(مسألة ـ 13) إذا إنحصر ماء للوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين، فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب([1]) وإلا سقط وجوب الوضوء أو للغسل ووجب التيمم، وإن توضأ أو إغتسل منهما بطل، سواء أخذ الماء منهما بيده أو صب على محل الوضو بهما أو ارتمس فيهما، وإن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ومع ذلك توضأ أو إغتسل منهما، فالأقوى ايضاً للبطلان، لأنه وإن لميكن مأموراً بالتيمم، إلا أن الوضوء أو للغسل حينئذ يعد إستعمالاً لهما عرفاً، فيكون منهياً عنه، بل الأمر كذلك لو جعلها محلاً لغسالة الوضوء، لما ذكر من أن توضيه حينئذ يحسب في العرف إستعمالاً لهما.
نعم لو لم يقصد جعلهما مصباً للغسالة لكن إستلزم توضيه ذلك أمكن أن يقال إنه لا يعد الوضوء إستعمالاً لهما، بل لا يبع أن يقال إن هذا للصب أيضاً لا يعد إستعمالاً، فضلاً عن كون الوضوء كذلك.
(مسألة ـ 14) لا فرق في للذهب وللفضة بين الجيد منهما وللرديء، والمعدني والمصنوعي، والمغشوش والخالص([2]) إذا لم يكن للغش إلى حد يخرجهما عن صدق الإسم وإن لم يصدق الخلوص. وما ذكره بعض للعلماء ـ من أنه يعتبر الخلوص، وأن المغشوش ليس محرماً وإن لم يناف صدق الإسم كما في الحرير المحرم على للرجال، حيث يتوقف حرمته على كونه خالصاً ـ لا وجه له، وللفرق بين الحرير والمقام أن الحرمة هناك معلقة في الأخبار على الحرير المحض، بخلاف المقام، فإنها معلقة على صدق الإسم.
(مسألة ـ 15) إذا توضأ أو إغتسل من إناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع([3]) صح.
(مسألة ـ 16) الأواني من غير الجنسين لا مانع منها([4]) وإن كانت أعلى وأغلى، حتى إذا كانت من الجواهر للغالية كالياقوت وللفيروزج.
(مسألة ـ 17) الذهب المعروف بـ «الفرنكي» لابأس بما صنع منه، لأنه في الحقيقة ليس ذهباً، وكذا الفضة المسماة بـ «الورشو» فانها ليست فضة بل هي صفر أبيض([5]).
(مسألة ـ 18) إذا اضطر إلى إستعمال أواني للذهب أو للفضة في الأكل وللشرب وغيرهما جاز([6]) وكذا في غيرهما من الإستعمالات. نعم لا يجوز للتوضي والإغتسال منهما، بل ينتقل إلى للتيمم.
(مسألة ـ 19) إذا دار الأمر في حال للضرورة بين إستعمالهما أو إستعمال للغصبي قدمهما([7]).
(مسألة ـ 20) يحرم إجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما، وأجرته أيضاً حرام كما مر([8]).
(مسألة 21) يجب على صاحبهما كسرهما([9]) وأما غيره فإن علم أن صاحبهما يقلد من يحرم إقتناءهما أيضاً، وأنهما من الأفراد المعلومة في الحرمة، يجب عليه نهيه، وإن توقف على للكسر يجوز له كسرهما، ولا يضمن قيمة صياغتهما. نعم لو تلف الأصل ضمن. وإن إحتمل أن يكون صاحبهما ممن يقلد من يرى جواز الإقتناء أو كانتا مما هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا، لايجوز له للتعرض له.
(مسألة ـ 22) إذا شك في آنية أنها من أحدهما أم لا؟ أو شك في كون شيء مما يصدق عليه الآنية أم لا، لا مانع([10]) من استعمالها.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطبين الطاهرين.
وبعد إلى هنا تم المجلد الأول من كتابنا هذا (الاشارات إلى مدارك الأحكام في شرح العروة الوثقى) على يد مؤلفه شمس الدين الواعظي «عفى الله عنه وحشره مع أئمته المعصومين».
وكان الفراغ من الكتابة غرة ربيع الثاني سنة 1391 الهجرية، على صاحبها أفضل الصلاة والتحية، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل عملنا هذا نافعاً وخالصاً لوجهه الكريم، ويوفقني لاتمام بقية المجلدات وطبعه، إنه سميع مجيب، وسيتلوه المجلد الثاني عن قريب إنشاء الله.
وفي الختام أقدم شكري الفضيلة الأخ الفاضل السيد أحمد الحسيني، والأخ الفاضل السيد أحمد المددي، إذ قام كل واحد منهما بتصحيح قسم من الكتاب، ونسأل الله أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح.
المؤلف
[1]. لأنه مقدمة للوضوء أو الغسل الواجبين فيجب.
قد يقال مقدمة الواجب واجبة على القول بوجوبها فيما إذا لم تكن محرمة، وإلا يقع التزاحم بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها، وحيث إن وجوب ذي المقدمة هاهنا مشروط بالقدرة الشرعية وله البدل أيضاً، فيجب القول بتقديم حرمة المقدمة وسقوط وجوب الوضوء أو الغسل، ولزم التيمم لا لزوم التفريغ.
وفيه: أولاً: قد تقدم أن التفريغ إذا كان بقصد التخليص عن الحرام ليس بحرام بل واجب، لأن إبقاء الحرام مثل إحداثه حرام.
وثانياً: إن التفريغ ليس إستعمالاً عند العرف، لأن هذه الأواني المصنوعة من أحدهما لم تعد للتفريغ، وقياسه بالقوري الذي من أحدهما ـ وأن صب الشاي منه في الفنجان الفرفوري حرام.. في غير محله، لأن القوري صنع لأجل مثل هذا الإستعمال، فيكون صب الشاي فيه إستعمالاً له، وقد قلنا إن ظاهر الروايات هو حرمة مطلق إستعمالها.
نعم لو كان التفريغ حراماً فتكون هذه الصورة مثل صورة عدم إمكان التفريغ تكويناً، لأن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً، فتصل النوبة إلى التيمم وعلى كل واحدة من الصورتين ـ أي مع إمكان التفريغ شرعاً وعقلاً، أو عدم إمكانه كذلك ـ لو توضأ أو إغتسل منهما بطل سواء كان بالإغتراف أو بالإرتماس أو باستعمال الآنية بالصب على محل الوضوء أو الغسل بهما، فيكون الوضوء أو الغسل باستعمالهما المحرم، فلا يمكن التقرب بمثل هذا المحرم. ولكن أنت خبير بعدم كون الوضوء عبارة عن نفس الإغتراف المحرم كي يكون من النهي في العبادة، ولا مركباً معه تركيباً إنضمامياً كي يكون من باب الإجتماع، بل يكون دائماً متأخراً عنه، فلو لم يكن الماء منحصراً بما في أحدهما فيجوز الوضوء ويكون صحيحاً وإن كان لا يمكن إلا باغترافات متعددة. وكذلك الأمر في مسألة الصب من أحدهما، وفيه تأمل.
نعم إذا كان الوضوء بالإتمارس في أحدهما لا يبعد ان يكون باطلاً، لأن وضوئه إستعمال، فيكون من باب الإجتماع.
[2]. لإطلاق الأدلة، فانها وردت فيها لفظة «الذهب» وهو يصدق على الجيد والردايء والمعدني والمصنوعي ـ إن فرضنا وجوده ـ والمغشوش والخالص، إلا إذا لم يصدق إسم الذهب حقيقة على بعض الأقسام، كما إذا كان مغشوشاً بحد يخرج عن صدق الإسم، فحينئذ لا يحرم الإستعمال هذا مع عدم صدق الإسم، وكذلك إذا شك في صدق إسم الذهب أو الفضة عليه يجري أصل الإباحة.
[3]. هذا صحيح بناءً على أن يكون بطلان التوضي من إناء الذهب أو الفضة من باب الإجتماع وعدم إمكان قصد القربة مع الإلتفات إلى كونه مبغوضاً ومنهياً عنه، فاذا كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع فلا مانع من قصد التقرب، ولكن في الجاهل بالحكم إذا كان عن قصور لا عن تقصير وأما لو كان من باب النهي في العبادة ـ بمعنى أنه كان التوضي متحداً مع الإستعمال المحرم، فيكون الوضوء منهياً عنه ومبغوضاً واقعياً ـ لا يؤثر الجهل موضوعاً أو حكماً في صحته.
[4]. لعدم الدليل على حرمة إستعمالها إذا لم تكن منهما، مضافاً إلى وجود الإتفاق، ودعوى الإجماع من غير واحد من العلماء على الجواز، والدليل الدال على الحرمة مختص بالجنسين. واما ما ذكر من الوجوه على عدم الجواز، فليس إلا إستحسانات لا يثبت بها الحكم الشرعي.
[5]. هذا واضح، لأنه بعد مالم يكونا ذهباً ولا فضة فلا مجال لكونهما محكومين بحكمهما.
[6]. لاشك في أن الإضطرار إلى فعل كل محرم يرفع الحرمة إلا القتل لقوله (ع) «ليس من شيء يضطر إليه إبن آدم إلا وقد أحل الله عليه» وقد حققنا في محله أن أدلة الإضطرار حاكمة على الأدلة الأولية بالحكومة الواقعية، فيرفع الحرمة الواقعية واقعاً، فيكون من قبيل تخصيص الادلة الواقعية بغير حال الإضطرار. أما التوضي والإغتسال فحيث إن مشروعيتهما فيما إذا تمكن من إستعمال الماء وإلا فتصل النوبة إلى التيمم، وحيث إنه في هذا الحال غير متمكن شرعاً ـ والممتنع شرعاً كالممتنغ عقلاً ـ فينتقل إلى التيمم.
[7]. المقام من باب التزاحم، فلابد من ملاحظة الأهمية في أحدهما فهنا هل الأهم حرمة إستعمالهما أو إستعمال الغصبي؟ فقد ذهب بعض المعاصرين إلى تقديم الأول، لأن بعض الروايات الواردة فيهما يكون بلفظ «الكراهة» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب ـ 65 ـ من ابواب النجاسات، الحديث 1) و «لا ينبغي» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب ـ 65 ـ من ابواب النجاسات، الحديث 4) ولكن في الثانية قد قرن مال المسلم بدمه بقوله «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب ـ 65 ـ من ابواب النجاسات، الحديث 1) فيكون حرمة الغصب أشد فتركه اهم، ولكن العمدة أن الأمر إذا دار بين حق الله وحق الناس يكون حق الناس مقدماً على حق الله، لأنه في كثير من الروايات ورد العفو خصوصاً إذا تاب العبد، وأما الناس فمما لا يعفى عنه إلا أن يعفو عنه صاحب الحق.
[8]. وفيه: أن الحرمة متوقفة على حرمة الإقتناء، أما على ماذكرنا من عدم حرمته فلا يكون الايجار حراماً، ولا بيعه ولا شرائه، لوجود المنفعة المحللة المقصودة للعقلا، وهي الاقتناء.
[9]. الوجوب يدور مدار حرمة الاقتناء، لأن وجوده مبغوض ـ بناءً على حرمة الاقتناء ـ حدوثاً وبقاءً، فيجب إتلافه. هذا بالنسبة إلى صاحب الآنية، وأما غيره: فتارة يعلم أن صاحبه يحرم عليه إقتنائهما إجتهاداً أو تقليداً مع كون الآنية مما هو معلوم المصداقية ولا شك في صدق الآنية عليه، وأخرى يعلم عدم حرمته كذلك إجتهاداً وتقليداً، أو يكون الآنية من الأفراد التي وقع الخلاف فيه ومشكوك كونه آنية، وثالثة لا يعلم شيئاً.
أما في الصورة الأولى فيجب أولاً نهيه عن الإبقاء من باب وجوب النهي عن المنكر، فان إمتنع المالك وتوقف على الكسر يجوز، ثم إذا كسره لا يضمن اليهة لعدم ماليتها شرعاً. نعم لو تلفت المادة ضمن، لإمكان الجمع بين الضمان وجواز الاتلاف أو وجوبه كالأكل في الخمصة، ثم يكون ضامناً للمال مع جواز أكله، بل وجوبه في بعض الصور.
وأما في الصورة الثانية فلايجوز كسره، ووجهها واضح. وكذلك الثالثة، لعدم إحراز حرمة الابقاء، واحتمال أن يكون مالاً محترماً.
[10]. الشبهة: إما موضوعية، أو حكمية، فان كانت من الأول فالأمر كما ذكره في المتن، لعدم شمول أدلة المنع من إستعمالهما أو الأكل والشرب منهما لها، لعدم إحراز موضوع الحكم، فالمرجع أصالة الاباحة. وأما إن كانت من الثاني فلابد له من الرجوع إلى إجتهاده إن كان مجتهداً أو إلى تقليده إن لم يكن كذلك.