره).
ولد شيخنا الواعظي حفظه الله تعالى في سنة (1356هـ ــ 1936م) تربى وترعرع في مدينة الكاظمية المقدسة، وقد أكمل الدراسة الابتدائية، ثم درس العلوم الحوزوية من المقدمات والسطوح على يد أساتذة عظام، منهم آية الله العظمى الشيخ فاضل اللنكراني(قدس سره)، والأستاذ النحرير والمربي الكبير أحمد أمين صاحب كتاب ــ التكامل في الإسلام ـ وسماحة آية الله السيد حسن الحيدري، ووالده آية الله الشيخ حامد الواعظي(قدس سره) وقد عاش في هذه المدينة العظيمة بجوار الإمامين العظيمين موسى بن جعفر(عليه السلام) ومحمد الجواد(عليه السلام) ، وفي تلك الروضة الكاظمية المباركة نشأ على التقوى والصلاح علماً وعملاً، ثم انتقل إلى مدينة النجف الأشرف سنة (1374هـ ــ 1954م) بصحبة أخيه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ نور الدين الواعظي(رحمه الله)، حيث تلقى دروس السطح العالي على يد أساتذة كبار منهم آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني(قدس سره)، آية الله الشيخ كاظم التبريزي(قدس سره)، آية الله الشيخ محمد السبزواري(قدس سره)، ولكن لم تمنعه الدراسة والتدريس من الخوض في مجال التبليغ وبوكالة من سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم(قدس سره) ذاهباً إلى ناحية الحيدرية (خان النص) فواصل عمله التبليغي هناك أيام التعطيل، وقد تمكن من بناء حسينية على طريق المشاة لزائري سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، وأسماها حسينية الزوار المشاة، الواقعة على طريق الجدول وفي منطقة أم الرجي تحديداً، وأخرى داخل الناحية، ولا زالت ارتباطات أهل هذه الناحية وضواحيها به (حفظه الله). وقد كان من السباقين لندبة المؤمنين من الطلبة والفضلاء وعامة الناس تشرفاً بخدمة الإمام أبي عبد الله الحسين لزيارة الأربعين وغيرها من المناسبات مشيا على الأقدام.ثم حضر الدروس العليا (البحث الخارج) فقهاً وأصولاً لكل من آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية المرجع الديني الكبير السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قدس سره)، وآية الله العظمى وحيد دهره وفريد عصره السيد الميرزا حسن البجنوردي(قدس سره). وبعد أن طوى مراحل التحقيق العلمي لأبحاث أستاذيه الأستاذ الأعظم السيد أبو القاسم الخوئي(قدس سره) والأستاذ المحقق السيد البجنوردي(قدس سره) في هذا الفن، آخذاً منهما الكثير مما أمكنه أن يحصل على إجازة اجتهاد من سماحة آية العظمى العلم العامل حليف التقوى والورع والذي كان يعرف في الأوساط الحوزوية آنذاك بباب النائيني وحيث أن الشيخ النائيني(قدس سره) يمثل تلك المدرسة العلمية التقوائية العظيمة قد أنتدبه لإدارة شؤونه العامة والخاصة ألا وهو السيد محمود الشاهرودي(قدس سره) وله إجازة اجتهاد و رواية من أستاذه سماحة آية الله العظمى الشيخ فاضل اللنكراني(قدس سره) ـ المتوفى في مدينة الكاظمية ـ بإجازته عن آية الله العظمى قائد الثورة العراقية شيخ الشريعة الأصفهاني(قدس سره) وبإجازته عن آية الله العظمى السيد أبو تراب الخونساري ومع استمراره في التحقيق والبحث العلميين عاكفا على ذلك لينتقي الدرر من مضانها.وبعد ذلك شرع سماحته بتدريس الدورة الأولى للدروس العليا (البحث الخارج) فقهاً وأصولاً وهي أعلى مرحلة علمية حسب المنهج الدراسي الحوزوي عام (1399هـ ــ 1980م) في مدرسة آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (دار العلم) ثم بدأ بتدريس الدورة الأصولية الثانية سنة (1405هـ ــ1986م) علماً أن أبحاثه الفقهية كانت على متن كتاب العروة الوثـــــقى، وقــــد كان تدريســــه للـدورة الأولــــى مقـــارناً للدورة الأصولية الأخيرة لأستـــاذه الأعــظم السيـد الخــوئي(قدس سره)، فأستــمر بالتدريس قــاطعاً شوطاً كبـيراً في الـفـقه والأصـــول، وفي (15 شعبان 1411هـ ـ آذار عام 1991م) تأزم الوضع في العراق فأصبح مجبراً على الخروج من العراق، فهاجر هو وأهله مع جمع من الموالين إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن طريق صفوان ثم الكويت فإيران، وقد كان في استقباله آية الله العظمى السيد محمد الشاهرودي وآية الله السيد محمود الهاشمي حفظهما الله تعالى وجمع من فضلاء الحوزة العلمية في دار المهجر. وقد زار سماحته أيضاً جمع من المراجع والعلماء في محل إقامته بعد أن استقر به المقام في مدينة قم المقدسة عش آل محمد(صلى الله عليه وأله) وبجوار العلوية الطاهرة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليها وعلى آبائها آلاف التحية والسلام، وقد استقبله أبناء مدينته من أهالي الكاظمية بجمهور غفير، وقد كان للخطيب الفذ سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن الهروي قصيدة طويلة ألقاها ترحيباً واستقبالاً لسماحته منها هذه الأبيات:
طلعَ الشمسُ بعـدَ طـــــولِ المغيبِ *** مـرحــــباً بالحبـيـبِ وابـنِ الحبــيبِ
آهِ يا شمـسُ لا تَسَلْ مـا لــقـِــينا *** مِــن جَـوى الهجــرِ وكيفَ حـالُ الكئيبِ
أأهنّـــيـكَ إذ قـَدِمــتَ بـخــيرٍ *** أم أُعــزيكَ بـالفــقـيدِ النـجـــيــبِ
شيخِــنا الواعــظي والـدك الــبَرّ *** وقــد طـال فــي أســـاهُ نـحـيـبـي
لم يمتْ قـــطُّ مـن لَــه خَلَفُ مِثُلكَ *** يـا شـمـسَ أُفـْـقِــهِ المــحـبــوبِ
فواصل أبحاثه بعد ذلك ومع قلة الوقت كان يتابع أبناء العراق داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخارجها طالباً منهم الاهتمام بقضيتهم الأساسية التي خرجوا من أجلها، وبناء النفس أخلاقياً وعقائدياً ومذهبياً، وكان شديد الرعاية لفقرائهم ومحتاجيهم بقدر الاستطاعة، وقد كان دؤوبا في التحقيق العلمي والعملي.
ولسماحته مواقف مشرفة حيال القضايا التي تُهِمُّ العالم الإسلامي، وله نشاطات خيرية عديدة مثل بناء المساجد والحسينيات، ورعاية الأيتام والفقراء والمعوزين، ومساعدة الطلبة. ويمتاز سماحته بالجدية والمثابرة فقد أوقف حياته على طلب العلم والذود عن حياض الإسلام والدفاع عن قضاياه المصيرية، والإجابة على الرسائل والاستفتاءات، والمطالعة والتنقيح والتحقيق والاطلاع على ما استجد من مسائل العلم . وبعد ثلاثة عشر عاماً تقريباً قضاها في المهجر عاد إلى ارض العراق بعد أن أٌعلِن عن سقوط النظام، شاكراً الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، ولكن ومع شديد الأسف أن أهل العلم محاربون أينما كانوا ولا يرجون النصرة من أحد إلا من الله تعالى جلت قدرته. فهو نعم العون والحكم ولعمري في هذه الأسطر أود أن أذكر قول الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام):(إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)
وقد كانت لنا مع سماحته وقفة قصيرة بخصوص لقب الواعظي فبين سماحته أن أسرة الواعظي أسرة كاظميه عريقة وجلهم من العلماء، وقد لقبوا بهذا اللقب لكون أجدادنا كانوا من أهل الوعظ والإرشاد وقد كان جدي حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد القهار الواعظي (قدس سره) من الخطباء العظام وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً، وكذلك والده حجة الإسلام الشيخ علي، وأما والدي آية الله الشيخ حامد الواعظي من الأساتذة المبرزين في الكاظمية وقد تشرف جل أهل العلم من هذه المدينة بحضور دروسه للسطح العالي وهم الآن موجودون في الكاظمية ومنتشرون في أنحاء العالم كافة.
وقد وٌفِق شيخنا الواعظي (حفظه الله) للتأليف فله كتب جليلة الشأن عظيمة المحتوى منها مطبوع وآخر ينتظر الطبع بعد أن أنهى مراحله الأولية وثالثاً لا زال مخطوطاً.
الأول: المطبوع
1. كتاب الإشارات في مدارك الأحكام، تقريراً لبحث أستاذه آية الله العظمى الميرزا حسن البجنوردي(قدس سره).
2. كتاب الكشف الجلي، أثبت بالأدلة والبراهين فيه سماحته أن علم النحو كان بإيحاء من أمير المؤمنين(عليه السلام) لأبي الأسود الدؤلي.
3. بداية الوصول لكنه علم الأصول (المجلد الأول).
4. رسالة في الخمس حيث اثبت سماحته فيها وجوب الخمس من طرق العامة.
5. رسالة في الربا تقريراً لأبحاثه.
6. رسالة في التقية تقريراً لأبحاثه.
7. الإشارات إلى أسرار البسملة.
8. الإشارات إلى التبليغ و المبلِّغ والمبلَّغ له.
9. رسالة في أحكام النساء.
10. تعليقه على منهاج الصالحين.
11. مناسك الحج.
12. مسائل في الخمس.
13. رسالته العملية لمقلديه الموسومة بمنهاج الصالحين وهي بجزئيين (العبادات والمعاملات).
14. المسائل المستحدثة.
الثاني: الذي ينتظر الطبع
1. الدورة الأصولية والموسومة (شمس الأصول).
2. الدورة الفقهية والموسومة(شمس الفقاهة).
3. كتاب في الأخلاق.
4. تفسير الفاتحة.
الثالث: المخطوطات
1. كليات في المسائل الفلسفية.
2. تعليقه على العروة الوثقى.
وفي الختام نسأله تعالى أن يمد في عمر شيخنا الواعظي وأمثاله من حماة الشريعة ليثروا المكتبة العلمية بما ينفع الناس.