الاُولى: لو تغيَّر الشيء بأمر عارض ولكن العرف يرى بينه وبين غير المتغيّر المماثلة، كما لو أصبحت الحنطة مقليّة فلا يجوز بيعها بأكثر من الحنطة غير المقليّة لحصول الربا.
الثانية: التمر المنزوع منه النوى يجوز أن يباع بالتمر الذي فيه النوى ولو حصل التفاضل إذا كانت للنواة قيمة كما إذا نفعت لعلف الدواب، وانّ الزيادة في التمر تصبح مقابل النواة.
الثالثة: جيّد كلّ جنس مع رديئه واحد، فلا يجوز البيع مع الزيادة.
الرابعة: إذا قلّد مجتهداً كان يقول: بصحة معاملة ثمّ قلّد آخر يقول: ببطلانها ـ لأنّها ربا ـ فهل يجب عليه ارجاع ما حصل عليه في الزيادة طبق فتوى الأوّل ام لا إذا كانت موجودة؟
قد يقال: بأنّ فتوى المجتهد الأوّل حكم شرعي بحق المقلّد، ففي كلّ مورد من الموارد التي تكون المسألة اختلافية بين الفقهاء، فاذا قلّد المجتهد الأوّل الذي يرى صحة العمل ثمّ قلّد فقيهاً آخر حيث يرى بطلان نفس العمل فالعمل الأوّل عندما كان عن طريق صحيح وهو التقليد كان صحيحاً. ولكن الحق هو البطلان؛ لأنّ ما أفتى به المجتهد الأوّل كان ظاهر الحكم فيكون سراباً، والحكم الواقعي هو فتوى الثاني حقيقة.
اذن لا بدّ من ارجاع ما حصل من الزيادة في المعاملة طبق فتوى الأوّل، هذا حسب القاعدة، ولكن يمكن أن يقال هنا: بعدم وجوب الردّ من جهة أنّه كان يرى ذلك حلالاً فتشمله الروايات والآية الشريفة (فَلَهُ مَا سَلَفَ).
اذن لا يجب الارجاع.
الخامسة: لا يخفى أنّ مستحل الربا يدخل في سلك الكفّار بعد أن علم أنّه من ضروريات المذهب بل الدين، وبعد أن أقرّ حرمته جميع المذاهب والملل، واستدلّ عليه بالروايات من الفريقين، فلنذكر بعضاً منها:
منها: موثقة ابن بكير قال: بلغ أبا عبدالله(ع) عن رجل أنّه كان يأكل الربا ويسميه اللباء، فقال: لئنّ أمكنني الله منه لأضربن عنقه.
ولكن هذه الرواية مع صحة سندها لا تدلّ على الكفر، فانّ استحقاق القتل أعم من الكفر، ولذا قال صاحب الجواهر: كما يومئ إليه ما رواه ابن بكير.
ومنها: عن محمد بن سنان، عن علي بن موسى الرضا(ع) كُتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: وعلة تحريم الربا لما نهى الله عزوجل عنه ولما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً، فبيع الربا وشراءه وكس على كلّ حال، على المشتري وعلى البائع، فحرم الله عزوجل على العباد الربا لعلّة فساد الأموال، كما حضّر على السفيه أن يُدفع إليه ماله لما يُـتخوّف عليه من فساده حتى يُؤنس منه رشده، فلهذه العلّة حرّم عزوجل الربا وبيع الردهم با لدرهمين، وعلّة تحريم الربا بعد البيّنة لما فيه من الا ستخفاف بالحرام المحرم، والاستخفاف بذلك دخول في الكفر، وعلّة تحريم الربا بالنسيئة لعلّة ذهاب المعروف وتلف الاُموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض، والقرض صنائع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال.
ولكن الرواية وان كانت من جهة الدلالة تامة إلاّ أنّها من جهة السند ضعيفة بـ mمحمد بن سنانn.
ومنها: عن عثمان بن عيسى، عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت له: إني سمعت الله عزوجل يقول: (يَمْحَقُ اللّهُ الرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ) وقد أرى من يأكل يربو ماله، فقال: أي محق أمحق من درهم يمحق الدين، وان تاب ذهب ماله وافتقر.
والرواية فيها كلام حيث قيل: بأنّ عثمان بن عيسى واقفي أكل أموال الامام(ع) وكان فاسد العقيدة، ولكن بما أنّه روى عنه جملة من الأجلاّء المتحرّجين عنه، كأحمد بن محمد بن عيسى الذي كان ينفي الضعفاء عن قم، ومحمد بن حسين بن أبي الخطاب الثقة العظيم القدر الحسن التصنيف الكثير الرواية، والحسين بن سعيد الذي كتبه عليها المعوّل وإليها المرجع، وجعفر بن عبدالله المحمدي الذي كان وجهاً من أصحابنا، ووثّقه الشيخ في mالعُدّةn باستمرار وثاقته، وفي mالفهرستn ابن عيسى العامري واقفي المذهب له كتاب.
فعلى أي حال فالرواية من جهة الدلالة تامة وكونه واقفياً لا يضر من أخذ الرواية منه، وكذا كونه آكلاً لمال الامام(ع) بعد أن كان موثّقاً في الحديث.
ورواية أبي بصير قال: قلت: آكل الربا بعد البيّنة، قال: يُؤدب، فان عاد أُدب فان عاد قُتل.
أمّا من جهة السند فضعيفة بـ mيحيي بن مباركn والاضمار فيها لا يضر؛ لأنّه من البعيد أن ينقل أبو بصير عن غيره(ع)، أمّا من جهة الدلالة فالقتل أعم من الكفر كما مرّ.
فعلى أي حال إن قلنا: بصحة وتمامية بعض هذه الروايات دلالة وسنداً فبها، وإلاّ فلا نحتاج إليها بعد أن تكون حرمة الربا من الضرورة، وإنكار الضروري موجب للكفر.
فلنذكر بعض ما ذكره العامّة من الروايات:
فعن الشعبي قال: كتب رسول الله(ص) إلى أهل نجران وهم نصارى: أنّ من باع منكم الربا فلا ذمة له.
وعن ابن جريح في قوله تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ) قال: كانت ثقيف قد صالحت النبي(ص) على أنّ ما لهم من ربا على الناس، وما كان عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان الفتح استعمل غياث بنو أسيد على مكة، وكانت بنو عمر بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يربون في الجاهلية فجاء الاسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمر ويطلبون رباهم فابى بنو المغيرة أن يعطوهم في الاسلام ورفعوا ذلك الى غياث بن أسيد، فكتب غياث الى رسول الله(ص) فنزلت: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا) وقوله: (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) فكتب بها رسول الله(ص) الى غياث فقال: إن رضوا وإلاّ فأذنهم بحرب.
ونقلت الرواية بشكل آخر.
السادسة: حرمة الكتابة، والشهادة للربا، كما في الرواية محمد بن عيسى، عن أبي جعفر(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع) آكل الربا ومؤاكله وكاتبه وشاهداه فيه سواء. فالرواية تامة سنداً ودلالة.
وموثقة محمد بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي(ع) قال: لعن رسول الله (ص) الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه.
وعن الصادق(ع) في مناهي النبي(ص) أنّه نهى عن آكل الربا وشهادة الزور وكتابة الربا، وقال: أن الله لعن آكل الربا ومؤاكله وشاهديه.
وعن الفضل الطبرسي في مجمع البيان عن علي(ع) قال: لعن رسول الله(ص) في الربا خمسة: آكله ومؤاكله وشاهديه وكاتبه وغيرها من الروايات.
السابعة: لا يخفى أنّ الحنطة والشعير بعد أن كانا من جنس واحد، فلو باع كيساً من الحنطة بكيسين من شعير فهو ربا محرم، كما في رواية هشام، عن أبي عبدالله(ع) قال: سُئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام أكراراً فلا يكون عنده ما يتم ما باعه فيقول: خذ مني كلّ قفيز من حنطة بقفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل، قال: لا يصلح؛ لأنّ أصل الحنطة من الشعير.
والرواية حسنة بـ mسهل بن زيادn.
وحسنة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولا يباع إلاّ مثلاً بمثل والتمر مثل ذلك. وقد مرّ.
وبهذه المسألة تنتهي هذه الرسالة الشريفة شاكراً فيها كلّ من اهتم بطبعها واخراجها بحلة قشيبة، سائلاً لـه ولهم دوام التوفيق والتأييد بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في مدينة قم المقدسة
مجتبى السويج
في السادس عشر من شهر رجب
المرجب سنة 1415هـ
على صاحبها الآف الصلاة والتحية